"إسلاميات- حرف يدوية".. معرض ضوئي يحاكي الفنون الإسلامية
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
ضمن فعاليات الدورة الخامسة والعشرين من مهرجان الفنون الإسلامية، افتتح سعادة عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والأستاذ محمد إبراهيم القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، مدير المهرجان، معرض التصوير الضوئي "إسلاميات- حرف يدوية" بالتعاون مع اتحاد المصورين العرب، وذلك في مكتبة الشارقة العامة، بحضور أديب شعبان رئيس الاتحاد، وعدد كبير من الفنانين والإعلاميين ومحبي التصوير.
وتضمن المعرض، 40 عملًا ضوئيًا لمصورين إماراتيين وعرب يمثلون 15 دولة، وتركزت معظم الأعمال على تصوير الفخاريات بوصفها امتدادًا من تاريخ الفن الإسلامي، كما حرصت على ترجمة روح وشعار المهرجان "تجليات"، وسعت في الوقت نفسه إلى خلق عناوين جديدة تحاكي الفنون الإسلامية.
واطلع الحضور على سلسلة من الأعمال المميزة، لا سميا المصور الأردني طارق إبراهيم هادي، والمصورة السعودية هناء تركستاني، وهما من أبرز المصورين العرب.
وقال شعبان إن اتحاد المصورين العرب وهو يشارك بقوة في هذا الحدث الفني المميز، لا بد وأن تكون بصمات أعمال المصورين العرب تتوافق مع جمال هذا المهرجان، ومن هذا المنطلق تأتي هذه المشاركة لمصوريّن مميزيّن، وهي صورة تعكس دعم الشارقة في سبيل أن يجد المصور العربي حاضنته الثقافية والفنية لتحقيق اهدافه وتطلعاته.
وكرّم عبد الله العويس ومحمد القصير الفائزين في مسابقة المعرض، وهم: عيسى إبراهيم من البحرين في المركز الأول، ومحمد نجيب من مصر في المركز الثاني، وعبد الله الخليلي من الجزائر في المركز الثالث.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مهرجان الفنون الإسلامية إمارة الشارقة
إقرأ أيضاً:
صورة من قريب لصنع الله إبراهيم
على مدار سنوات عمره المديد (88 عاماً) حافظ صنع الله إبراهيم على صورته من الخدش، باعتباره يسارياً تقدمياً، عُرِف بمواقفه الحادة من الأنظمة المتعاقبة، وقد دفع خمس سنوات من عمره في المعتقل، بعد القبض عليه عام 1959. ضمَّن صنع الله تجربته الصعبة خلف الأسوار في سيرته الذاتية "مذكرات سجن الواحات"، لكنه لم يجعل من الأشخاص الذين ينتقدهم أعداء شخصيين، إذ آمن طوال الوقت بأن هدفه هو رؤية بلده مصر في أفضل صورة ممكنة، وحتى مع لهجته الحادة في كثير من الأوقات لم ينزلق إلى مستوى الشتائم والمكايدات، وحين رفض جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي وألقى بيانه الشهير لم يخرج عن حدود المعقول، وقد كنت شاهداً على الواقعة وقتها.
في هذا اليوم (الأربعاء 22 أكتوبر 2003) احتشد المثقفون وملأوا المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وظهر الدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة على المسرح مزهواً، ووقف وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني وسط أعضاء لجنة التحكيم التي اختارت الفائز، وكلهم أسماء من العيار الثقيل، فرئيس اللجنة كان الطيب صالح، وأعضاؤها محمود أمين العالم، وفيصل دراج، وإبراهيم فتحى، وفريال غزول، وسيزا قاسم، ومحمد برادة، وحينما أُعلِن اسم صنع الله فائزاً انفجر تصفيق الحاضرين، لدرجة شعرت معها أن المسرح يهتز من فرط الحماس. تحرَّك صنع الله بجسده النحيل وسط الكاميرات التي تكتظ بها طرقات القاعة، متجاوزاً الأسلاك والمصورين حتى وصل إلى المسرح، وصعد بخفة طائرٍ صغير الدرجات القليلة، وصافح الجميع. بدا أن كل شيء يسير وفق المخطط له، مع أن فوز صنع الله مدهش للغاية، فالجميع توقع ألا يقبل مثقف معارض مثله تلك الجائزة، فقد رأوها غسيل سمعة لوزارة الثقافة، وتدجيناً للأصوات المختلفة، وإدخالهم "حظيرة الوزارة" بتعبير فاروق حسني الشهير، لكن صنع الله كان يحمل قنبلةً، ضبط توقيتها "على الشعرة"، ويخفيها في ملابسه! بدأ صنع الله في قراءة ورقة صغيرة أخرجها من جيبه، ومع كل كلمة نطق بها سرت قشعريرة في أجساد المثقفين، قال: "في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقَّى من الأراضي الفلسطينية وتقتل النساء الحوامل والأطفال وتشرِّد الآلاف وتنفذ بدقة منهجية واضحة إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان، وعلى بعد خطوات من هنا يقيم السفير الإسرائيلي في طمأنينة، وعلى بُعد خطوات أخرى يحتل السفير الأمريكي حياً بأكمله". لا يراودني شك في أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة المحيقة بوطننا، وهي لا تقتصر على التهديد العسكري الإسرائيلي الفعلي لحدودنا الشرقية ولا على الإملاءات الأمريكية وعلى العجز الذي يتبدَّى في سياسة حكومتنا الخارجية وإنما تمتد إلى كل مناحي حياتنا. لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب"، حتى وصل إلى التأكيد على أنه "في ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يُغمِض عينيه أو يصمت، ولا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته"، ثم ألقى بالقنبلة مؤكداً أنه يرفض الجائزة.
انفجر التصفيق بجنون تام تلك المرة، وصعد بعض المثقفين من فرط الحماس على الكراسي وبدوأ يتصايحون ويقفزون، وغرق جابر عصفور في العرق، وهبط صنع الله من المسرح وسار إلى الخارج فسار المثقفون خلفه في مظاهرة لم يخططوا لها.
بعدها سرى همس خجول تحول إلى مقالات تُكتب وتُنشر في الصحف المختلفة من مثقفين معروفين بقربهم من دوائر الثقافة الرسمية بأن صنع الله كان يجب أخلاقياً أن يعتذر لجابر عصفور حينما حدَّثه في الهاتف ليخبره بفوزه بالجائزة. عصفور نفسه قال لي في حوار قديم نشرته بـ"أخبار الأدب" إن هذه سقطة لصنع الله، لكن صنع الله رد قائلاً إن "الحرب خدعة"! بمجرد نشر التغطية اتصل بي صاحب "بيروت بيروت" و"نجمة أغسطس" و"ذات" على هاتف المنزل ليخبرني بأنه أحبَّ التغطية، فهي الأكثر دقة وأمانة ورسماً للتفاصيل، ولو أنه كتبها بنفسه لما خرجت هكذا. سعدت بكلماته وأنا أعرف جيداً أنه ليس من نوع الأدباء المجاملين، بل إنه في موقف سابق، وكان قد قرأ روايتي "عين القط"، وقال فيها رأياً إيجابياً، أخبرني بوضوح أن رأيه لا يعني رضاه الكامل عنها، فقد كان بإمكاني أن أجعلها رواية أفضل مائة مرة لو أنني صبرت وتأنيت في كتابتها، حتى على مستوى الحجم رأى أنها كان يجب أن تُكتب في ضعف حجمها أربع أو خمس مرات، لكن التسرُّع أضرَّ بها وبي. شعرت بالضيق لحظتها، لكن بعد مرور سنوات على الموقف، أدركت أن كل كلمة نطق بها صحيحة.
لم يتغيَّر صنع الله إبراهيم في تعامله معي أو مع غيري على مدار سنوات. كان يقبع خلف هاتف المنزل، ويترك "الأنسر ماشين" يرد بالنيابة عنه، ثم يستمع إلى صوت محدِّثه، وغالباً لا يرد إلا على أصدقاء وتلاميذ محددين. يرفع سماعة الهاتف بمجرد أن أنطق باسمي، أو بمجرد أن يتعرَّف على صوتي، ويخبرني ضاحكاً أنه يتهرَّب من بعض الدائنين. وقد دعاني إلى زيارته في بيته أكثر من مرة، وأجريت معه حوارين نشر أحدهما بجريدة "أخبار الأدب" والثاني بجريدة "المصري اليوم"، عن روايته "أمريكانلي"، وقد فسَّر لي عنوانها قائلاً إن الكلمة يمكن تفكيكها إلى ثلاث كلمات "أمري كان لي"، أي أن "أمري لم يعد بيدي وأصبح بيد آخرين، بيد أمريكا بشكل واضح". استفاض صنع الله في الحديث عن بطل الرواية الدكتور شكري وسفره إلى سان فرانسيسكو لتدريس مادة التاريخ بمعهدٍ يمتلكه ثري عربي، وتفاعله مع طلابه الثمانية وهم أمريكيون ذوو أعراقٍ وخلفياتٍ ثقافية وعقائدية مختلفة، وكيف استخدمه ليرسم صورةً شديدة الواقعية للمجتمع الأمريكي وتناقضاته ووضعها في مواجهةِ صورةٍ واقعية أيضاً للمجتمع المصري منذ عصور الفراعنة وحتى الرئيس السادات.
أعود مرة أخرى إلى القول بأن صنع الله حافظ على صورته، واكتسب احترام الجميع، اليسار واليمين، وحتى السلطة الرسمية، وقد ظهر هذا في مكالمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي له والاطمئنان عليه بعد أن تعرَّض لحادث شديد القسوة في منزله أدى لإصابته بكسر في عظمة الفخذ وإجرائه عملية دقيقة. لقد لمس صنع الله بنفسه حالة حب غير مسبوقة، فالجميع يعلم بمكانته، وتأثيره في الأدب المصري والعربي، فهو أول من جرَّب مزج الخيال بالمعلومات الأرشيفية، وأنتج أعمالاً مبهرة، والجميع يدرك أيضاً أنه آخر عنقود الكبار في جيل الستينيات.