سيلفان فيريرا يكتب: التخلى عن أوكرانيا؟.. واشنطن تمارس ضغوطا على كييف لإيجاد حل دبلوماسى للحرب.. وزيلينسكى يواجه أزمات داخلية
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
فولاديمير زيلينسكى
فى الوقت الذى يستمر فيه الهجوم الروسى على عدة أماكن على الجبهة دون انقطاع، لا سيما فى قطاع أفدييفكا، يبدو وضع الرئيس زيلينسكى والحكومة الأوكرانية محفوفًا بالمخاطر بشكل متزايد.. وبعد التصريحات المتشائمة للغاية للجنرال زالوزنى فى مجلة الإيكونوميست، والتأجيل غير المحدود للانتخابات الرئاسية التى كان من المقرر إجراؤها فى البداية العام المقبل، اتهمت صحيفة واشنطن بوست كييف بالقيام بدور نشط فى الهجوم على خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم.
الفشل العسكري
بعد أكثر من ١٩ شهرًا من الدعاية المكثفة فى جميع وسائل الإعلام الغربية، أصبح فشل الجيش الأوكرانى فى قدرته على استعادة الأراضى المفقودة فى غضون أيام قليلة فى نهاية فبراير وبداية مارس ٢٠٢٢ يتصدر عناوين الأخبار ولم يعد الخبراء العسكريون على أجهزة التليفزيون يعرفون كيف يعترفون بذلك دون المزيد من تشويه سمعتهم! الشخص المسئول عن هذا التحول الإعلامي: القائد العام للجيش الأوكراني، الجنرال فاليرى زالوزنى نفسه، الذى رسم صورة متشائمة عن وضع جيشه، الذى تحاصره الدفاعات الروسية فى كل مكان على الجبهة، والذى نجح هجومه المضاد فى صد هجومه المضاد.. لقد فشلت العمليات العسكرية التى بدأت فى الرابع من يونيو فشلًا ذريعًا فى تحقيق أدنى هدف عملي. علاوة على ذلك، ومن دون إعطاء أرقام، يؤكد زالوزنى ما أكده العديد من المراقبين المتخصصين فى وحدة الاستخبارات مفتوحة المصدر على الأقل منذ سقوط باخموت: إن المخزون الديموغرافى فى أوكرانيا ينضب إلى درجة أن زالوزنى يتساءل عما إذا كان من الممكن أن ينتهى الأمر بغياب الرجال لقيادة معركة الاستنزاف التى ستقود إليها أوكرانيا. لقد أخضع الروس الجيش الأوكرانى بلا هوادة منذ نهاية ربيع عام ٢٠٢٢، مطبقين حرفيًا التوصيات العقائدية التى قدمها ألكسندر سفيتشين، الخبير الحربى الشهير.
وفقًا لمصادر فى وحدة الاستخبارات مفتوحة المصدر OSINT ، فإن ضحايا جيش كييف اليوم سيصل إلى ٣٠٠٠٠٠ قتيل، فى حين أن الخسائر الروسية ستصل إلى ٣٥٠٠٠ قتيل على الأقل وفقًا لوسائل الإعلام الروسية المعارضة فى المنفى ميدوزا. وتم تأكيد هذه النسبة من ١ إلى ١٠ من خلال الاستخدام المكثف للمدفعية من قبل الروس لوقف الهجمات الأوكرانية من ناحية، ومن ناحية أخرى لإعداد هجماتهم الخاصة عن طريق سحق الأوكرانيين تحت طوفان كامل من النيران وقنابل VKSوعلى الجبهة، يأخذ الجيش الروسى زمام المبادرة فى ثلاثة قطاعات كبيرة: فى الشمال بين كوبيانسك وكريمينا، وحول باخموت وبالطبع فى أفدييفكا.
الفشل السياسي
وعلى صعيد السياسة الداخلية، يجد زيلينسكى نفسه فى مواجهة ما يصفه البعض بالتمرد داخل الجيش، لدرجة أنه، فى مواجهة هذه المعارضة، قرر يوم الإثنين ٦ نوفمبر تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل إلى أجل غير مسمى، وذلك بحجة أنه بسبب الحرب لن يكون من الممكن تنظيمهم بشكل صحيح. علاوة على ذلك، يبدو أن فكرة ترشح زالوزنى لهذه الانتخابات تطرح مشكلة تتجاوز مجرد الخلاف بين السلطة التنفيذية والجيش. علاوة على ذلك، أعلن مرشح محتمل آخر، أوليسكسى أريستوفيتش مستشار زيلينسكي، أنه فى حالة انتخابه، سيعلق جميع الأعمال الهجومية و"يجمد" الصراع على النموذج الكورى للهدنة دون معاهدة سلام. فى مواجهة هذا التهديد المزدوج، نفهم سبب تفضيل زيلينسكى تأجيل هزيمته الانتخابية المحتملة على الرغم من أنه تم انتخابه على أساس برنامج لصالح السلام مع جمهوريات دونباس الانفصالية قبل أن يغير سياسته بالكامل بمجرد انتخابه؛ لكن الإعلان عن هذا التأجيل لا يبدو كافيا لطمأنة زيلينسكى وعائلته، ففى اليوم التالي، ٧ نوفمبر، قُتل أحد نواب زالوزنى الرئيسيين، الرائد جينادى تشاستياكوف، فى انفجار طرد مفخخ (مع قنبلة يدوية) أرسل إلى منزله بمناسبة عيد ميلاده الـ٣٩.
فى بلد يعانى من الفساد وأساليب المافيا، يبدو هذا الهجوم وكأنه رسالة مرسلة إلى زالوزنى من أعلى مستويات السلطة لإجباره على الاستسلام. أخيرًا، ولجعل الأمور أكثر سوءًا بالنسبة للوضع الداخلي، تخبرنا قناة إن بى سى نيوز الأمريكية أن واشنطن تمارس المزيد والمزيد من الضغوط على كييف لإيجاد حل دبلوماسى للحرب التى لم يعد الأمريكيون قادرين عليها، ولا يريدون تمويلها بل الأولوية بالنسبة لهم حاليا هى إسرائيل ومنطقة المحيطين الهادئ والهندى كما إن الرحلة التى قامت بها المفوضة فون دير لاين، والتى حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، كانت تهدف فقط، دون جدوى، إلى إعادة التوازن إلى وضع عزلة زيلينسكى من خلال الإشارة مرة أخرى إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بينما أعلنت المجر بالفعل أنها ستعارض دخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
الفشل الإعلامي
أحدث رمز للتخلى المستمر عن "الجندي" زيلينسكي، مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست بتاريخ ١١ نوفمبر يوضح أن الأمريكيين يعرفون أن العقيد رومان تشيرفينسكى من القوات الخاصة الأوكرانية هو الذى خطط وأشرف على الهجمات ضد خطى أنابيب الغاز نورد ستريم فى ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٢. ويزعم المقال أنه كان ينفذ تعليمات زالوزنى ومساعديه على الرغم من التحفظات الأمريكية المختلفة حول هذا الملف. وإذا كان هذا الكشف يشكل ضربة قوية للأخبار التى تم الترويج لها على كل القنوات الإخبارية المتواصلة فى الغرب من قِبَل أشخاص بلا ضمير لأكثر من عام، فلا ينبغى لنا أن نأخذ الأمر على محمل الجدية ما تم تداوله عمن يقف وراء هذه الهجمات. وإذا كان بوسعنا أن نتصور بسهولة أن قيادة العمليات يمكن أن يتم اسنادها إلى ضابط أوكرانى كبير، فإن الوسائل المادية لتنفيذها لا يمكن أن تأتى إلا من جيوش الناتو، وهى جيوش لا تتمتع باستقلالية القرار والعمل دون موافقة واشنطن. ويُضاف إلى هذا الكشف الأشخاص الذين نصبوا أنفسهم خبراء واحتلوا شاشات التليفزيون منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢؛ من بيير سيرفينت إلى الجنرال ياكوفليف، يحاول الجميع اليوم جعلنا نعتقد أنهم حذروا من الفشل العسكرى لأوكرانيا، بينما أمضوا ساعات فى محاولة إقناع الجمهور الفرنسى بأن أوكرانيا تمتلك الوسائل العسكرية لاستعادة دونباس وشبه جزيرة القرم لأن الجيش الروسى كان جيشًا غير كفء.
الخلاصة
ومع ذلك، فإن التطور العام للوضع على أسس عسكرية وسياسية وإعلامية لا يترك مجالًا للشك اليوم بشأن الهزيمة النهائية لأوكرانيا ورئيسها، ولكن أيضًا وقبل كل شيء لحلف شمال الأطلسى وواشنطن، الأبوين الروحيين لنظام كييف. لم يكن الوقت فى صالح أوكرانيا منذ إطلاق العملية العسكرية الخاصة، والآن أصبحت حليفة موسكو التى لا تتزعزع والتى ليس عليها سوى انتظار ظهور الجبهة الداخلية و/أو الخارجية، تنهار لتحقيق نصر مدوٍ على الغرب الجماعي. والتي، مثل الرايخ الثالث قبل ٨٠ عامًا، قللت بشكل خطير من قدرة شعوب الاتحاد الروسى على الصمود.
سيلفان فيريرا: حائز على درجة الماجستير فى التاريخ.. وهو مؤرخ متخصص فى فن الحرب فى العصر الحديث.. وصحفى مستقل له تاريخ حافل فى التدريب وإدارة الأحداث والتحرير والخطابة والكتابة الإبداعية.. ألّف العديد من الكتب المرجعية عن الحرب العالمية والحرب الأهلية.. وهو أيضًا مستشار لسلسلة وثائقية تليفزيونية.. يكتب حول الأزمة التى تواجهها أوكرانيا بعد بروز دلائل عديدة على فشل الهجوم المضاد، إلى جانب الفشل على المستويين السياسى والإعلامى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سيلفان فيريرا كييف زيلينسكي أوكرانيا وسائل الإعلام الغربية
إقرأ أيضاً:
فعلتها مصر
قمة شرم الشيخ للسلام، لم تكن مجرد اجتماع سياسى عابر، بل خطوة تاريخية يتردد صداها فى أرجاء المعمورة.
من قلب مدينة السلام، انطلقت رسالة مصرية عميقة، واضحة وقوية، مفادها بأن زمن الصراع قد آن له أن ينتهى، وحان وقت وقف نزيف الدم المستمر لعقود.
اليوم، وبعد أكثر من قرن من الحروب والمعاناة التى أثقلت كاهل الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال، استطاعت مصر أن تحقق ما بدا مستحيلًا حتى على القوى الكبرى.
جمعت الخصوم والفرقاء بحنكة ودراية على طاولة واحدة، ورسمت ملامح شرق أوسط جديد يرتكز على الحوار بدلًا من العداء، وعلى البناء لا الهدم.
أعين العالم جميعها كانت شاخصة نحو القمة، التى لم تكن مجرد تجمع دبلوماسى عابر، بل تحولت إلى حدث إنسانى محورى وتاريخى.
حدث أضاء بارقة أمل لملايين العائلات الفلسطينية التى أنهكتها سنوات طويلة من الحرب والتشرد.
وفى لحظة استثنائية ومليئة بالتأثير، شهد الجميع إعلان اتفاق السلام بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلى، اتفاق شامل جاء برعاية مصرية خالصة، يضع حدا دائما لإطلاق النار، ويفتح المعابر المغلقة منذ زمن طويل، ويطلق مشروعات إعادة إعمار غزة، ويتيح للنازحين العودة إلى ديارهم.
هذا الاتفاق اعتبره المحللون أعظم إنجاز دبلوماسى فى السنوات الأخيرة، حيث وفر فرصة لإعادة صياغة مسار العلاقات الدولية فى الشرق الأوسط.
وأعاد لمصر مكانتها البارزة كقوة دافعة نحو السلام، ومسئولة عن حماية الضمير الإنسانى بعدما فقد العالم ثقته بقدرة السياسة على تحقيق العدالة.
مصر، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أثبتت مرة أخرى أنها أمة تقترن أفعالها بأقوالها.
لم تفرض القاهرة حلولًا أحادية، بل حرصت على بناء توافقات شاملة تخدم المنطقة بأكملها، واستطاع الرئيس السيسى بفضل حكمته وإصراره وشجاعته السياسية، أن يطفئ جذور الفتنة المشتعلة لعقود، ليثبت للعالم أجمع أن السلام ليس حلمًا بعيد المنال، بل خيار حقيقى يتطلب إرادة قوية ورؤية واضحة ومسئولية شجاعة.
اليوم، تقف مصر فى مقدمة المشهد العالمى مرة أخرى، ليس فقط كوسيط أو لاعب رئيسى، بل كرائدة حقيقية أعادت صياغة مفهوم السلام فى ظل عالم متخم بالعنف والانقسامات.
شرم الشيخ لم تكن مكانًا عاديًا لاجتماع دبلوماسى فحسب، بل صارت رمزًا لتاريخ جديد يُكتب ولشرق أوسط مختلف يستعيد قيمته الإنسانية وبريقه الحضارى.
وهكذا تُغلق فصول الألم والمآسى تدريجيًا بفضل هذه الجهود الجبارة، لتعود مصر مجددًا منارة للأمل ونافذة للسلام.
من هذه الأرض الطيبة ارتفع نداء العقل والحكمة؛ فاستجاب العالم لصوت مصر الذى يحمل إرث التاريخ وثقل الحاضر وحلم المستقبل.
باختصار.. فعلتها مصر رغم أن الطريق كان محفوفًا بالمخاطر، والضغوط كانت فوق الاحتمال، والتحديات كانت كجبال من النار.
فعلتها وهى تُدرك أن السلام ليس طريقًا مفروشًا بالورود، بل معركة من نوع آخر، تنتصر فيها الحكمة على العناد، والضمير على المصالح، والإنسان على الكراهية.
فعلتها مصر لأنها تحمل على عاتقها قضية الأمة وضميرها الحى، لم تساوم، لم تفرّط، ولم تخشَ إلا الله والتاريخ.
وقفت شامخة أمام العواصف، مدافعة عن حق الفلسطينى فى الحياة، وعن كرامة الإنسان فى مواجهة آلة الحرب.
فعلتها مصر لأنها لا تعرف المستحيل، ولأن فى قلبها إيمانًا لا يموت بأن من يصنع السلام أعظم ممن يخوض الحروب.
فى زمنٍ فقد فيه العالم صوته الإنسانى، كانت القاهرة وحدها تقول: كفى دماء.. كفى موتا.. كفى وجعًا.
[email protected]