بقلم: إسماعيل الحلوتي

طالما تساءلت كغيري من المغاربة الذين تتاح لهم أحيانا فرصة تتبع بعض الجلسات العمومية للأسئلة الشفوية بمجلسي البرلمان عبر التلفزيون أو أشغال اللجان على الصحف الورقية والإلكترونية، حول ما إذا كان دور البرلماني ينحصر وفق ما ينص عليه الفصل 70 من الدستور، في تشريع القوانين ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، وأن عليه إعطاء القدوة من حيث التحلي بقيم النزاهة والاستقامة واحترام الغير مهما اختلف معهم في الرأي، والترافع عن أهم القضايا التي تهم البلاد والعباد، أم في تحويل فضاء البرلمان إلى مسرح لإنتاج المهازل والانخراط في الصراعات السياسوية، وغيرها من العبث السياسي في طرح مواضيع بعيدة عن هموم وانشغالات المواطنات والمواطنين.

وإذا كان المواطنون قد اكتشفوا ولو بشكل متأخر زيف ادعاءات حزب العدالة والتنمية وأمينه العام عبد الإله ابن كيران، الذي اتخذ رفقة باقي قيادييه من الدين وازدواجية الخطاب مطية لبلوغ مربع السلطة وقيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، دون أن يكون قادرا على الوفاء بوعوده في تحسين ظروف عيش المواطنين والحد من معدلات الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية ومحاربة مختلف أشكال الفساد، مما جعلهم يعاقبونه في الاستحقاقات الانتخابية التي جرت يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021، حيث تقهقر الحزب من الرتبة الأولى ب"125" مقعدا بمجلس النواب إلى الرتبة الثامنة ب"13" مقعدا فقط. ولم يعطوا كبير اهتمام لتصريحات أحد أعضائه في مجلس المستشارين، عند استنكاره لاستمرار بيع الخمور للمسلمين.

فإنهم فوجئوا بما تضمنته بعض قصاصات الأخبار من كون وزير السياحة الأسبق والمستشار البرلماني عن الفريق الاستقلالي حاليا لحسن حداد، طالب الحكومة بمراجعة قانون بيع الخمور أثناء المناقشة التفصيلية لمشروع قانون المالية برسم سنة 2024 في اجتماع لجنة التخطيط والمالية المنعقد يوم الخميس 23 نونبر 2023 بمجلس المستشارين، وخاصة عند إثارة موضوع الضريبة الداخلية على استهلاك الخمور والمواد الكحولية، حيث أشار إلى أن منع بيع المشروبات الكحولية للمغاربة المسلمين أو منحها لهم بالمجان، يعود إلى البند 28 من الظهير الصادر عام 1967، داعيا إلى فتح نقاش صريح حول تجريم القانون الجنائي لاستهلاك الخمور والعمل على تقنينه، مبررا طلبه بكون غالبية مستهلكي الخمور هم مغاربة، وأنه يجب القطع مع "النفاق الاجتماعي".

إذ أن المستشار حداد الذي صرح في أحد البرامج الإذاعية بأن استفادة ابن كيران من معاش استثنائي بقيمة 70 ألف درهم أمر مستحق لما يملكه من أسرار الدولة، دعا في تعارض مع توجهات حزب الاستقلال المحافظة، أمام وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح والوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، بشكل استفزازي إلى الكف عما أسماه "نفاقا اجتماعيا" والعمل على توزيع عادل لبيع الخمور، وذلك عبر الترخيص ببيعها بالتساوي في جميع مدن المغرب وتشجيع الإنتاج المحلي، ملمحا إلى حرمان بعض المدن منذ الثمانينات، مثل مدينة أبي الجعد مسقط رأسه المحاطة بالزوايا والأضرحة، ومطالبا برفع "الفيتو" عنها، مبررا ذلك بأن ترويجه كان يذر أرباحا مهمة على خزينة الدولة، بدل ان يدعو إلى التوزيع العادل للثروة، وربط القرى النائية بالماء الصالح للشرب وغيره من الحاجيات الضرورية، حتى تستفيد عديد المناطق المنسية على قدم المساواة من ثمار التنمية.

وأضاف المستشار الاستقلالي لحسن حداد بأن الزيادة في الضريبة على الخمور من شأنها الإسهام في ازدهار ظاهرتي التهريب والصناعة التقليدية، مؤكدا على أن الاستهلاك السنوي بلغ 100 مليون لتر بالنسبة للجعة "البيرة" وزهاء 14 مليون قنينة خمر، منبها إلى أن تضريب هذه المنتوجات سيؤدي لا محالة بالمستهلك البسيط إلى منتوجات أخرى غير صحية، كما هو الحال بالنسبة لما تعرفه عدة أحياء شعبية وأرياف من تفشي ظاهرة صناعة وترويج "الماحيا"، وكذلك إلى تشجيع القطاع غير المهيكل.

والأدهى من ذلك هو أنه ليس وحده المستشار البرلماني حداد من يطالب بالترخيص ببيع الخمور للمغاربة، بل سانده في ذلك مستشار برلماني آخر، وهو المدعو محمد بنفقيه عن مجموعة العدالة الاجتماعية، الذي انقلب على حزبه السابق "العدالة والتنمية"، حيث دعا إلى عدم إثقال كاهل البسطاء بالزيادات في الخمور ولا بإخضاع بيعها لأي ترخيص، مادمنا نعيش في دولة ليبرالية وحداثية، وأنه من حق أي كان يريد احتساء الخمر أن يفعل بدون قيود، مشيرا إلى أن الكثير من المتابعين أمام المحاكم اليوم، هم ممن تتصيدهم الشرطة قرب محلات بيع الخمور...

صحيح أن البرلماني بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين ليس له أي دور مباشر في التنمية المحلية ولا يملك أي صلاحية في تدبير الشأن المحلي، على اعتبار أن الأمر موكول للمجالس المحلية التي لها كامل السلطة في تدبير الشأن المحلي، لكن هذا لا يمنع من أن يساهم في التنمية المحلية من خلال توجيه أسئلة حول واقع الاختلالات التي تعرفها بعض القطاعات على المستوى المحلي، ومن ضمنها حالة المؤسسات التعليمية والمستشفيات من حيث ضعف التجهيزات المادية وقلة الموارد البشرية، أو على مستوى النقل وتدهور البنية التحتية وما إلى ذلك من الأولويات ذات الطابع المحلي المستعجل، قبل الخوض في مواضيع أخرى من قبيل الترخيص ببيع الخمور وعدم تضريبها، حفاظا على جيب المستهلك البسيط، وعدم الدفع به إلى استهلاك مسكرات أخرى لما لها من عواقب وخيمة على صحته.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: بیع الخمور

إقرأ أيضاً:

كابوس يلاحق المسلمين في بريطانيا.. ما الذي يجري؟

مرّ عام على هجوم ساوثبورت، الذي أشعل أعمال شغب عنصرية غاضبة في شوارع المملكة المتحدة. حشود غير منضبطة، تحفّزت بادعاءات كاذبة بأن الجاني مسلم، انطلقت في موجة عنف، وهاجمت المساجد، والمتاجر التي يملكها مسلمون، والمنازل، والأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون.

وفيما كانت أعمال الشغب مشتعلة، كنت أنهي روايتي بعنوان: "الظهور الثاني". تدور أحداث الرواية في مستقبل ديستوبي تستولي فيه مليشيا مسيحية مستلهمة من القومية الإنجليزية على لندن، وتحظر الإسلام، وتنفي المسلمين إلى مخيمات لاجئين في برمنغهام.

لقد جعلتني الأحداث التي كانت تتكشف في الشوارع أثناء كتابتي الفصول الأخيرة، أدرك أننا اليوم أقرب بكثير إلى العالم الديستوبي في روايتي مما كنت أتخيل.

المشاهد والصور التي ساعدتني على تشكيل هذا العالم الخيالي، استُلهمت من إنجلترا التي عشت فيها خلال شبابي، حين كانت أعمال العنف العنصري متفشية. كانت عصابات من الشبان البيض تطاردنا، خصوصا بعد إغلاق الحانات، في موجة تلو الأخرى مما كانوا يسمّونه "تحطيم الباكستانيين".

لم تكن الهجمات بالسكاكين أو القنابل الحارقة أمرا نادرا، ولا كانت المطالبات التي أطلقتها الجماعات اليمينية المتطرفة مثل "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" بإعادة "المهاجرين" السود (أي غير البيض) إلى أوطانهم أمرا مستبعدا.

كان الذهاب إلى المدرسة أحيانا يعني الركض عبر ممر من الأطفال العنصريين. وفي ساحة اللعب، كانوا أحيانا يحاصروننا، وهم يرددون أناشيد عنصرية.

كطالب، فقدت العدّ من كثرة عدد المرات التي تعرضت فيها لاعتداءات جسدية، سواء في المدرسة، أو في الشارع، أو في الحانات، أو في أماكن أخرى.

حين كنت أعيش في شرق لندن، كنت مع شباب منطقة بريك لين المحليين، حيث كانت تدور معارك بالأيدي لصد جحافل المهاجمين العنصريين.

إعلان

لم تكن هذه الاعتداءات ظاهرة معزولة، بل كانت مشاهد مشابهة تتكرر في أنحاء البلاد، حيث كانت "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" ينظمان مئات المسيرات، ما منح العصابات البيضاء المتطرفة جرأة أكبر.

في تلك الفترة، تم اعتقالي مع عدد من أقراني، ووجهت إلينا تهمة "التآمر لصنع متفجرات" بسبب ملء زجاجات الحليب بالبنزين للدفاع عن مجتمعاتنا في وجه العنف العنصري؛ وقد عُرفت قضيتنا لاحقا باسم "برادفورد 12".

كانت هذه النضالات، سواء في بريك لين أو في برادفورد، جزءا من معركة أوسع ضد العنصرية المؤسسية والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة التي كانت تهدف إلى ترهيبنا وتقسيمنا.

كان العنف العلني المباشر في الشوارع خلال تلك السنوات مرعبا، لكنه كان ينبع من هامش المجتمع. أما الطبقة السياسية الحاكمة، فرغم تواطئها، كانت تتجنب الاصطفاف العلني مع هذه الجماعات. ومثال على ذلك مارغريت تاتشر، التي قالت في مقابلة شهيرة 1978، حين كانت زعيمة حزب المحافظين: "الناس في الواقع يخشون من أن يُغمر هذا البلد بأشخاص ذوي ثقافة مختلفة".

كان ذلك تلميحا مبطنا بالموافقة على خطاب الحشود العنصرية، إلا أن تاتشر، رغم ذلك، حين أصبحت رئيسة للوزراء، حافظت على مسافة بينها وبين الجماعات اليمينية المتطرفة.

اليوم، لم تعد تلك المسافة موجودة. فرئيس الوزراء كير ستارمر وأعضاء بارزون آخرون في حزب العمال، يرددون بانتظام خطاب اليمين المتطرف، متعهدين بـ"التصدي بحزم" لأولئك الذين يسعون للحصول على ملاذ آمن هنا.

ولم يكن سلفه المحافظ، ريشي سوناك، ووزراؤه مختلفين. فقد زعمت وزيرة داخليته، سويلا برافرمان، زورا أن عصابات الاستغلال الجنسي للأطفال يغلب عليها "ذكور بريطانيون من أصول باكستانية، يحملون قيما ثقافية تتعارض تماما مع القيم البريطانية".

وعلى الرغم من أن العنصرية البيضاء الفجّة القديمة لم تختفِ، فإن شكلا أشد خبثا منها- الإسلاموفوبيا- قد جرى تأجيجه على مدى العقود الماضية. ويبدو أن عصابات "ضرب الباكستانيين" القديمة قد حلت محلها موجة جديدة، تساوي بين الإسلام والإرهاب، وبين الاستغلال الجنسي والباكستانيين، وبين طالبي اللجوء وجحافل طفيلية على وشك اجتياح البلاد.

هذه هي التربة التي ترسّخ فيها حزب "ريفورم" (Reform) ونما، حيث باتت أشكال العنصرية الأكثر فجاجة تحظى بالاحترام وتصبح قابلة للانتخاب. فحين يصبح كلٌّ من حزب العمال والمحافظين ملاذا لشبكة معقدة من الفساد السياسي، يُقدَّم خطاب "ريفورم" المبسّط المعادي للمهاجرين والإسلاموفوبي كبديل نزيه.

وقد أوصل هذا الحزبَ اليميني المتطرف إلى صدارة استطلاعات الرأي، إذ يحظى بدعم 30 بالمئة من الناخبين، مقارنة بـ22 بالمئة لحزب العمال، و17 بالمئة لحزب المحافظين.

وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئا أن تختار مجلة "الإيكونوميست"، في الذكرى السنوية لأحداث الشغب، إجراء استطلاع يركّز على العِرق بدلا من قضايا التدهور الاقتصادي، والحرمان الاجتماعي، وسياسات التقشف المستمرة التي خضع لها الشعب العامل في هذا البلد.

وقد أظهر الاستطلاع أن نحو 50 بالمئة من السكان يعتقدون أن التعددية الثقافية لا تفيد البلاد، فيما رأى 73 بالمئة أن "أعمال شغب عرقية" جديدة ستقع قريبا.

إعلان

إن تغذية العنصرية العنيفة في الداخل تسير جنبا إلى جنب مع التاريخ الطويل لإنجلترا في ممارستها في الخارج. فوجه العنصرية الجديد يتغذّى على الصور الاستعمارية القديمة التي تصوّر "الهمج" بوصفهم بحاجة إلى الترويض والانتصار عليهم عبر "الحكم الاستعماري المتحضّر". هذه الأيديولوجيات العنصرية، التي كانت أساس تماسك الإمبراطورية، عادت اليوم لتستقر في الداخل.

وهي تتجلى في العنف العنصري في الشوارع، وفي قمع الدولة لمناصري فلسطين، كما تتجلى في الدعم السياسي والعسكري الثابت الذي تقدّمه المملكة المتحدة لإسرائيل، حتى وهي تقصف المستشفيات والمدارس في غزة، وتجوّع الأطفال.

لقد علّمت الإمبراطوريةُ بريطانيا استخدام العنصرية لتجريد شعوب بأكملها من إنسانيتها، لتبرير الاستعمار، والنهب، ونشر الحرب والمجاعات. فالإبادة الجماعية جزء من الحمض النووي البريطاني، وهو ما يفسّر تواطؤها الحالي مع إسرائيل التي ترتكب الإبادة.

في ظل هذا العنف العنصري والإمبريالي، انتفض الناس من جميع الألوان والأديان- ومن لا دين لهم- وبدؤوا في التعبئة والمقاومة. ورغم أنهم لم ينجحوا في إيقاف الإبادة الجماعية، فإنهم فضحوا الأكاذيب الوقحة والنفاق الصارخ للنخبة السياسية البريطانية. وحدها مثل هذه التضامنات، وهذه المواجهة المباشرة للعنصرية، قادرة على منع العالم الكابوسي الذي وصفته في روايتي من أن يتحول إلى واقع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • من الرقمنة إلى التنمية.. مختصون يطالبون بإيجاد بنية بيانات موحدة لتعزيز المحتوى المحلي
  • جرش: حوارية تستذكر الراحل اللواء الطبيب عادل حداد
  • منتجع ستي فاضمة ... الوجهة السياحية المفضلة للمغاربة والأجانب للابتعاد من لهيب الصيف (صور)
  • برلمانيون يخشون التصويت على السفراء الجدد للعراق ويدعون الى تنظيم ذلك بقانون
  • كابوس يلاحق المسلمين في بريطانيا.. ما الذي يجري؟
  • برلمانيون بريطانيون يكشفون للجزيرة نت أبعاد اعتراف لندن بفلسطين
  • إحالة أبرز معارض تشادي إلى المحكمة الجنائية تثير جدلا سياسيا وقانونيا
  • حلمي عبد الباقي: لا مكان لمروجي الخمور و الألفاظ السوقية في نقابة الموسيقيين
  • أعراس اليمنيين في أمريكا.. سلوكيات متهورة تثير جدلاً واسعاً
  • جامعة فرنسية تثير جدلا جراء إلغاء تسجيل طالبة من غزة .. و وزراء يتدخلون