شخصيات عامة لـ «العرب»: خدمة المجتمع أسمى طموحنا
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
وجّهت شخصيات قطرية مرموقة، يتقدمهم سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الدولة رئيس مكتبة قطر الوطنية، الشكر للشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية على اختيارهم ضمن مجموعة متميزة من الشخصيات العربية ضمن الأكثر تأثيرا في مجال المسؤولية المجتمعية 2023.
وأجمع عدد من هذه الشخصيات لـ «العرب» على أن خدمة المجتمع هو أسمى ما يطمح له كل إنسان، وأن اختيارهم ضمن قائمة الأكثر تأثيرا في مجال المسؤولية المجتمعية، يضيف المزيد من المسؤولية عليهم، من أجل الاستمرار في العطاء بهذا المجال الهام.
كانت الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية نظمت فعاليات «ملتقى الشخصيات العربية الأكثر تأثيرا في مجال المسؤولية المجتمعية لعام 2023م- دورة المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله”، بمشاركة شخصيات عربية رفيعة المستوى ومؤثرة في مجال المسؤولية المجتمعية، احتفالا بإطلاق النسخة الخامسة من التصنيف العربي المهني للشخصيات العربية الأكثر تأثيرا في مجال المسؤولية المجتمعية.
وقد ضمت القائمة التي تم إعلانها شخصيات قطرية رفيعة المستوى، إضافة إلى عدد من الخبراء والمتخصصين في مجالات المسؤولية المجتمعية والتنمية المستدامة من الدول العربية.
د. حمد بن عبد العزيز الكواري: أعد بمواصلة السير في نفس طريق خدمة الوطن والإنسانية
قال سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة رئيس مكتبة قطر الوطنية: التكريم بقدر ما يسعد المرء، بقدر ما يجعله يتساءل ما الذي فعلته أكثر من غيري حتى استحقّ التكريم، والمرء عادة يقوم بواجبه، وهو يضع في اعتباره رضاء ربه بقيامه بواجبه على أفضل وجه.
وأضاف سعادته في تصريحات خاصة لـ «العرب»: التكريم يعني أنه في تقييم المكرِّمين بأن المُكَرَّم جدير بالتكريم، والمسؤولية الاجتماعية ذات أبعاد عدة تصب في خدمة المجتمع بصورة عامة، والمرء يقوم بواجبه حسب الفرص والمجالات المتاحة له، والحمد لله فإن الفرص المتاحة لي كثيرة، إن من خلال المهمات التي أوكلت لي من بلادي، أو من خلال ما أكرمني الله من قدرات ادبية وثقافية.
وتابع د. الكواري: سعيد أن المسؤولين عن المنظمة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية، قد قرروا تكريمي لما اقتنعوا به من أداء، فأشكر الجمعية والمسؤولين عنها جل الشكر، وأعدهم بالاستمرار بالسير في نفس الطريق في خدمة المجتمع والوطن والإنسانية، وفق الله الجميع.
وعلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «إكس» كتب سعادته: اشكر الشبكة الاقليمية للمسؤولية الاجتماعية، على هذا التكريم الذي اعتز به. ويسعدني أن أكون في معية هذه النخبة الكريمة من الشخصيات المحترمة.
د. ثاني بن علي: خدمة المجتمع أسمى طموح كل إنسان
قال الشيخ الدكتور المحامي ثاني بن علي بن سعود آل ثاني نائب رئيس جمعية المحامين القطرية، وعضو مجلس إدارة مركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم: إن خدمة المجتمع هو أسمى ما يطمح له كل إنسان، فأي منصب يتولاه سواء كان بالعمل العام أو العمل الخاص، فأقصى ما يطمح له أن يحقق هذا العمل أكبر استفادة لمجتمعه.
وأضاف: «أشكر الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية على اختياري ضمن مجموعة متميزة من الشخصيات العربية، فتواجدي بين هذا الجمع يضيف قيمة كبيرة إلى التكريم، كما أن قيمتها تتضاعف بصورة كبيرة مع ارتباطها باسم المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله». وأكد الشيخ ثاني بن علي، على أن الاختيار ضمن الشخصيات العربية الأكثر تأثيرا في مجال المسؤولية المجتمعية لعام 2023، يضيف المزيد من المسؤولية على كل من تم اختيارهم، من أجل الاستمرار في العطاء بهذا المجال المهم.
ونوه بأنه بالنظر إلى مصادر أخلاقيات المؤثرين بالمسؤولية المجتمعية كالمنظومة الأخلاقية للفرد، والعرف والقيم السائدة في المجتمع، ولوائح المؤسسات المنظمة لسير العمل، واللوائح التنظيمية لمهنة ممارسي المسؤولية المجتمعية والدين والقانون، وغيرها من المصادر، يُجلى أهميتها في حياة كافة المجتمعات.
وأشار إلى أن المسؤولية المجتمعية تمثل خطاً بارزاً مميزاً بين مختلف المجتمعات، وأن المجتمعات التي يلتزم أفرادها بمسؤولياتهم المجتمعية ينعكس ذلك على كل حياتهم، فضلا عن البناء الحضاري الذي يتطلب أن يكون كل فرد مساهما في تحقيق التقدم والرفعة لمجتمعه من خلال التزامه تجاه كل فرد به.
د. محمد سيف الكواري: دافع قوي للمزيد من العطاء
قدم سعادة الدكتور محمد سيف الكواري الشكر للشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية على هذا الاختيار، وأكد اعتزازه بالانضمام إلى هذه النخبة من السفراء الدوليين للمسؤولية المجتمعية، واستعداده للقيام بأدوار ومبادرات مسؤولة تساهم في تنمية المجتمعات وتستجيب لحاجاتها.
وأكد أن ادراج اسمه ضمن فعاليات الشخصيات العربية الأكثر تأثيرا في مجال المسؤولية المجتمعية لعام 2023 دورة المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله”، يزيده فخرا.
وقال د. الكواري: بالنسبة لي فإن هذا التتويج يعني الكثير، خاصة أنه يأتي في دورة تحمل اسم المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله، كما أنها تزيدني دفعا للعطاء وللعمل على تقديم المزيد للمجتمعات العربية وللانسانية أجمعين وللمضي قدما في المبادرات التي تسهم في ترسيخ قيم ومفاهيم المسؤولية المجتمعية.
وجاء تكريم د.الكواري اعترافا بإسهاماته البارزة في نشر قيم المسؤولية المجتمعية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، إذ أن له العديد من المبادرات في مجالات البيئة وحقوق الانسان، وعمل على الكثير من المشاريع وقدم العديد من المبادرات خلال تقلده العديد من المناصب ومنها عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، عضو المجلس البلدي خلال الفترة من 1999 إلى 2003.
د. سيف الحجري: مسؤولية جديدة على عاتقنا
اعتبر الدكتور سيف بن علي الحجري السفير الدولي للمسؤولية المجتمعية أن اختياره ضمن قائمة الشخصيات العربية الأكثر تأثيرا في المسؤولية الاجتماعية، هو مسؤولية اضافية تقع على عاتق المتوجين، باعتبار أن اللقب عربي ودولي، موضحا أنه ليس التتويج الأول بالنسبة له.
وجاء تتويج الدكتور الحجري اعترافاً بإسهاماته البارزة في نشر وترسيخ قيم ومفاهيم المسؤولية المجتمعية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، حيث تقلد العديد من المناصب خلال مسيرة حياته، ومنها: نائب رئيس مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وأستاذ بجامعة قطر، كما قام بتأسيس عدد من المؤسسات والجمعيات المجتمعية ضمنها معاهد تُعنى بذوي الإعاقة والبيئة، وهو مؤسس ورئيس مركز أصدقاء البيئة، ورئيس لجنة الرياضة والبيئة، وبرنامج لكل ربيع زهرة، والعديد من البرامج ذات الصلة بالبيئة.
وقال د سيف: إن النجاحات والتتويجات لا تأتي إلا بعد عمل شاق، وعلمتني الحياة أن النجاح ليس مسألة سطحية، بل هو عمل متعدد الأبعاد يبدأ بالعمل، إعمل بأقصى جهدك، وثق أن هناك نواميس إلهية وكونية تعضدك، وكما يقولون قَدّم كل متطلبات النجاح، ولا تنتظره، فهو الذي سيأتيك.
د. منى النعيمي: تكليف أكثر من كونه تشريفاً
قالت د. منى النعيمي مدير مركز ماكسيميز للتدريب، إنها فخورة جدا بإدراج اسمها ضمن قائمة الأكثر تأثيرا عربيا في المسؤولية المجتمعية.
وأضافت: هذا التكريم جاء ثمرة عمل عدة سنوات في مجال المسؤولية المجتمعية والاستدامة، وفي إطار حرصنا على الارتقاء بشرائح المجتمع كافة عن طريق توفير تدريب وتطوير رفيع المستوى مدروس بعناية يلبي كل الاحتياجات والمتطلبات المتغيرة والمتجددة كما نهتم بمد المجتمع بالخدمات الاستشارية على يد خبراء مختصين في مجالات متعددة بحيث تتماشى مع جميع الاحتياجات في مختلف الجوانب.
وأوضحت د. منى أن هذا التكريم تكليف أكثر من كونه تشريفا، وقالت: ترفع مثل هذه التتويجات من مسؤولياتنا، فهي تشكل دافعا لنا للمزيد من العطاء والعمل وتنظيم المبادرات في مجالات تخصصنا في المسؤولية المجتمعية من خلال مركز ماكسيمايز الذي نضع فيه نصب أعيننا المساهمة الفعالة في نهضة المجتمع عن طريق الارتقاء بالطاقة البشرية، وذلك لنحقق معا أهدافنا التي تسعى إلى التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، لتكون لنا بصمة فعلية في نهضة قطر وتحقيق رؤيتها.
د. هلا السعيد: تعزيز معنوي.. ودافع للإبداع
قالت د. هلا السعيد مدير مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة، إن التكريم والتتويج يعني لها الكثير، وإنها فخورة به خاصة أنه يأتي ضمن دورة حملت اسم المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح يرحمه الله”.
وأضافت: التكريم هو تعزيز ودافع للابداع والمضي قدما في المبادرات التي تعود بالفائدة على المجتمع، ورغم أن التكريم ليس الأول بالنسبة لي على المستوى العربي والدولي، لكنه يعني لي الكثير خاصة وأنه يجمعني مع كوكبة من الناشطين القطريين في مجالات مختلفة من مجالات المسؤولية المجتمعية.
ويأتي تكريم د. هلا، نظير جهودها وعطائها والدور الإيجابي الكبير الذي تؤديه للنهوض بفئة مهمة من ذوي الاعاقة، تمكنت من خلالها بوضع بصمة تخطت المحلية إلى العالمية، عبر أنشطة عديدة وعطاء لا محدود امتد لعقود من الزمن.
وقالت: قدمنا الكثير من المبادرات، ونطرح كل عام مبادرات جديدة وقد تم التتويج هذا العام نظير المبادرات التي كانت تخص مرضى السرطان والتي تهدف إلى اعطاء أمل في الحياة لمرضى السرطان وأسرهم والمتعافين.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر المسؤولية الاجتماعية قائمة الأكثر تأثيرا خدمة المجتمع من الشخصیات العدید من فی مجالات من خلال بن علی
إقرأ أيضاً:
التكريم الإيطالي الأهم لابن حمديس.. روحانيات تتجاوز السياسة في الثقافة الإيطالية المعاصرة
في مبادرة وصفتها جريدة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية بـ"التكريم الإيطالي الأهم لابن حمديس"، تم إصدار طابع بريدي مخصص للشاعر المسلم الذي يعد أبرز رموز الشعر العربي في صقلية بين القرنين الـ11 والـ12، ضمن سلسلة "روائع التراث الثقافي الإيطالي".
الطابع، الذي صدر يوم 30 يونيو/حزيران الماضي عن وزارة مستحدثة في حكومة رئيسة الوزراء جورجا ميلوني هي وزارة "الشركات وصنع في إيطاليا"، بالتعاون مع البريد الإيطالي والمعهد الرسمي للطباعة وسك العملة، يحمل بيتين للشاعر العربي يستحضران صورة صقلية مشرقة ونابضة بالحياة:
ترجمة المكتوب على الطابع بالإيطالية: "فإني لبرتقال يرف ظلاله
على نفحة نسيم الريح المبلل"
وأصله العربي: "وانظر إلى النارنج في الطبق الذي
أبدى تداني وجنة من وجنة"
جنبا إلى جنب مع صورة لشجرة البرتقال، وامرأة ثلاثية الأرجل (تعرف باسم تريشيلي) وتعد رمزا لصقلية، مع رسم للبحر في الخلفية.
شاعر صقلية الولهانويعد الشاعر العربي "أبو محمد عبد الجبار بن أبي بكر الصقلي" المعروف بـ "ابن حمديس" (1055م-1133م) علامة مميزة في التراث الأدبي في صقلية. ومع أنه نظم شعره بالعربية، فإن صوته الشعري ظل يتردد في فضاءات الأدب والثقافة الإيطالية حتى يومنا هذا.
ولد ابن حمديس في سيراكوزا بصقلية خلال فترة الحكم الإسلامي للجزيرة، ونشأ في كنف ثقافة عربية مزدهرة، حيث كانت صقلية حينها مركزا للإشعاع الحضاري والعلمي. وبعد سيطرة النورمان على الجزيرة، هاجر منها إلى شمال أفريقيا والأندلس، لكنه ظل متعلقا بوطنه الأول، فجعل صقلية موضوعا مركزيا في شعره، يصف جمالها الطبيعي وحنينه إليها.
وشهدت الجامعات الإيطالية اهتماما متزايدا بتراث ابن حمديس خلال القرن الـ20 وما بعده. فقد تم تحقيق وترجمة عدد كبير من أشعاره إلى الإيطالية، إلا أن أهمها ما قام به المؤرخ الإيطالي الشهير ميكيلي أماري في القرن الـ19، الذي سعى لإبراز ابن حمديس بوصفه جزءا من التراث الصقلي. بالإضافة إلى دراسات حديثة، أهمها أبحاث ليوناردو شاشا التي ركزت على كون شعر ابن حمديس لا يحمل قيمة أدبية فحسب، بل يشكل وثيقة حية لحالة الانصهار الثقافي في البحر المتوسط.
إعلانوساهمت ترجمات شعر ابن حمديس إلى الإيطالية في إعادة تقديمه إلى الجمهور العام، حيث ترجمت مختارات من شعره بأسلوب يحافظ على النبرة الوجدانية والنفس الصوفي لأشعاره، لا سيما في ترجمة المستشرق "تشيليستينو سكياباريللي" عام 1897، وهي الترجمة التي اعتمدت في الطابع البريدي الصادر حديثا.
غير أن التوظيف السياسي لابن حمديس في السنوات الأخيرة بدا طاغيا في الخطاب الثقافي الإيطالي المعاصر، حيث كانت تنظم قراءات شعرية ومعارض فنية مستوحاة من شعره، يستعرض فيها ابن حمديس في صورة العربي الذي ساهم في بناء حضارة وثقافة الجزيرة، في زمن تتجدد فيه النقاشات حول الهوية والهجرة والتنوع، إذ أصبح استحضار شخصيات مثل ابن حمديس أداة لتعزيز خطاب حزبي سياسي يشجع على الهجرة من خلال التأكيد على الجذور التاريخية للتعايش بين العرب والأوروبيين في حوض البحر الأبيض المتوسط.
تسييس الخطاب الشعري لابن حمديس، وزجه في إطار أيديولوجي قد يتنافر في جوهره مع مضامينه الشعرية، كاد يؤثر على طريقة تلقي الرسائل الجمالية والروحانية التي تحف شعره، حيث أرادته بعض القراءات الثقافية الحديثة أقرب إلى صورة الغريب "المعولم" أو المهاجر معدوم الوطن، وهي الصورة التي يسعى الخطاب الثقافي المعاصر لتكريسها من خلال خطاب أدبي ينفك عن مفهوم الإحساس بـ"الوطني" مقابل تكريس مفهوم "الكوني" باعتباره التمثيل الشعري للحالة النيوليبرالية التي يعيشها العالم، وترجمة لقيم العولمة التي أخذت تمتد إلى مساحات النقد الأدبي المعاصر.
كل هذا، وابن حمديس لم يكن غريبا وافدا على صقلية، بل أحد أبنائها، وكان شعره بعد فراقه لها يفيض بالأسى لفقدان وطنه الأم، وظل يكتب عنها بشوق وحنين، جاعلا من شعره وثيقة وجدانية تؤرخ لحالة النفي والارتباط بالمكان.
وبعيدا عن القراءات السطحية والمسيسة لابن حمديس، نجد قراءات عميقة تركت آثارا فنية لا تمحى في الثقافة الإيطالية، لا سيما لدى واحد من أبرز أعلام إيطاليا في التاريخ المعاصر، "فرانكو باتياتو" (1945-2021) -الفنان والمثقف الصقلي المتعدد الأبعاد- الذي تأثر بشكل ملحوظ بإرث ابن حمديس.
في ألبومه "افتح يا سمسم" (2012) اختار باتياتو إدراج أبيات من شعر ابن حمديس ضمن نص أغنية Aurora، وهي أغنية تتناول موضوع البحث عن الذات ونشدان الخلاص والوصول إلى النور. هذا الإجراء لم يكن مجرد اقتباس عابر، بل جسرا ثقافيا بين الذاكرة الصقلية الإسلامية والروح الإيطالية التي لا تزال بأعماقها تحتضن ذلك التراث العربي.
وأتى اندماج صوت ابن حمديس في أعمال باتياتو ضمن مشروع روحي-فلسفي، حيث كان فرانكو باتياتو مهتما بالتصوف والتأمل، وهو ما ينسجم مع الأبعاد الصوفية في شعر ابن حمديس.
إعلانففي Aurora (الفجر)، لا تستخدم كلمات الشاعر العربي فحسب على نحو سطحي، بل تغذى بمنظور فني وجداني، وهو ما انتهى باعتناق باتياتو الإسلام.
فكان تأثير ابن حمديس جوهريا على فرانكو باتياتو في إعادة اكتشاف روابطه مع نفسه. ويتبين أننا لم نكن أمام مجرد اقتباس شكلي، بل أمام حالة إنسانية عميقة جرى فيها إعادة ربط تراث إنساني وروحي جمع الماضي بالحاضر، ورسم خريطة فنية تنطلق من صقلية القديمة نحو الوعي بالذات الإيطالية المعاصرة.
ابن حمديس، الذي أعادت الثقافة الإيطالية المعاصرة اكتشافه وتكريمه، نجد تأثيره البالغ أيضا في أدب أحد أبرز روائيي إيطاليا المعاصرين، "بيترانجيلو بوتافوكو" (1963).
في افتتاح الكتاب الذي يتناول سيرته الذاتية "الوجع المجنون للعشق" (2013)، يقول بوتافوكو: "كتابي يبدأ بابن حمديس، وينتهي بابن حمديس لأنه من داخله أنشودة". مما يؤكد أن حضور ابن حمديس ليس زخرفا عابرا عند بوتافوكو، بل إطارا شعريا تنتظم حوله الكتابة، وتعكس العمق العاطفي والنغمة الصوفية للعشق التي تكتنف العمل.
ويذكر بوتافوكو أن ابن حمديس شكل بالنسبة له مصدرا تأمليا يتجاوز الحنين إلى صقلية التاريخية، لينسحب على الحالة البشرية العامة كحالة اغتراب وجودية، وهو موضوع يتكرر في أعمال بوتافوكو.
ويرى بوتافوكو في كتابه نوعا أدبيا قريبا من "ديوان" ابن حمديس، مشيرا لاستخدامه صيغة تجمع بين السرد العمودي والتكرار الشعري، مستلهما من تقليد الديوان الأندلسي-الصقلي للشاعر العربي. حيث يؤكد الكاتب على إلقاء شبكات الحكاية الشعبية الصقلية المستخدمة في الكتاب والمعروفة باسم "كونتو" بوساطة ابن حمديس، مشيرا إلى أن هذا الأخير كان مرجعا لتماسك النص وأساسا موسيقيا شعريا تحول معه السرد الصقلي الشعبي إلى نشيد وجداني.
هذا الحفر العميق في الهوية، الذي أتاحه ابن حمديس لبوتافوكو، حمل بوتافوكو على نحو طبيعي إلى اعتناق الإسلام عام 2015، وذلك بعد صدور كتابه "المسلم المقدام"، الذي شكل بحثا في الذاكرة الإسلامية وعلاقتها بالغرب، ضمن مشروع شامل استرجاعي للمثقف الإيطالي البارز، الذي اعتمد اسما عربيا هو "جعفر الصقلي"، تكريما لأمراء صقلية العرب الذين وصف بوتافوكو فترة حكمهم للجزيرة في رواية "الذئب والقمر" (2011) بـ "زمن الأمراء الجميل".
وهي الرواية التي لم يسقط في كلمة الشكر فيها الامتنان لشعراء كبار، شكلت نصوصهم شاهدا شعريا على تداخل حضارات البحر المتوسط، وعلى رأسهم ابن حمديس. وليس ذلك من المنظور الجيوسياسي، بل في السياق الوجودي الأعمق، حيث يستخدم حضور ابن حمديس كنقطة انطلاق لفهم الذات بعمق تاريخي وحضاري.
وهكذا، لم يكن توظيف ابن حمديس لدى بوتافوكو محض مجمل أدبي تراثي، بل مفتاحا لقراءة سياق روحاني ووجداني، حوله إلى صوت مركزي يعبر عن الشوق الإنساني لإعادة الارتباط بالمتسامي والجمال الإلهي. وذلك من خلال دمجه في بنية نصوصه الروائية والفلسفية بأسلوب يرسخ هويته الثقافية، مما جعل تأثير ابن حمديس على بوتافوكو متشابكا ومتعدد الأبعاد: وجوديا، فنيا، سرديا، وذهنيا، ويبرز كيف أن شاعرا مسلما من القرن الـ11 كان ولا يزال مرآة لإيطالي معاصر يتأمل ذاته وجذوره في عالم يتحول.
وهكذا، لم يكن ابن حمديس مجرد شاعر عربي كتب عن المنفى، بل شاهدا على لحظة كانت فيها الروح الإسلامية جزءا لا يتجزأ من نسيج الهوية الصقلية، ومكونا بارزا في تاريخها الفني والجمالي. وأما تأثيره البالغ على اثنين من أهم مثقفي إيطاليا المعاصرين، فيبرز مدى تقاطع التجارب الروحانية والوجدانية بين زمنين، معيدا ابن حمديس إلى دائرة الشعر العالمي، لا كأثر تاريخي، بل كصوت حي يخاطب الإنسان الباحث عن الله وعن الجمال عبر العصور، ويكون ذلك هو أعظم تكريم لابن حمديس الصقلي.
إعلان