على بص صلاح الدين الذي تحرك من كسلا إلى بورتسودان عند السادسة من صباح يوم الخميس جلسنا على مقعدين متجاورين، يبدو أنه مُرهق وأن التعب عنده قد بلغ مبلغ عظيماً فقبل أن يتحرك البص ارخي جفونه واستسلم للنوم، وبعد أربعة ساعات وعند وصولنا مدينة هيا استيقظ وبصوت متكاسل سألني عن المكان الذي وصل إليه البص.

تجاذبنا بعد ذلك أطراف الحديث وعرفت أنه وبمعية أسرته قادما من غرب ولاية الجزيرة في طريقه إلى إحدى الدول الخليجية، أخبرني أن رحلتهم من المناقل حتى كسلا استغرقت 48 ساعة وسرد لي المعاناة التي تكبدتها أسرته إلى أن وصلت كسلا مساء الأربعاء ولم تخلد للراحة غير ساعات ثم يممت صوب بورتسودان، سألني :”كسلا دي لشنو مطارها ما شغال، هسه بدل التعب ده كان سافرنا منه”، اكتفيت بأن قلت له ان العمل جارٍ لاستئناف التشغيل بالمطار.

هو وغيره من المواطنين من حقهم أن يسألوا عن مطار كسلا ويستفسروا عن سبب توقفه لأن السفر إلى بورتسودان من وسط السودان قطعة من الجحيم تجمع بين الرهق المادي والبدني والنفسي، ورغم أنني تحركت من كسلا فقد عانيت مثل غيري من الطريق المتردي الذي كثيرا ماكاد أن يكون سبب لانحراف البص عن مساره وحدوث حادث حركة وتجرعت ذات المعاناة والبص يتوقف عند أكثر من خمسة حواجز تفتيش، وعند الوصول مساءاً كانت رحلة البحث عن غرفة في فندق أكثر رهقا من السفر إلى أن حصلت عليها بعد جُهد وموعد الإفطار قد ازف.

مهما كانت الدواعي والمبررات فإنه لا يستقيم عقلا ولا منطقاً أن يظل مطار كسلا خارج الخدمة طوال عام، هذه الفترة تُعد كافية لتشييد مطار جديد دع عنك صيانة مدرج، حتى في ظروف الحرب فإن الحكومة مطالبة بالبحث عن خدمة المواطن وراحته لا زيادة الأعباء عليه، وتأهيل مطار كسلا وادخاله الخدمة كان سيسهم في تقريب شقة المسافة وتقليل مشقة السفر، لأن الوصول إلى كسلا من وسط وغرب البلاد أكثر يُسراً من بورتسودان البعيدة،ولانجد غير أن نطالب شركة مطارات السودان بأن ترحم من هم في الأرض حتى يرحم منسوبيها من في السماء.

صديق رمضان

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

لبنان .. البلد الذي ليس له شبيه

لبنان البلد الفريد في كل شيء. وطن الجمال ساحلاً وجبلاً، سهولاً وأوديةً. البلد الذي يجمع بين التنوع الديني والعرقي من مسلمين (سنة، وشيعة، ودروز)، ومسيحيين (موارنة، وروم أرثوذكس، وروم كاثوليك، وبروتستانت، وأرمن رسوليون، وغيرهم) مع جذور تاريخية عميقة فينيقية وكنعانية ما يمنحه طابعا خاصا من التعايش الديني والثقافي ليس له مثيل. إنه البلد الذي يجمع بين أصالة الشرق وروح المتوسط.

إن تاريخ لبنان غني متنوع يبدأ من الحضارات القديمة، مثل الفينيقيين (في العام ٣٠٠٠ ق.م وما بعدها) الذين أسسوا مدنًا تجارية مهمة، مثل: صيدا، وصور، وجبيل مروراً بالاحتلالات المتعاقبة للأشوريين والفرس والرومان والبيزنطينيين والصليبيين والمماليك والعثمانيين (خلال الفترة ١٥١٦-١٩١٨م ) حتى ظهرت دولة لبنان الكبير في سبتمبر من العام ١٩٢٠م بموجب الانتداب الفرنسي إلى أن أُعلنت الجمهورية اللبنانية في العام ١٩٢٦م، ونيل لبنان استقلاله التام عن فرنسا في ٢٢ نوفمبر ١٩٤٣م، وانتخاب الشيخ بشارة الخوري كأول رئيس للجمهورية اللبنانية ورياض الصلح كأول رئيس وزراء للبنان بعد الاستقلال.

وقد جاء هذا الاستقلال تتويجاً لمسار طويل من النضال السياسي ضد الفرنسيين ظهر على إثره الميثاق الوطني، وهو الاتفاق غير المكتوب الذي نظم أسس الحكم في لبنان في العام ١٩٤٣م، وما زال إلى الآن عاملًا مؤثرًا في السياسة اللبنانية.

وقد نشأ هذا الميثاق الوطني بعد مفاوضات بين القيادات السنية والشيعية والمارونية، ونص على أنه يجب أن يكون رئيس الجمهورية وقائد الجيش من الموارنة، وأن يكون رئيس مجلس الوزراء من السنة، وأن يكون رئيس مجلس النواب من الشيعة، وأن يكون نائب رئيس مجلس النواب ونائب رئيس مجلس الوزراء من الروم الأرثوذكس، وأن يكون نسبة النواب المسيحيين والمسلمين (٥:٦) -عدلت في اتفاق الطائف (٥:٥)-، وأن يكون رئيس الأركان العامة من الدروز.

وتضمن كذلك الميثاق الوطني قبول الموارنة الهوية العربية بدلاً من الهوية الغربية، وتخلي المسلمين عن مطمح الوحدة مع سوريا.

وقد مر لبنان بأحداثٍ جسام بعد استقلاله كان أكبرها الحرب الأهلية التي استمرت قرابة ١٥ عاما منذ العام ١٩٧٥م حتى توقيع اتفاق الطائف الذي مهد لإنهاء الحرب رسميًا في العام ١٩٩٠م. وهو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي وضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان بوساطة سورية سعودية في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ ٣٠ سبتمبر ١٩٨٩م، وأقره لبنان بقانون بتاريخ ٢٢ أكتوبر ١٩٨٩م، وصدق عليه البرلمان اللبناني في ٥ نوفمبر من نفس العام، وذلك بعد نشاط مكثف للدبلوماسية السعودية وشخصيات وطنية لبنانية وشخصيات دولية.

وقد تكوّن هذا الاتفاق من ٤ مواد رئيسية: المادة (١) المبادئ العامة والإصلاحات: حيث نصت فقرات هذه المادة على المبادئ العامة، كتأكيد استقلال لبنان وهويته العربية والشكل السياسي للدولة، كجمهورية برلمانية ديموقراطية.

كما نصت فقرات هذه المادة على مجموعة من الإصلاحات السياسية التي تم الاتفاق عليها، كتوزيع مقاعد مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين إضافة إلى إصلاحات أخرى في مجالات مختلفة كالإدارة والتعليم والمحاكم.

تتناول المادة (٢) بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية فيما تتناول المادة (٣) تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي وتتناول المادة (٤) العلاقات اللبنانية السورية. وقد وضع اتفاق الطائف إلغاء الطائفية هدفاً له، لكن هذا الهدف لم يتحقق حتى الآن.

ومنذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام ٢٠٠٥م شهد لبنان توترات سياسية وأمنية كبيرة؛ حيث أطل شبح الفتنة على البلاد مجدداً. وحاولت بعض الأطراف الداخلية والخارجية جر لبنان إلى حرب أهلية، لكن حكمة الوطنيين والمخلصين من رجالات لبنان أنقذت الموقف بتسوية عكست انهزام مشروع الفتنة؛ فكان اتفاق الدوحة، وهو الاتفاق الذي توصلت إليه القوى السياسية اللبنانية يوم الأربعاء ٢١ مايو ٢٠٠٨م في العاصمة القطرية الدوحة، لتنهي أزمة سياسية كبيرة استمرت ١٨ شهرا شهدت بعض الفترات منها أحداثا دامية.

ومن ضمن ما تعرض له لبنان من مخاطر هدد وجوده الاجتياح الإسرائيلي في السادس من يوليو ١٩٨٢م؛ حيث وصلت قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى العاصمة بيروت. وكان الهدف المعلن تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وتأمين العمق الجغرافي للكيان الصهيوني، ولكن يبدو أن الاجتياح أتى بنتائج كارثية على الغزاة؛ حيث انفجرت شعلة المقاومة التي زرعها الإمام موسى الصدر في فترة السبعينيات مع تأسيس أفواج المقاومة اللبنانية (حركة أمل) التي تبعها لاحقا إنشاء حزب الله.

ومنذ ذلك الحين إلى الآن لم يسلم لبنان بشكل عام وجنوبه بشكل خاص من الاعتداءات المستمرة للكيان الصهيوني بحجة أو بدون حجة ما يجعل لبنان بشكل دائم تحت مرمى الاعتداءات والاستفزازات الصهيونية المستمرة كان آخرها الصراع بين حزب الله والكيان الصهيوني الذي بدأ في ٨ أكتوبر ٢٠٢٣م بعد يوم واحد من انطلاق عملية طوفان الأقصى في غزة. والذي استمر حتى ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤م عندما أعلن عن وقف إطلاق النار لمدة ٦٠ يوما التزم بهذا الاتفاق حزب الله، وخرقه الكيان الصهيوني خلال هذه المدة أكثر من١٣٥٠ مرة.

وسواء اتفقنا مع حزب الله وأجندته أو اختلفنا لا يمكن لأحد أن ينكر أن حزب الله شكل عبر هذه السنوات الطويلة حاجز صد لأطماع الكيان الصهيوني في اجتياح لبنان مجددا.

لبنان البلد الصغير حجماً والكبير مكانةً له في قلب كل عربي -ومنهم أهل سلطنة عمان- مكانة خاصة قل أن تجد لها نظيرًا. فهذا البلد ذو التاريخ العظيم والمكانة الاستثنائية في الحاضر، والذي أنجب جبران خليل جبران، وأمين الريحاني، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، وجوزيف حرب، وسعيد عقل، وأنسي الحاج، وفيروز، والرحابنة، ونصري شمس الدين، وغيرهم من القامات الأدبية والفنية، وكذلك العديد من الشخصيات والقامات الوطنية والسياسية والأكاديمية والاقتصادية -لا يتسع هنا المجال لذكرها-، والتي أثرَت الوطن العربي والعالم أجمع عبر عقود من الإبداع - كلٌ في مجاله - سيظل عصياً على الكسر. وسيظل لبنان التاريخ والحاضر ملتقى الحضارات والثقافات والجمال والإبداع. إنه بحق جوهرة الشرق الأوسط؛ البلد الذي ليس له نظير.

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية

مقالات مشابهة

  • الإمارات تحظر السفر إلى مالي وتدعو مواطنيها هناك إلى العودة
  • من هو غسان الدهيني الذي أصبح زعيم القوات الشعبية في غزة بعد أبو شباب؟
  • تحطم طائرة شحن للجيش السوداني غرب بورتسودان
  • لبنان .. البلد الذي ليس له شبيه
  • الخطوط التنزانية تطلق رحلات جديدة إلى كيب تاون
  • زلزال اليابان: هل السفر آمن رغم التحذير من زلزال عملاق؟
  • هل يجب فصل بطارية سيارتك قبل الذهاب في إجازة؟ تحذير هام
  • دعاء السفر مكتوب.. تعرف على الصيغة النبوية
  • معان تسجل أعلى هطولا مطريا خلال 12 ساعة
  • معان تتصدّر هطول الأمطار وتحذيرات للأردنيين من السيول