الدكتور بنطلحة يكتب: عيد الاستقلال.. ملحمة ملك وشعب
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والبحوث حول الصحراء
عيد الاستقلال، مناسبة تحتفل بها أغلب الشعوب بتاريخ استقلالها واستعادة حريتها من استعمار أجنبي أو وصاية خارجية، وتتخذ معظم الدول هذا اليوم عطلة رسمية وطنية، ومن هذه الدول بلادنا المغرب التي تحتفل يوم 18 نونبر من كل عام بعيد الاستقلال، والذي احتُفل به لأول مرة سنة 1956 تخليدا لذكرى عودة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه إلى المغرب، وذلك بعد أن كان منفيا في مدغشقر عندما كان المغرب يرزح تحت الحكم الفرنسي، حيث أعلن الملك الراحل بعد عودته من المنفى استقلال المملكة من الحكم الفرنسي والإسباني الذي دام مدة لـ44 سنة.
إن عيد الاستقلال احتفال بملحمة وطنية تتجدد كل يوم، تجسد مواقف ودروس بليغة وبطولات عظيمة وتضحيات جسام وأمجاد تاريخية خالدة صنعتها ثورة الملك والشعب، حيث خلد المغاربة أروع صور الوطنية والوفاء من أجل عزة الوطن وكرامته والدفاع عن مقدساته.
ومن المعلوم، وكما تذكر ذلك العديد من المصادر التاريخية، فإن من بين الأسباب الرئيسية لتعرض بلدنا المغرب للاستعمار الغاشم أنه ساند الأشقاء في الجزائر حيث أنه، وبعد أن دخل المستعمر الفرنسي الجزائر سنة 1830، لم تجد المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر من سند إلا في أشقائهم بالمغرب وسلطانه الذي احتضنهم وأمدهم بالعتاد والمؤونة، الأمر الذي أثار عليه هجوم الفرنسيين في موقعة إيسلي، وتلك كانت بداية دخول الأجنبي إلى بلاد المغرب.
لقد ذكر الأمير عبد القادر أكثر من مرة في مراسلاته مع العاهل المغربي قيمة الإمدادات المتنوعة التي وردت إليه من فاس ونوه بها، بل كان في فاس مبعوث من الأمير عبد القادر يتولى دور السفير لدى المخزن السلطاني (تاريخ وجدة أنكاد في دوحة الأمجاد لصاحبه الدكتور عبد الحميد العلوي).
لقد بعث السلطان بمحلته، بقيادة ابنه محمد، متوجها إلى الشرق، معلنا الجهاد، كاتبا لولي عهده بالأمر: «فلتكتب لعمال الثغور وعمال القبائل الموالية لها بإظهار القوة الإسلامية والجيوش الإيمانية وعمارة السواحل بالخيل والرماة، فإن ذلك مما يقوي سواد المسلمين ويفت في أعضاء الكافرين». (المصدر: إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، عبد الرحمان بن زيدان).
في الوقت نفسه، اخترق القادة الفرنسيون الحدود المغربية لمطاردة المجاهدين الجزائريين على أراضيه، وبعث القائم بأعمال فرنسا في الجزائر الماريشال بيجو لعامل وجدة يخبره: «سيكون لي الحق في التدخل… لأقنع القبائل المهاجرة الجزائرية بأنها في قبضتي في كل مكان…». (المصدر: مراسلات خاصة ووثائق الماريشال بيجو).
وفي يوم 6 غشت 1844 راسل الماريشال بيجو الأمير المغربي، قائلا: «إنها المرة الأخيرة التي ألتمس فيها منك ردا شافيا وصريحا حول إبعاد عبد القادر من المنطقة، وإن لم أتوصل بالرد الشافي في ظرف أربعة أيام فسأتقدم بجيش لأطالب به». (المصدر: مراسلات خاصة ووثائق الماريشال بيجو).
وبالفعل، لم يرد الأمير المغربي على ذلك المطلب. وفي يوم 14 غشت 1844، تقدمت جيوش الماريشال بيجو في جنح الظلام نحو وجدة، معلنة بداية معركة انكسر فيها الجيش المغربي منهزما أمام تطور السلاح الفرنسي، وبعدها بأشهر وقّع المغرب مكرها معاهدة للامغنية التي مهدت للتوغل الأوروبي في البلاد إلى حين إعلان الحماية الفرنسية سنة 1912.
لقد جسد المغاربة ملحمة وطنية كبرى في المقاومة، حيث قاموا بأكبر التضحيات في التحام رائع بين العرش والشعب، ومن هذه البطولات معارك الهري وأنوال وبوغافر وجبل بادو وسيدي بوعثمان ووادي زم وانتفاضة قبائل آيت باعمران وانتفاضة الشيخ ماء العينين بالأقاليم الصحراوية الجنوبية وغيرها من المحطات التاريخية التي لقن فيها المجاهدون للقوات الاستعمارية دروسا بليغة في الصمود والمقاومة والتضحية. ومن تجليات النضال الوطني: إقدام صفوة من قادة الحركة الوطنية على تقديم وثيقة الاستقلال إلى سلطات الحماية يوم 11 يناير 1944 بتشاور وتنسيق مع المغفور له محمد الخامس، وما أعقب ذلك من ردود فعل عنيفة من السلطات الاستعمارية، حيث تم اعتقال بعض قادة وزعماء ورجال الحركة الوطنية والتنكيل بالمغاربة الذين عبروا عن دعمهم للوثيقة التاريخية، كما نفي ملك البلاد محمد الخامس طيب الله ثراه وأسرته إلى مدغشقر.
إن الاسثتناء المغربي تمثل في ثورة الملك والشعب حيث خلد المغاربة بمداد الفخر والاعتزاز أبهى وأجمل الملاحم في الدفاع عن الوطن وكرامته.
إن الاحتفال بعيد الاستقلال يذكرنا بأن الوطن هو الفضاء الذي نعيش فيه بأمان وحرية وكرامة، يحضن آمالنا وأحلامنا، ويحمي حقوقنا ويصون عرضنا وشرفنا، إنه الأرض التي نفترش ثراها، والروح التي تحوم حولنا، تشاركنا أحزاننا وأفراحنا وتغفر لنا أخطاءنا، إنه الراية التي ترفرف عاليا في السماء لتذكرنا بأننا ننتمي لوطن يحمينا ونستظل بظله، إنه الحضن الدافئ والبلسم الذي يداوي جراح الحياة، إنه يتباهى بنا فردا من أفراده وجنديا على حدوده، إنه الحب الحقيقي والهواء الذي نتنفسه والحرية التي من خلالها نمارس وجودنا كما نشاء… إنه رمز الهوية والتاريخ والعيش المشترك في إطار لحمة وطنية مقدسة، إنه شجرة تنتصب شامخة تكسر العواصف بعضا من أغصانها لتنبت بدلا عنها غابة من أشجار سامقة لا تأبه للرياح…
والوطن ليس كلمة تقال ولكنه ملحمة تعاش، إنه روح ووفاء وسمو وانتماء وولاء…
المصدر: مراكش الان
كلمات دلالية: عبد القادر
إقرأ أيضاً:
مدحت شلبي ينتقد أداء المنتخب بكأس العرب ويطالب باتباع النموذج المغربي والأردني في بناء الأجيال
وجّه المعلق الرياضي المخضرم مدحت شلبي رسالة قوية لاتحاد الكرة المصري خلال تعليقه على مباراة المنتخب الوطني أمام نظيره الأردني، المقامة حاليًا على استاد البيت بقطر ضمن منافسات الجولة الثالثة لبطولة كأس العرب، حيث شدّد على ضرورة تغيير أسلوب الإدارة الكروية في مصر، والابتعاد عن الحلول القصيرة التي تفتقد للرؤية المستقبلية، والتركيز بدلًا من ذلك على تأسيس منظومة طويلة المدى تعتمد على الأكاديميات وصناعة المواهب.
وقال شلبي أثناء تعليقه على المواجهة إن الكرة المصرية في حاجة لإعادة بناء شاملة تبدأ من القواعد، لافتًا إلى أن النجاحات التي حققتها كرة القدم المغربية لم تأتِ صدفة، بل كانت نتيجة مشروع استمر لسنوات طويلة، وعلى رأسه أكاديمية محمد السادس التي وصفها بأنها حجر الأساس في إنتاج جيل جديد من النجوم صنعوا مجد المغرب في المونديال الأخير ووصلوا لأبعد نقطة في تاريخ العرب بكأس العالم.
وأضاف أن التجربة الأردنية تسير على النهج نفسه، حيث أسهمت الأكاديميات هناك في تكوين لاعبين قادرين على المنافسة القارية والعالمية، وهو ما ينعكس في الأداء الذي يقدمه المنتخب الأردني حاليًا داخل المستطيل الأخضر، خاصة في مواجهة مصر التي يتأخر فيها الفراعنة بثنائية دون رد حتى الآن، وسط تراجع واضح في المستوى الفني والبدني للمنتخب الوطني الثاني بقيادة حلمي طولان.
وأكد شلبي أن المنتخب المصري يمتلك خامات بشرية مميزة، لكنها بحاجة لإطار تنظيمي يخدم تطورها، موضحًا أن الاعتماد على حلول وقتية مثل تغيير المدربين أو استدعاء لاعبين جدد دون مشروع حقيقي لن يقدّم كرة مصرية قادرة على العودة للريادة أو المنافسة على البطولات الكبرى.
وأشار إلى أن تطوير الناشئين وتوسيع قاعدة اللاعبين هو الطريق الوحيد لضمان مستقبل أفضل، داعيًا اتحاد الكرة لتبني خطة استراتيجية قد تمتد لعشر سنوات أو أكثر، بحيث يتم إنشاء أكاديميات وطنية بمواصفات احترافية وتوفير بيئات تدريبية حديثة على غرار ما حدث في المغرب والأردن.
وختم شلبي حديثه قائلاً إن ما يحدث اليوم على أرض الملعب هو نتيجة طبيعية لسنوات من غياب التخطيط، مؤكداً أن مصر لا ينقصها الجمهور ولا الشغف ولا المواهب، لكنها تحتاج إلى فكر جديد يبني ولا يرقع، يصنع اللاعب قبل النجومية لا بعدها، ويعيد للكرة المصرية مكانتها التي لا تليق إلا بالقمة.