عبد الرحيم على يكتب: في العام الواحد بعد الستين
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
في العام الواحد بعد الستين، أجتاز الحقيقة مرتين، مرة حينما يمرض القلب وأخرى عندما تبدأ الذكريات تتوارى خجلًا من النسيان، يتسرسب العمر الجميل الحنون ويفر ويفرفر في رفة قانون، ينسابُ الحنين إلى الماضي عندما يفاجئني كل يوم رحيل الأحبة والوجوه التي رافقتني رحلتي الطويلة.. أعمل التفكير طويلًا في مقولة إلياس نخلة بطل رواية "الأشجار واغتيال مرزوق" للراحل عبد الرحمن منيف: "الحياة.
وأمام اللوحات الموحية وقفتُ أشرح للطلاب ما حدث في اجتياح بيروت عام ١٩٨٢.
كانت تلك هي المواجهة الأولى مع جماعات العنف الديني في مصر تلتها مواجهات أخرى أكثر عنفًا صنعت مني مقاتلًا لا يلين ضد تلك الجماعات وما تحمل من أفكار، ولم أزل.
في كل يوم، كنتُ أفقدُ أحد الرفاق القدامى، كنت أستحضره وأتحدث معه: سلم على بيتنا في الأعالي، سلم على أهلنا هناك، وعم سلامًا يا رفيق..
لم أعد أحتمل وجع الفراق.. تمنيت كثيرًا لو أنني أنا الذي أفارق في لحظة عفوية فأفقد الأحساس بالفقد.
كانت تلك إحدى أمنياتي عندما وصلت سن الستين، ولم تزل.. وها أنا ذا أخطو عامًا آخر حمل من الوجع أكثر مما حمل من الأمل.. وما زلت أحيا.. شكرًا للمصادفة السعيدة..
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ناجي العلي
إقرأ أيضاً:
عندما تضيع المروءة بين العرب
يروى أن فارسا من العرب اجتاز بادية اشتد فيها القيظ، حتى صارت رمالها مثل الجمر؛ فلقي في طريقه رجلا يمشي حافيا، رقّ له الفارس، فنزل ودعاه إلى الركوب على جواده. لكن هذا الماشي كان لصا من لصوص الخيل، فما إن تمكن من ظهر الجواد حتى عدا به وهرب.
فناداه الفارس صاحب الجواد: «لقد وهبتك الجواد، ولن أسأل عنه بعد اليوم، ولكنني أطلب إليك أن تكتم هذا الأمر، كي لا ينتشر بين قبائل العرب، فلا يُغيث القويُّ الضعيف، ولا يرقّ الراكب للماشي، فتزول المروءة».
فلما سمع اللص كلامه، تملكه الحياء، وأعاد الجواد إليه، ولم يرضَ أن يكون سببا في ضياع المروءة بين العرب.
عندما نستعرض هذه القصة، التي لم يقبل فيها لص أن يكون سببا في ضياع المروءة بين الناس، ونرى واقع حال الأمة العربية الآن، وهي «خير أمة أُخرجت للناس»، ينتاب المرءَ الكثير من الحزن والأسى على أمة أضاعت الكثير مما تفردت به عبر التاريخ، من قيم ونخوة ومروءة، حتى وصلت إلى مرحلة يتعمد فيها كيان صهيوني مجرم إهانة أكثر من ٤٠٠ مليون إنسان عربي، وبشكل يومي، على مدى أكثر من ٦٠٠ يوم من القتل والتنكيل بالشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، تحت مرأى اثنتين وعشرين دولة، تملك آلاف الأطنان من العتاد والأسلحة الحديثة، وجيوشا يُقدر عدد أفرادها بملايين من الجنود، وقوة مالية واقتصادية هائلة، ولا تستطيع أن تقول لهذا الكيان الصهيوني المجرم: قف!
ما شجع هذا الكيان الغاصب على الاستمرار في الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يقارب ٥٥ ألف شهيد، وأكثر من ١٢٤ ألف جريح، أكثر من ٧٠٪ منهم من النساء والأطفال العزل، وما يقارب ١٧ ألف معتقل بريء في سجون الكيان الصهيوني، وآلاف المفقودين.
ومما يندى له الجبين، أن نرى الشعوب الحرة والمؤسسات الحقوقية والإنسانية في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وبالطبع في الدول اللاتينية، تقوم وبشكل مستمر بمظاهرات حاشدة في مدن كبرى مثل لندن وباريس ونيويورك، ترفع شعارات تُدين جرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، مطالبة بمحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة، وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
وبالمقابل، عندما يقوم مواطن عربي برفع علم فلسطين في عدد من الدول العربية، يتم الزج به في السجون بتهمة «إثارة الرأي العام» من خلال دعم القضية الفلسطينية! وكأن القضية الفلسطينية ليست قضية إنسانية قبل أن تكون قانونية وأخلاقية، وهذا ما تؤكده قرارات الشرعية الدولية منذ عام ١٩٤٨م وحتى اليوم، وكذلك مبادئ العدالة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
لقد شهد العدوان الصهيوني المجرم على قطاع غزة تحولا ملحوظا في مواقف الشعوب الغربية تجاه القضية الفلسطينية، ولم تعد الرؤية الصهيونية الكاذبة تنطلي على هذه الشعوب. ويعود الفضل في ذلك إلى وسائل الإعلام البديلة ومنصات التواصل الاجتماعي، التي مكّنت شعوب العالم من الاطلاع، وبشكل مباشر، على حقيقة ما يحدث في غزة والضفة الغربية من جرائم بشعة وانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني ، لدرجة أن كثيرًا من حكومات الدول الغربية الفاعلة، والتي سارعت إلى دعم علني للكيان الصهيوني في السابع من أكتوبر وما بعده، تراجعت بشكل لافت عن هذا الموقف العلني، بسبب قوة الضغط الشعبي عليها، وأصبحت في مواجهة أخلاقية مع شعوبها التي لم تقبل إنسانيتها أن تقف موقف المتفرج تجاه هذه الجرائم الشنيعة.
لكن بالمقابل، إنسانية الدول العربية وشعوبها قبلت أن تقف وقوف المتفرج على هذه الجرائم، ولم تتجرأ أن تقوم بأي فعل تجاه الكيان الصهيوني، غير عبارات الشجب والتنديد، التي تصدر عن كل قمة عربية ولجنة وزارية، والتي بلغ عددها ٥ قمم عربية منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن.
ولم يقم كذلك النظام الرسمي العربي بالضغط على محكمة العدل الدولية لاتخاذ قرار في الدعوى التي قامت برفعها جنوب إفريقيا لدى المحكمة في يناير من العام المنصرم ٢٠٢٤، متهمة فيها دولة الكيان الصهيوني بارتكاب إبادة جماعية في غزة، معضّدة طلبها بآلاف من الوثائق والأدلة المرئية والمسموعة والمقروءة، وذلك بموجب اختصاص المحكمة وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المصادق عليها سنة ١٩٤٨م.
لقد مرّ على هذه الدعوى، التي ينطبق عليها قول الشاعر:
وليس يصح في الأفهام شيءٌ
إذا احتاج النهار إلى دليل
ما يقارب العام والنصف. ويبدو من تردد المحكمة في إصدار حكم في هذه القضية الواضحة، أن المحكمة وقضاتها يتعرضون لتهديدات من الدول الغربية النافذة.
وهذا الأمر كذلك ينسحب على المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب التي ارتكبها ويرتكبها قادة الكيان الصهيوني المجرم.
لقد ارتضى النظام الرسمي العربي، بموقفه السلبي هذا، أن يضع نفسه في موضعٍ لن يذكره التاريخ بخير. وسيكون لهذا الموقف ما بعده في التفرد بالدول العربية، الواحدة تلو الأخرى، فمن أضاع المروءة أضاع معها كل شيء.