لبنان24 يرصد الحرب من داخل العمق الجنوبيّ.. هكذا ستُقسّم المناطق
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
منذ أشهر، انخرط لبنان في الإستعداد للحرب، مع اشتعال الجبهة الجنوبية التي بدأت بمناوشات خفيفة دعمًا لأهالي غزة، ومن ثم تطورت، ليتم خرق قواعد الإشتباك، وتضحي جبهة حرب كبيرة، طالت العمق الجنوبي، من دون أي تفريق بين المدنيين والمسلحين.
ومع إطلاق "خطة الطوارئ"، والتي أتت كاستجابة لقرع جرس الإنذار نسبة إلى توسّع رقعة الإعتداءات، بدأت المؤسسات الصحية والإغاثية العمل على تجهيز فرقها "بالإمكانات المتوافرة" وسط أزمة اقتصادية منهكة تعاني منها المستشفيات،بالتوازي مع إطلاق "حركة أمل" و"حزب الله" خطة الطوارئ لديهما، والتي تمثلت بتجهيز الفرق الإنقاذية والصحية، التي كان لها الدور الابرز بهذه المعارك، إذ شكّلت نقطة تحوّل أساسية في العمليات الإنقاذية، خاصة مع تصاعد وتيرة الحرب، واستهداف المباني السكنية، فكانت جاهزة لتلبية نداء الإسعاف.
على أرض الواقع، وبحسب المصادر ،لا يعتبر الامر سهلا أبدًا، خاصةً لناحية التجهيزات، أو السرعة في وتيرة العمل، إذ أفادت مصادر ميدانية "لبنان 24" عن صعوبة كبيرة بإتمام عملية الإنقاذ، التي تتم ، في بعض المناطق، باللحم الحي، خاصة عندما يتعلق الأمر بإغاثة مفقودين تحت الركام، وما حصل في النبطية خير دليل على ذلك، إذ إنّ استمرار عمليات الإنقاذ ليومين متتالين بعد سقوط مبنى واحد، ومع تكثيف عمل الفرق ببقعة واحدة، طُرحت علامة استفهام عما إذا كانت الحرب هي في صورة وحجم الحرب التي تهدّد إسرائيل بها لبنان دائمًا، مع دمار كبير، وأبنية متساوية مع الأرض، وركام متناثر هنا وهناك.. فإن الحالة ستكون أكبر من كارثة على عمل الجهات الإنقاذية، التي بدون أدنى شكّ، لن تكون لها المقدرة على مجابهة كافة هذه المخاطر في وقت واحد، إن كان على صعيد العدد أو العتيد.
المناطق قسّمت المصادر الميدانية أشارت لـ"لبنان24" الى أن الجهات الإغاثية قد قسّمت فعليًا مناطق الجنوب مع ارتفاع وتيرة الحرب، وهذا ما سيسمح لها بأن توزّع القوى البشرية والمعدات اللازمة حسب سخونة كلّ منطقة، إذ تشير المصادر إلى أن المناطق تبدأ من تلك التي يمكن أن تتعرض لقصف دائم ومستمر، وهي ما سيعمل على إخلائها بأسرع وقت من المدنيين بشكل كامل في حال ارتفاع وتيرة الحرب، وهي المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، إذ لحظ فيها استحداث مراكز إيواء مؤقتة وعاجلة للنازحين.
فهذه المنطقة بطبيعة الحال ترتبط بشكل مباشر بعملية تواجد قوات اليونيفيل التي قسّمت القطاعات اساسا الى القطاعين الغربي والشرقي والقطاع الأوسط، الذي تمتد حدوده من بلدة رميش جنوبا حتى بلدة العديسة شمالا، وكان من المفترض أن تكون هذه المناطق حسب القرار 1701 مناطق منزوعة السلاح، إلا ان خرق اسرائيل المستمر للقرار دفع إلى تواجد 3 ألوية للجيش موزعة على القطاعات الثلاثة بالاضافة إلى قوات اليونيفيل، ومجموعات حزب الله.
ولكن لماذا تعتبر هذه المناطق هي الاكثر سخونة؟ جغرافيا، وبالدخول الى العمق، رصد "لبنان24" خلال جولة ميدانية مع خبراء عسكريين حماوة المناطق من الناحية الاستراتيجية، والعسكرية، إذ تأتي بلدة الناقورة في مقدمة هذه البلدات، حيث تتركز فيها قوات اليونيفيل على بعد ما يقارب 3 كيلومترات عن الحدود مع فلسطين المحتلة. وبالانتقال إلى القطاع الأوسط، أهم منطقة بالنسبة إلى حزب الله، لناحية الوجود الإستراتيجي للعديد من النقاط فيها، أضف إلى الثقل الشعبي الذي يحظى به الحزب هناك؛ فشكّل هذا القطاع نقطة انطلاق مركزية لعمليات الحزب، إذ تبرز منطقة عيتا الشعب أولا، وهي المنطقة الرمزية لنشوء حرب 2006 عندما استطاع الحزب من هناك تنفيذ عملية اعتقال جنديين اسرائيليين. كما ان القطاع الأوسط يضم أيضا بلدة مارون الراس، والتي تبعد 1 كلم فقط عن الحدود، وتطلّ على مستوطنة أفيفيم، والتي تُعتبر أقرب مستوطنة للحدود اللبنانية، وهي التي تم بالتوازي إفراغها خلال المناوشات. وصولاً إلى القطاع الثالث، أي القطاع الشرقي، والذي يعتبر أكبر القطاعات، إذ يضم تمامًا كالقطاع الأوسط نقاطا استراتيجية، أهمها بلدة كفركلا، الملاصقة للحدود، والتي يوجد فيها بوابة فاطمة، أبرز معالم المقاومة، القريبة من بلدة المطلة والجدار الفاصل، أضافة إلى بلدة الغجر الذي يقع الشطر الشمالي منها داخل الأراضي اللبنانية، والتي شهدت بالتوازي مع منطقة مزارع شبعا وابلا من صواريخ الحزب.
المناطق الأقل سخونة أما المنطقة الثانية التي تم رصدها فإنها تتراوح بين 50 و60 كلم من الحدود مع فلسطين المحتلة، وهي ستكون، بحسب المسؤولين الميدانيين الذين تحدثوا الى "لبنان24" قادرة على ضم أكبر عدد من النازحين، أضف إلى أنّها ستكون مركزًا مهما تستطيع من خلاله الهيئات الإغاثية وفرق الإسعاف الحصول على الإمدادات العاجلة واللازمة، وتشمل هذه المناطق شرق صيدا والشوف وإقليم الخروب، حيث سيحاول حزب الله بالتعان مع المسؤولين في هذه المناطق إلى حشد أكبر قدر ممكن من الإمدادات، التي من شأنها أن تسهّل عمل الجهات الإنقاذية. أما المنطقة الأقل سخونة، والتي من المستبعد حسب المصادر أن يتم استهدافها فإنّها تتوزع بين مناطق بعبدا وعاليه، وتحديدًا منطقة عاليه– بحمدون–صوفر، المنطقة التي شهدت تحركًا كبيرًا غير مسبوق على صعيد تجهيز مراكز الإيواء، وتجيهز المستشفيات وتخزين المواد الغذائية، وذلك من خلال توجيهات صارمة وحاسمة من قبل أحزاب المنطقة، التي شدّدت على ضرورة الوقوف إلى جانب ابناء الجنوب حسب المصادر. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: القطاع الأوسط هذه المناطق حزب الله
إقرأ أيضاً:
غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
بقلم : سمير السعد ..
في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:
“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”
ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:
“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”
هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.
تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:
“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”
هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:
“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”
فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:
“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”
في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.
ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:
“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”
فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:
“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”
بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:
“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”
لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:
“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”
وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:
“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”
ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.
غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.
شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.
في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.