كييف غير مقتنعة بنهاية الدعم.. هل تُورّط الناتو بالحرب؟
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
لم تقتنع كييف بأنّ الحرب ضد روسيا قد شارفت على الانتهاء، وبأنّ الغرب قد استنفد جميع قدراته لمساعداتها، وما عاد قادرا على إقناع مجتمعاته ودافعي الضرائب لديه بضرورة مدّ أوكرانيا بالأموال والأسلحة من أجل محاربة الجيش الروسي.
ثمّة واقع غربي مجتمعي مستجد لا يستطيع أحد اليوم إنكاره، ويفيد بأنّ التوجه العام (The Mainstream) الداعي إلى وقف التمويل باعتبار أن تلك الحرب "لا تعنينا"، بات أقوى من أيّ دعاية سياسية أخرى، وكذلك أقوى من عناوين الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الرأي وحرية التعبير التي سقطت كلّها بعد حرب غزة، بل أسقطتها الحكومات الغربية، نتيجة دعمها المطلق للجانب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، بما يخالف الأعراف القوانين الدولية.
آخر محاولات كييف من أجل دفع الغرب إلى الاستمرار بتقديم الدعم لها، هي محاولة "جرّ" حلف الشمالي الأطلسي (الناتو) إلى مواجهة مسلحة فوق أراضيها ضد روسيا الاتحادية. إذ تشير تقارير إعلامية روسية وأخرى غربية إلى أنّ كييف لم تتوقّف، برغم كل المعطيات أعلاه، عن التخطط لإثارة هذا السيناريو المستجدّ، مستقبلا، خصوصا في لحظة مفصلية وحساسة، قد تتزامن مع توقف الغرب نهائيا عن تمويلها وتقديم المساعدات العسكرية لها.
مصادر دبلوماسية شديدة الاطلاع على هذا الملف، تشير إلى أنّ بولندا تقود منذ مدّة "مفاوضات مغلقة" مع أوكرانيا، حول إمكانية استخدام طيارين عسكريين بولنديين من أجل قيادة الطائرات الأمريكية "إف-16" من بين تلك التي حصلت عليها القوات المسلحة الأوكرانية مؤخرا من الدول الغربية، وذلك من أجل توجيه ضربات ضد أهدافٍ روسية على الأراضي الأوكرانية.. وهو ما تعتبره موسكو، التي اطلعت على تلك المعلومات، معادلا لـ"أعمال حربية من جانب دولة عضو في حلف الناتو ضد روسيا".
لكن كيف ذلك؟ ولماذا تعتبر موسكو أنّ هذا الفعل هو هجوم يُنفذه حلف "الناتو" ضدها؟
1- خلال المفاوضات حول قضايا الأمن العسكري والسيطرة وكذلك بما يتعلق بقضايا التسلح، التي عُقدت مؤخرا في فيينا، قال رئيس الوفد الروسي كونستانتين جافريلوف صراحة، إنّ إقلاع طائرة "إف-16" التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية من قواعد الحلف في أوروبا "سيعادل بالنسبة لنا مشاركة صريحة في نزاع".
2- يشير الخبراء العسكريون إلى أنّ الخصائص التقنية لطائرات "إف-16" الأمريكية، لا تسمح باستخدامها في الصراع الروسي- الأوكراني إلّا من أراضي دول الحلف حصريا. وعليه، فإنّ استخدام هذا الطراز من الطائرات المقدمة من الغرب للقوات المسلحة الأوكرانية لاستخدامها ضد الجيش الروسي، سيزيد بشكل كبير من احتمال حدوث اشتباك مباشر بين الجيش الروسي وقوات حلف "الناتو".
3- هذا النوع من الطائرات المقدمة من الغرب إلى القوات المسلحة الأوكرانية، قادرة على حمل أسلحة نووية، وهذا في نظر موسكو سيزيد من احتمالية استخدام تلك المقاتلات ضدها. كما أنّ هذه الفئة من المقاتلات هي بطبيعتها "منصة أسلحة عالمية"، قادرة أيضا على حمل أسلحة نووية تكتيكية، وصواريخ من صنف
"AGM-88 HARM" المضادة للرادارات، وكذلك صواريخ "نبتون" المضادة للسفن، وصواريخ "Storm Shadow JAGM" الموجهة ذات الأدوار المتنوعة، وبمدى قد يصل إلى قرابة 400 كيلومتر، وهي تقريبا المسافة الفاصلة بين الحدود الأوكرانية- الروسية والعاصمة الروسية موسكو.. وذلك كفيل باستفزاز موسكو إلى أقصى حدّ، ويضطرها إلى وضع تلك الاجراءات، في حال حصلت في منزلة "استهداف مباشر" لأمنها القومي.
4- يرى الخبراء العسكريون أيضا، أنّ احتمال إسقاط مقاتلة من تلك المقاتلات وهي تحمل سلاحا من بين تلك الأسلحة المذكورة أعلاه، وخصوصا السلاح النووي، سيهدّد بانتشار تلوث نووي خطير فوق الأراضي الروسية وتلك الأوروبية. صحيح أنّ القنبلة النووية تتمتع بـ"أنظمة أمان" لا تسمح لها بالانفجار في الهواء أو لحظة ارتطامها بالأرض، لكنّ خطر التسبّب بالتلوث يبقى قائما.
ولهذا كلّه، فإنّ المصادر الروسية تؤكد أنّ ظهور مثل تلك الأسلحة في أوكرانيا، سيُستتبع من الجانب الروسي بـ"تصعيد خطير وقاسٍ جدا، لن تتحمل كييف وحدها مسؤوليته، بل أيضا الدول التي تساعدها والداعمة لها".
كل هذا يقود إلى الاعتقاد بأنّ المرحلة المقبلة من الحرب الدائرة في أوكرانيا ستشهد تصعيدا كبيرا في حال أصرت كييف على سياسة الاستفزاز، وقد تتسبّب بتوريط دول أوروبية وغربية أخرى في صراع شارف على النهاية عسكريا، لصالح دخوله مرحلة جديدة في المستقبل القريب، عنوانها: التفاوض من أجل وقف الحرب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه روسيا الناتو الصراع روسيا اوكرانيا الناتو تسليح صراع سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المسلحة الأوکرانیة من أجل
إقرأ أيضاً:
دور العرب والإيرانيين في تشجيع ترامب على الانخراط بالحرب
لماذا تخطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كل العوائق والحواجز التي كانت ترجح بأنه لن يورط أمريكا في حرب جديدة في الشرق الأوسط؟ هذا السؤال يفيد في تحليل الوضع الخطير الذي ينزلق إليه الشرق الأوسط، خاصة منطقة الخليج بعد ضرب ترامب لمفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان، لكنه يفيد أكثر في توقع سيناريوهات المستقبل القريب، على ضوء طبيعة تفاعل الأطراف الإقليمية بصورة صحيحة أو صورة خاطئة مع مغزى قيام الولايات المتحدة لأول مرة في التاريخ بقصف إيران.
هناك هذا الركام الهائل من التحليلات التي تربط القرار بعلم النفس السياسي لشخصية الرئيس ترامب المربكة وغير المتوقعة، لكن أهميتها محدودة في تفسير قرارات مصيرية قد تصل لاستدراج الكون لحرب عالمية ثالثة. ولهذا، سنركز على العناصر الموضوعية وليس الشخصية، وفيها سنجد أن ترامب عبر عشرات الحواجز التي كانت تمنعه بشدة من اتخاذ قرار الحرب على إيران، وقفز فوقها جميعا. للأسف، فإن كثيرا من عوامل التشجيع التي دفعته لتخطي سباق الموانع جاءت من إيران والعالم العربي، أي من الأطراف التي ستعاني -في الغالب- من احتمالات الجحيم البيئي والاقتصادي والسياسي إذا أفلتت الأمور عن السيطرة.
ما هي الروادع والحواجز التي تخطاها العداء الأمريكي المتهور؟
وما هي عناصر التشجيع التي تلقاها من العرب والإيرانيين، وحتى الأتراك، لكي يقفز عليها ويحاول أن يتصدر السباق المخيف ويضع نتنياهو خلفه في المركز الثاني؟
أزاح الرئيس ترامب جملة من الروادع، كانت ترجح أنه لن يضرب إيران، وأنه فقط يضغط عليها للتوقيع على اتفاق استسلام مذل غير مشروط. هذه الروادع هي:
تحدي دولة المؤسسات الأمريكية: لم يكن متوقعًا أن يتحدى رئيس أمريكي رأيًا علنيًا لمجمع المخابرات الأمريكي، الذراع الأهم -مع الذراع الثاني المتمثل في المجمع العسكري- في فرض الهيمنة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فرئيسة المخابرات الأمريكية أكدت علنًا قبل نحو عشرة أيام أن إيران لا تمتلك أسلحة نووية، ولا تشكل بالتالي -كما قال السيناتور كريس ميرفي- أي تهديد على الولايات المتحدة وأمنها القومي.
التحدي الأخلاقي: كانت تحول بين ترامب وقرار الحرب معضلة أخلاقية تتمثل فيما وصفه محللون أمريكيون بأنه سيبدو كسياسي مخادع وغير أمين، إذ أن ما قاده للبيت الأبيض للمرة الثانية كان تعهده للناخب الأمريكي بعدم الانخراط في أي حروب، كما فعل أسلافه من الرؤساء. سخر ترامب من كل من بوش الابن، وأوباما بسبب حروبهم في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، ومن بايدن في حربه في أوكرانيا، قائلًا إنهم كلّفوا أمريكا تريليونات الدولارات كان المواطن الأمريكي أحق بها.
التحدي الأيديولوجي: ترتكز قاعدة ترامب الأيديولوجية على تيار اليمين الانعزالي الذي بات يُختصر بمعسكر MAGA أو «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». هذا المعسكر يقوم على اتباع سياسة انعزالية عن العالم، ترفض التورط في صراعاته، وتركز على ضمان الأمن القومي الأمريكي. رفض كل رموز هذا التيار مثل ستيف بانون، وتاكر كارلسون، وآخرون خيار الحرب ضد إيران، لأنه انقلاب أيديولوجي على أفكار التيار الانعزالي الذي يدعم ترامب، لدرجة دعته قبل أيام للاجتماع برموزه حتى لا يخسر قاعدته الأيديولوجية والتصويتية.
المخاوف العسكرية: حذرت دوائر عسكرية، خاصة من العسكريين السابقين في الولايات المتحدة، ترامب من أن حتى القذائف الأمريكية الخارقة للحصون (Bunker-Buster) قد لا تكون قادرة -رغم قوتها التدميرية- على محو كامل البرنامج النووي، واختراق كل الحصون وعمليات التمويه والنقل المتكرر الذي قام به الإيرانيون لثرواتهم من اليورانيوم المخصب. هذه تحديات وعوائق ضخمة لكي يتخطاها صانع قرار أمريكي ويقوم، كما فعل ترامب، بقصف إيران. لا بد أنه توفرت لديه مؤشرات أخرى تفيد بأنه يستطيع شن الحرب دون حدوث عواقب مخيفة تجعل قراره بالقتال أمرًا مكلفًا، وخسائره أعلى من مكاسبه.
وهذا ما حدث بالفعل؛ فقد توفر لدى ترامب، من المواقف وردود الفعل الإقليمية والدولية، ما يُعتبر تشجيعًا غير مباشر له على كسر كل هذه الروادع والموانع.
في حرب «طوفان الأقصى»، كما يقر تقرير صحفي بريطاني، أن أحد الأسباب التي شجّعت الإسرائيليين على افتراس غزة بحرب إبادة وتجويع، والانقضاض على حزب الله في لبنان، والمشاركة في نقل النظام السوري من معسكر إيران إلى معسكر الغرب، هو توفر تقييم استراتيجي إسرائيلي يقول إن إيران لن تنضم إلى «طوفان الأقصى»، ولن تطبق شعار «وحدة الساحات» بحذافيره، وستمتنع عن مواجهة مع إسرائيل.
الشيء نفسه تكرر مع ترامب، إذ أن التقييم الاستراتيجي الوحيد الذي كوّنه ترامب من رد فعل إيران والعرب والإقليم على عدوان 13 يونيو الإسرائيلي الجاري، كان مفاده أيضًا أن إيران وأطراف الإقليم ما زالت متقيدة وحذرة وراغبة في عدم الانتقال إلى سياسة التحدي والمواجهة.
إيران: رغم إدراك طهران أن حربها باتت حربًا وجودية، إلا أن هذا الإدراك لم يُترجم إلى مستوى يستطيع أن يدعم روادع ترامب من خوض الحرب ضدها. فرغم أنها تحررت نسبيًا في ردها المؤلم على إسرائيل ومدنها من الكوابح السابقة، إلا أنها تجنّبت إشعار أمريكا بخطر تدخلها. اقترح الخبراء على إيران مسارين استراتيجيين لردع واشنطن عن شن الحرب عليها، لكنها لم تستخدمهما حتى الآن، وربما يتغير الأمر بعد أن أصبحت الحرب مع أمريكا أمرًا واقعًا مفروضًا عليها.
المسار الأول هو توسيع نطاق المواجهة الجيوسياسية، وتحدي ادعاء ترامب أنه يضمن عدم تحول الحرب إلى حرب إقليمية شاملة. لم تُفعّل إيران شبكة حلفائها الإقليميين وتنقلهم إلى خانة الصراع، ولم تستخدم قدراتها في التأثير على ممرات الملاحة، ووضع الأهداف الأمريكية في مرمى الخطر.
المسار الثاني الذي لم يفعله الحذر الإيراني هو ردع الخصم عن طريق الإيحاء السياسي بدفع الأمور إلى حافة الهاوية. واقترح إيرانيون وأنصار لإيران في هذا الصدد إعلان تغيير العقيدة النووية، وإلغاء فتوى خامنئي التي تُحرّم السلاح النووي، وإعلان النية في الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي (NPT).
العالم العربي: أخفق النظام العربي ووحداته المختلفة في بعث رسالة ردع سياسي واقتصادي عن قرار تورط أمريكي بالحرب مع إيران، قد يشعل المنطقة بأسرها. انحصرت مواقف الدول العربية في الإدانة والشجب، ولم تصل إلى حد إبلاغ واشنطن برسائل شديدة الوضوح، أن حربًا على إيران قد تؤدي إلى تلوث نووي يهدد بـ«تشرنوبل» آخر، ولكن في الخليج والمنطقة. تلوث قد يجعل مياه الخليج غير صالحة للاستخدام كمصدر لتحلية مياه الشرب، أو كما قال وزير خارجية قطر، قد يجعل المنطقة في حالة عطش خلال أسبوعين فقط.
أن حربًا على المنطقة قد تُدمر بعض الأصول النفطية والغازية، لثروة المنطقة قد تصبح بها كل خطط التنمية الإقليمية في مهب الريح، وأن كل الاتفاقات بتريليونات الدولارات التي تم الاتفاق عليها مع الرئيس ترامب نفسه في جولته الشهر الماضي لن تكون قابلة للتنفيذ.
كانت الدول العربية في حاجة إلى مبادرة سياسية كبرى، بالدعوة لاجتماع تنسيقي استراتيجي تركي - إيراني - عربي، يظهر للأمريكيين أن المجموعات القومية الإسلامية الثلاث الأصيلة في المنطقة لن تقبل بهزيمة إيران، وبالتالي بانهيار جسيم لتوازن القوى، يجعل المنطقة كلها تحت رحمة الاستعباد الإسرائيلي لشعوبها.
تركيا: ظلت ردود أفعال تركيا في حدود رد الفعل العربي في التنديد والإدانة، ولم تتجاوزها -كما العرب- إلى أفعال مساندة حقيقية.
باختصار: شجّعت مواقف إيران والعرب والأتراك المتقيدة والحذرة ترامب على تجاوز عشرات الموانع التي كانت كفيلة بردع أي رئيس أمريكي عن الدخول في حرب لا يعلم الله كيف ستنتهي ومتى ستنتهي، ولكن المؤكد أن أكثر المتضررين منها سيكون العرب والإيرانيون.
حسين عبد الغني كاتب وصحفي مصري