الدفاع السورية: مقتل عدد من المدنيين والعسكريين في الهجمات الأميركية على حدود العراق
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
الدفاع السورية: مقتل عدد من المدنيين والعسكريين في الهجمات الأميركية على حدود العراق.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
مفكرة عابر حدود.. حكايات مأساوية وسخرية سوداء من واقع الهجرة
المعرفة اعتقاد، وليس كل من قال "أعلم" قد علم حقيقة؛ فالإنسان مجبول على الادعاء، بينما هو عاجز عن معرفة ذاته حتى. يكتب ميلان كونديرا: "نحن نموت من دون أن نعرف أنفسنا". لذلك، ومن كثرة تداول الحديث عن بعض البشر، نعتقد أننا نعرفهم جيدا، بينما نحن لا نعرف عنهم شيئا، وكل ما في الأمر أننا نحمل صورة مسطحة توارثناها وتداولناها لا غير.
ومن هؤلاء الذين نعرفهم ولا نعرفهم "المهاجر غير الشرعي"، فلا أحد مثله موضوعا للإعلام كل يوم؛ يتحدث الجميع عنه، لكننا لم نسمع صوته. ظللنا نقطع لسانه ونتحدث عوضه، عبر الخصوم أو المؤيدين. أطلت علينا سنة 2008 رواية "تيتانيكات أفريقية" للكاتب الإريتري أبو بكر حامد كهال، تلك الرواية التي يسرد فيها قصة هجرة مواطن إريتري من بلاده إلى أوروبا عبر تونس بطريقة سرية. يبدأها بقوله:
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لويس مونريال: التراث الثقافي مورد اقتصادي واجتماعي لبناء المستقبلlist 2 of 2باسم الشمايلة يحمل الدكتوراه ويقدم الشاي والقهوة في المناسبات الاجتماعيةend of list"كنت مرهقا من التجوال والمشاوير الكثيرة لمقابلة سماسرة التهريب هنا وهناك، بين الخرطوم وأم درمان والعكس. كنت أعبر أحيانا من أم درمان إلى الخرطوم عبر جسر مستر "كوبر" الحديدي العتيق من أيام الإنكليز، لأعود من خلال كوبري شمبات الواسع.
وكان العبور فوق كوبري مستر كوبر مقرونا لديّ بمخاوف من أن تسقط بنا السيارة فوق فرع نهر النيل، وأعتقد بأن هذا كان حال جلّ الركاب، وإن تظاهروا بالعكس. كانت ملابسي تبتل وتجف من العرق عشرات المرات في اليوم الواحد نتيجة هذا التجوال؛ أما ألم باطن قدمي، فكان لا يُطاق.
إعلانلقد أهملت معالجته حتى صار "عين السمكة" (المسمار اللحمي) بحجم العين الحقيقية. وكلما خطوتُ أو دستُ شيئا قاسيا كانت تؤلمني بشدة. لهذا أطلق عليّ أصدقائي لقب "الأعرج". ولم يكن لهؤلاء الأصدقاء من شغل سوى التباري والتسلي بإلصاق الألقاب بي في انتظار الرحلة".
قدم لنا "كهال" عالم المهاجرين السريين، ولكن الصورة ظلّت متهمة بالتخييل، رغم أن الكاتب نفسه مر برحلة شبيهة. وهي صورة أيضا تناقلناها وتكررت عبر مخيلتنا، ولا يمكن أن نثق فيها كل الثقة ما دمنا لم نسمع المهاجر السري يتكلم.
في كتاب "مفكرة عابر حدود" الصادر عن دار أثر، يتحدث الألباني غاز ميند كابلاني، بترجمة أحمد الويزي، عن العبور والهجرة والآخر، بصفته مهاجرا سريا.
من المذكرات إلى أدب الحواجزلا يمكن أن نتعامل مع هذا الكتاب باعتباره مجرد شهادة حية عن الهجرة السرية ومعاناة مهاجر ألباني يحاول أن يتسلل خارج الحدود ويعيش حياته في الضفة الأخرى، فالكتاب قطعة أدبية وفكرية عالية الجودة، ترتفع بالتجربة إلى مستوى الأدب الرفيع.
وكلمة "مفكرة" تجعل الكتاب متحررا من التدوين اليومي الذي تمثله دفاتر اليوميات، ليكون أقرب إلى عالم المذكرات؛ تلك الأعمال التي تأتي بعد التجربة. ومن هنا جاء هذا البعد التأملي العميق والمفكر في تجربة الهجرة وعبور الحدود.
ونتيجة لكل هذا، يمكننا أن ندرج هذا الكتاب بلا تردد ضمن ما سُمي نقديا بـ"أدب الحواجز". ولعل هذا ما يفسر وصف الإندبندنت: "إن السجل الصغير لوقائع العبور يمزج بين عبث جورج مايكس في كتابه "كيف أكون إنجليزيا"، وقوة التأمل الفلسفي في كتابات ميلان كونديرا".
ومن هنا يحقق الكتاب، المنتمي إلى الكتابة عن الذات، شرط المتعة إلى جانب نقله لأوجاع التجربة الإنسانية. كما استطاع الكاتب، عبر دقة ترتيب الفصول والتوازن بينها، خلق ذلك التوتر السردي الذي ننتظره عادة من الرواية والقصة.
انطلق المؤلف في فصل "لماذا تروي كل هذا؟" محاولا تفكيك ذرائع التدوين، ويلخصها في غياب صوت المهاجر، فـ"المهاجر، خاصة ذلك الذي كان ينتمي إلى الجيل الأول، لم يكن أمامه في البداية إلا خيار واحد: أن يلوذ بالصمت".
إعلانولكن كابلاني يتفهم صمت المهاجر، فصوته غير مرحب به، وهو مطالب بشيء آخر أهم من الكلام لكي يستمر في الحياة.
فهو "مقتنع تدريجيا بأن شهادته لا تعني أحدا؛ إذ ليس قدري في المحصلة النهائية، مثلما قد يردد في نفسه، أن أحكي القصص، وإنما أن أكافح مثل كلب ترك لمصيره، حتى أبقى على قيد الحياة". فالآخرون، مثلما يظن، لا يستطيعون أن يفهموا فحسب، وإنما لا يرغبون في ذلك أيضا.
ويرى كابلاني أن إقدام المهاجر السري على الكلام "رهان محكوم بالمخاطرة"، ولكن نجاعة هذا الرهان مرهونة بالإصغاء إلى شهادته، وهو أمر غير مضمون.
يعود بنا كابلاني إلى واقع ألبانيا تحت الدكتاتورية، حيث تتعمد السلطة عزل الشعب عن العالم، ومنع تسرب أي صورة إلى الداخل عن الخارج، حتى توهم الناس بأن العالم ينتهي عند حدود ألبانيا. ولترسيخ هذا الوضع، استخدمت السلطة أشكالا مختلفة، منها مراقبة بث التلفزيونات وتحديدها في القنوات الرسمية، ومراقبة اتجاه اللاقطات الهوائية واتجاهاتها، وزرع المخبرين في كل مكان، حتى يتحول الشعب برمته إلى حشود من المخبرين.
إن النظام الشمولي، كما يرسم ملامحه كابلاني، يتشكل مثل لعبة البازل، بحيث لا يمكن أن يسقط منه جزء إلا وتشوهت الصورة، ولذلك تحرص السلطة على كمالها وصيانتها اليومية.
ومع ذلك، فإن المتمردين على الحدود يظهرون عبر التحايل على القوانين؛ فيزرع الأب لاقطا ظاهريا للرقابة فوق السطح متجها إلى القنوات الرسمية، وآخر سريا في الداخل محاولا التقاط قنوات خارجية. كما يسعى المتمرد لخلق شيفرة عائلية سرية، كأن يسمي تلك القنوات الأجنبية بأسماء مستعارة حتى لا يذكرها الأطفال في المدارس فيكتشف الأمر. ومع ذلك، تبقى الرقابة مرتابة من تلك الأسماء وتحاول كشفها.
كل ذلك يرويه الكاتب عبر طريقتين: القص والتأمل، مما يجعل من مؤلفه عملا عابرا لحدود التلقي، يصل إلى القارئ البسيط، والقارئ المفكر، والمختص.
إعلان المهاجر ورهانات ما بعد العبوريكشف كابلاني أن العذابات الحقيقية للمهاجر تبدأ بعد نجاحه في عبور الحدود ووصوله إلى الضفة الغربية، وأولى تلك العذابات هي ضرورة القطيعة بينه وبين الوطن، أي أن يقتنع بأنه عليه ألا يعود إلى وطنه، وأن يعمل من أجل ذلك، فهو قد خسر وطنه إلى الأبد. فـ"المغادرة اختيار المغترب لقطع دابر الصلة بينه وبين بلده الأصلي"، وهذا سينجر عنه إحساس بالذنب الأبدي، ولن يستعيد بعض تلك العلاقة إلا عندما ينجح.
ومن هذا الواقع تتفجر الواجبات، والتي سردها الكاتب في فصل "المهاجر والأمر المفروض تحت شعار: يجب"، فعليه أن يجد عملا، أي عمل، ويجب عليه أن يجد سكنا، وأن يتعلم اللغة الأجنبية، ويجب عليه أن يغير نبرته في الكلام، وأن يتعلم الحديث بهدوء. ويجب عليه تجنب سيارات الشرطة ودورياتها، ويجب عليه "أن يعيد تعلم كيفية المشي على قارعة الطريق"، كما يجب أن يرسل أموالا لأهله، ويجب أن يقوم بالمستحيل لكي ينجو من خطر الترحيل.
فـ"تخيل الفشل المحدق به في كل لحظة وحين، يجعله يرتعش مثل الصبي الذي تاه عن الطريق في الظلام". لذلك، فالمهاجر السري، والمغترب عامة عن وطنه، هو مريض نفسي يعيش طوال الوقت ذلك الكابوس المستعاد؛ مشهده في آخر الطائرة، مكبلا أو محقونا بحقنة تشل الحركة، وطائرة بعلم بلاده تعود به إلى داخل الحدود التي فر منها يوما.