صحيفة عاجل:
2025-07-13@00:07:07 GMT

كاتب الرأي والإعلام: الخلط المنهجي

تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT

لفت انتباهي، كمتخصص في الاتصال، إعلان حديث لمنتدى إعلامي يستضيف مجموعة من كتّاب الرأي لمناقشة قضايا إعلامية. ما أثار استغرابي أن معظم الأسماء المشاركة لا تنتمي فعليًا إلى الممارسة الإعلامية، بل جاءت من خلفيات مهنية أخرى، واتخذت من الكتابة في الشأن العام وسيلة للحضور بعد الابتعاد عن تخصصها الأصلي. هذا النمط من المشاركة يثير تساؤلات جادة حول مشروعية تمثيلهم في قضايا تطوير الإعلام، ومدى إدراك المنصات الإعلامية لأدوار الفاعلين الحقيقيين.

وهو ما يفرض علينا مراجعة جادة لمفاهيم المشاركة الإعلامية، وضبط الأدوار تجنبًا لمزيد من التشويش والخلط المهني في المشهد الإعلامي.

ومعظم كتاب الرأي اليوم لجأوا إلى المنصات الإعلامية بعد أن تم تهميشهم وظيفيًا أو بلغوا التقاعد، فاختاروا الكتابة كوسيلة لإعادة تموضعهم ومنح وجودهم شرعية جديدة. وهذا الحضور – رغم خلفياته – له قيمة مضافة، إذ يساهم في تبسيط التخصصات، وتسليط الضوء على قضايا القطاعات المختلفة، ومساعدة المشرّع في كشف مكامن الخلل من خلال مقالات الرأي. لكن رغم أهمية هذا الدور، فإنه لا يُخوّل كاتب الرأي لأن يُعامل كمنظّر إعلامي أو شريك استراتيجي في رسم مستقبل الإعلام، كما يظن البعض عن حسن نية أو عن جهل بوظائف الإعلام المؤسسية.

إن كاتب الرأي بوصفه صاحب رؤية فهو يعبر من خلال هذه الرؤية عن مواقفه الخاصة، ويطرح قضايا الشأن العام من منظوره الفردي. وهذا الدور مشروع وأساسي في البنية الإعلامية، ويُعد من مظاهر التنوع والتعدد في المشهد الصحفي. غير أن الإشكال يبدأ عندما يُزاح هذا الدور عن سياقه الطبيعي، ويُختزل كأنه امتداد لوظائف المؤسسة الإعلامية، أو حين يُحمّل الكاتب مسؤولية تطوير الإعلام وصياغة سياساته. في هذا السياق، يحدث الخلط بين التعبير الشخصي والتأطير المؤسسي، وبين الرأي الذاتي والمنظور المهني المؤسسي.

إن الخلط بين كاتب الرأي والمُنظّر الإعلامي يُمثل إرباكًا في فهم الوظائف الإعلامية، ويقود إلى تصورات مشوشة في أذهان المتلقين، وصناع القرار على حد سواء. فليس كل من كتب مقالًا محكمًا في صحيفة يمكنه تقديم تصورٍ استراتيجيٍ متكامل لتطوير الإعلام، ولا كل من أبدى رأيًا نافذًا يُعد مؤهلًا لصياغة تشريعات إعلامية أو وضع معايير الحوكمة المهنية.

ولذلك نقول إن تطوير الإعلام، بوصفه مشروعًا مؤسسيًا، يحتاج إلى تكامل في الأدوار بين الباحثين، والممارسين، والهيئات التنظيمية، والقطاع الخاص، والجمهور. كما يتطلب اعتماد مناهج تحليلية، وتراكمًا معرفيًا، ونظرة متوازنة تربط بين التقنية، والهوية، والاقتصاد، والمجتمع. أما مقالات الرأي، على أهميتها، فهي غالبًا نتاج لحظة تأمل أو قلق فكري، لا تُلزم سوى كاتبها.

بقي القول وفي ضوء ما سبق، يصبح من الضروري إعادة تعريف أدوار الفاعلين داخل المشهد الإعلامي، والتمييز بين من يكتب من موقع التأمل الشخصي، ومن يعمل من موقع الفعل المهني. فالتقدير الحقيقي لدور كاتب الرأي لا يعني تضخيمه إلى درجة إرباك المشهد المؤسسي، ولا التقليل من أهميته في إثراء النقاش العام. المطلوب اليوم ليس إقصاءً لأي صوت، بل إعادة ضبط لمفاهيم التخصص والمساهمة، بما يضمن للإعلام أن يتطور بأدواته ومهنيّيه، لا بأنصاف الحلول. فصناعة الإعلام لا تُبنى بالمقالات وحدها، بل بالممارسة والخبرة والتراكم المؤسسي الرصين .

حسن النجراني صحفي وأكاديمي

قد يعجبك أيضاًNo stories found.

المصدر: صحيفة عاجل

كلمات دلالية: کاتب الرأی

إقرأ أيضاً:

«السلامة الغذائية» تحتفي بتكريم الفائزين بجائزة إبداع للتميز المؤسسي

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة حاكم عجمان: المجالس بيئة مثالية تعزز الروابط الاجتماعية سعود بن صقر يستقبل قنصل عام نيوزيلندا

احتفلت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية بتكريم الفائزين بالدورة الرابعة من جائزة «إبداع» للتميز المؤسسي لعام 2025، وذلك تقديراً لجهود الموظفين المتميزين وإسهاماتهم في تعزيز ثقافة الابتكار والتميز في بيئة العمل بالهيئة.
شهد الحفل حضور الدكتور طارق أحمد العامري، مدير عام الهيئة بالإنابة، إلى جانب عدد من القيادات والمسؤولين في الهيئة، وممثلي وزارتي الداخلية والتغيير المناخي والبيئة، الذين شاركوا في تقييم المشاركات وفق معايير الجائزة. كما تم خلال الحفل تكريم الفائزين في مختلف الفئات، تقديراً لجهودهم في تحقيق إنجازات نوعية تعكس ريادة الهيئة في مجال الزراعة والسلامة الغذائية.
وأكد الدكتور طارق أحمد العامري في كلمته خلال الحفل أن جائزة «إبداع» تُعد منصة لتعزيز التميز المؤسسي وتحفيز الابتكار بين فرق العمل، بما يتماشى مع رؤية القيادة الرشيدة وتوجيهات سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، رئيس مجلس إدارة الهيئة. 
وأشار إلى أن الجائزة تهدف إلى دعم الأداء المؤسسي وتوثيق مسيرة النجاح، وتعزيز بيئة العمل الإبداعية، مما يجعل التميز ركيزة أساسية في منظومة العمل الحكومي بأبوظبي.

مقالات مشابهة

  • مناقشة كتاب "قياس الرأي العام.. بصيرة المجتمعات" على هامش معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب
  • بورسعيد تحتضن ورشة تدريبية حول تغطية قضايا الأحوال الشخصية من منظور نسوي
  • تجار عمارة الذهب بالسوق العربي الخرطوم يستعدون لمزاولة عملهم
  • كاتب صحفي:تشغيل الفتيات في الحقول قضية إنسانية لم تجد من يحقق فيها إعلاميًا
  • «السلامة الغذائية» تحتفي بتكريم الفائزين بجائزة إبداع للتميز المؤسسي
  • كاتب صحفي: هناك مشكلة عميقة في بنية الإعلام المصري بدأت منذ أحداث يناير 2011
  • «إعلامي حكومة الشارقة» يعزز منظومة التدريب المؤسسي بمشاركة موظفيه
  • اختيار 20 شخصية بارزة لوضع رؤى مستقبلية تدعم المسار المؤسسي لدول إفريقيا
  • برلين.. وزير الإعلام السوري يزور مركز ”iRights Lab” المتخصص في قضايا الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي