الوجود الأمريكي في العراق وسوريا.. واقعية الانسحاب ومصير حلفاء واشنطن
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
تصاعد الحديث مؤخرا حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق وسوريا، في وقت تتوالى فيه التحذيرات من انعكاس حرب غزة على المنطقة كلها.
وبدأ الأمر بتقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، نقلت فيه عن مسؤولين أمريكيين حديثهم عن قرار بالانسحاب من سوريا، إذ ترى واشنطن وجودها في سوريا لم يعد ضروريا، مؤكدة أن مناقشات مكثفة تدور حاليا لبحث توقيت وكيفية سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا.
كذلك في العراق تصر القوى المدعومة من إيران على انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، خصوصا بعد القصف الذي تعرضت له مقار لفصائل مسلحة تتهمها واشنطن بقصف قواعدها في العراق وسوريا مؤخرا.
ورغم النفي الأمريكي لتسريبات "فورين بوليسي" فإن حديث الانسحاب يبدو مطروحا للنقاش في أروقة البيت الأبيض، بالنظر إلى التوترات في المنطقة، وفشل الإدارة الأمريكية بتحقيق مبتغاها في البلدين الجارين.
العراق
ويخضع الوجود الأمريكي في العراق لعدة عوامل، على رأسها الاتفاقية الأمنية التي وقعتها حكومة المالكي مع الولايات المتحدة عام 2009، بالإضافة لما فرضه الواقع عام 2014 إبان سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء واسعة من البلاد، ما دفع واشنطن لإنشاء تحالف لحرب التنظيم، وإرسال قوات إضافية للعراق.
كما يعتبر تواجد القوات الأمريكية في العراق حلقة من سلسلة علاقات تضبط الوضع في العراق بالنسبة للحكومات المتعاقبة ببغداد، التي طالما حاولت الإبقاء على توازن علاقتها مع واشنطن وطهران في ذات الوقت.
ومع الحديث عن إنهاء مهمة التحالف الدولي وانسحاب القوات الأمريكية في العراق، أعلنت وزارة الخارجية العراقية الخميس الماضي، أن بغداد وواشنطن ستطلقان محادثات من شأنها أن تؤدي إلى صياغة "جدول زمني محدد" يؤطّر مدّة وجود التحالف الدولي في العراق، ومباشرة الخفض التدريجي لمستشاريه.
ومن المقرر أن يجري مسؤولون عسكريون المحادثات لتقييم الاحتياجات العملياتية وفعالية قوات الأمن العراقية والتهديدات التي تواجهها، والتي سيحدد الجانبان بناء عليها مدى سرعة إنهاء التحالف تدريجيا، وكيف ستبدو العلاقات الثنائية المستقبلية.
وتنشر الولايات المتحدة 2500 عسكري في العراق لتقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية، لمنع عودة تنظيم الدولة، بالإضافة لمئات العسكريين من دول أخرى أغلبها أوروبية في العراق يعلمون ضمن التحالف.
وتتوزع خريطة انتشار القوات الأمريكية في العراق على عدة قواعد، أبرزها عين الأسد في محافظة الأنبار غربا، وقاعدة حرير في أربيل شمالا، بالإضافة لقاعدة فيكتوريا قرب مطار بغداد.
في المقابل، أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، "بدء اجتماعات "فرق العمل هذه خلال لأيام المقبلة.
ورجح مسؤولون من البلدين، أن تستغرق المحادثات عدة أشهر، إن لم يكن أكثر، غير أن نتيجتها ليست واضحة، كما أن انسحاب القوات الأمريكية ليس وشيكا، وفقا لرويترز.
وفي آب/ أغسطس الماضي، اتفقت الولايات المتحدة والعراق، على تشكيل لجنة عسكرية عليا للبحث في الأمر، على غرار مجموعة عمل، وستركز على المرحلة التالية من التحالف المناهض لتنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة.
تأطير وجود "لا انسحاب"
يقول الباحث والكاتب السياسي العراقي نظير الكندوري، "إن الحديث في الأروقة السياسية الأمريكية، ليس عن انسحاب قواتها من العراق، إنما عن إعادة توصيف تلك القوات الأمريكية، وإعطائها مسوغا آخر للبقاء في العراق بعيدًا عن المسوغ الحالي الذي تعتمد عليه، كقائدة للتحالف الدولي لمحاربة داعش".
وأضاف في حديث لـ "عربي21": "هذا ما يعضده تصريحات القادة الأمريكان أنفسهم، حينما قال الكثير منهم، أن انسحاب قواتهم من العراق ليس وشيكًا، كذلك بأن (لا حديث عن انسحاب أمريكي من شرق سوريا)".
وتابع: "حاليا، بدأ الحديث عن الانتقال إلى شراكة أمنية ثنائية مستدامة مع العراق، بمعنى آخر، إن بقاء القوات الأمريكية في العراق لن يطرأ عليه تغيير جذري وحقيقي، إنما فقط تغيير على مستوى حجج بقائها، وكذلك توصيف هذه القوات وطبيعة عملها الجديد، من قوات تحالف دولي، إلى قوات مرتبطة بالحكومة بمعاهدة أمنية مستدامة".
وأوضح الكندوري، "أن الولايات المتحدة لا تفكر بأن بقاء قواتها في العراق، أو حتى في سوريا، هو عبء عليها، وأنها لا تستفيد منه، فالعراق يعتبر من مناطق نفوذ الولايات المتحدة منذ غزوه عام 2003، وكل ما نسمعه عن توغل النفوذ الإيراني في العراق لا يلغي أن للولايات المتحدة القول الفصل في الشأن العراقي، سواء سياسيًا أو عسكريا".
وأردف بأن هذا التواجد يوفر للولايات المتحدة القدرة على التحكم في كثير من الأمور في العراق وسوريا، منها حماية إسرائيل، من خلال بقاء هاتين الدولتين ضعيفتين، وصنع جماعات مسلحة موالية لها مثل القوات الكردية في سوريا "قسد" أو في العراق "جماعة البارزاني"، ويمكنها أن تستخدمها في الرد على أي تهديد للمصالح الأمريكية.
كما أن العراق وسوريا يقعان في قلب الشرق الأوسط، وقريبتان من إيران، وقريبتان من منابع النفط في الخليج العربي، فكيف يمكن أن تغامر واشنطن بالانسحاب منها وهي تدرك أن الصين أو روسيا جاهزتان لتحل محل أمريكا في هذين البلدين؟ وفقا للكندوري.
حينما نرى الأمور بهذا الشكل، نستطيع أن نُفسر السرَّ وراء تمسك الولايات المتحدة بتواجدها العسكري في هذين البلدين.
من يملأ الفراغ؟
ويرى الكندوري، "أن على افتراض جدية الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق، وهذا يعني انسحابها أيضا من سوريا وإقليم كردستان، لأنهما معتمدتان لوجستيا على القوات الأمريكية المتواجدة في العراق. لذلك فإن قدرة كل من قسد أو الحكومة العراقية وحتى حكومة إقليم كردستان على مواجهة التحديات الأمنية ضعيفة جدا".
وأكد الكاتب السياسي العراقي، "أنه في اليوم الثاني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وسوريا، ستدخل القوات التركية إلى مناطق قسد، فيما ستدخل أيضا إلى كردستان العراق بشكل أكثر كثافة بحجة محاربة حزب العمال في البلدين.
وفي العراق، يقول الكندوري: "من الصعب على حكومة بغداد الصمود أمام التحديات التي يفرضها تنظيم داعش والتنظيمات المسلحة التي لا تأتمر بأوامر الدولة العراقية (الفصائل الولائية)، وستشكل تهديدا حقيقا لها، وقد حصل ذلك في العراق، فعندما خرجت القوات الأمريكية، احتلت داعش في عام 2014 ثلث العراق، ولم تستطيع حكومة بغداد مواجهة التنظيم، واضطرت للاستعانة بالولايات المتحدة".
وأكد، "أنه من غير المتوقع أن تترك الولايات المتحدة وتغامر بمصير حلفائها بالمنطقة، كما أنها لن تأمن الجانب التركي والإيراني، من أنهما سيستوليان على تلك المناطق، وتحويلها إلى مناطق نفوذ تابعه لها حالما تغادر القوات الأمريكية منها".
سوريا
بعد التسريبات، سارعت واشنطن لنفي نيتها الانسحاب، حيث نقلت وسائل إعلام عن مسؤول رفيع في مجلس الأمن القومي الأمريكي تأكيده أن إدارة الرئيس بايدن لا تفكر بالانسحاب من سوريا.
كما نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية قوله، "إن التقارير في وسائل الإعلام، التي تفيد بأن الولايات المتحدة تدرس إمكانية سحب قواتها من سوريا، خاطئة ولا يمكن الاعتماد عليها".
ويتمركز الجيش الأمريكي بسوريا في 28 موقعا، منها 24 قاعدة عسكرية وأربعة نقاط، تضم حوالي 900 جندي.
وتتوزع القواعد الأمريكية شرق سوريا، من مناطق شرق نهر الفرات من جنوب شرق سوريا بالقرب من معبر التنف الحدودي، إلى الشمال الشرقي بالقرب من حقول رميلان النّفطيّة، في محافظتي الحسكة ودير الزور.
ومن أهم نقاط تواجد القوات الأمريكي في سوريا "حقول كونيكو وعمر النفطي والرميلان، وقواعد التنف والشدادي وهيموس وتل بيدر والمالكية".
رسائل إعلامية
ويرى الخبير العسكري السوري أديب العليوي، "أن قضية الانسحاب الأمريكي من سوريا إعلامية أكثر منها واقعية، وتثار عادة قبل كل انتخابات، كما حدث في انتخابات 2020, وكذلك يطرح الآن موضوع الانسحاب، فهي رسائل لأكثر من طرف، أهمها الداخل الأمريكي".
وأضاف في حديث لـ "عربي21”، "أن الوجود الأمريكي في سوريا حقق حالة التوازن التي تريدها واشنطن، بإبقاء الصراع على ما هو عليه، كما منحها السيطرة على المنطقة الشرقية، وصولا للحدود التركية ".
وتابع قائلا: "إن الوجود الأمريكي دعم قسد، وثبت وجودها في المناطق الغنية بالنفط، للسيطرة على حقول الطاقة بالمنطقة".
واستدرك: "فيما لو حدث الانسحاب، فإن تبعاته ستكون كبيرة، وعلى رأسها سيطرة إيران على المناطق الشرقية بالكامل".
وحول قدرتها على حماية حلفائها في سوريا، قال العليوي، "إن الولايات المتحدة قد تستطيع جزئيا حمايتها لو حدث انسحاب، لكنها لن تستطيع حمايتها بشكل كامل، إذ ستندلع صراعات عديدة في المناطق التي تنتشر فيها القوات الأمريكية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية القوات الأمريكية العراق سوريا إيران الانسحاب روسيا العراق إيران سوريا روسيا الانسحاب المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات الأمریکیة فی العراق انسحاب القوات الأمریکیة القوات الأمریکیة من الولایات المتحدة الوجود الأمریکی العراق وسوریا الأمریکی فی من العراق من سوریا فی سوریا
إقرأ أيضاً:
إردوغان يدعو مادورو إلى مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة
أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مكالمة هاتفية بنظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، ودعاه إلى مواصلة الحوار مع واشنطن على وقع تصاعد مخاوف كراكاس من تحرك عسكري أمريكي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1600588014572-0'); }); وقال أردوغان لمادورو، بحسب بيان لمكتب الرئيس التركي: "من المهم إبقاء قنوات الحوار مفتوحة بين الولايات المتحدة وفنزويلا"، مبديًا أمله في "احتواء التوتر في أقرب وقت ممكن".
أخبار متعلقة زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب ولاية ألاسكا الأمريكيةهجوم مسلح يحرق 15 شاحنة وقود جنوب ماليوأكد إردوغان أن تركيا تتابع من كثب التطورات في المنطقة، وترى أن "المشكلات يمكن حلها بالحوار".قلق الرئيس التركيقالت وزارة الخارجية الفنزويلية في بيان، إن الرئيس التركي أعرب عن "قلقه العميق إزاء التهديدات التي تواجه فنزويلا، وخاصة الانتشار العسكري والإجراءات المختلفة التي تهدف إلى تعطيل السلام والأمن في منطقة البحر الكاريبي".
أضاف بيان الوزارة أن مادورو "شرح بالتفصيل الطبيعة غير القانونية وغير المتكافئة وغير الضرورية وحتى الباهظة لهذه التهديدات".
وبحث الزعيمان أيضًا التعليق الشامل للرحلات الجوية الدولية إلى فنزويلا بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي أنه يجب اعتبار المجال الجوي الفنزويلي "مغلقًا".
ويوم الأربعاء أكد الرئيس الفنزويلي أنه أجرى مكالمة هاتفية ودية مع نظيره الأمريكي قبل 10 أيام.
وأقر ترامب الأحد بإجراء هذه المكالمة من دون الغوص في أي تفاصيل.حشد عسكري أمريكي في الكاريبيفي وقت سابق من هذا الأسبوع، استدعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كبار مسؤولي الأمن القومي لمناقشة قضية فنزويلا بعد أشهر من التوتر مع كراكاس.
ويتهم ترامب مادورو بقيادة كارتيل مخدرات، لكن فنزويلا تنفي ذلك.
وتكثف واشنطن الضغط على كراكاس عبر حشد عسكري في منطقة البحر الكاريبي، حيث نفذت أكثر من 20 ضربة استهدفت قوارب يشتبه في تورطها بتهريب المخدرات، ما تسبب في مقتل 87 شخصًا على الأقل.
والشهر الماضي، أرسلت واشنطن أكبر حاملة طائرات في العالم إلى منطقة البحر الكاريبي، إلى جانب أسطول من القطع الحربية، وأعلنت إغلاق المجال الجوي الفنزويلي في شكل تام.
لتركيا علاقات وثيقة بفنزويلا، وقد زارها إردوغان في ديسمبر 2018 لإعلان دعمه لمادورو بعد أن رفضت واشنطن وعدة دول أوروبية إعادة انتخابه على خلفية اتهامات بالتزوير.
وأورد العديد من المسؤولين الأمريكيين أنه في حال أُجبر مادورو على التنحي فقد يلجأ إلى تركيا.