لجريدة عمان:
2025-06-23@03:33:46 GMT

«مترو غزة» وانتظار جودو!

تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT

ذات يوم من عام 2012، شاهد المخرج المسرحي الفرنسي هيرفي لويشيمول صورة مكتوبًا عليها «مترو غزة» فابتسم معتقدًا أنها مجرد نكتة، لكنه بعد سنوات اكتشف أن هذه الصورة مستلّة من معرض لفنان تشكيليّ فلسطيني من سكان غزة اسمه محمد أبو سلّ قدم خلاله عملًا تركيبيًّا متعدد الوسائط، وكان قد صمّمه بعد بحث طويل بهدف طرح إمكانية إنشاء شبكة قطارات تحت الأرض تصل الضفة الغربية بقطاع غزة من جهة، وتصل مدن غزة ببعضها البعض من جهة أخرى.

أُعجِب المخرج الفرنسي بفكرة الفنان الفلسطيني وسعى إلى اللقاء به والاتفاق معه على تحويل «مترو غزة» إلى مسرحية، وهذا ما صار. وعُرضتْ المسرحية غير مرة وعلى أكثر من مسرح، فكان عرضها للمرة الأولى في مسرح القصبة برام الله في 11 ديسمبر 2022م، أما عرضها الأخير فكان في بغداد مساء الأربعاء الماضي في افتتاح مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه هذه الأيام الهيئة العربية للمسرح.

بلغت مدة العرض المسرحي ساعة وبضع دقائق، والتقط فيه المخرج الفرنسي أهم ثيمة في عمل الفنان الفلسطيني وهي الحُلم؛ الحلم بحياة أفضل، أو لنقل بتعبير أكثر دقة الحلم بحياة أقل تنغيصًا ومكابدات من تلك التي يعيشها الغزيّون منذ عام 2007 حين فُرِض عليهم الحصار الجائر. «الحلم أداة سياسية لتذكير العالم بطريقة مختلفة، فالحلم نوع من محاولات التغيير»، هكذا قال لويشيمول في أحد تصريحاته الصحفية، ولذا فقد اعتمد في مسرحيته التي شاركته كتابتها خولة إبراهيم على ثلاث شخصيات حالمة؛ رجل المترو (أدى دوره الفنان أحمد طوباسي) الذي يحلم بتقصير المسافات بين مدن غزة ومستشفياتها عن طريق مترو يربط بينها من تحت الأرض، والفتاة القادمة من مدينة حيفا (أدت دورها الفنانة شادن سليم) بحثًا عن صديقها الغزّيّ المجهول الذي لا تعرف منه إلا اسمه الأول «جميل» (ولا تخفى هنا رمزية الاسم)، والفتاة الأخرى (أدت دورها الفنانة ياسمين شلالدة) التي وجدت هاتفا جميلا ملقى في أنقاض مجزرة من المجازر الكثيرة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، والتي نعرف من سردها أيضًا أنها فقدت أفرادًا من عائلتها في المجازر اليومية.

وإذن؛ فالعرض أساسه هذه الشخصيات الثلاث، ويمكن أن نضيف إليها شخصية جميل الصامت الذي لا يظهر إلا بظهره وهو على كرسيّه المتحرك. ونتعرف على حكايات هذه الشخصيات بطريقة مسرح بيكيت؛ الكاتب الإيرلندي الشهير، الذي يقوم مسرحه على شخصيات قليلة بلا صراع درامي واضح، ولا حبكة بمعناها التقليدي، وبتقشف في السينوغرافيا. هذا التقشف رأيناه أيضًا في سينوغرافيا «مترو غزة»، إذ لم تزد عن مقاعد شبيهة بمقاعد انتظار المترو، وخلفية بيضاء تبدو حينًا كجدار، وحينًا آخر ينفتح فيها باب يدخل منه الممثلون، وحينًا ثالثًا تتحوّل إلى شاشة عرض تظهر عليها مقاطع فيديو تتضمن مشاهد حقيقية مما تعانيه غزة من اعتداءات وقصف وتدمير بمؤثرات صوتية لقنابل تنفجر، أو صواريخ تدك أراضي القطاع.

وعلى ذكر بيكيت فقد ورد اسمه في واحد من أجمل حوارات المسرحية، حين سألت فتاةُ حيفا رجلَ المترو ماذا ينتظر فأجابها: «جودو»، في إشارة إلى مسرحية بيكيت الأشهر «في انتظار جودو» فكان أن اندهشت وسألتْه: «أنت تعرف بيكيت؟»، أجابها غاضبًا بكلام مفاده أن الفلسطينيين ليسوا فقط كما نُمِّطوا في الموت والأسر والعذابات، فهم أيضًا يحبون الحياة ويدخلون الجامعات ويقرأون ويعرفون أدباء العالم بمن فيهم بيكيت وكافكا، وهذا الأخير لا يكتفون بقراءته فقط بل يعيشون عوالمه في فلسطين المحتلة.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن هذا التنميط للفلسطينيين كان أحد محفزات الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله - الذي كان في مسقط الأسبوع الماضي- على الكتابة المغايرة عن حياة الفلسطينيين، كما هي الحال في روايته «أعراس آمنة»، وله حوار قديم لموقع «إيلاف» يقول فيه: «ما نكتبه هو مقاومة لفكرة تسعى إلى تنميطنا وتحويلنا إلى تماثيل تمتشق السيوف أو الحجارة في أيديها الملوِّحة، وإذا كان من مهمة للأدب الفلسطيني فهي أن يقول: إن الفلسطيني كائن بشري له قلبه وأحلامه الصغيرة وله أفراحه وأحزانه، أن يقول: إن الأم التي تزغرد في جنازة ابنها الشهيد هي الأم التي تبكيه بكاء لا يتصوره العقل حين يغادر الناس. وفي اعتقادي ما كان يمكن لهذا الشعب أن يقاتل أعداءه، أو أولئك الذين يتناسلون من رحم أعدائه، لو لم يكن يحب الحياة فعلا، وإلا عن أي شيء يدافع هذا الشعب منذ أكثر من مائة عام، إن لم يكن يدافع عن جمال هذه الأشياء؟».

وبالعودة إلى الفنان الفلسطيني الغزّاوي محمد أبو سلّ الذي كُتِب اسمه أيضًا كمعدٍّ للمسرحية، فقد دأب هذا الفنّان على توثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لغزة في أعماله الفنية، إذْ أقام عام 2017 معرضا آخر في غزة بعنوان «راحة الآلام» هو عبارة عن سبعة أعمال متعددة الوسائط تعيد بصريا بناء البيت/ المكان الغزّي الذي دمرته اعتداءات إسرائيل المتكررة خلال أقل من عقد. كما وثق بواسطة مشروعه الفني «منتجات بشعة لا تفي بحقوقكم» عام 2021 أدوات الاحتلال الإسرائيلي كالقنابل الفتاكة وجدار الفصل العنصري وغيرها. ومن المحزن والمؤسف أنه فقد بيته والأستديو الخاص به خلال حرب الإبادة الجماعية الأخيرة التي تشنها إسرائيل على غزة، لكن عزاءه -وعزاءنا أيضًا- أن أعماله الفنية لم تذهب سدى، وأن حلم مترو غزة تحقق بالفن وإن لم يتجسد بعدُ على أرض الواقع.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مترو غزة

إقرأ أيضاً:

الفيلم الفلسطيني ولدت مشهورًا يحصد جائزة لجنة التحكيم بمهرجان الرباط

فاز الفيلم الفلسطيني القصير ولدت مشهورًا ، للمخرج لؤي عواد بجائزة لجنة التحكيم في الدورة السادسة من مهرجان الرباط للفيلم الكوميدي، لتكون ثاني جوائزه بعد التنويه الخاص من مهرجان روتردام للفيلم العربي.
 

فيلم How to Train Your Dragon يتخطى حاجز الـ 350 مليون دولار عالميا"بنزين" يجمع ناهيلي ودودج وMAR5 في تعاون موسيقي عابر للثقافات


تدور أحداث الفيلم حول كامل الذي يبدأ في رحلة لاستكشاف حريته الشخصية وخصوصيته نتيجة لشعوره بالانحصار وغياب الخصوصية في بلدته الفلسطينية الصغيرة والمُحافظة.

يتحدى الفيلم التصوير السائد للفلسطينيين، والذي غالبًا ما يركز على الصراع والاحتلال، من خلال تسليط الضوء على الحياة اليومية ونضالات الشباب، مع تناول التوقعات المجتمعية والضغوط للامتثال للمعايير التقليدية، مثل الزواج.

شهد الفيلم عرضه العالمي الأول بالمهرجان العالمي للأفلام الآسيوية وبعدها مباشرةً شهد عرضه العربي الأول بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما شارك في عدة مهرجانات سينمائية دولية منها مهرجان روتردام للفيلم العربي، مهرجان القاهرة للفيلم القصير، ومهرجان أيام قرطاج السينمائية، ومهرجان الفيلم العربي سان دييغو.

الفيلم من تأليف وإخراج ومونتاج لؤي عواد، وبطولة منذر بنورة، خالد المصو، وليندا جرايسة، ومدير تصوير نور أبو كمال، وحركة الكاميرا لسيف هماش، وصوت يزن فارس، وتصميم إنتاج لصفية جاد الله، وإشراف مجدي العمري. 

طباعة شارك ولدت مشهورا مهرجان الرباط مهرجانات فنية

مقالات مشابهة

  • الفيلم الفلسطيني ولدت مشهورًا يحصد جائزة لجنة التحكيم بمهرجان الرباط
  • إخماد حريق محل فطاطري بمحيط محطة مترو عزبة النخل في القاهرة
  • 563 مليون دولار عجز الميزان التجاري الفلسطيني خلال أبريل 2025
  • إغلاق محطات مترو في إسطنبول حتى إشعار آخر
  • «طرق دبي» تعلن توسعة محطة مترو برج خليفة / دبي مول لزيادة طاقتها الاستيعابية 65%
  • أول تعليق من الناشط الفلسطيني محمود خليل بعد الإفراج عنه في أمريكا
  • صراع التتويج بين العميد وبلوزداد.. و”الشامبينزليغ” في المزاد
  • قاض أمريكي يقرر الإفراج عن الناشط الفلسطيني محمود خليل
  • السلطات الأمريكية تطلق سراح الناشط الفلسطيني محمود خليل
  • قاض أميركي يأمر بالإفراج عن الناشط الفلسطيني محمود خليل