صحيفة عاجل:
2025-12-13@03:44:38 GMT

كاتب الرأي والإعلام: الخلط المنهجي

تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT

لفت انتباهي، كمتخصص في الاتصال، إعلان حديث لمنتدى إعلامي يستضيف مجموعة من كتّاب الرأي لمناقشة قضايا إعلامية. ما أثار استغرابي أن معظم الأسماء المشاركة لا تنتمي فعليًا إلى الممارسة الإعلامية، بل جاءت من خلفيات مهنية أخرى، واتخذت من الكتابة في الشأن العام وسيلة للحضور بعد الابتعاد عن تخصصها الأصلي. هذا النمط من المشاركة يثير تساؤلات جادة حول مشروعية تمثيلهم في قضايا تطوير الإعلام، ومدى إدراك المنصات الإعلامية لأدوار الفاعلين الحقيقيين.

وهو ما يفرض علينا مراجعة جادة لمفاهيم المشاركة الإعلامية، وضبط الأدوار تجنبًا لمزيد من التشويش والخلط المهني في المشهد الإعلامي.

ومعظم كتاب الرأي اليوم لجأوا إلى المنصات الإعلامية بعد أن تم تهميشهم وظيفيًا أو بلغوا التقاعد، فاختاروا الكتابة كوسيلة لإعادة تموضعهم ومنح وجودهم شرعية جديدة. وهذا الحضور – رغم خلفياته – له قيمة مضافة، إذ يساهم في تبسيط التخصصات، وتسليط الضوء على قضايا القطاعات المختلفة، ومساعدة المشرّع في كشف مكامن الخلل من خلال مقالات الرأي. لكن رغم أهمية هذا الدور، فإنه لا يُخوّل كاتب الرأي لأن يُعامل كمنظّر إعلامي أو شريك استراتيجي في رسم مستقبل الإعلام، كما يظن البعض عن حسن نية أو عن جهل بوظائف الإعلام المؤسسية.

إن كاتب الرأي بوصفه صاحب رؤية فهو يعبر من خلال هذه الرؤية عن مواقفه الخاصة، ويطرح قضايا الشأن العام من منظوره الفردي. وهذا الدور مشروع وأساسي في البنية الإعلامية، ويُعد من مظاهر التنوع والتعدد في المشهد الصحفي. غير أن الإشكال يبدأ عندما يُزاح هذا الدور عن سياقه الطبيعي، ويُختزل كأنه امتداد لوظائف المؤسسة الإعلامية، أو حين يُحمّل الكاتب مسؤولية تطوير الإعلام وصياغة سياساته. في هذا السياق، يحدث الخلط بين التعبير الشخصي والتأطير المؤسسي، وبين الرأي الذاتي والمنظور المهني المؤسسي.

إن الخلط بين كاتب الرأي والمُنظّر الإعلامي يُمثل إرباكًا في فهم الوظائف الإعلامية، ويقود إلى تصورات مشوشة في أذهان المتلقين، وصناع القرار على حد سواء. فليس كل من كتب مقالًا محكمًا في صحيفة يمكنه تقديم تصورٍ استراتيجيٍ متكامل لتطوير الإعلام، ولا كل من أبدى رأيًا نافذًا يُعد مؤهلًا لصياغة تشريعات إعلامية أو وضع معايير الحوكمة المهنية.

ولذلك نقول إن تطوير الإعلام، بوصفه مشروعًا مؤسسيًا، يحتاج إلى تكامل في الأدوار بين الباحثين، والممارسين، والهيئات التنظيمية، والقطاع الخاص، والجمهور. كما يتطلب اعتماد مناهج تحليلية، وتراكمًا معرفيًا، ونظرة متوازنة تربط بين التقنية، والهوية، والاقتصاد، والمجتمع. أما مقالات الرأي، على أهميتها، فهي غالبًا نتاج لحظة تأمل أو قلق فكري، لا تُلزم سوى كاتبها.

بقي القول وفي ضوء ما سبق، يصبح من الضروري إعادة تعريف أدوار الفاعلين داخل المشهد الإعلامي، والتمييز بين من يكتب من موقع التأمل الشخصي، ومن يعمل من موقع الفعل المهني. فالتقدير الحقيقي لدور كاتب الرأي لا يعني تضخيمه إلى درجة إرباك المشهد المؤسسي، ولا التقليل من أهميته في إثراء النقاش العام. المطلوب اليوم ليس إقصاءً لأي صوت، بل إعادة ضبط لمفاهيم التخصص والمساهمة، بما يضمن للإعلام أن يتطور بأدواته ومهنيّيه، لا بأنصاف الحلول. فصناعة الإعلام لا تُبنى بالمقالات وحدها، بل بالممارسة والخبرة والتراكم المؤسسي الرصين .

حسن النجراني صحفي وأكاديمي

قد يعجبك أيضاًNo stories found.

المصدر: صحيفة عاجل

كلمات دلالية: کاتب الرأی

إقرأ أيضاً:

إعداد قيادات الصف الثاني بـالشورى في الإبداع المؤسسي

نظّمت الأمانة العامة لمجلس الشورى بالتعاون مع مركز التطوير المتكامل للأعمال برنامجًا تدريبًا بعنوان "القيادة الإبداعية لمواكبة "رؤية عُمان 2040م"، بمشاركة عدد من موظفي الأمانة من مختلف التقسيمات الإدارية وذلك على مدى خمسة أيام؛ ويأتي البرنامج في إطار الخطة التدريبية السنوية للمجلس بهدف تطوير الموارد البشرية وتعزيز جاهزية كوادرها للتعامل مع متطلبات التحول المؤسسي وتمكين القيادات الإبداعية.

ويكتسب البرنامج أهمية خاصة كونه يركّز على بناء وتطوير قيادات الصف الثاني، وإكسابهم مهارات عصرية قادرة على التعامل مع التحديات المتغيرة، لا سيما في ظل التوجهات الوطنية المستقبلية التي تتطلب قدرًا عاليًا من الابتكار والقدرة على اتخاذ القرار. ويهدف البرنامج إلى تمكين المشاركين من فهم أعمق لأساليب القيادة الحديثة، وتزويدهم بالمعرفة التي تؤهلهم لقيادة التغيير وتحفيز فرق العمل بما يعزز الأداء المؤسسي.

وتضمّنت الدورة خمسة محاور رئيسية؛ ركّز الأول على مفهوم التحول القيادي ودور القائد في إدارة التغيير في سياق "رؤية عُمان 2040"، مع التعمق في فهم التغيرات المتسارعة ومتطلبات المرحلة المقبلة، إضافة إلى استعراض نماذج عالمية في قيادة التحول مثل نموذج Robert Dilts الذي يُبرز مستويات التغيير من البيئة والسلوك والمهارات وصولًا إلى الهُوية والانتماء، ودورها في تعزيز قدرة القائد على التكيف داخل المنظمات. فيما تناول المحور الثاني الصفات القيادية الفعّالة وأنماط السلوك القيادي، مستندًا إلى نماذج علمية متعددة مثل نموذج John Maxwell الذي يركز على بناء العلاقات والاتجاه الذهني الإيجابي وتجهيز القادة، إلى جانب استعراض مستويات القيادة الخمسة لديه، وأثرها في تمكين القائد من الانتقال من التأثير الرسمي إلى التأثير العميق القائم على التطوير والتمكين.

أما المحور الثالث، فاستعرض مبادئ الابتكار الحكومي وكيفية تطبيق الأدوات الابتكارية في تطوير الخدمات، من خلال الإشارة إلى مجالات الإبداع المؤسسي وأساليبه، والمهارات المطلوبة لخلق بيئة داعمة للابتكار داخل القطاع الحكومي. وتعمّق المحور الرابع في آليات قيادة التغيير وإدارة التحديات خلال مراحل التحول المؤسسي، بالاستناد إلى نماذج عالمية مثل نموذج Kotter ذو الخطوات الثماني لقيادة التغيير، مع تقديم أساليب عملية للتعامل مع مخاوف الموظفين ومقاومة التغيير، وضمان توافقه مع الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة.

في حين أبرز المحور الخامس أهمية اتخاذ القرارات المبنية على تحليل البيانات والمعطيات، مستعرضًا المفاهيم الأساسية لصنع القرار ومراحله، وأدوات تحليل البيانات التي تساعد القادة في تقييم البدائل واختيار الأنسب منها، بما يسهم في تحسين جودة الأداء الإداري ورفع كفاءة العمل المؤسسي.

ويأتي تنظيم هذه الدورة ضمن سلسلة من البرامج النوعية التي تنفذها الأمانة العامة لمجلس الشورى؛ بهدف الارتقاء بالمهارات القيادية والإدارية، بما ينسجم مع توجهات الحكومة نحو تعزيز كفاءة الجهاز الإداري للدولة.

مقالات مشابهة

  • أهلًا بكم في المسرحية الإعلامية الكبرى
  • سفير سلطنة عُمان بتونس يشارك في فعاليات "اليوم الإعلامي" ضمن أيام طرابلس الإعلامية 2025
  • ماذا يجري في حضرموت؟.. كاتب سعودي يهاجم المجلس الإنتقالي ويحمله المسئولية
  • مرقص في زيارة رسمية لطرابلس تشمل الثقافة والإعلام
  • السفير خطابي : لا حوار مع المتعصبين ..ويستعرض الاستراتيجية الإعلامية الجديدة
  • الجامعة العربية: قضايا الإرهاب والتطرف أصبحت ورقة في أيدي الساعين لتشويه هويتنا
  • تعاون مصري - إماراتي لمواجهة التحديات الإعلامية والثورة التكنولوجية
  • إعداد قيادات الصف الثاني بـالشورى في الإبداع المؤسسي
  • انطلاق منتدى طرابلس للاتصال الحكومي ضمن أيام طرابلس الإعلامية
  • كاتب: الرئيس السيسي وجه بضرورة ضمان نزاهة الانتخابات وانعكاس إرادة الناخبين