لجريدة عمان:
2025-05-28@17:23:38 GMT

هل نستمر في الكتابة عن غزة؟

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

يبقى السؤال حول فاعلية الكتابة والنشاط خلال هذه الجريمة التي يبيد فيها الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في غزة ملحًا، ما الذي يمكن فعله بعد خمسة أشهر من «استئناف» الكيان المحتل عملياته على نحو مكثف في غزة وكل فلسطين. هذا السؤال طرحه على نفسه واحد من أهم الكتاب بالنسبة لي والذي أحرص دومًا على عرض آرائه في مقالاتي بين الحين والآخر.

«جي ناثان روبنسون» الذي يقول إنه بصفته كاتبا سياسيا لم يشعر قط بعدم الفعالية أكثر مما يشعر به الآن. خصوصًا وأن حكومة بلده «أمريكا» تحول دون إيقاف الإبادة الجماعية، وتزود إسرائيل بالأسلحة والعتاد لمواصلة جرائمها في غزة. لكنه يفكر في البدائل المطروحة لدى الأمريكيين بالفعل؟ لطالما كان الخيار محصورًا بين الديمقراطيين وممثلهم «جو بايدن» في هذه المرحلة أو «الجمهوريين» كدونالد ترامب، الأمر الذي يعني وجود خيارين أحسنهما مر، فالديمقراطي يدعم إسرائيل والجمهوري يدعمها على نحو أكبر. فهل ثمة بدائل؟ هل يمكن التفكير في أمريكا بعيدًا عن هذه الثنائية، أن يكون ثمة بديل يساري لا من أجل فلسطين وحدها، بل من أجل الأمريكيين ومستقبلهم أيضًا.

ما يحاول روبنسون الإشارة إليه هو الخطاب العام المأزوم في أمريكا نفسها، وما يطرحه كل من اليساريين واليمينيين إن كان يمكن أن نفكر في المواقف السياسية على هذا النحو في عالمنا اليوم، يشير «روبنسون» لكثير من الكتب السياسية التي تعالج موضوعات من قبيل «الحرب على أمريكا المسيحية» «الحرب على الغرب» و «معركة إلغاء العقل الأمريكي» في الوقت الذي تعيش فيه أمريكا مثل بقية العالم صراعات حقة، ليست جزءًا من الحوار العام لا مع اليمين ولا مع اليسار، ومنها البطالة في أمريكا، وتراجع دور النقابات، ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، تهديدات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته على المجتمعات، وتوقف تمويل الصحافة، والسياسات الصارمة غير محسوبة العواقب لمكافحة الجرائم، وأزمة المهاجرين، وفقر الأطفال، فيما ينشغل الفضاء العام بالكتابة عن ثقافة الإلغاء والانتباه! في الوقت الذي ينبغي فيه على المؤسسات الإعلامية أن تسلط الاهتمام على القضايا الأخلاقية الأكثر إلحاحًا مثل: وقف الحرب في مثل هذا التوقيت.

ومع عمل «روبنسون» نفسه على الكتابة المدققة والحريصة على معالجة الموضوعات ذات الأولوية، إلا أن سؤال «الشلل» إزاء حالة العجز عن التغيير يطل برأسه دومًا. فما الفائدة من كتابة مئات المقالات سنويًا، ما الفائدة من قول أي شيء إضافي عما يحدث في غزة ما لم يساهم ذلك أو حتى يؤثر وإن بشكل ما على الإيقاف الفوري لإطلاق النار والقتل الجماعي هناك؟ يُذكر «روبنسون» نفسه بأن ثمة التزامات تجاه الضحايا، ويعتقد أن الصمت هو تواطؤ، وعندما ينظر هو نفسه للتاريخ يجد نفسه معجبًا بأولئك الذين تحدثوا عن الفظائع فيما يزدري أولئك الذين لم يفعلوا أي شيء. ويستدعي في السياق نفسه الاحتجاج الذي حصل على حرب فيتنام في الستينيات، وحالة اليأس التي مر بها المحتجون من الكتاب بعد تصعيد إدارة «نيكسون» للقصف، ومع ذلك فإن التظاهر والكتابة ومحاولة لفت الانتباه لم يتوقفا أبدًا. يتوقف «روبنسون» مليًا أمام «آرون بوشنل» الذي لم يجد سوى الانتحار العلني التضامني لمواجهة ما يحدث للفلسطينين الآن، يستحضر سؤال «بوشنل» في الأيام التي سبقت إضرامه النار في نفسه: ماذا كنت سأفعل لو كنت على قيد الحياة أثناء فترة العبوية؟ أو فترة قوانين (جيم كرو) .. هذا ما تفعله أنت الآن. ويجد بأن هذا السؤال يطارده مثلما يثق بأنه يطار الكثير منا.

من جهة أخرى فإن الكاتب الرائع «بانكاج ميشرا» الذي سبق وأن كتبت عن كتابه «عصر الغضب» المترجم حديثًا إلى العربية كتب قبل أيام مقالًا رائعًا في لندن ريفيو بعنوان : The Shoah after Gaza تحدث فيه عن استغلال إسرائيل اليوم لذاكرة الهولوكوست « تحويل قتل ستة ملايين يهودي إلى انشغال وطني مكثف، وأساس جديد لهوية إسرائيل. فقد عملت المؤسسة الإسرائيلية على إنتاج ونشر نسخة خاصة جدًا من الهولوكوست يمكن استخدامها لإضفاء الشرعية على الصهيونية المتشددة والتوسعية». الأمر الذي دفع الإسرائيليين التي تبني المبدأ العدمي «البقاء للأقوى» ويكتب عن وعي اليهود أنفسهم ممن لاحقتهم النازية ونزلوا في معسكرات المحرقة بهذه الكارثة حتى وان كانوا مع تأسيس إسرائيل في بدايتها، أو الشعور بالسخط لاضطرار اليهود تبرير حاجتهم لدولة بعد كل ما حدث. «بانكاج ميشرا» نفسه الذي نشأ في عائلة هندوسية من الطبقة العليا في الهند كانت له علاقة وجدانية بإسرائيل في طفولته، لكن كل هذا صار قيد المراجعة بعد بعض الوقت. ما يهمني في مقالة «ميشرا» والذي أحاول الكتابة عنه في مقالي هذا هو إشارته للتعتيم الذي يحصل على تصفية وإبادة الناس في غزة بالإضافة لإنكارها من قبل أدوات الهيمنة الغربية العسكرية والثقافية. وأن نجد أنفسنا في وضع غير مسبوق نشهد فيه إبادة هذا العدد الكبير من الناس أمام أعيننا، والتي تأتي مع قدر عال من الجبن والرعونة والرقابة التي لا تسمح لنا بالتعبير عما نشاهده فحسب بل إنها تسخر من صدمتنا وحزننا، إن ما يحدث هو تسميم مباشر لأيامنا التي نعيشها بإدراك أننا بينما نمضي في حياتنا يتعرض مئات من الأشخاص العاديين مثلنا للقتل أو يجبرون على أن يشهدوا مقتل أطفالهم.

يراجع «بانكاج ميشرا» أعمال كتاب يهود نجوا من المحرقة من أمثال بريمو ليفي وزيغمونت باومن، و جان آمري للحيلولة دون استمرار هذا العبث الإسرائيلي وإمعان هذا الكيان في الإصرار على الإبقاء على منطق المحرقة نفسه الذي تعرض له اليهود في الهولوكوست. ليس هذا فحسب بل يذهب لتحليل أعمال الأدب الأمريكي ورؤاها حول ما يحدث إبان هذا الدعم اللامحدود لإسرائيل وجرائمها. إنه وعلى الرغم من هذا «الجنون» المحض فلا شك أن للكتابة مكانا ومساهمة عليها أن تنتزعها انتزاعًا في إيقاف ما يحدث.

أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ما یحدث فی غزة

إقرأ أيضاً:

صحيفة صهيونية تقر بعجز أمريكا و”إسرائيل” عن كسر صمود اليمنيين… جغرافيا، عقيدة، وخبرة قتالية تُربك العدو

يمانيون | تقرير
في اعتراف صريح يعكس عمق الفشل العسكري الأمريكي والصهيوني في كسر إرادة الشعب اليمني، نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية، الثلاثاء، مقالاً تحليلياً حمل عنواناً لافتاً: “لماذا لا تستطيع إسرائيل ولا الولايات المتحدة هزيمة اليمنيين في اليمن؟”، كتبه المحلل الصهيوني “يشاي هالبر”، تناول فيه الأسباب الجوهرية التي منعت تحالف العدوان من إخضاع اليمن أو إضعاف قدراته رغم الغارات الجوية، والحصار، والحروب النفسية، والتقنيات العسكرية المتطورة التي استخدمها العدو.

ويُعد المقال بمثابة إقرار ضمني بأن اليمن، رغم الحصار والتدمير والحرب الاقتصادية والعسكرية المستمرة منذ أكثر من تسع سنوات، قد تحوّل إلى قوة استراتيجية عسكرية لا يمكن تجاوزها في معادلات المنطقة، بل إنه بات لاعباً محورياً في الصراع الإقليمي، ولا سيما بعد انخراطه المباشر في معركة دعم غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، ضمن محور المقاومة.

الجغرافيا… درع حصين أمام العدوان
يشير الكاتب الصهيوني إلى أن أحد أبرز العوامل التي تُصعّب هزيمة اليمنيين هو الطبيعة الجغرافية المعقدة للبلاد. ويقول إن تضاريس اليمن الوعرة من جبال شاهقة وصحارى شاسعة وسواحل طويلة، تجعل من الصعب على الجيوش الغازية فرض سيطرتها أو إحراز نصر حاسم. كما أن هذه الجغرافيا منحت المقاتلين اليمنيين القدرة على تطوير تكتيكات حرب عصابات متقدمة والاختفاء في عمق الجبال، وهو ما أرهق التحالف العسكري الأمريكي السعودي الصهيوني.

ولا يغفل المقال الدور الاستراتيجي للبحر الأحمر، حيث تمكّن اليمن من تحويل الممر البحري الحيوي إلى نقطة اختناق للمصالح الغربية، عبر تنفيذ عمليات عسكرية ضد السفن المرتبطة بالعدو الصهيوني، مما أوجد توازن ردع لم يكن في الحسبان.

الخبرة والقتال تحت النار
يتحدث كاتب المقال أيضاً عن الخبرة القتالية المتراكمة التي اكتسبها اليمنيون على مدى سنوات العدوان، حيث انتقلوا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وتطورت قدراتهم في تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية والمجنحة، وحتى تطوير تكتيكات معقدة للعمليات البحرية والجوية.

ويؤكد الكاتب أن العمليات الدقيقة التي تنفذها القوات اليمنية – سواء في البحر الأحمر أو في عمق فلسطين المحتلة – تعكس تطوراً غير مسبوق في الأداء العسكري، وقدرة عالية على التنسيق والتخطيط والتنفيذ، رغم الحصار المفروض على البلاد.

العقلية والعقيدة… عنصر الصمود
أما العامل الثالث الذي ركز عليه المقال فهو ما وصفه بـ “العقلية اليمنية المقاومة”، والتي تتمثل في الإصرار العقائدي والثقافي على مقاومة الغزاة، ورفض الاستسلام، والإيمان العميق بعدالة القضية. ويقول الكاتب: “منذ بداية الحرب على غزة، لم يتوقف اليمنيون عن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة دعماً لحماس، في مشهد يعكس التزاماً أيديولوجياً أكثر منه سياسياً”.

وأضاف: “لقد كان الكثيرون يسخرون من التهديدات اليمنية في البداية، لكن بعد مرور أكثر من عام ونصف على بدء الحرب، لم يعد أحد يجرؤ على تجاهلهم أو اعتبارهم مجرد فاعل هامشي”.

معركة الإرادة… اليمن ينتصر سياسياً ومعنوياً
ورغم أن المقال الصهيوني حاول التركيز على البُعد الفني والاستراتيجي، إلا أنه يعكس فشلاً سياسياً ومعنوياً للعدو الصهيوني والأمريكي، إذ لم تستطع كل تلك الهجمات الجوية المكثفة ولا العقوبات ولا المحاولات الإعلامية تشويه صورة اليمن أن تؤدي إلى تراجع أو انكسار في الإرادة اليمنية.

بل على العكس، فقد تمكنت صنعاء من تعزيز موقعها في الخارطة الجيوسياسية، وفرضت شروطها في معادلات البحر الأحمر، بل وصارت جزءاً لا يتجزأ من محور المقاومة، جنباً إلى جنب مع حزب الله في لبنان، وفصائل المقاومة في غزة والعراق.

صدمة في الأوساط الصهيونية
هذا الاعتراف الإعلامي الصهيوني يأتي في سياق حالة من القلق والتخبط داخل الأوساط العسكرية والأمنية الصهيونية، التي ترى في تصاعد العمليات اليمنية مؤشراً خطيراً على توسع رقعة المواجهة وتهديد “إسرائيل” من عمق البحر والبر، بل ومن أماكن لم تكن تُحسب في السابق ضمن مساحات الخطر الداهم.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن تأخر العدو في التعامل بجدية مع التهديد اليمني نابع من غرور استراتيجي، واستخفاف بطبيعة اليمنيين، وجهل بتاريخهم الطويل في مواجهة الغزاة، منذ الحملات الصليبية وصولاً إلى الاحتلال البريطاني، وهو ما جعل من “المفاجأة اليمنية” اليوم، بمثابة ارتطام عنيف بالواقع لفكر عسكري صهيوني ظل يتعامل بمنطق التفوق التقني فقط، متجاهلاً عناصر العقيدة والإرادة.

خلاصة
تكشف المقالة التي نشرتها صحيفة “هآرتس” عن تحوّل نوعي في وعي العدو بحقيقة المشهد اليمني، من فاعل كان يُنظر إليه على هامش الصراع، إلى لاعب رئيسي يشكل تهديداً استراتيجياً عسكرياً واقتصادياً وأمنياً.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن اليمن، بقيادة وطنية صلبة وإرادة شعبية صامدة، ليس مجرد مساحة جغرافية مضطربة، بل هو مشروع تحرري ومقاوم، تتكسر أمامه أدوات الحرب الأمريكية والصهيونية.

وإذا كانت الغارات الجوية لم تُجدِ، والحصار لم يُفلح، والتحريض الإعلامي قد فشل، فإن ذلك يعني أن المعركة اليوم باتت مع وعي شعبي وعقيدة وطنية ومقاومة ذات جذور تاريخية، يصعب اقتلاعها، حتى بالحديد والنار.

وهو ما خلص إليه كاتب المقال نفسه، حين قال: “الانسحاب الإسرائيلي من غزة أو تسويات إقليمية لن تغير شيئاً في المعادلة اليمنية، فاليمنيون اليوم قوة صاعدة لا يمكن تجاهلها”.

مقالات مشابهة

  • وزير أردني سابق: إسرائيل تُراهن على أمريكا في حال وقوع هجوم ورد إيران|فيديو
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • وزير الخارجية الألماني: ما يحدث في غزة غير مقبول ولن نتضامن مع إسرائيل بالإجبار
  • صحيفة صهيونية تقر بعجز أمريكا و”إسرائيل” عن كسر صمود اليمنيين… جغرافيا، عقيدة، وخبرة قتالية تُربك العدو
  • زاهي حواس: أرسلت خطابا للرئيس وشرحت له الدور الذي أقدمه في أمريكا للترويج للمتحف الكبير
  • الإعيسر: أمريكا سارعت باتهام السودان في الوقت الذي تم فيه ضبط أسلحة أمريكية بيد المليشيا المتمردة
  • ذا هيل: هروب ترامب من اليمن أزعج إسرائيل والدول العربية المعتمدة على أمريكا
  • شركات الطيران الأجنبية التي ألغت أو أجلت رحلاتها إلى “إسرائيل” نتيجة الضربات الصاروخية على مطار اللد “بن غوريون”
  • نعيم قاسم مخاطباً ترامب: تحرّر من إسرائيل من أجل مصلحة أمريكا في الشرق الأوسط
  • صحيفة عبرية: أمريكا تضغط على إسرائيل لتأجيل عمليتها الشاملة في غزة