يوم الأرض الفلسطيني.. ودلالة الصمود
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
ليس واضحا على وجه التحديد ما إذا كان العالم الذي يتعاطف -أخيرا- مع الشعب الفلسطيني المتعرض لأسوأ إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين، يستطيع الشعور بما يشعر به الفلسطيني وهو يحتفي بذكرى «يوم الأرض الفلسطيني» الذي استذكره الفلسطينيون أمس بكثير من الألم وهم يعيشون أسوأ أيامهم منذ بدء الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين.
وفي ظل الحرب الجائرة التي يشنها جيش الاحتلال الصهيوني منذ ستة أشهر على غزة والتي استشهد خلالها أكثر من 32 ألف فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء قدم الفلسطينيون دلالة جديدة ليوم الأرض الفلسطيني فهو ليس مجرد يوم في روزنامة التاريخ إنه رمز للنضال من أجل الأرض والهُوية وتجسيد لجوهر الارتباط الحقيقي بين الفلسطيني وأرضه فمهما كان عدد الشهداء ومهما كانت الجرائم التي ترتكب إلا أن التمسك بالأرض مقدس لا تفريط فيه أبدا.
لقد سلطت مناسبة يوم الأرض أمس ضمن سياقها التاريخي الضوء على أن النضال من أجل الأرض والتمسك بها كان في جوهر السردية الفلسطينية، إنه صراع يسبق ظهور الكيان الإسرائيلي وتطور منذ ذلك الحين في صراع معقد إلا أن جوهره واحد ومساره واحد، وما هذه المناسبة إلا تذكير به في لحظة كان لا بد للعالم أن يرى ويسمع الحقيقية.
ورغم روائح الموت، وصور الخراب والدمار، ورغم التوحش الصهيوني الذي أحال غزة إلى أرض محروقة ورغم المعاناة التي لا يستطيع إلا القليل من الناس في جميع أنحاء العالم استيعابها بالكامل، فإن روح التمسك بالأرض ورفض التهجير ما تزال حاضرة في الوجدان الفلسطيني ولا تولد هذه القوة وهذا الصمود إلا من إيمان حقيقي بعدالة القضية وبالارتباط الحقيقي بالأرض والشعور العميق بالانتماء إليه وبأنها جوهر كيان الفلسطيني وهويته وثقافته.
وإذا كانت هذه الصورة القوية لرابطة الفلسطيني بأرضه وبهويته وبتاريخه قد لفتت العالم فإن هذه المناسبة لا بد أن تتجاوز الجانب الرمزي إلى عمل جماعي يبحث عن حل نهائي للقضية الفلسطينية ليبقى الارتباط المقدس للفلسطيني بأرضه لا ينازعه فيه أحد، ولتبقى قصص الشجاعة التي تنبثق كل يوم من الأرض الفلسطينية درسا للعالم أجمع في معنى حب الأوطان ومعنى التضحية من أجلها.
وليبقى الطريق نحو المستقبل مُعبّدا بالاحترام والصدق والحوار بعيدا عن ندوب الحرب وآلامها.. ولا يمكن أن يتحقق كل ذلك إلا بحل شامل وعادل يسمح للفلسطينيين أن يعيشوا بسلام وأمان على أرضهم التاريخية التي لا يمكن إلا أن تكون وطنهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: یوم الأرض الفلسطینی
إقرأ أيضاً:
الخريف في ظفار... حين تتعاظم المشاعر
يُعد يوم الحادي والعشرين من يونيو من كل عام موعدًا استثنائيًّا في وجدان كل أبناء محافظة ظفار، من الحضر والريف والبادية؛ إذ يستعد الجميع لاستقبال موسم خريف ظفار، ولكلٍّ منهم أسبابه، ولكلٍّ طقوسه، غير أن الترحيب بهذا الفصل محفوف دومًا بالمحبة والحنين، وكأن الزمن يعود بنا إلى جذورٍ ضاربةٍ في الأرض.
فمواسم المطر لدى شعوب العالم كافة هي مواسم للخير والعطاء، وللفرح والازدهار. فحيثما وُجد الماء، نمت الحضارات، وازدهرت الحِرَف، واغتنى الإنسان، وتوسعت التجارة، وتفرّغ الناس للعلم ومجالسه وكتبه وتدارسه. وحين يطول الاستقرار، تترسخ العلاقة بين الإنسان وأرضه، ويتعمق الانتماء إلى الوطن، ويورّث الموروث، وتتشكل الملامح الجمعية المستمدة من الأرض ومناخها ومواسمها.
ومع تسارع وتيرة التنمية والازدهار، أصبحت لفصل الخريف أهميةٌ اقتصادية كبرى في سلطنة عُمان، من خلال استقطاب آلاف السياح إلى محافظة ظفار، في مشهدٍ يتجسد فيه تكامل الأدوار بين المؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص، وأفراد المجتمع، كلٌّ في موقعه، يؤدي رسالته، ويسهم في صناعة تجربة سياحية راقية.
وفي هذا الموسم، تزدحم الشوارع ازدحامًا محببًا؛ فالوجوه معظمها مألوفة، والطباع يغلب عليها الالتزام والاحترام للعادات والتقاليد، ويشعر الزائر أنه في بلده، في ظل ما توفره الجهات المختصة من خدمات نوعية ومشاريع ترفيهية، تُيسر زيارته، وتمنحه شعورًا بالراحة والانتماء.
إنّ من أبرز ما يميز أهل ظفار -كما ألحظ ويشعر به الكثيرون- أسوة بأهل عُمان جميعا، هو نبل المعاملة وصدق الترحاب، فلا فرق لديهم بين مواطن أو مقيم أو سائح؛ الجميع ينالون ذات التقدير، وذات الخدمات، وذات الاحترام، فالقانون يُطبق بعدالة، والإنسان يُقدَّر بصفته إنسانًا، وهي سمة راسخة في الشخصية العُمانية الأصيلة.
أما في دواخلنا، نحن أهل ظفار، فلفصل الخريف مكانةٌ لا تضاهيها مكانة؛ يتعاظم فيه كل شعور... الفرح، والبهجة، والنجاح، ولقاء الأحبة، والسكينة، والاستمتاع بالإجازة، وفي الوقت ذاته يتضاعف الحنين، ويشتد وقع الفقد في القلب، لمن غابوا، ولمن لم يعودوا كما كانوا. يبدو المكان في هذا الفصل وكأنه يرقّ لدمعة القلب، يواسيك بصوت المطر، ويحتضنك بضباب الجبل، ويُربّت عليك بندى الفجر، كأن الأرض كلها تخبرك: «إن من رحلوا يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن لهم عند الله خريفًا أبديًّا لا يعرف الفقد».
وهذا الارتباط العاطفي بالخريف ليس وليد اليوم، فمنذ أزمان بعيدة، كانت للخريف فنونه ومواويله الشعبية التي تُروى وتُغنّى في المجالس.
ومن أبرزها: شعر النانا وشعر الدبرارت، وهما فنّان شفهيّان يُؤدّيان باللغة الشحرية، تُغنَّى قصائدهما بأصوات شجية، دون استخدام آلات موسيقية، وتتناول مختلف الموضوعات: الرثاء، والفخر، والغزل، والنصح، والمديح.
ولا تزال هذه الفنون تُمارَس اليوم بأداء لغوي أصيل، يحفظ جمالية اللغة الشحرية، وتكرّس الهُوية الثقافية لجيل الشباب، ويحظى من يؤدّيها بتقدير اجتماعي كبير، فهي ليست مجرد غناء... بل هي رسالة أخلاقية وتربوية. كلماتها تُنتقى بعناية، فتخلو من الابتذال، وترتفع بالقيم، وتدعو إلى الكرامة والعزة، وتمجّد مكارم الأخلاق، وتربط الإنسان بجذوره وأجداده وسيرهم الطيبة، حتى باتت هذه الفنون أحد أساليب التربية المحلية المتوارثة جيلًا بعد جيل.
أما عن التجمعات في موسم الخريف، فهي جزء أصيل من النسيج الاجتماعي، حيث يجتمع الناس -لا سيما في القرى والاستراحات- في جلساتٍ ممتدة حول شبّة النار، في أمسياتٍ يطول فيها السهر، تتعالى خلالها الضحكات، وتتلاقى الأرواح.
ورائحة دخان الحطب حين يشتعل، ليست مجرد أثر عابر، بل هي عطر يعشقه الأهالي في ظفار، وينسج في الذاكرة مشاعر الدفء والحنين.
وغالبًا ما تكون تلك التجمعات خارج نطاق الأسرة الضيقة، فالشباب يجتمعون مع أصدقائهم، والنساء مع الجارات أو القريبات، في صورةٍ حيةٍ للتلاحم الاجتماعي، حيث يُروى الحديث، ويُغنّى الشعر، ويُستعاد الماضي، في خريفٍ لا يوثق فقط جمال الطبيعة، بل يحفظ نبض الإنسان وأصالته.