غزة- بذلت الطبيبتان الشقيقتان شيماء وسماح نعيم جهدا كبيرا بحثا عن النجاح، وتمكنتا خلال مسيرة حياتهما القصيرة، من تحقيق جزء مهم من أحلامهما منها إتمام حفظ القرآن الكريم والتخرج من كلية طب الأسنان، والتمرس في هذه المهنة واكتساب "زبائن" كُثر، وتكوين أسرة، وإجادة لغات أجنبية.

لكنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حال دون تحقيق بقية طموحاتهما، ومنها مواصلة إدارة أحد أهم مراكز طب الأسنان في قطاع غزة والسفر وإكمال دراستهما العليا.

وفي السادس من يناير/كانون الثاني 2024، قصفت طائرة إسرائيلية المنزل الذي نزحت إليه عائلة "نعيم" في مدينة دير البلح وسط القطاع، مما تسبب في استشهاد 7 من أفرادها، بينهم الشقيقتان سماح وطفلتها لارا وشيماء وطفلها تيسير وأختهما بتول (17 عاما)، وجدتهما "رسمية" (87 عاما).

والطبيبتان سماح وشيماء، هما ابنتا الدكتور جمال نعيم، عميد كلية طب الأسنان في جامعة فلسطين وأحد أبرز أطباء غزة في هذا المجال.

الدكتورة الشهيدة سماح برفقة طفلتها لارا التي استشهدت معها (الجزيرة) سماح وحب السفر

وُلدت سماح في ألمانيا عام 1994، ودرست طب الأسنان في جامعة فلسطين بغزة. وعقب تخرجها، عملت مع والدها في مركزه المتخصص الذي يُعد من أبرز عيادات طب وتجميل الأسنان في غزة، ونالت خبرة كبيرة.

وتزوجت سماح من الشاب حسين عليوة، وعانت في البداية من مشاكل في الإنجاب، إلى أن رزقها الله طفلتها لارا عام 2023 التي استُشهدت معها. وكانت سماح تحب السفر بشكل كبير وتعشق فكرة التجول حول العالم، خاصة أنها تتقن اللغتين الإنجليزية والألمانية.

ويقول والدها الدكتور جمال نعيم للجزيرة نت "سماح لم تكن ابنتي فقط، كانت صديقتي وكاتمة سري، ولاصقتني منذ بداية دراستها لطب الأسنان عام 2012 (حيث يعمل عميدا للكلية) وحتى نشوب الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023".

ويذكر أنها كانت دائمة التصدق بمالها للفقراء والمحتاجين، وكثيرا ما كانت تدخل مكتبه لترجوه تخفيض تكاليف العلاج لشخص ما، رغم عدم سابق معرفتها به، لأنه يبدو فقيرا، ولا يستطيع دفع تكاليف العلاج.

ويضيف جمال أنه كان يعلق آمالا كبيرة على فقيدتيه الشهيدتين سماح وشيماء في تحمّل أعباء المركز في السنوات القادمة، ويقول عن سماح "كنت أرى فيها نفسي وخيالي يتحقق يوما بعد يوم، كبُرتْ وردتي الجميلة، وأينعت وبدأ عطرها يفوح في الأرجاء، ولكن الغاصب الجبان قطفها بكل عنف ليحفر جرحا عميقا في قلبي لن يندمل أبدا".

الدكتورة الشهيدة شيماء برفقة ابنها الشهيد تيسير (الجزيرة) شيماء طبيبة وفنانة

أما شيماء التي تصغر شقيقتها سماح بعامين، فكانت تشاركها صفات وأهداف كثيرة، حيث تخرجت أيضا من كلية طب الأسنان بجامعة فلسطين الأولى على دفعتها بمعدل 94.6%.

وإلى جانب تميزها في طب الأسنان، كانت شيماء تهوى فن الرسم، وتلجأ إليه كلما أرادت تقليل الضغط النفسي وأعباء الحياة عنها.

يقول والدها جمال نعيم إنها عُرفت بالنباهة منذ صغرها حتى إن مُعلمتها في الحضانة في ألمانيا طلبت لها استثناء لتدخل المدرسة أبكر عاما عن مثيلاتها في السن.

وعادت شيماء إلى فلسطين وعمرها 8 سنوات، وكانت مولعة بالمطالعة والرسم، وحفظت القرآن الكريم في سن صغيرة. وعقب تخرجها من الجامعة، عملت مع والدها في مركزه الخاص، وأصبحت بمثابة يده اليمنى في تخصص تقويم الأسنان علاوة على عملها المتفاني في طب الأسنان العام.

كما اهتمت الراحلة بتخصصات عدة أخرى، وفي سبيل ذلك، التحقت بدورات تدريبية في التسويق والبرمجة واللغة الفرنسية والعبرية وغيرها من العلوم، بحسب والدها. واشتهرت شيماء منذ صغرها بكونها شخصا منظما للغاية، فكانت تضع الخطط لإدارة حياتها العملية والأسرية.

في السياق، يضيف والدها أنه اطلع على برنامجها المدون في هاتفها المحمول، بعد استشهادها، وتفاجأ "من النظام والانضباط الذي وضعته لنفسها في كل مجالات حياتها، من أوراد قرآنية يومية، وجلسات تربوية يومية مع ابنها، وقراءات كتب، ورسم وفن".

وأكد أن كل ذلك كان لا يؤخرها عن عملها كطبيبة ولا عن واجبها كزوجة في بيتها ومع زوجها. وقبل الحرب، أتمت شيماء ترتيب كل أمور حياتها للسفر إلى تركيا لبدء دراستها العليا في طب الأسنان، لكن العدوان الإسرائيلي على غزة كان أسرع من كل هذه المخططات.

الدكتورة الشهيدة سماح رفقة والدها الدكتور جمال نعيم (الجزيرة) موعد مع الشهادة

بعد بدء الحرب الإسرائيلية وإجبار غالبية سكان شمالي القطاع على النزوح جنوبي وادي غزة، دعا الدكتور جمال بناته المتزوجات، ومن ضمنهم سماح وشيماء إلى المكوث في منزله بمنطقة النصيرات وسط القطاع.

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2023، نزحت عائلته إلى مدينة دير البلح ليقيم في منزل خاله بعد بدء جيش الاحتلال هجوما بريا قرب المنطقة التي يوجد فيها بيته.

وفوجئت الأسرة في مساء السادس من يناير/كانون الثاني 2024، بقصف إسرائيلي غادر على منزلهم أسفر عن استشهاد 7 أشخاص، بينهم الطبيبتان سماح وشيماء وطفلاهما لارا وتيسير.

يستذكر الدكتور جمال تفاصيل هذا اليوم الحزين بالقول "استيقظتُ على صوت الحجارة تتساقط فوق رؤوسنا، وبعد أن استطعت انتشال نفسي وابنتي الصغيرة مريم من تحت الركام، بدأ عقلي يتفجر من هول ما رأيت وما لم أتوقعه".

ويتابع "بدأتُ حافي القدمين، دامي الرأس وأصابع اليد، مكسور الكتف، أبحث عن ناجين بين الركام، ولكنّ المشهد أصعب مما يتخيله بشر".

ولاحقا، اكتشف الدكتور نعيم أن بناته الثلاث سماح وابنتها لارا وشيماء وابنها تيسير وبتول ووالدته رسمية "أم عوني" وحفيدته "لِيا" قد استشهدوا.

ويسترجع الساعات التي سبقت المجزرة، ويقول "ضحكنا كثيرا في ذلك المساء، سمعنا نشرة أخبار السابعة ليذهب الجميع إلى النوم في حوالي التاسعة، بعضنا لم يستيقظ من نومه وبعضنا استيقظ على كابوس لم يكن يحلم به، أن نُستهدف مباشرة من الاحتلال".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الدکتور جمال طب الأسنان الأسنان فی

إقرأ أيضاً:

الإعلام الحكومي بغزة : إجبار الاحتلال إخلاء المستشفيات جريمة ممنهجة

قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة ، مساء الخميس 15 مايو 2025 ، إن استمرار استهداف إسرائيل للمستشفيات والمنشآت الصحية يهدد حياة مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وقانوني حاسم.

وأكدت أن هذه الاستهدافات تشكل جريمة ممنهجة تهدف لاستكمال تدمير المنظومة الصحية، مطالبة بتدخل دولي عاجل لحماية ما تبقى من القطاع الصحي، وتوفير ممرات آمنة لإجلاء الجرحى والمرضى لتلقي العلاج خارج قطاع غزة.

وذكر المكتب الإعلامي الحكومي في بيان، أن "الاحتلال الإسرائيلي أصدر خلال الأيام الماضية أوامر بإخلاء مستشفيات وعيادات، كان آخرها عيادة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، بعد ساعات من قصف المستشفى الأوروبي في خان يونس جنوب القطاع، والذي كان أحد آخر المرافق الطبية التي تقدم الرعاية في المنطقة الجنوبية".

وقال إن "هذا الاستهداف المنهجي والمتعمد للمرافق الصحية، بما فيها المستشفيات والعيادات والطواقم الطبية، يشكل جريمة حرب موصوفة وجريمة ضد الإنسانية بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، والقانون الدولي الإنساني، وبموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

وأكد أنه "يعكس رغبة الاحتلال الإسرائيلي في تعميق الكارثة الإنسانية وفرض سياسات التهجير والنزوح الجماعي على السكان المدنيين".

ولفت إلى أن حصيلة المستشفيات التي تم استهدافها بالقصف الإسرائيلي المباشر أو التدمير أو الحرق أو الإخراج القسري من الخدمة ارتفع إلى 38 مستشفى، إضافة إلى عشرات المراكز الصحية التي لم تسلم من العدوان المتواصل.

وشددت الحكومة على أن "صمت المجتمع الدولي، وتقاعسه عن اتخاذ إجراءات رادعة، منح الاحتلال الإسرائيلي ضوءا أخضر للاستمرار في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق أكثر من 2.4 مليون مدني فلسطيني محاصر في قطاع غزة، مما دفع المنظومة الصحية إلى حافة الانهيار الكامل".

وحمّلت "الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، المسؤولية الكاملة عن الجرائم بحق المنشآت الطبية والمدنيين والتي ترتكب بشكل متكرر ومنهجي".

وطالبت المجتمع الدولي "بتدخل دولي عاجل لحماية ما تبقى من المنظومة الصحية في غزة، وإرسال فرق أممية للتحقيق في جرائم الاحتلال المرتكبة، وتقديم قادته إلى المحاكم الدولية كمجرمي حرب".

كما دعت إلى توفير ممرات آمنة للإغاثة الطبية، وإجلاء الجرحى والمرضى بشكل فوري لتلقي العلاج خارج قطاع غزة.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الرئيس عباس يصل العراق غداً أطباء بلا حدود : غزة أصبح جحيمًا على الأرض للفلسطينيين حماس: لا قيمة لأي تهدئة دولية ما دامت الحرب مستمرة في غزة الأكثر قراءة كتائب القسام تعلن إيقاع قوة إسرائيلية في رفح بين قتيل وجريح مصطفى : غزة ستخرج من الوحل وتتوحد مع الضفة والقدس استشهاد الأسير المحرر معتصم رداد في القاهرة نتنياهو يرفض التحقيق في هجوم 7 أكتوبر قبل نهاية حرب غزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • 92 شهيدا بغزة منذ فجر السبت وعمليات لافتة للمقاومة ضد الاحتلال
  • الاحتلال يستهدف 68 مركزا وتكية لتوزيع الغذاء بغزة
  • حماس تدعو القمة العربية للعمل على وقف الإبادة بغزة
  • نائب عن الصهيونية الدينية: العالم اعتاد القتل بغزة دون أن يُبدي أي اهتمام (شاهد)
  • مقال «الأسبوع» يزلزل الاحتلال.. مرصد إسرائيلي يتهم الدكتور محمد عمارة بالتحريض ضد إسرائيل
  • ٢٥٠ شهيدا في مجازر للاحتلال بغزة في يومين
  • صحة بغزة: 150 شهيدًا جراء القصف الإسرائيلي منذ فجر الخميس
  • الإعلام الحكومي بغزة : إجبار الاحتلال إخلاء المستشفيات جريمة ممنهجة
  • باسم نعيم: لا تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة
  • ماجد المصري يكشف تفاصيل خضوعه لعملية جراحية في الأسنان: “مكنتش هعملها لولا ثقتي في الدكتور”