إسرائيل هشة جدا.. وقوتها من خارجها
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
رغم الكثير من مظاهر التقدم العلمي والمعرفي في «دولة» الاحتلال الصهيوني فإنها تبقى دولة هشة سريعة التشظي؛ لأنها لا تملك مقومات بناء الدولة الواحدة القادرة على الاستمرار في ظل غياب الهُوية الواحدة. إن استدعاء التاريخ مهم جدا في هذه المرحلة من مراحل المواجهة مع إسرائيل حتى يستطيع الجميع فهم مسار الأحداث وفهم تفكير العدو.
تتكوَّن إسرائيل، حتى اليوم، من مجموعة كبيرة من الهويات والثقافات التي جاءت بها الجماعات اليهودية التي هاجرت من كل بقاع الدنيا إلى إسرائيل مع بداية القرن الماضي. كان بن جوريون يحلم بصهر كل الهُويات والثقافات التي جاء بها المهاجرون في بوتقة واحدة يسمّيها «الهوية اليهودية» و«الثقافة اليهودية» إلا أن حلمه رغم مرور أكثر من 75 عاما لم يتحقق بل إن الفوارق زادت كثيرا بين كل الهويات والثقافات وظهرت العنصرية في أبشع صورها، كما ساهمت تلك الهويات والثقافات في صعود اليمين المتطرف في إسرائيل.
وإذا كان بن جوريون اعتقد أن الخدمة العسكرية الإجبارية لمدة ثلاث سنوات لكل «إسرائيلي» يمكن أن تقلّص الفروق الإثنية بين الجماعات اليهودية القادمة من الشرق والغرب وتجعلهم يندمجون في مجتمع واحد هو «المجتمع اليهودي» إلا أنه وقع في شر أعماله حينما أنشأ فكرة المستوطنات بهدف تطوير «يهود المشرق» ليواكبوا يهود المغرب الأمر الذي زاد الفوارق بين الجانبين، كما أنه كرّس فكرة «الجيتو» أو المنعزل الذي كان يعيش فيه اليهود أينما كانوا في مختلف بقاع العالم في ظل عدم تمكنهم من الاندماج مع المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها.
ومرة أخرى نعود للقول إن «دولة» إسرائيل هشة جدا من الداخل، رغم منجزاتها العلمية والعسكرية، ويعود سبب هشاشتها إلى ضعف تركيبة المجتمع فيها التي تشكل خليطا من جماعات متفرقة لا يجمع بينها إلا وهم الدولة «اليهودية» رغم أن «الدولة» الإسرائيلية لم تستطع حتى الآن ولم يستطع مفكروها تعريف من هو اليهودي؟ وما هي اليهودية؟
إن المجتمع الإسرائيلي مكون من جماعات يهودية لا ترتبط بثقافة واحدة، فكل جماعة جاءت بثقافتها؛ فيهود الاتحاد السوفييتي جاؤوا بثقافتهم وطموحاتهم وأحلامهم المادية، ويهود إفريقيا جاؤوا بطموحاتهم وأحلامهم وأوهامهم، وكذلك يهود أوروبا رغم أن بينهم الكثير من التفاوتات أيضا، وكذلك جاء يهود أمريكا. وهذا الخليط رغم المحاولات المستميتة لجمعه في هوية واحدة وثقافة واحدة لم تستطع «الدولة» في إسرائيل فعل ذلك أبدا.. ولن تستطيع.
لكن لا بد من الإشارة المهمة إلى أن القوة التي نراها في إسرائيل، وهي لا شك قوية في الكثير من نواحي بنائها، فإنها لا تأتي من داخلها وإنما من الخارج! وقد قامت بريطانيا في البداية بهذا الدور قبل أن ينتقل الأمر للولايات المتحدة الأمريكية. والغرب ينظر إلى إسرائيل عبر مسارين: الأول يتمثل في أن دولة إسرائيل خلّصت الغرب من «المسألة اليهودية» المعروفة في التاريخ وفيها الكثير من التفاصيل. أما المسار الثاني: فيتمثل في زرع «دولة» وظيفية في خاصرة العالم العربي، تفصل بين الشرق والغرب وتقوم بالأدوار الوظيفية التي يحتاجها الغرب.. وهي تقوم بهذا الدور على أكمل وجه. ويمكن عبر ذلك أن نفهم الاستنفار الكبير الذي قام به الغرب في اللحظة التي رأى فيها هول ما حدث يوم السابع من أكتوبر.
ولذلك لا يمكن أن نتوقع بسهولة أن يتخلى الغرب عن إسرائيل ما دامت تقوم بالوظيفة التي أُنشئت من أجلها. أما إسرائيل نفسها فإنها تقوم على الكثير من الأوهام والأكاذيب الداخلية التي بدأت بفكرة «دولة بلا شعب، لشعب بلا دولة». ورغم سطحية الأوهام التي تقوم عليها الفكرة الداخلية لإسرائيل وضعف منطقها فإن دراستها وفهمها من قبل العرب أمر في غاية الأهمية وخاصة للدول العربية التي أصبح بينها وبين إسرائيل علاقات دبلوماسية وود كبير.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
الاستقلال؛ كيف يكون مكتملاً بعد 79 عاماً..؟؟
صراحة نيوز ـ نضال المجالي
في الذكرى التاسعة والسبعين لإعلان استقلال الدولة الأردنية، وبعد ما تحمله المناسبة من رمزية عز وفخار في النفوس، تجعلنا جميعا نعزز راية الوطن ونعلو في أركانه شأنا، يجب أن يقال وبخاصة للأجيال الجديدة إنّ الأمّة تتذكّر ولا تنسى. فلا وجود لأمّة تنسى ولا وجود لأمّة لا تتذكّر. وبقدر ما كبر الاردن في عمره الاستقلالي سنوات وسنوات، بقدر ما يحتاج ان يكون يوم ذكرى استقلاله يوم تأمّل في معنى الاستقلال عن العالم، وفي معنى العلاقات مع المحيط حوله، ومع أحداث العالم كلّها التي تؤثّر فيه سلباً وإيجاباً، وفي معنى البناء الداخلي منعة من كل المخاطر والشرور.
نستطيع القول من دون أدنى شك وبعد مرور ما يزيد عن مئة عام من عمر الدولة تأسيسا، إنّ الاردن اليوم لا يزال يحمل مشروعاً يحتاج قراءة في اكثر من معلم من معالم وأركان التأسيس والاستقلال. الاحتفال فكرة جميلة وضرورة هامة تحتاج ان تتجسّد في قضايا هامة في الارتقاء بالدولة، كما نتمنّى وكما يدعو كل من رفع راية الاستقلال منذ اول أيامه وحتى ما نسمعه ونراه في كل خطاب وتوجيه ملكي هذه الايام، وسأسرد في مقالي بعضا منها لعل من يقرأ يكن يوما في مركز قرار، فيتذكر ان مهما امتدّت سنوات الاستقلال يجب ان يوافقها امتداد معاني ورمزية ومستقبل الاستقلال في اركان الدولة من مؤسسات وقوانين وانظمة وخطط ورؤى اصلاحية وليس فقد استذكار يوم محدد.
الاستقلال لا يكتمل إلا ببناء المشروع الوطني الواحد والمستدام للدولة، دون شوائب او تراخ في ان تكون الأردن دولة مانعة في مواجهة اي خطر او تهديد او اي عنصر يؤثر على البقاء حتى في أقصى الظروف، وسأبدأ بضرورة بناء جيل يعي الرمزية في ثوابت الوطن كالعَلمْ والأرض والقيادة، مقابل ما يحمله للأسف اغلب الجيل من رمزية في لاعب كرة قدم او ممثل او مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي، ثانيها بناء وصون واستدامة موارد الدولة لتكون محل ارتكاز اقتصاد المستقبل، بدل ان تملك شركات اجنبية امتيازها وتعيين ممثلين لها من ابناء الوطن حملوا هم الامتياز للأجنبي تكسبا، وثالثها الإصلاح الزراعي والمائي والغذائي كونها اركان العيش الاساس، فلا نسمع يوما عن صيف صعب لقلة المياه ونسمع عن قضايا لشخوص تسرق الماء منذ سنوات، او نسمع انقطاع مواد غذائيه اساسية مقابل سطوة «هوامير» الاستيراد والتصدير لزراعات نوعية او انتاج مواشي، ورابعها بناء منظومة تعليمية وصحية فاعلة نموذجية في شكل الخدمة لا شكل البناء كان عدد منها ما تم بدعم خارجي، وخامسها تدريب وتوظيف اردني في بلد يزيد عدد العمالة الاجنبية فيه عن مليون ونصف مليون عامل معلن رسميا من نحو ٢٥ جنسية مقابل تسجيل ثلث هذا الرقم فقط بطالة أردنية، وقائمتي تطول ولا تنتهي من اسس هامة ملزمون حكومة ومؤسسات وأفراد ان تحاكي الاستقلال للاردن الذي يعلم جميعنا ان «هوشة» في اي دولة محيطة به يعلنها رسميون عقبة ومعطل في مؤشرات النمو السياحي والاقتصادي!.
لم يعد اليوم جائزاً للاردن أن يبقى كما كان قبل تسعة وسبعين عاماً قبل الاستقلال، وكما كان قبل مئة عام من التأسيس، مقابل ما سيطرأ على العالم والمحيط حولنا من تطوّرات وتغيّرات لا يستطيع ابناء وطننا أن يواجهها بما واجه به نفسه والعالم منذ تسعة وسبعين عاماً. إنّ كلّ يوم يمرّ، سواء أكان الخامس والعشرين من ايار أم غيره، يحمل إلى الاردن أحداثاً عربية وإقليميّة وعالميّة متحرّكة تلزم لمواجهتها دولة متحرّكة في التصدّي لها، ومتحرّكة في التحكّم بها، ومتحرّكة في الإفادة منها، ومتحرّكة في منع ضررها. ولنعلم ان الدعم والمبادرات الخارجيّة لم تعد هي الملاذ رغم حاجتها واهميتها، فيما لم نؤمن ونعمل محلياً وطنياً لبناء النموذج الاردني المانع، وقد لمسنا مثال واحدا لا اكثر نحو صورة هامة لخطوة من خطوات المنعة على مستوى المنح مثلا كانت مطالبات وتحركات دولة الرئيس وإقناع شركات كبرى محددة في دورهم لمنعة محلية، وان أعجبت البعض فهي لا شيء مقابل ما يستحق الوطن من جميع شركات ومؤسسات الموطن وما استفادوا منه.
ويمكن القول بصراحة وقوة وبكامل الصدق وبصوت مرتفع، ان من حافظ على الصورة البهية للاستقلال من جانب نكرره دائما اننا بلد «الامن والأمان» هما المؤسسة العسكرية والأمنية، فقد حملوا الهم والعبء الداخلي والخارجي لبقاء الاستقلال والاردن مكانة لا يستهان بها في ضبط ميزان المنطقة، كما ورد على لسان كثير من القادة والرؤساء الأجانب بحق الأردن، وكما نعيشه يوميا على تراب الوطن، كما ونصدح ونقول بكامل الوعي والإيمان والقوة ان لا صوت وتمثيل للأردن اقوى في الملف الخارجي من صوت جلالة الملك، الذي نحمد الله انه هو من يحمل هذا الملف لا غيره، فبقينا نقطة اساس وارتكاز وحضور في اي محفل ولقاء وتفاوض وسياسة خارجية، فكان القائد والجيش من حملوا حتى اليوم الاستقلال فمتى يأتي دورنا نحن؟