بوابة الوفد:
2025-10-22@00:04:28 GMT

كثيرة العشاق (48)

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

دافع عن الإسلام وحاول أن يدحض الكثير من الافتراءات التى كتبها بعض الكتاب عن تعدد الزوجات، كما دافع عن حجاب المرأة المسلمة فذكر: «أن العلامة المميزة للمرأة المسلمة والسيدة المسلمة هى المحافظة على الفضائل».

حرص على تعلم اللغة العربية ما مكنه من الاطلاع على التراث الإسلامى وأعجب بتسامحه مع الأديان الأخرى وأكد على تسامح المصريين وإنسانيتهم والوفاق السائد فى مصر بين المسلمين والأقباط واشتراك الجميع فى جميع الاحتفالات الإسلامية والوطنية.

قبل أن يصل الرحالة الفرنسى جيرار دى نرفال، أو جيرار لابرونى إلى القاهرة قام بالاطلاع على العديد من الكتب والوثائق، ولما وصل إلى القاهرة كان يتردد بانتظام على مكتبة أنشأها الفرنسيان بريس دافن والدكتور أبوت، وكان بالمكتبة كتب تتحدث عن مصر، وكانت تلك المكتبة ملتقى المثقفين الأوروبيين فى القاهرة.

كانت رحلته ضرورية لنقاهته الروحية وسعيه لإشباع رغبته القديمة والدفينة للهروب من فرنسا، وكانت مصر وقتها محطة للرحالة والمغامرين والجواسيس الأجانب والذين بدأوا فى التوافد على مصر من الدول الأوروبية وعلى الأخص فرنسا وبريطانيا بعد النهضة التى أحدثها محمد على.

بدأ «لابرونى» رحلته من باريس إلى مصر بالباخرة، وقبل أن ترسو الباخرة فى الميناء يستقبل التراجمة القوارب، ويحاولون الصعود إلى الباخرة لالتقاط الأجانب الراغبين فى اصطحاب تراجمه لمرافقتهم فى رحلتهم داخل البلاد، ومساعدتهم فى التعامل مع رجال الحكومة والأهالى.

وكان «الترجمان» فى ذلك الوقت بمثابة المرشد السياحى للأجنبى، ومن هؤلاء التراجمة صعد الترجمان عبد الله الذى رافق «لابروني» أثناء رحلته فى مصر.

صعد الترجمان عبد الله للباخرة بمجرد وصولها إلى مياه الإسكندرية، ولم يكن من بين القادمين على متن الباخرة ركاب من الإنجليز، وهو ما جعل عبد الله يقبل على مضض مصاحبة الفرنسى «لابرونى»، فقد كانت نظرة التراجمة الى الفرنسيين باعتبارهم أقل شأنا من الإنجليز.

تجول «لابرونى»، مع عبد الله فى الحى اليونانى وحى الأقباط، ولكنه لم يسترح إلى السكن فى قصور الحى اليونانى وانتهى به الأمر إلى بيت تمتلكه قبطية تسكن فى حى الأقباط، كان المنزل يسكنه إنجليزى ورحل عنه، وتم استدعاء شيخ الحى لكتابة العقد، وتسلم مفتاح بيته الخشبى، والذى كان عليه أن يعلقه فى رقبته، وقام بتأثيث بيته بقفص كبير من الجريد، وتم صنع وسائد وأرائك للجلوس، على أن تتحول الوسائد فى الليل الى مراتب للنوم.

بات «لابرونى»، فى منزله الجديد ليلة واحدة، وفى صباح اليوم التالى،جاء شيخ الحى ومعه كاتبه وزنجى يحمل له الغليون، وطلبا منه أن يغادر البيت، ويأخذ نقوده التى دفعها.

ويعد كتاب  «الرحلة إلى الشرق» الذى يحوى مجموعة حكايات، أعدها»لابروني» ببراعة فائقة بعد عودته إلى فرنسا، هو نتاج زيارته لمصر التى استهوته مساجدها أكثر من قبور الفراعنة، وكان يرى أن هناك سرا غامضا وراء نقاب النساء اللائى لا ترى منهن إلا أقراط الأذن ونظرة خفية من عيون سوداء.

يقول «لابروني» إنه فى ليلته الأولى فى القاهرة كاد الحزن أن يقتله، وأن القاهرة أحبطته، عندما بدا يغوص فى الأزقة المعقدة للشوارع الضيقة المتربة عبر زحام المارة بملابسهم المتواضعة، وتكاثر الكلاب والجمال مع اقتراب المساء الذى تهبط ظلاله سريعا بفضل الغبار الذى ينعقد فى السماء وفى أعالى البيوت.

كان لديه شعور بالإهمال والوحدة والسجن، وبأنه مقيد الخطى، ولكن مرور موكب من مواكب الأفراح الصاخبة المضيئة أمامه، فتح له منظورا آخر أنعش روحه.

وأثناء رحلته إلى الشرق ازدادت قناعته بأنّ الحياة الحقيقيّة توجد فى آفاق بعيدة أخرى، ولم تكن رحتله سفرا عاديّا، فطوال مدتها، حاول البحث عن لغة العالم المخفيّة.

حفظ الله مصر وأهلها. 

 

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ندى الافتراءات الوطنية عبد الله

إقرأ أيضاً:

ذِكرى الغيطانى

بالأمس مرّت عشرة أعوام على وفاة الأديب جمال الغيطانى الروائى الذى ثقّف نفسه واستطاع أن يصبح الأديب العالمى الذى يصغى له أساتذة الأدب والنقد والاستشراق بجامعات العالم، قرأ التراث وأفاد منه وأنتج منه، دعوتُ الغيطانى مراتٍ لزيارة قنا وجامعتها وكتَبَ عنّى فى يومياته وفى عموده بالأخبار؛ التقيته فى جامعة بون مرتين بدعوة من المستشرق الألمانى إشتيفان فيلد ودار حوار جاد عن الأدب العربى بينه والألمان، تمشَّينا معا على نهر الراين، كان يرى فيه نهر النيل ويقارن بين هذا وذاك، فى محاضرة ثانية قرأ صفحات من روايته الزينى بركات وراح يفسر للألمان ما وراء النص.. لديه قدرة عجيبة على الكلام بسلاسة وهدوء وإقناع وابتسامة، فى قريتنا العُوَيْضات مضى يمشى فى شوارعها ويرى فيها قريته، قال لى: أن الوجوه التى أراها هى وجوه أعمامى وأخوالى نفسها، دخل مجلس عزاء بقريتنا لأحد أعمامى، وظل مستغرقا وكتب عن ذلك فى يومياته، تخيَّل المتوفى- الذى لا يعرفه- كيف كانت صورته، وكيف تحوم روحه فوق مجلس العزاء.. ذهبنا مرة أخرى مع الإعلامى الأستاذ مصطفى عبدالله إلى ساحة الشيخ الطيب ودار حوار لا أنساه مع الشيخ محمد الطيب والشيخ الدكتور أحمد الطيب كانت الساحة القديمة بجوار معبد حتشبسوت، دار حوار مدهش حول الحضارة الفرعونية والإسلامية، كان من أشد محبى الدكتور أحمد الطيب، مضينا إلى مسرح كلية الآداب ليلتقى بالطلاب الذين حدثوه عن أعماله وكتاباته، التفت إلى فى دهشة وقال لى: كيف وصلت أفكارى إلى أبناء أعمامى هنا؟ وراح يجبيهم ويحاورهم، فى إحدى زياراته كان معه الأديب الأستاذ يوسف القعيد، وعندما توليتُ أمانة المجلس الأعلى للثقافة كان الغيطانى أشد المساندين لى قولاً وكتابة... وعندما اختارته الأسرة الدندراوية برئاسة الأمير هاشم الدندراوى الشخصية المحورية فى المنتدى الثقافى بدندرة بعد وفاته حضر ابنه السفير محمد وفوجئت به يردد فى كلمته قائلا لجموع الحاضرين «إننى أرى فيكم أبى وأعمامى» مضى جمال الغيطانى لكن أعماله الأدبية ومقالاته وسيرته ستبقى. 

مختتم الكلام 

وما كانَ يُبكينى اللقاءُ وإنّما 

وراءَ المُلاقى لاحَ ظِلُّ المُودعِ 

[email protected]

مقالات مشابهة

  • زامير: الحرب لم تنته وأمامنا تحديات كثيرة خاصة في هذه المنطقة
  • وفاة معلم أثناء سير الدراسة بإحدى مدارس شرق القاهرة
  • وفاة كبير معلمين داخل الفصل بمدارس شرق القاهرة والنقابة العامة تنعاه
  • ترامب: لن أرسل جنودا لغزة وهناك دول كثيرة وقعت على اتفاق إنهاء الحرب
  • ترامب: هناك خطوات كثيرة لضمان اتفاق السلام في غزة
  • الطرد خارج الحلبة!!
  • عمادالدين حسين: ترامب مهتم بالأزمة السودانية لإثبات نجاحه في إيقاف حروب كثيرة
  • ذِكرى الغيطانى
  • «مصر.. هبة الله للأرض ومهد الأنبياء والتاريخ»
  • أمام المدارس