عربي21:
2025-05-10@10:08:06 GMT

هل يقبل الله صوم المحاصِرين غزة؟!

تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT

ما يحدث في غزة هذه الأيام؛ أمر محزن ومؤسف، يندى له جبين البشرية، فمنذ خمسة أشهر والحرب الدائرة على أرضها وأهلها لم تتوقف يوما آلة القصف والقتل، وبدل مد يد العون لهم بالإغاثة الواجبة على المسلمين والعرب، تقف دول ذات حدود معها موقف الخزي والعار، ويأتي بعد بضع أيام شهر رمضان الكريم، ويعلن في هذه الدول عن هلال رمضان، وصوم المسلمين فيه، والسؤال الذي يطرح بقوة: هل يقبل الله تعالى صوم المحاصرين لأهل غزة، والمساعدين لأعدائها في التجويع، والحصار؟

المشاهد التي نراها منذ عدة أيام لمن يلقون الله موتى جوعا، مشاهد مفزعة ومرعبة لكل ذي قلب، ولمن كانت لديه بقية من دين أو خلق، ومع ذلك، نجد دولا مجاورة لغزة تمارس هذا الحصار، سواء برغبتها أو غصبا عنها، والنتيجة واحدة، وهو ما لا يعفيها من الجرم والإثم الشرعي، والسؤال المطروح ليس سؤالا ينطلق في فراغ، بل في واقع تعيشه الأمة، حيث إنها دول مسلمة، وتعلن عن رمضان وصومه، فهل يقبل من كل من له صلة بهذا الحصار صومه في هذا الشهر الكريم؟!

بداية لا يملك أحد الحكم على صوم شخص بعينه، أنه مقبول أم لا إلا الله سبحانه وتعالى، ولكننا نتكلم من حيث الفتوى والعلم الشرعي على من يمارس هذا العمل المجرم الأثيم، من تجويع لبني ملته وجلدته، معاونا بذلك الأعداء لأمته ودينه، ولننظر أولا على حكم الشرع في من مات له جار جوعا، وهو يعلم بجوعه، ويعلم بأن موته محتوم لأنه متروك في العراء دون غذاء أو كساء أو دواء، بينما امتدت الجسور البرية والجوية لمعاونة المحتل.



لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الأخوة العامة بين المسلمين، والحقوق الخاصة بين الجيران، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من ‌بات ‌شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم"، وقال العلماء عن سر نفي كمال الإيمان عمن يترك جاره يتضور جوعا، فقالوا: المراد نفي الايمان الكامل، وذلك لأنه يدل على قسوة قلبه، وكثرة شحه، وسقوط مروءته، ودناء طبعه.

ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره"، ونفى الإيمان الكامل مقسما بذلك عمَّن "لا يأمن جارُه بوائقَه"  وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه حين قال: "يا أبا ذر، إذا طبَخت فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك، أو اقسم بين جيرانك"، وقد ذُكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل وتصَّدَّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلم : "لا خير فيها، هي من أهل النار"، فما بالنا بمن يؤذي بالتجويع، والحصار، والمعاونة لعدوهم.

وانطلق سلفنا الصالح من هذا الفهم النبوي يؤسسون لهذه المعاني المهمة لحقوق الجار، سواء كان الجار في المكان الواحد، أو الجار كدول، فكان سفيان الثوري يقول: إذا طبخت قدرا فأكثر ماءه، واغرف منه لجارك، فإن كل جار متعلق بجاره يوم القيامة.

ورأينا الفقه الحنفي يقول: (ومن اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت؛ ففرض على كل من علم به أن يطعمه، أو يدل عليه من يطعمه، صونا له عن الهلاك، فإن امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا في الإثم، قال عليه الصلاة والسلام: "ما آمن بالله من ‌بات ‌شبعان وجاره إلى جنبه طاو". وقال عليه الصلاة والسلام: "أيما رجل مات ضياعا بين أقوام أغنياء، فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله" وإن أطعمه واحد سقط عن الباقين).

ويقول الإمام السرخسي الحنفي: (ويفترض على الناس إطعام المحتاج في الوقت الذي يعجز فيه عن الخروج والطلب، وهذه المسألة تشتمل على فصول:

أحدها: أن المحتاج إذا عجز عن الخروج، يفترض على من يعلم، أنه يطعمه مقدار ما يتقوى به على الخروج، وأداء العبادات، إذا كان قادرا على ذلك. فإذا لم يكن عند من يعلم بحاله ما يعطيه، ولكنه قادر على الخروج إلى الناس فيخبر بحاله ليواسوه ويفترض عليه ذلك؛ لأن عليه أن يدفع ما يزيل ضعفه بحسب الإمكان والطاعة بحسب الطاقة، فإن امتنعوا من ذلك حتى مات، اشتركوا في المأثم، وإذا قام به البعض سقط عن الباقين).

من اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت؛ ففرض على كل من علم به أن يطعمه، أو يدل عليه من يطعمه، صونا له عن الهلاك، فإن امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا في الإثم، قال عليه الصلاة والسلام: "ما آمن بالله من ‌بات ‌شبعان وجاره إلى جنبه طاو". وقال عليه الصلاة والسلام: "أيما رجل مات ضياعا بين أقوام أغنياء، فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله" وإن أطعمه واحد سقط عن الباقينوهذا الحكم يشمل كل قادر على إطعام أهل غزة، أو إيصال الطعام لهم، فمنع أو ساهم في المنع، أو كان موقفه سلبيا بحيث يصل بهم أو ببعضهم إلى الموت جوعا، فهذا إثم كبير كما عبر عن ذلك النصوص الشرعية، والأقوال الفقهية، ومثل هذا الإثم، يجعل صوم صاحبه في مهب الريح، ويجعل الأجر معرضا للزوال، ومهددا بعدم القبول.

فقد اختلف الفقهاء في صوم الظلمة، ومن يعاونهم، لأن الله تعالى رهن القبول بالتقوى، فقال تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين)، ولا تجتمع التقوى في قلب الصائم وعدم رحمته بالخلق، فقال صلى الله عليه وسلم: "من لا يَرْحم، لا يُرْحم"، فناسب عدم رحمته للناس، عدم قبول الله لعبادته التي أصبحت شكلا مفرغا من مضمونه، فالصوم هدفه: تحقيق التقوى، فقال تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

وقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، وقول الزور هنا لا يقف عند الشهادة به في المحاكم والقضايا، بل في المواقف والآراء، لأن بقية الحديث قالت: والعمل به، أي: يعمل بالزور، أي: الظلم والبغي والعدوان.

فعدم القبول هو قول الكثيرين من العلماء، وخلافهم هل يجزئه الصوم، فلا يعيده قضاء، أم يقضيه؟ وهو حكم فقهي عادل لا يظلم هؤلاء الظلمة، لأنهم ظلموا أنفسهم، وظلموا الأمة بأفعالهم القاسية والتي لا تنم عن رحمة بالخلق، ولا خشية للخالق.

ويأتي سؤال آخر هنا: هل الإثم يقف فقط عند المسؤولين الكبار في الدول التي تحاصر أو تمنع؟ والإجابة: إن كل إنسان مسؤول عن ذلك بقدر حجم مسؤوليته، فمن كانت له أدنى سلطة، أو رأي، أو قرار، يعد مشاركا في الإثم، ومشاركا في حبوط العمل، وتعرض صومه لعدم القبول، حتى لا يكون ممن قال فيه صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".

وقد فصل في هذه المسألة إمامان كبيران من أئمة الفقه الإسلامي: العلامة أبي حامد الغزالي في كتابه: إحياء علوم الدين، والفقيه الكبير ابن حزم، في كتابه: المحلى، حتى لا يظن أحد أنه توجه خاص مرتبط برأي أو توجه سياسي، فالأول فقيه شافعي وصوفي كبير. والثاني: فقيه ظاهري كبير، وصاحب عقلية فقهية نادرة في تاريخنا الإسلامي. كما تحدث فيها فقهاء آخرون، لمن أراد المزيد، أو الوقوف على حكم الشرع فيما يفعل، حتى يلقى الله بصوم مقبول غير مردود.

[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة رمضان الحصار رأي فلسطين غزة حصار رأي رمضان مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة اقتصاد اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قال علیه الصلاة والسلام صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

12 ركعة واظب عليها النبي وتبني لك بيتًا في الجنة.. لا تفوت أجرها

يغفل كثيرون من المسلمين عن ثواب وأجر 12 ركعة تعد من الكنوز العظيمة في العبادة ولا تتطلب جهدًا كبيرًا، لكنها تفتح أبواب الرحمة وتُعلي منازل العبد عند ربه وهي السنن الرواتب، وهي الصلوات التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أو بعد صلاة الفريضة.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور علي فخر، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن السنن الرواتب المؤكدة في الصلوات الخمس اليومية، هي سنن عظيمة الثواب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها ولا يتركها.

وقال أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، خلال تصريحات تلفزيونية، إن "سنن الصلاة المؤكدة هي اثنتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر واثنتان بعده، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، وهذه هي الركعات التي يُطلق عليها السنن الرواتب المؤكدة التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم".

واستشهد على ثواب السنن الرواتب، بالحديث الشريف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعًا، بُني له بيت في الجنة"، مؤكدًا أن هذا فضل عظيم لمن يداوم على هذه الركعات اقتداءً برسول الله.

ماذا يفعل من فاتته السنن الرواتب؟

يُسنُّ المحافظة على أداء السنن الراتبة في أوقاتها المحددة، فإن خَرَج وقتها فالمختار للفتوى أنه يجوز للمسلم أن يقضيها بعد ذلك، في أيِّ وقتٍ من غير حدٍّ -إلَّا أن يكون وقت كراهة-، وسواء كانت الفائتة الفجر أم غيرها من الرواتب.

الإفتاء توضح حكم قصر الصلاة للمسافر من العريش إلى القاهرة لمدة 5 أيامأقصى مدة لـ قصر الصلاة أثناء السفر.. الإفتاء توضححكم دعاء الاستفتاح في الصلاة وسبب الاختلاف حول صيغتههل تقبل صلاتي بدون خشوع وتركيز؟.. أمين الإفتاء يجيب

وأوضحت الإكثار من النوافل سببٌ لمحبة الله تعالى؛ ففي الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».

ومن هذه النوافل التي رغَّب سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في المواظبة عليها: السنن الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، وجملتها اثنتا عشرة ركعة عند الحنفية؛ وهي: أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر؛ ومجموعها اثنتا عشرة ركعة.

وأَمَّا الشافعية والحنابلة فمقدارها عندهم عشر ركعات: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.

ويرى المالكية أنه لا حَدَّ للسنن الرواتب. ينظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 284، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" للحطاب (2/ 66-67، ط. دار الفكر)، و"المجموع شرح المهذب" للإمام النووي (4/ 7، ط. دار الفكر)، و"المغني" للشيخ ابن قدامة (2/ 93، ط. مكتبة القاهرة).

فعن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها أنَّها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» رواه مسلم.

وفي روايةٍ للترمذي والنسائي في "السنن": «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ».

كما خصَّ سيدنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض هذه الرواتب بالتَّأكيد والترغيب، كنافلة الفجر؛ فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» رواه مسلم.

وعنها قالت: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ» متفق عليه.

وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على أن يصلِّي أربعًا قبل الظهر، فإذا لم يصلِّهنَّ قبل الظهر صلَّاهن بعدها؛ فقد روى الإمام الترمذي في "سننه" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إِذا لم يُصَلِّ أربعًا قبل الظهر صلَّاهنَّ بعده.

قال العلامة الحسين بن محمود المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 137، ط. دار النوادر): [من أدَّى فرائض الله تعالى يحبُّه الله، ومن أدَّى الفرائض والنوافل يزيد حبُّ الله له، فبقدر ما زاد من النوافل يزيد حبُّ الله له، حتى صار عبدًا مُخلصًا مرضيًّا لله تعالى] اهـ.

طباعة شارك السنن الرواتب السنن أمين الفتوى دار الإفتاء الإفتاء صلاة الفريضة السنن الرواتب المؤكدة النبي 12 ركعة

مقالات مشابهة

  • الفرق بين الحمد والشكر.. تعرف عليه
  • من صلى الفجر بعد شروق الشمس.. 3 أعمال تكفر هذا الإثم
  • أمين الإفتاء يكشف كيف يستجاب الدعاء بالصلاة على النبي
  • ماذا يسمع الموتى في قبورهم؟.. الإفتاء: 5 أشياء وينتفعون بـ3 كلمات
  • سنن الأضحية.. مايستحب فعله عند الذبح
  • خطيب المسجد النبوي: سيرة النبي محمد رحلة مفعمة بالدروس
  • خطيب المسجد النبوي: سيرة النبي محمد دستور يصلح حال البشرية كلها
  • خطبتي الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • ما حكم ترك صلاة الجمعة بدون عذر.. اعرف الرأي الشرعي
  • 12 ركعة واظب عليها النبي وتبني لك بيتًا في الجنة.. لا تفوت أجرها