فيلم الخيال الأميركي.. دعابة عن العنصرية الأميركية تنقلب إلى حقيقة
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
يقدم فيلم "الخيال الأميركي" تجربة سينمائية مختلفة عن الأفلام الأخرى المرشحة لجوائز الأوسكار هذا العام، فهو عمل يشتبك بشكل شديد الذكاء مع قضايا عدة في آن واحد، وعلى الرغم من كونه الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه فإن الأخير استطاع التعامل بنضج مع مواضيع ثقيلة مثل "العنصرية المستترة" و"ثقافة السود"، بالإضافة إلى الحسابات الخاصة بدور النشر الباحثة عن الأعلى مبيعا قبل كل شيء آخر.
"الخيال الأميركي" من إخراج كورد جيفرسون وبطولة جيفري رايت وستريلنغ جي براون وإيسا راي، وجاء عرضه الأول في مهرجان "تورنتو" السينمائي، وترشح لـ5 جوائز أوسكار هي أفضل فيلم وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل ممثل في دور رئيسي وأفضل ممثل في دور مساعد وأفضل موسيقى تصويرية.
الخيال الأميركي والعنصرية المستترةيضع فيلم "الخيال الأميركي" المشاهد في قلب الصراع منذ لحظاته الأولى بالمشهد الافتتاحي لـ"مونك" الأستاذ الجامعي ذي الأصول الأفريقية، والذي يتجادل مع إحدى طالباته بسبب طرحه عنوانا عنصريا صادما للنقاش.
تتكشف سريعا طبيعة شخصية البطل المثقف المتعالي سريع الغضب الذي يشعر بمرارة عدم التقدير الأدبي، فأعماله الروائية غير معروفة سوى للأكاديميين فقط، فيما أعمال روائية أقل من الناحية الأدبية تحصد النجاحات المادية والنقدية لمجرد تقديمها كليشيهات الأدب الأسود المعتادة، والتي تعتمد على العلاقات الأسرية المتفسخة والجريمة والعنصرية والقهر.
يزداد غضب "مونك" بعد عودته إلى بوسطن حيث تقيم عائلته عندما يصدم بحالة والدته الصحية السيئة التي تتطلب رعايتها الكثير من الوقت والمال.
يقرر "مونك" في لحظة غضب من المشهد الأدبي اللاهث وراء القصص الرخيصة كتابة رواية على ذات الشاكلة، عمل أدبي لا يبذل فيه أي جهد حقيقي، يجمع كل الأفكار النمطية الشهيرة في أدب السود، ثم يضع عليه اسما مستعارا ويرسله إلى وكيله الذي يعرض الرواية بالفعل على عدد من دور النشر.
تمثل هذه الرواية بالنسبة للبطل سخرية من المشهد الأدبي الأميركي، ودعابة ساخرة من سطحية المسؤولين عن دور النشر، ولكن تنقلب هذه الدعابة إلى حقيقة.
تنهال عليه العروض لشراء الرواية بمبالغ لم يحلم بكسبها في حياته، ثم تطلبها الأستوديوهات السينمائية لتحويلها إلى فيلم من المتوقع حصوله على الأوسكار، بل تتجاوز الرواية حتى النجاحات التجارية لترشح إلى أهم الجوائز الأدبية في ظل محاولة القائمين على هذه الجوائز إظهار اهتمامهم بأدب أصحاب الأصول الأفريقية، ويجد البطل نفسه حائرا بين احتياجاته المادية الملحة، وغضبه وشعوره بالمهانة من هذا النجاح لعمل لا يمكن مقارنته بأعماله السابقة بأي شكل من الأشكال.
يبدو فيلم "الخيال الأميركي" في البداية كما لو أنه يستحضر ثنائية الأدب الرائج والرفيع، ويستعرض الفروقات بينهما وكيف يستطيع كاتب واحد تقديمهما معا، لكن الفيصل هو للقارئ الذي يختار، فيما هو في الحقيقة يناقش ثنائية أخرى أهم، بين أدب لا يحاول مداعبة الأنماط الشائعة عن كتابات السود في محاولة لقهر هذه العنصرية المستترة، وآخر يقدم مضامينه الخاصة ضمن هذا النمط.
تتمثل هذه الثنائية في الفرق بين ما يقدمه "مونك" من أعمال يعتبرها رفيعة ولكن لا يقرؤها أحد وبين كتابات منافسته "سينتارا جولدن" الذي استخف بها البطل لنجاحها الشديد، لكنها استطاعت تطويع الكليشيه لتقديم فكرها الخاص عن طبيعة حياة السود في أميركا.
المساواة في المجتمع الأسوديرفض "مونك" من البداية تصنيف نفسه رجلا أسود، سواء من ناحية أعماله الأدبية أو اختياراته لشريكاته العاطفيات، وجزء كبير من احتقاره أدب السود التقليدي يرجع إلى عدم رغبته في الاعتراف بأن ذلك الأدب يحمل في باطنه جزءا من الحقيقة ويمثل آخرين في المجتمع.
يحكم البطل على عِرقه بالكامل من تجربته الخاصة كرجل أكاديمي من عائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى العليا كل أفرادها من الأطباء، يمتلك كل منهم منزلا على الشاطئ بالإضافة إلى منزل المدينة، ويلقي بعبء فشله الأدبي على رواج الأدب الأسود التقليدي، فلا يرى -أو لا يرغب أن يرى- المذنب الحقيقي وهو العنصرية المستترة التي تحتفي بهذا الأدب رغم ضحالته في بعض الأحيان لأنه يزيد تنميط النظرة العنصرية.
ورغم ذلك فإنه لا يمكن اعتبار أن تجربة البطل ذي المكانة العلمية والاجتماعية متشابهة مع تجربة الخادمة في منزله لمجرد أن كليهما يحمل لون البشرة نفسه، لأن العِرق هنا يتقاطع مع عوامل أخرى مثل الطبقة الاجتماعية والجنس، ويضع الفيلم البطل في مقارنة مع أخيه طبيب التجميل الذي على الرغم من مكانته الاجتماعية المساوية لـ"مونك" فإنه لا يخفي هويته كرجل أسود خلف قناع من التحضر المتعالي.
تتمتع شخصية "مونك" بتعقيد مميز، فلا يمكن أن يتعاطف معه المشاهد بشكل تام لأنه يحمل بداخله عنصرية، خاصة تجاه حتى بني عِرقه أنفسهم، ويستخدم تعالي المثقف جدار حماية بينه وبين العالم، ولكن في الوقت ذاته يمكن التماس الأعذار له لأن شخصيته نتيجة نظام من العنصرية المستترة كلما حاول الفكاك منها وجد نفسه أسيرها مرة أخرى.
عندما كتب "مونك" روايات لا تلجأ إلى أسلوب الأدب الأسود المعتاد تم تنميطه فقط للون بشرته ووضع كتبه مع كتب الأدب الأميركي الأسود، وحين حاول السخرية من هذا النظام أتى نجاحه كما لو أنه يؤكد على أن الاستسلام هو الطريق الوحيد للنجاة، وحتى مشهد النهاية في الفيلم المقتبس من روايته اضطر خلاله إلى الخضوع لرؤية يستعيد فيها نمطين شهيرين من كليشيهات العِرق الأسود، الأول القتل على يد الشرطة كخاتمة للفيلم، والآخر لقطة لمنزل جنوبي ينتمي إلى عمارة ما قبل الحرب الأهلية عندما كان أجداده عبيدا للعرق الأبيض.
يسخر فيلم "الخيال الأميركي" من المنظومة الثقافية الأميركية، وترشحه لأهم الجوائز يحمل معاني مزدوجة، فهو دعابة ذكية أفلحت في إحداث أثرها، وهو ترسيخ إضافي للتنميط الأميركي للسود.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ثواب لمس ومسح الحجر الأسود في الحج.. الأزهر يكشف فضله
الحجر الأسود له مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، فهو معلم بارز من معالم بيت الله الحرام وموقعه في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة بالخارج، ويتسابق المسلمون في موسم الحج على تسلمه أثناء الطواف حول الكعبة، كما أن ما يدل على عظمة مكانته هو أن النبي محمد ﷺ، وحثّ المسلمين على استلامه وتقبيله اقتداءً بسنته الشريفة.
وفي السطور التالية لهذا التقرير، نسلّط الضوء على معلومات حول الحجر الأسود فضل استلامه ومسحه وتاريخه، ومكانته.
حجم الحجر الأسود
كشف مركز الأزهر العالمي للرصد والإفتاء الإلكتروني التابع لـ الأزهر الشريف، عن أبرز المعلومات عن الحجر الأسود وذلك عبر صفحته على موقع فيسبوك.
وأفاد الأزهر للفتوى، بأن الحجر الأسود شكله عبارة عن حجر بيْضاوي، وأسودُ اللونِ مائلٌ إلى الحُمرة، وقطره 30 سم، ويقع في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة من الخارج، ويرتفع عن الأرض نحو متر ونصف المتر.
وأضاف أن الحجر الأسود محاط بإطار من الفضة الخالصة صونًا له، وقد ورد أنه في بداية أمره كان أبيضَ ناصعَ البياض؛ فعن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ». [أخرجه الترمذي].
ونوه مركز الأزهر، بأن الحجر الأسود هو نقطة بداية الطواف ومنتهاه، ويُسَنُّ استلام الطائف له -أي لمسه باليد-، وتقبيله عند المرور به، فإن لم يستطع استلامَه بيده وتقبيلَه، أو استلامَه بشيء معه وتقبيلَ ذلك الشيء؛ أشار إليه بيده وسمَّى وكبَّر قائلًا: باسم الله والله أكبر.
واستشهد بما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: «لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ». [أخرجه مسلم].
فضل استلام الحجر الأسود ومسحهأما عن فضل استلامه ومسحه، فأكد الأزهر للفتوى أنه يحُطُّ الذنوبَ والخطايا كما يتحاتُّ ورَقُ الشجرِ؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا». [أخرجه أحمد في مُسند].
وقَالَ ﷺ: «لَيَأْتِيَنَّ هَذَا الْحَجَرُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنْ يَسْتَلِمُهُ بِحَقٍّ». [أخرجه ابن ماجه].
كان الحجر الأسود محط أنظار القبائل العربية، وكانوا يتنافسون على شرف خدمة البيت، وكان البيت تحت ولاية قريش، فغارت قبيلة إياد من ذلك، وأرادت أخذ الحجر الأسود من قريش وحرمانها من هذا الشرف العظيم فقاموا ليلاً بسرقة الحجر الأسود، ووضعوه على ناقة وخرجوا به من مكة، ولكن الناقة ما إن خرجت من مكة، بركت ولم تتحرك.
فقاموا بدفن الحجر على حدود مكة، وكانت معهم امرأة من خزاعة شاهدت مكان دفن الحجر، وأخبرت قومها بذلك، وتكدرت قريش لذلك كدراً عظيماً، فساومتها خزاعة إن دلوهم على مكان الحجر أن تكون لهم ولاية البيت، ففعلت قريش ذلك، وظلت ولاية البيت في كنف خزاعة إلى أن جاء قصي بن كلاب جد النبي الخامس، فأعاد ولاية البيت إلى قريش.
كانت القرامطة من الفرق الباطنية المتطرفة وظهرت في القرن الثالث الهجري، وعرفوا بسفك الدماء، وكان زعيمهم يسمى "أبو طاهر القرمطي"، وكانت لهم مواقع دموية أبرزها ما قاموا به من قتل حجاج الشام وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج.
وكان من قبيح أفعال القرامطة أنهم تمادوا فاقتحموا مكة المكرمة في موسم الحج، وقاموا بقتل الحُجاج، ولم يكفهم ذلك فقاموا بسرقة الحجر الأسود، ونقلوه على عدد من الجمال، فكانت الجمال يصيبها القرح والهزال، فكانوا ينقلونه من جمل إلى جمل حتى وصلوا به إلى شرق الجزيرة العربية مكان عاصمتهم.
وظل الحجر الأسود مع القرامطة مدة اثنتين وعشرين سنة، وبذل المسلمون جهوداً عظيمة لإعادة الحجر الأسود، ولكنها باءت بالفشل لشدة فتنة القرامطة، وكان يقول زعيمهم أبو طاهر وهو كاذب: "أخذنا الحجر لأمر ونعيده لأمر"، يقصد أنهم مأمورون من السماء بذلك، ولكنهم أعادوه بعد ذلك على جمل واحد، فما أصاب الجمل بأس، على خلاف ما أخذوه.