أثارت موجة الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر قلق شركات الشحن، التي حولت مسار السفن من منطقة الخطر التي يمر منها نحو 12% من إمدادات العالم النفطية المنقولة بحراً، ما مثل زعزعة لأسواق الطاقة العالمية، ومع ذلك لم يؤثر ذلك على أسعار الطاقة.

فخام برنت القياسي تراجع بلندن، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، ليصل إلى حوالي 78 دولاراً للبرميل، ولم يتحرك السعر القياسي الأمريكي إلا بالكاد منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، ولا يزال عند مستوى 73 دولارًا للبرميل.

فما الذي يفسر عدم الاستجابة من أسواق الطاقة؟ يجيب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، بأن التقديرات الخاصة بسوق النفط أصابها "الابتذال"، فقبل عام، ومع احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وخفض منظمة أوبك إنتاجها، وخضوع النفط الروسي للعقوبات، توقع العالم سوق نفط ضيقة إلى حد ما، ما يعني أن العرض قد يتعرض لضغوط شديدة لمواكبة الطلب، وبدلاً من ذلك شهدت السوق إنتاجًا قياسيًا من النفط.

وبلغ الإنتاج القياسي حد قيام إيران، التي لا تزال تعاني من العقوبات الأمريكية، بإضافة نصف مليون برميل يوميًا إلى الإنتاج العالمي.

وسادة إنتاجية

وفي السياق، قال نائب رئيس شركة "فورين ريبورتس" لاستشارات مجال الطاقة في واشنطن، مات ريد: "في الواقع، تتمتع السوق بقدر أكبر من الحماية مما كنا نتفاوض عليه. لقد شعر الجميع بالذعر بشأن روسيا، وفي النهاية كان عام 2023 يدور حول الإمدادات الأمريكية والبرازيلية، ثم البراميل الإيرانية الإضافية التي تم التغاضي عنها".

هذه "الوسادة" التي أسندت سوق النفط هي "القدرة الإنتاجية الاحتياطية"، بحسب ريد، مشيرا إلى أن منظمة أوبك واصلت خفض إنتاجها في محاولة يائسة لدعم الأسعار، ولم ينجح الأمر بالكامل، بفضل تدفقات النفط في بلدان أخرى.

 لكن هكذا تطور كان له أثر جانبي مفيد، وهو وجود طاقة إنتاج فائضة ضخمة لدى دول منظمة أوبك، التي تقودها المملكة العربية السعودية، مع القدرة على زيادة حوالي 5 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا إذا لزم الأمر.

وعندما يتعلق الأمر بتقدير المخاطر الجيوسياسية، فإن مقدار الركود في نظام السوق وقدرته الاحتياطية تشكل أداة مهمة لامتصاص الصدمات من شأنها أن تقلل من المخاوف بشأن مخاطر العرض الحالية، وهو ما لم يكن متحققا عندما ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية في عام 2008، إذ كانت الطاقة الإنتاجية الفائضة في السعودية منخفضة للغاية.

انخفاض الطلب

وفي الوقت نفسه، لم يكن الطلب العالمي على النفط الخام ساخنا كما كان متوقعا، وخاصة قرب نهاية عام 2023، وفقد تعطش الصين للنفط بعد الوباء زخمه في وقت لاحق من العام ذاته، وانخفض نمو الطلب العالمي بشكل حاد.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، في أحدث توقعاتها لسوق النفط، أن يستمر هذا الاتجاه مع نمو صحي للإمدادات العام المقبل إلى جانب نمو الطلب الذي سيكون نصف قوته في عام 2023 بسبب الرياح الاقتصادية المعاكسة والاعتبارات البيئية.

اقرأ أيضاً

توترات البحر الأحمر.. بلومبرج: الحركة بقناة السويس وصلت لأدنى مستوياتها منذ أزمة إيفر جيفن

ناقلات النفط

وإضافة لذلك، فإن حملة الحوثيين، رغم أنها مدمرة لخطوط الشحن التجارية، لم تستهدف حتى الآن ناقلات النفط أو منشآت إنتاج النفط، ويرجع ذلك جزئيا إلى الهدنة بين السعودية وإيران، التي أبقت بعض أهم المنشآت النفطية في العالم خارج خط النار، على عكس عام 2019، عندما ضربت هجمات بطائرات مسيرة منشأتين رئيسيتين لمعالجة النفط في السعودية.

وفي السياق، قال كيفن بوك، المدير الإداري لـ ClearView Energy Partners، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة بواشنطن: "هذه تهديدات للنقل الإقليمي، وليس للإنتاج"، موضحا: "كان من الممكن أن يكون التقارب الذي توسطت فيه الصين بين طهران والمملكة العربية السعودية في خطر، لكننا في وضع مختلف، على الأقل في الوقت الحالي".

وفي حين أعادت بعض شركات الطاقة، مثل شل وبريتش بتروليوم، توجيه ناقلاتها لتجنب البحر الأحمر، لم يضف ذلك إلى رحلات الشحن سوى مزيد من الوقت والكلفة، لكنه لم يؤد إلى خروج الإمدادات من السوق، وهو ما علق عليه بوك بقوله: "زمن الوصول إلى السوق يختلف عن فقدان مصدر الطاقة".

ومن جانبه، قال ريد: "في حين تبدو هجمات الحوثيين عشوائية إلا أنه لا يزال هناك أسلوب للجنون. ويحرص المسلحون حتى الآن على عدم مهاجمة ناقلات النفط المحملة، الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة بيئية ضخمة".

وأضاف: "معظم السفن المستهدفة هي ناقلات البضائع السائبة الجافة وسفن الشحن، وليست ناقلات النفط. أعتقد أن هذا متعمد. إذا قتلوا البحارة، فستنزعج بعض الدول. إذا اصطدموا بناقلة وتسببوا في كارثة بيئية، فسيغضب العالم".

القلق قائم

وتؤكد "فورين بوليسي" أن لامبالاة سوق الطاقة خلال الشهر الماضي بهجمات البحر الأحمر لا تُبطل النموذج القديم الذي أعطى الأولوية لأمن تدفقات الطاقة في الشرق الأوسط لكنها انعكاس لعالم جديد، أدى فيه إنتاج النفط الأمريكي، الذي يبلغ الآن أكثر من 13 مليون برميل يوميا ويتزايد، إلى تغيير الأهمية النسبية لما كان في السابق شريان الحياة لأوروبا والولايات المتحدة، ومؤخرا آسيا.

لكن الأمور قد تتفاقم في المنطقة، خاصة في ظل الجهود المستمرة التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتقليل قدرات الحوثيين واحتمال شن هجمات مباشرة على الناقلات وأصول الطاقة الأخرى.

أسعار الطاقة تجاهلت كل شيء حتى الآن، لكن كل هذا قد يتغير، خاصة إذا عززت إيران جهودها للتصعيد الإقليمي، وهو ما علق عليه بوك بقوله: "خطر العدوى والحريق لا يحظى بالتقدير الكافي. إذا وصلنا إلى نقطة يصبح فيها التصعيد خطرا على الإنتاج، وهذا أمر ممكن، فيمكن أن نرى ارتفاعا في الأسعار".

اقرأ أيضاً

ستريت جورنال: شل توقف جميع شحناتها بالبحر الأحمر لأجل غير مسمى 

المصدر | فورين بوليسي/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: البحر الأحمر الطاقة اليمن الحوثيين إسرائيل البحر الأحمر ناقلات النفط إنتاج ا

إقرأ أيضاً:

من 5 مراحل.. خطة سورية لتطوير قطاع النفط حقل نفطي

وقالت الشبكة، إن الإدراتين والأمريكية ناقشتا الخطة والإجراءات الفعلية لتنفيذها التي تتضمن استعادة الأصول وتأهيلها وصولًا إلى التصدير والعلاقات التجارية الأوسع نطاقاً وإطلاق كيانات جديدة من بينها إنشاء كيان قانوني يُدرج في البورصة الأمريكية، على أن يمتلك صندوق سيادي خاص بالطاقة في سوريا 30% منه.

ويأتي الكشف عن تفاصيل الخطة بعد أيام من إصدار وزارة الخزانة الأمريكية قرارًا بتخفيف العقوبات على سوريا.

وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة أرغنت للغاز الطبيعي المسال، جوناثان باس، الذي يقود جهود ثنائية مع الجانبين لتمرير الخطة- فإنها تسعى إلى "استعادة قطاع النفط والغاز السوري، واستقراره وتنميته باعتباره حجر الزاوية في التعافي الوطني وأمن الطاقة والسيادة الاقتصادية".

 بموجب الخطة سيتم تأسيس شركة جديدة يُطلق عليها "شركة الطاقة السورية الأمريكية" SyriUS Energy" تترجم التعاون المشترك بين الطرفين السوري والأمريكي في تطوير القطاع، وبمشاركة شركات طاقة أمريكية كبرى. 5 مراحل

وبحسب الشبكة، تنقسم الخطة إلى خمس مراحل، حيث سيتم في المرحلة الأولى العمل على إرساء الأمن، وتقييم الوضع الراهن واستعادة الأصول، بالإضافة إلى تأمين حقول النفط ذات الأولوية (العمر والتيم والتنك والحسكة) مع وضع خطة للحقول الأخرى، علاوة على إجراء تقييمات فنية لخطوط الأنابيب والمصافي وخطوط الكهرباء، وكذلك رسم خريطة لاحتياجات البنية التحتية لإمدادات الوقود الطارئة وتحديد أولوياتها.

أما المرحلة الثانية، فتشمل (استقرار الإمدادات المحلية) من خلال إعادة تأهيل مصفاتي حمص وبانياس، وكذلك تشمل إعادة تأهيل شبكات الأنابيب الرئيسة، بدءًا بخط الغاز العربي، وتوسيع نطاق الوصول إلى الغاز الطبيعي للاستخدامات المنزلية وإمدادات الطاقة".

بينما تشمل المرحلة الثالثة تطوير كيان (مدرج في بورصة نيويورك أو ناسداك)، يمتلك ويدير الأصول، بهدف تعزيز أو إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص، وضمان الاستثمار بشكل آمن وجذاب، بالإضافة إلى إنشاء شركة وطنية سورية جديدة للنفط تحت اسم SyriUS Energy، مع جذب وتنسيق الخبرات الفنية الأجنبية بما يتماشى مع المصالح الوطنية السورية.

 كما تتضمن المرحلة الثالثة تصميم عقود خدمات المخاطر وتقاسم الإنتاج مع الدول الحليفة، من خلال شركات النفط الأمريكية الكبرى في هيوستن، مثل: إكسون وشيفرون وكونوكو فيليبس، إكسيليريت وتوتال إنيرجي وشل، وغيرها من شركات قطاع النقل والتكرير والإنتاج.

وتشمل المرحلة الرابعة آليات الحوكمة والشفافية، من خلال إنشاء كيان مدرج في البورصة الأمريكية، يمتلك صندوق سيادي خاص للطاقة في سوريا نسبة 30% من أسهمه، لإدارة وتوزيع عائدات النفط بشفافية وثقة؛ ما يوفر الشفافية للكيانات العامة الأجنبية.

تضاف إلى تلك الخطوات رقمنة أنظمة وزارة النفط وتأسيسها، وإجراءات مكافحة الفساد، وربط استخدام الإيرادات بالبنية التحتية الوطنية، والصحة، والحصول على الطاقة.

وفيما يتعلق بالمرحلة الخامسة، يتم الاستعداد خلالها لعمليات التصدير والتكامل الإقليمي في مجال الطاقة، ذلك من خلال الاستعداد للصادرات القانونية والمرحلية عبر العراق وإسرائيل أو الموانئ الساحلية المُعاد تأهيلها إضافة لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية من خلال التكامل مع الدول المجاورة في البنية التحتية للطاقة، مثل: شبكات الكهرباء المشتركة، وخطوط أنابيب الغاز والنفط، كأداة

مقالات مشابهة

  • أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الاربعاء 28-5-2025 في محافظة قنا
  • حماية المنافسة يلزم الشركات بزيادة الطاقة الإنتاجية.. مَن وراء ارتفاع أسعار الأسمنت؟
  • قصة الحاج القذافي الذي عادت الطائرة مرتين لتقلّه إلى السعودية – فيديو
  • أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الثلاثاء 27-5-2025 في محافظة قنا
  • من 5 مراحل.. خطة سورية لتطوير قطاع النفط حقل نفطي
  • "ذا صن": السعودية ترفع الحظر عن الكحول في 600 وجهة بحلول 2026
  • ذا صن: السعودية ترفع الحظر عن الكحول في 600 وجهة بحلول 2026
  • بغداد ترفع دعوى قضائية ضد إقليم كوردستان بسبب عقود النفط الجديدة
  • ما وراء الخبر.. ما الذي يقوله الهجوم الروسي الواسع على أوكرانيا؟
  • "قرة لمشروعات الطاقة والاستثمار" تنظم ورشة عمل بالتعاون مع ميتسوبيشي "إم أتش أي إنجين سيستم الشرق الأوسط" لاستعراض أحدث المحركات البحرية في مصر