الوطن:
2025-12-13@18:41:37 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. مقومات الإسلام (6)

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. مقومات الإسلام (6)

المعجزة: أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على أيدى الأنبياء تأييداً لدعواهم النبوة، فهى تبرهن على أنهم مؤيدون من قبَل من لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء.

وكان من فضل الله على خلقه أن جعل معجزات الأنبياء من جنس ما برع فيه أقوامهم؛ ليكون هذا أدل على صدقهم، وأدعى إلى تصديقهم، فمثلاً سيدنا عيسى، عليه السلام، لما برع من بُعث إليهم فى الطب أيده الله تعالى بمعجزات خارقة يعجز أطباء قومه عنها، فصار يداوى المرضى الذين عجز أطباء ذلك الزمن عن مداواتهم كالأبرص والأكمه -وهو من يولد أعمى- إضافة إلى تأييده بمعجزة إحياء الموتى، والنفخ فى صورة طائر من طين فيصير طيراً حقيقياً {أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49].

وكذلك أيد سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعدد كبير من المعجزات الحسية، كانشقاق القمر، حين سأله أهل مكة معجزة لتصديقه، فلما رأوا القمر منشقاً ادّعوا أن هذا سحر، فقال رجل منهم: فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا، فأتوا، فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك، فأنزل الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1، 2].

ومثل هذه المعجزات لا يؤمن بها أهل زماننا لمعاينتها وإنما لثبوتها عن طريق الخبر الصادق الذى ليس فيه أدنى ريب، ولما كان سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مبعوثاً للعالمين كان لا بد من معجزة باقية، وليس هذا من شأن المعجزات الحسية، لذا كانت معجزة عقلية، وهى القرآن الكريم الذى تعددت وجوه إعجازه، فأخبر عن أمور تاريخية لا يتسير الوقوف على دقائقها، إضافة إلى إخباره بأمور مستقبلية جاءت مطابقة لما أخبر به، ثم هو بهذه الألفاظ المحفوظة لم يجد البشر أى معارضة بين آياته وبين ما يقفون عليه من حقائق ثابتة، كما أنه فى تشريعاته ليس مقيداً بزمان معين أو بمكان محدد، بل هو مجاوز لحدود الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.

ومن أهم وجوه إعجازه عجز العرب -وهم أهل فصاحة وبلاغة- عن معارضته، وقد تحداهم فى أن يأتوا بمثله {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88]، أو بعشر سور مثله {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13]، أو بسورةٍ واحدةٍ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38]، ولا ريب أن الكلام أسهل من القتال، فلما اختاروا سبيل القتال دل هذا على عجزهم التام عن معارضته.

وحتى يظل هذا الوجه الإعجازى حياً لا بد من الاهتمام بدراسة اللغة العربية التى بها نقف على مفارقة القرآن الكريم لكلام البشر مهما ارتقوا فى سُلَّم البلاغة، فاللغة من هذا المنطلق ليست فقط منطق تفكير، وأداة حضارة، وأساس هوية، بل هى برهان الرسالة الخاتمة، ودليل صدق كتابها

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مقومات الإسلام المعجزة الأنبياء والرسل السماء والأرض

إقرأ أيضاً:

خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول قيمة الوقت في الإسلام.

نعم الله لا تعد ولا تحصى

قال الدكتور عبد الفتاح العواري، إن نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى يقول تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وأول هذه النعم التي أنهم الله تعالى على الإنسان أن أوجده من العدم وسواه وأحسن خلقه، وركبه في أحسن صورة، فجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فأصبح إنساناً مكرماً أتت من أجله الشرائع، وأرسل الله بها الرسل حتى لا يترك الإنسان في الحياة هملاً، ولا يدعه سدىً، فالإنسان مكرم وهو غالي على خالقه ومولاه، ومن هنا اعتنى به خلقاً وتنشئةً وتربيةً.

وأوضح أن الله تبارك وتعالى سخر للإنسان الكون كله، وأسبغ عليه نِعمهُ ظاهرة وباطنه، فالإنسان مركز دائرة الكون؛ الكل في خدمته يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. هكذا قال المولى عزَّ وجلَّ، ونطق به كتابه، لكن وعينا وإدراكنا قد أصيب بالشلل فتعطلت وظائفه، فلم يدرك هذا الإنسان المكرم فضل الله عليه، ونعمه التي حباه بها، فكان لابد من تنبيهه وإيقاظه من غفلته، فتتلى عليه آياته التنزيلية لتلفت نظره إلى آيات الله الكونية، لعله يفوق من غفلته ويتوب ويعود إلى رشده.

نعمة الوقت والزمن

وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن، وأوجد له الزمن ليرقب ما هو مطلوب منه في أمور معاشه، وتحقيق مصالحه وما تحتاجه حياته في دنياه، كما أوجد له الزمن فربط به جميع تكاليفه التي هو مطالب بها يؤديها ويقوم بها، فجميع التكاليف من صلاة وزكاة وصوم وحج، كل هذه العبادات إنما هي مرتبطة بزمن، وتقع من الإنسان في زمن فلا يمكنه أن يخرج شيء منها دون ارتباط بزمن ووقت.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وواصل: يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي يخلف بعضهم بعضاً. يأتي النهار فيخلفه الليل، ويأتي الليل فيخلفه النهار. ذلك لمن أراد أن يتذكر ويتأمل ويتدبر في دلائل قدرة من أوجده من العدم، وفي عظمة قدرة من يقول للشيء كن فيكون. يتنبه الإنسان فيعرف نعم ربه عليه بالزمن فيشكره ويثني عليه بما هو أهله، فهو صاحب النعم وصاحب الفضل على الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. محى الله آية الليل بالظلام وعدم الوضوح، ليسكن الإنسان ويستريح. وجعل آية النهار مبصرة ليسعى فيها الإنسان ويحقق معاشه، ويؤدي واجباته التي كُلِفَ بها. فإذا لم يؤديها، فليس له حق.

وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الله أوجد للإنسان نعمة النهار مبصرة منتشرة الضياء تطلع شمسها فيسعى الناس في جنبات الأرض محصلين أمر معاشهم قائمين بمصالحهم ليس سوى لحكمة وهي أن يبتغي الإنسان الفضل من ربه في كل ما يحقق له مصالح الدنيا، فهو ليس قاصر على شيء دون شيء. ومن هنا أتى التعبير نكرة ليعم الجميع، وكذلك ليعلم الإنسان عدد السنين والحساب.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وأكد خطيب الجامع الأزهر أهمية أن يحاسب  الإنسان نفسه ويسألها ماذا قدمت؟ وما الذي حققته؟ حينما تعود إلى رب كريم يُوقفها للحساب، أقسم المولى عز وجل بالزمن ليلاً ونهاراً، ضحاً وعصراً، حتى يعلم الإنسان قيمته، المتأمل في كتاب الله يرى القسم، والله لا يقسم إلا بعظيم. فهل وعى الإنسان ذلك وهو يقرأ كتاب الله الذي أنزله من أجله، وجعل نبياً من أنبيائه يبلغه آياته؟ ماذا فعل في هذا الزمن؟ ماذا لو ترك الله الإنسان بلا تعاقب في الزمن فيعيش هكذا؟ لو جعل الله الزمن متساوق غير متفاوت، ماذا كان يصنع الإنسان؟ يقول تعالى مخاطباً عباده: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾. من غير الله يأتينا بضياء! هلا سمعنا ووعينا، ومن غيره يأتينا بليل نسكن فيه.

ودعا الدكتور العواري أولي الأبصار إلى التدبر والتأمل في نعمة الوقت ونعمة الزمن. فهو عمر الإنسان وسيُسأل عنه يوم القيامة. يقول النبي ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، ويقول أيضاً: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، الغبن معناه الغفلة وعدم الوعي. الإنسان في تيه غير مستيقظ، والنعمة محيطة به.

وشدد على أننا في حاجة ماسة إلى أن نستيقظ من غفلتنا، فقد فات الكثير من العمر وما بقي إلا القليل. علينا أن نحدث مع الله توبة، وإليه أوبة ورجوع، حتى يتقبل منا ما تبقى من زماننا ووقتنا، ونعود إليه وهو راض عنا. فنعمة الزمن ونعمة الوقت حينما يراجع الإنسان نفسه يوقن يقيناً تاماً أنه قد فرط في هذه النعمة وأهدرها وضيعها، ومضى من عمره الكثير في اللهو واللعب، دون إدراك منه أن الزمن هو عمره، وأن الوقت هو حياته. يقول تقي الدين الحسن البصري رضي الله عنه: "اعلم أن الوقت عمرك، فإن ضاع يوم ضاع بعضك". فابن العشر سنين غداً لا يمكن أن يكون ابن عشر، وابن الثلاثين لا يمكن أن يكون غداً ابن الثلاثين. موصياً الجميع بضرورة أن يعاهدوا ربهم، وأن ينتبهوا إلى ما تبقى من عمرهم، وألا يضيعوا زمنهم سدى، فالله سوف يسألنا جميعاً ويحاسبنا على نعمة الزمن.

طباعة شارك خطيب الجامع الأزهر الجامع الأزهر الأزهر عبدالفتاح العوارى قيمة الوقت في الإسلام الإسلام

مقالات مشابهة

  • تعرف على شرح حديث "قل آمنت بالله ثم استقم"
  • ما حكم من نسى الاغتسال قبل دخول مكة المكرمة؟.. علي جمعة يجيب
  • اعتقاد خاطئ عن آية وأما بنعمة ربك فحدث
  • ما سر قل أعوذ برب الفلق؟.. علي جمعة: تحصنك من 8 شرور مهلكة
  • هل حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره
  • خمسُ كاملاتٍ أوقفتْ المعجزات
  • ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح
  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • خطيب المسجد الحرام يؤكد فضل صفة الرجولة في دعم المجتمع
  • حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء.. الإفتاء تجيب