لجريدة عمان:
2025-06-23@01:19:22 GMT

التنمية في عُمان وآفاق المستقبل

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

يتجه العالم نحو تسريع تنمية المجتمعات بعد ما عاناه من تحديات اقتصادية وصحية واجتماعية، وما زالت تعانيه الكثير من الدول في ظل الاضطرابات والتحولات الجيوسياسية والبيئية وزيادة الأزمات المرتبطة بالأمن الغذائي على الرغم من الانتعاش الاقتصادي المضطرب، إضافة إلى التحديات الداخلية التي تواجهها الكثير من المجتمعات نتيجة لتلك الاضطرابات والإشكالات.

لذلك فإن التنمية أحد أهم متطلبات المجتمعات، لما تمثِّله من أساس يعزِّز قدرتها على بلوغ الرفاه واستدامته، وتسريع التقدُّم نحو تحقيق الأهداف الوطنية، فمؤشرات أداء الدول تعتمد على ما تقدمه لمجتمعاتها من تطوير وتنمية في كافة القطاعات، وما تمنحه تلك التطورات من فرص للتنمية البشرية وتمكين القدرات التي بوساطتها يمكن البناء والتعمير، والاستدامة وتحقيق الرفاه.

يضع تقرير التنمية العالمي 2023 الصادر عن مركز المعرفة الدولية للتنمية (CIKD)، التنمية (على مفترق الطرق)؛ لما تمثله اليوم من أهمية من ناحية، وما مرَّت به الدول في العالم من تحديات وما زالت تعانيه الكثير منها حتى الآن من ناحية أخرى، ولهذا فإن الدعوة العالمية إلى تسريع التنمية قائمة على تلك الأهمية التي تنطلق من أساس (المنافع للجميع)، والتنمية المدفوعة بالابتكار، والمناهج العلمية التي تنحى نحو التطوير والتعاون والشراكة المجتمعية بين الأفراد والمؤسسات بما يحمي الإنسان والطبيعة معا، ويقدم فرص التنمية الخضراء والتصنيع والاقتصاد الرقمي والاتصالات.

لا تقوم التنمية على التشاركية المجتمعية المحلية وحسب، بل إنها تتطوَّر وفق مفهوم الشراكة من المحلية إلى الإقليمية والعالمية من خلال عوالم التجارة والاستثمار والمساعدة وتبادل المعرفة الإنمائية، بما يعزِّز الازدهار الاقتصادي والاجتماعي، ويسهم في التغلب على التحديات التي يمكن أن تواجه المجتمعات، وتقدِّم لها حلولا مستدامة، ولهذا فإن الدول تحرص على تلك الشراكات الداعمة للعملية التنموية، والقادرة على دفع التوجهات الوطنية والدولية، فالتنمية تعتبر (منفعة عامة) كما يصفها تقرير (CIKD).

إنها منفعة عامة ملتزمة بالانفتاح والشمولية والتوازن والتكثيف والدعوة إلى التعاون والشراكة المعزِّزة، والتعلُّم المتبادل وإثراء المعرفة بالتنمية المستدامة القائمة على المهارات التقنية والصناعية، ولهذا فإن الرؤى الوطنية تقوم في الأساس على مرتكزات التنمية وأهدافها وقيمها، ولا يمكن أن تتمكَّن التنمية من تحقيق تطلعات الرؤى سوى باستخدام المعطيات المحلية والموارد الطبيعية بما يضمن قدرتها على الاستدامة، وتحقيق الرفاه لأفراد المجتمع، باعتباره الهدف الأسمى والغاية التي تسعى إليها برامج التنمية ومبادراتها.

ولقد خطت عُمان خلال السنوات الماضية منذ بداية النهضة المباركة في سبعينات القرن الماضي عبر خططها التنموية المتتالية خطوات متوازنة ومتصاعدة؛ حيث تحققت التنمية وفق المعطيات المحلية والتطلعات العالمية، وها هي اليوم تخطو نحو آفاق رؤيتها الوطنية عُمان 2040، التي ترتكز على أهداف التنمية من خلال برامج ومبادرات مدروسة، وخطط فاعلة، استطاعت من خلالها إيجاد آفاق منافذ للتغلُّب على العديد من التحديات والإشكالات التي واجهتها كما واجهت العالم كله؛ فقد قفزت في السنوات الثلاث الماضية متسارعة الوثبات نحو بناء مجتمع المعرفة في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، إذ نجد ذلك من خلال الكثير من المبادرات والعمل الجماعي المتفرِّد والتشاركية بين مؤسسات المجتمع الحكومية والمدنية والخاصة.

لقد كانت السنوات الماضية شاهدا على ما قدمته عُمان لأبنائها، وما نراه من تقدُّم في العديد من المؤشرات الإقليمية والدولية، وما نتابعه جميعا من تحسُّن في اقتصادات الدولة والاستفادة القصوى من مواردها سواء أكانت الموارد البشرية أو الطبيعية، وما منحته من برامج حماية اجتماعية تعزِّز الحياة الكريمة لأفراد المجتمع، وتُعزِّز رفاههم، إلى غير ذلك من برامج ومبادرات وخطط قائمة على مفاهيم التنمية الحديثة وفق معطيات عالمية منافسة تشهد على قدرة الدولة على تحقيق النمو والتكامل والاستفادة مما تم من نهضة حديثة متسارعة.

يكشف تصنيف (أكثر الدول العربية أمانا وازدهارا للعام 2023)، الصادر عن مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)، أن عُمان قفزت إلى المرتبة الثالثة بين تسع عشرة دولة عربية بعد أن كانت في المرتبة الخامسة في العام الفائت؛ حيث تميَّزت بـ (بيئة مستقرة مع تحسن نسبي لمؤشرات جودة الحياة ونظرة إيجابية ومحفزة)، والتصنيف يرجئ هذه النتيجة إلى الانخفاض الكبير في مؤشرات التهديدات الأمنية ومدركات العنف والجريمة، إضافة إلى التحسن في مؤشرات التنمية البشرية والاجتماعية، وتحسُّن معايير جودة الحياة، مع تدني في معدلات التضخم وتعزيز القدرة الشرائية، مع جهود مكافحة الفساد.

ويضيف تقرير المركز أن جهود عُمان في تعزيز الأمان الوظيفي، وتقليص نسبة البطالة مدفوعا بتوقعات إيجابية لاستمرار نمو الاقتصاد العماني خاصة في القطاعات غير النفطية، قد عزَّز هذه القفزة وأدى إلى نتائج أفضل في مجموعة من مجالات التقرير ومؤشراته، إضافة إلى أن بيئة الأمان قد تحسنت في المجالات التنموية كلها، خاصة فيما يتعلَّق بمتانة الدولة والتنمية البشرية والحريات الفردية والتحوُّل الديمقراطي، مما أدى إلى ارتفاع في مؤشرات الأمان والسلامة والاستقرار السياسي، فلا توجد تهديدات أو مخاطر؛ فـ (سجل عمان يشير إلى صفر تهديدات حسب المؤشر الدولي للإرهاب 2023)، إضافة إلى أنها احتلت المرتبة الثالثة عربيا في مؤشر الاستقرار السياسي للعام نفسه.

إن التنمية في عُمان قائمة على المرتكزات الحضارية والثقافية التي رسَّخت مفاهيم ثقافة التعايش والسلم والأمان، إضافة إلى أن سياسة الحياد التي تتبعها الدولة على المستوى السياسي، مكَّنتها من انخفاض في مستوى الجريمة - حسب ما يشير التصنيف - وجعلها مستقرة وآمنة؛ فهي خارج الصراعات والتوترات التي قد تحدث سواء على مستوى المنطقة أو على المستوى الدولي، إضافة إلى ذلك فإن عمان تتمتع بـ (بنية تحتية من متوسطة إلى جيدة مع توفُّر مرافق السلامة في أغلب الأنشطة التي يزاولها العمانيون والمقيمون).

ولهذا فإن هذا التصنيف وغيره من التصنيفات والتقارير الإقليمية والدولية العديدة تكشف أن عُمان تخطو نحو تحقيق أهداف رؤيتها الوطنية بتطلعات إيجابية قادرة على المضي قدما نحو ترسيخ المفاهيم التنموية ضمن متطلبات الأمان الصحي، والاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي، والثقافي، بما يتطلَّبه ذلك من مقومات دعم وتمكين أفراد المجتمع، ليكونوا فاعلين، ومشاركين في التنمية الوطنية، وقادرين على المضي قدما بناء على ما تقتضيه متطلبات المرحلة المقبلة من حياة الوطن، وما يتطلَّع إليه من ازدهار ورفاه.

فهذه القفزات التي نشهدها في كافة المجالات، إنما تدل على ذلك الحِراك التنموي الضخم الذي يجعل من عُمان طاقة تنموية هائلة، تستطيع بوساطة جودة رأس المال البشري، أن تسرِّع من الوصول إلى أفق الازدهار التنموي، وتحقيق الأهداف، خاصة مع النمو الذي تشهده في تطوُّر القطاع التقني والتحول الرقمي، الذي أسهم في تحسين جودة الخدمات بالقطاعات خاصة تلك المعنية بالتعليم والخدمات، إضافة إلى ما تحقَّق في المجال القانوني ومراجعة السياسات وحوكمتها، بما يضمن الشفافية والعدالة والمصداقية والموثوقية في العمل.

إن عُمان اليوم وعُمان التي نريدها في 2040، إنما تحَّقق بجهودنا جميعا أفرادا ومؤسسات، وبما نقدِّمه من مبادرات وبرامج وخطط تهدف إلى وثبات تنموية وقفزات في كافة المجالات، فهدف التنمية رفاه المجتمع وتطوير خدماته وتحسين اندماج أفراده في مجتمع المعرفة؛ ذلك لأن جهود التنمية كلها تركِّز على البناء والتطوير والتمكين، وهي مرتكزات أساسية ننطلِّق منها نحو وصول عُمان إلى (مصاف الدول المتقدمة).

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من إضافة إلى فی کافة من خلال

إقرأ أيضاً:

مصر تُقلع نحو المستقبل.. توطين صناعة السيارات بخطط طموحة وتقنيات عالمية

في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية والتحديات التي تواجه الدول النامية، تبرز مصر كنموذج يسعى بجدية نحو تحقيق نهضة صناعية حقيقية، يأتي على رأس أولوياتها توطين صناعة السيارات. هذا القطاع الحيوي بات يشكل محورًا مهمًا في الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة التي تتبناها الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كأداة لتحفيز النمو، وتقليل الاعتماد على الخارج، وتعزيز القدرات التصديرية.

شراكة استراتيجية وإنتاج محلي بنسبة 45%

كشف اللواء مختار عبد اللطيف، رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع، عن تحقيق تقدم كبير في مشروع توطين صناعة السيارات في مصر، مشيرًا إلى أنه تم إنتاج سيارة "ستروين C4X" محليًا بنسبة مكون محلي بلغت 45%، وذلك بالتعاون مع مجموعة "ستيلانتس" الفرنسية، من خلال الشركة العربية الأمريكية للسيارات، التابعة للهيئة.

وخلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية لبنى عسل في برنامج "الحياة اليوم"، أوضح عبد اللطيف أن السيارة يتم إنتاجها بفئتين، الأولى بسعر 1.2 مليون جنيه، والثانية (فول أوبشن) بسعر 1.5 مليون جنيه، وتتميز بمحرك تيربو ثلاثي الأسطوانات سعة 1200 سي سي وناقل حركة أوتوماتيكي بـ8 سرعات، ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا ومنافسًا في فئتها.

خطة طموحة لإنتاج 240 ألف سيارة

وتحدث عبد اللطيف عن الخطة المستقبلية للهيئة، التي تستهدف إنتاج 240 ألف سيارة حتى نهاية عام 2031، منها 160 ألفًا للتصدير و80 ألفًا للسوق المحلي. كما أشار إلى أن المشروع سيشهد إطلاق طرازين جديدين بنهاية عام 2026، أحدهما من فئة السيدان والآخر من طراز SUV.

وأكد أن الهيئة تعمل بشكل منهجي على زيادة نسبة المكوّن المحلي تدريجيًا، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إطار السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الفاتورة الاستيرادية، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على أسعار السيارات، ويجعلها أكثر تنافسية مقارنة بالمستوردة بالكامل.

دعم رئاسي مباشر وتوجه نحو التصدير

أوضح اللواء عبد اللطيف أن الرئيس السيسي يتابع هذا الملف عن كثب، حيث تم خلال الاجتماع الأخير مع الرئيس استعراض مستجدات صناعة السيارات ومشروعات التوسع المستقبلية. وشدد عبد اللطيف على أن الهيئة تفتخر بدورها في دعم الدولة على طريق توطين الصناعة، وأنها مستمرة في جهودها لتحقيق نقلة نوعية حقيقية تجعل من مصر لاعبًا مهمًا في سوق السيارات العالمي.


خطوة انتقالية نحو التصنيع الكامل

تسعى مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بناء اقتصاد قوي يعتمد على التصنيع المحلي، ويعد قطاع السيارات أحد الركائز الأساسية في هذه الرؤية الطموحة.

 في هذا السياق، أكد عمر بلبع، رئيس الشعبة العامة للسيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن الاهتمام المتزايد بصناعة السيارات والتوسع في التجميع المحلي يمثلان خطوة استراتيجية مهمة.

التجميع المحلي.. البداية نحو التصنيع الكامل

يرى بلبع أن دعم الدولة لقطاع السيارات والتجميع المحلي، ليس فقط خطوة نحو الاكتفاء الذاتي، بل يمثل مرحلة انتقالية تمهّد للتصنيع الكامل مستقبلاً. وأشار إلى أن تعميق المكوّن المحلي في عمليات التصنيع يسهم في رفع كفاءة الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية، ما ينعكس بشكل مباشر على تحسين الميزان التجاري ودعم العملة المحلية.

فرص عمل وتنمية اقتصادية شاملة

واعتبر بلبع أن قطاع السيارات لا يقتصر فقط على الإنتاج داخل المصانع، بل يمتد ليخلق آلاف فرص العمل في سلاسل التوريد المرتبطة به، مثل قطاع النقل وقطع الغيار والخدمات اللوجستية. وهو ما يسهم بدوره في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتوسيع القاعدة الإنتاجية بشكل متكامل.

مدينة لصناعة السيارات وتوطين التكنولوجيا

وفي خطوة طموحة نحو المستقبل، أشار بلبع إلى توجيهات الرئيس السيسي بإنشاء مدينة متكاملة لصناعة السيارات، والتوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، مؤكدًا أن هذا التوجه يعكس رؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى توطين التكنولوجيا الحديثة وتحفيز منظومة الابتكار في مصر.
 

مصر على أعتاب نهضة صناعية واعدة

اختتم بلبع تصريحاته بالتأكيد على أن مصر الآن تقف على أعتاب مرحلة صناعية جديدة، سيكون لقطاع السيارات فيها دور محوري. فالاستثمار في هذا القطاع لا يقتصر فقط على دعم الاقتصاد، بل يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي لصناعة السيارات في الشرق الأوسط وإفريقيا، ويقربها أكثر من تحقيق حلمها في التنمية المستدامة والاكتفاء الذاتي.


تقف مصر على أعتاب نهضة صناعية واعدة، تضع في قلبها توطين صناعة السيارات كأحد أعمدتها الأساسية. من تصنيع سيارات محلية بجودة أوروبية، إلى خطط تصدير واستثمارات مستقبلية واعدة، تتجه البلاد بخطى واثقة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وخلق فرص عمل وتحسين الميزان التجاري وبفضل الإرادة السياسية والدعم المؤسسي والوعي الشعبي المتزايد، ويمكن لمصر أن تصبح مركزًا إقليميًا لصناعة السيارات، تنطلق منه المركبات المصرية إلى طرقات العالم، محملة بعبق الصناعة الوطنية، وثقة المستقبل.

طباعة شارك مصر السيارات الدولة الاقتصادية الرئيس السيسي تصنيع

مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس الوزراء يدشن الاستراتيجية الوطنية لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة ( 2025- 2030)
  • إضافة المواليد على بطاقات التموين.. طلب إحاطة بشأن تكافل وكرامة والخدمات المتكاملة
  • محمد بن راشد: المكتب التنفيذي ربع قرن من الإنجاز وذراعاً في صنع المستقبل (فيديو)
  • محافظ الجيزة: ضبط 2761 مخالفة تموينية متنوعة خلال شهر
  • البترول: 220 مليون متر مكعب من حقل ظهر في المستقبل
  • وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة تطلق غدا استراتيجيتها الوطنية "2025- 2030"
  • طحنون بن زايد: الأب ركيزة أساسية في بناء المجتمع واستقراره
  • إيران أم إسرائيل؟.. خبير يوضح لـCNN من يستفيد أكثر بإطالة أمد الصراع
  • منافس Galaxy Z Fold 7.. هونر Magic V5 يثبت أن النحافة عنوان المستقبل
  • مصر تُقلع نحو المستقبل.. توطين صناعة السيارات بخطط طموحة وتقنيات عالمية