صحف غربية: مناورة إثيوبيا للحصول على ميناء تزعزع القرن الأفريقي
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
اهتمت صحف غربية بالاتفاق الذي سيمنح بموجبه إقليم أرض الصومال منفذا على البحر الأحمر لإثيوبيا، وهو الاتفاق الذي أثار غضب دولة الصومال التي ترفض استقلال هذه المنطقة الانفصالية التي تعتبر جزءا من أراضيها، مما يعني أن الأمور الجيوسياسية في القرن الأفريقي تشهد بداية قابلة للاشتعال في العام الجديد.
وتناولت كل من مجلة ذي إيكونوميست البريطانية ولاكروا ولوبوان الفرنسيتين جانبا من الموضوع الذي تستفيد منه إثيوبيا بالحصول على منفذ بحري طالما بحثت عنه، وكادت تشن الحروب من أجله، كما تحصل بموجبه أرض الصومال على اعتراف يقربها من الخروج من عزلة لم تجد منها مخرجا لعقود، ولكنه في المقابل، يثير غضب الصومال وتوجس جيبوتي، ومخاوف ممزوجة بالارتياح في إريتريا.
وقالت مجلة ذي إيكونوميست إن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد صور الاتفاق الذي وقعه مع رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي على أنه انتصار دبلوماسي، يحقق سعي إثيوبيا المستمر منذ عقود للوصول المباشر إلى البحر، دون اللجوء إلى القوة، وقال "وفقا للوعد الذي قطعناه مرارا وتكرارا لشعبنا، حققنا الرغبة في الوصول إلى البحر الأحمر. ليست لدينا الرغبة في إكراه أي شخص بالقوة".
منفذ على البحر مقابل اعتراف
ودافع آبي أحمد عن حق بلاده في الوصول إلى البحر الأحمر، مستخدما خطابا عدوانيا بشأن هذه القضية -حسب لاكروا- حتى إنه ذهب إلى حد ذكر التدخل المسلح، وقال مستشاره للأمن القومي رضوان حسين إن "إثيوبيا ستتمكن من الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر كجزء من الصفقة".
ويمثل الاتفاق بالنسبة لقادة أرض الصومال، انفراجة في سعيها المستمر منذ 3 عقود للحصول على اعتراف دولي، وأكدت وزارة خارجية الإقليم الذي لا يعترف به من العالم كدولة سوى إثيوبيا وتايوان، أن الاتفاقية "تضمن وصول إثيوبيا وقواتها البحرية إلى البحر الأحمر، مقابل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض الصومال، وهو ما يشكل خطوة دبلوماسية مهمة لبلادنا".
وقد تحصل أرض الصومال كذلك على أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية، أكبر شركة طيران في أفريقيا.
وقد أعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد عن الصومال عام 1991، بعدما غرق البلد في فوضى لم يخرج منها بعد كليا.
ورغم أن لديها مؤسساتها الخاصة وإصداراتها النقدية، فإن هيرجيسا لم تلق اعترافا باستقلالها من قبل المجتمع الدولي.
وتأمل أرض الصومال في أن تحذو بقية دول أفريقيا حذو إثيوبيا في الاعتراف بها، لوجود مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، ولأن آبي أحمد من جهة أخرى يتمتع بعلاقات قوية مع دول الخليج القوية، وخاصة الإمارات التي يشتبه بعض الدبلوماسيين الأجانب في أنها ربما تكون قد لعبت دورا في التوسط في هذه الصفقة لقربها من حكومة أرض الصومال.
ويستدل بعض هؤلاء الدبلوماسيين على ذلك -حسب ذي إيكونوميست- بأن إعلان آبي أحمد الاتفاق جاء في الوقت الذي استضاف فيه أيضا أشهر أمراء الحرب في السودان، محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي) المقرب من الإمارات.
ويرى الدبلوماسيون أن إنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية في أرض الصومال سيكون أحدث خطوة في خطة لتأمين مجال النفوذ الإماراتي في جميع أنحاء منطقة الخليج الأوسع والقرن الأفريقي.
إشعال توترات بالمنطقة
بيد أن هذا الاتفاق المفاجئ -حسب لوبوان- ينطوي على خطر إشعال التوتر في القرن الأفريقي مجددا، إذ ردت الحكومة الصومالية، التي لم تعترف قط باستقلال أرض الصومال، في بيان لها بالقول إن "إقليم أرض الصومال جزء من الصومال بموجب الدستور، لذا فإن الصومال يعتبر هذا الإجراء انتهاكا صارخا لسيادته ووحدته".
ودعا الصومال الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة إيغاد الإقليمية لشرق أفريقيا للوقوف إلى جانب الصومال للدفاع عن سيادته وإجبار إثيوبيا على الالتزام بالقوانين الدولية.
وحتى حركة الشباب الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تقود تمردا دمويا على الحكومة الفدرالية الصومالية منذ عام 2007، انتقدت الاتفاق و"أجندة آبي أحمد التوسعية"، وفقا للوبوان.
وانتقد الممثل الخاص للرئيس الصومالي في أرض الصومال، عبد الكريم حسين غوليد، يوم الاثنين تصرفات الحكومة الإثيوبية المذكورة، واصفا ما حصل بأنه "تجاهل صارخ للمعايير الدولية والأطر القانونية، ويمثل انتهاكا صارخا للسيادة الإقليمية الصومالية"، وحذر من أن هذا الاتفاق "عمل أحادي الجانب يعرض الاستقرار الإقليمي للخطر".
دبلوماسي غربي: العالم يعيش عصرا إذا كان المرء فيه قاسيا ومتهورا، فلا أحد يقف في وجهه
ويمكن أن يؤدي هذا الاتفاق -حسب لاكروا- إلى إضعاف استقرار المنطقة بأكملها، ولا سيما من خلال التشويش على المحادثات المحتملة بين الصومال وأرض الصومال، خاصة أن السلطات الصومالية وإقليم أرض الصومال الانفصالي أعلنا عن محادثات الأسبوع الماضي بوساطة رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، وهي الأولى من نوعها منذ فشل المحادثات الأخيرة عام 2020.
وخلصت ذي إيكونوميست إلى أن هذا الاتفاق يحتمل أن يثير استياء مصر والسعودية، اللتين لا تنظران برضى إلى سعي الإمارات للهيمنة الإقليمية، كما أن جيبوتي التي ستخسر التدفقات التجارية الإثيوبية لن تكون سعيدة به، لكن إريتريا سوف تتنفس الصعداء بعد أن بدا أن آبي قد حقق أهدافه دون اللجوء إلى السلاح، ولكن احتمال وجود بحرية إثيوبية على أعتابها، مهما كان بعيدا، لن يكون موضع ترحيب.
وحذرت ذي إيكونوميست من أن مناورة إثيوبيا المذكورة تهدد بزعزعة منطقة القرن الأفريقي المتقلبة أصلا، لكنها اختارت أن تختم تقريرها بتعليق لأحد الدبلوماسيين الغربيين قال فيه إن "العالم يعيش عصرا إذا كان المرء فيه قاسيا ومتهورا، فلا أحد يقف في وجهه"، وهو درس، قالت المجلة إن آبي أحمد استوعبه منذ فترة طويلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القرن الأفریقی ذی إیکونومیست البحر الأحمر أرض الصومال هذا الاتفاق إلى البحر آبی أحمد
إقرأ أيضاً:
صراع الأجيال
يتضمن الكتاب الصادر حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» في الاردن،(في الزمن الصعب) للدكتور عيسى ابودية ، بوحاً سردياً متواصلاً لا ينقسم إلى فصول ولا أرقام، وإنما يأتي دفقة واحدة منذ صفحته الأولى وحتى نهاية القصة التي أعقبها المؤلف بجملة «هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية».
يبدأ أبو دية تمهيد الكتاب قائلاً: «عمان مدينة المهاجرين؛ هاجر إليها الشراكسة في نهاية القرن التاسع عشر بحثاً عن الأمان بدءاً بعام 1878، ثم جاءها الأرمن الناجون من المذابح في الحرب العالمية الأولى عام 1915، وتلاهم الأحرار السوريون واللبنانيون؛ أنصار الثورة العربية الكبرى، بعد هزيمة ميسلون عام 1920، ثم الدروز بعد ثورة سلطان باشا الأطرش ضد الفرنسيين في سوريا عام 1925، وتلاهم أبناء مدينة السلط بعد زلزال 1927 المدمر الذي دمّر أجزاء كبيرة من مدينتهم الجميلة، وسكنوا جميعاً في وسط مدينة عمان».
يكتب أبو دية في التمهيد للكتاب: «(الزمن الصعب) يذكِّرنا بصعوبة الحياة في تلك الفترة، وبخاصة في القرى الأردنية الصغيرة. كل شيء يعتمد على هطول المطر. لا مطر فلا غلال، ومآل ذلك الجوع والفقر. هكذا كانت الأحوال في تلك الفترة، في منتصف العشرينيات من القرن الماضي؛ لا حلَّ سوى الهجرة لمن استطاع ذلك».
ويواصل المؤلف حديثه: «ما زال شبابنا اليوم يحلمون بالهجرة لكنهم لا ينتمون إلى (الزمن الصعب)، فهم يذهبون وبجيوبهم بعض المال وإن كان ضئيلاً، ويسافرون بالطائرات فيصلون إلى وجهتهم بسويعات قليلة، ويجدون في الغالب من يستقبلهم في بلد العمل، وينقلهم إلى أماكن سكنهم، المجهزة والمفروشة أحياناً، وفي الغالب يتحدثون لغة المقصد، أو الإنجليزية على الأقل. شتان بين هذا الزمن وذاك. (الزمن الصعب) ولَّى، ونرجو ألا يعود، ولكن كان للأشياء قيمة عالية وعزيزة، وكانت الفرحة بها كبيرة».
من أجواء الكتاب:
«كان أبوه وأجداده فلاحين مزارعين، واضطرته الظروف إلى أن يجرب حظه في بلاد الغربة، وبعرق جبينه وتعبه، وذكائه الحاد، نجح. واختار العودة إلى موطنه، وأنشأ عائلة، وبنى، وزرع، لكن هذه المرة لحسابه. ولم يكن يحب أن يناقش آراءه في الدين، ففي حين كانت الزوجة مؤمنة متدينة، تعيش باطمئنان ووداعة في عالمها الصغير، كان هو أقرب إلى الفيلسوف، منفتحاً على العالم الواسع الذي شهده في رحلاته وغربته. فكان كالرحالة الأوروبيين في القرن السادس عشر والقرون التي تلت، لحظة اكتشافهم للصين واليابان والمشرق والمغرب العربي، وأفريقيا، وغيرها. عرفوا هم آنذاك أن العالم أكبر بكثير مما عهده آباؤهم وأجدادهم، وأن الحضارة ليست قصراً على الحضارة الأوروبية، وأن هناك حضارات وعوالم أكبر بكثير مما كانوا يتخيلون. كان هو مثل ذلك، وأكسبه ذلك بُعد النظر وسعة الأفق.