بوابة الوفد:
2025-10-12@16:11:15 GMT

ثرثرة لا معنى لها

تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT

ضاق صدرى بكل ما حولى. ووسط حرارة شمس صيف قائظ الحرارة لا يرحم، قررت أن أذهب لزيارة معرض الزهور السنوى فى حديقة الأورمان كما هى العادة. وجدت الحديقة مغلقة. وقال لى رجل طيب يبدو عالما بالأمور: المعرض تم نقله إلى مبنى المتحف الزراعى، لأن تطويراً يجرى لربط الأورمان بحديقة الحيوان. تصلبت فى مكانى بضع دقائق، لما غدت كلمة «تطوير» تسببه لى من ألم وفزع.

فهى الكلمة التى باسمها تم جز الأشجار الوارفة التى كانت تظلل المبنى الذى أسكن به، وكنت أتابع صباح كل يوم، عبر الفصول والأيام والليل والنهار والظل والضوء تنوع وتشكل وجمال زهورها. بدلاً من ذلك، باتت عينى تمتلئ بمشاهد سواد الأسفلت المنتشر حولى فى كل مكان. وصارت عينى تدمع طوال الوقت، دون سبب طبى واضح، واشتدت آلام حساسية صدرى. 
انتقلت إلى الجهة المقابلة لأتفقد ما آلت إليه أحوال حديقة الحيوان، التى كانت فى طفولتى مرفأ لفسحة العيد الوحيدة، التى تتسم بالهناء والبهجة. لمست الذكرى جرحاً غائراً فى الروح، لطفولة لم تكن سعيدة ومليئة بالعناء والوحدة. 
كنا فى العيد نلهو على حافة بحيرات الحديقة الساحرة، مع أسراب من الطيور العائمة من البط والأوز والبجع الملون، التى تسبح وتتمخطر على سطح الماء بثقة وعافية وسكينة، متباهية بجمالها ورشاقتها. وفى الشباب شهدت الحديقة أول موعد غرامى فى جزيرة الشاى، المصقولة بالخشب والرخام، وحجر المرمر، والمحاطة بمياه النوافير المتدفقة والبحيرات وشتلات الورد والأشجار والطيور النادرة من كل جانب، لكى تغدو استراحة تليق برقة ورقى وثقافة منشئها الخديو إسماعيل ووالدته وحفيده الملك فاروق. 
وكان لفيلم «موعد غرام» لفاتن حمامة وعبدالحليم حافظ الفضل فى التعرف على جزيرة الشاى بالحديقة، وفى أرجائها غنى حليم واحدة من أجمل أغانيه: أغنية صدفة التى أهاجت مشاعرنا وواربت لنا بعض أبواب العشق الموصدة. تعرفنا على الحديقة أيضاً من أول فيديو كليب صوره بها محمد الموجى فى بداية إنشاء التليفزيون، لأغنية بصوته بالغة الرقة هى: فنجان شاى مع سيجارتين، ما بين العصر والمغرب، ونظرة شوق فى نار قلبين مع السكر بتتقلب، وصورة حب مرسومة فى قعدة صيف، ما تعرف مين كان الداعى، ومين الضيف.. تبارى جمع من المتسولين للالتفاف حولى أمام باب حديقة الحيوان المغلق. ولحفزى على الاستجابة لتسولهم، أخذوا فى الدعاء لى مرة بصفتى «الحاجة» ومرة ثانية بصفتى «المقدسة»!
يا لها من غفلة. الوقت مضى، وجه المدينة وملامح المجتمع يتغيران. الأرض الخضراء الممتدة من تمثال نهضة مصر، حتى مدخل جامعة القاهرة اختفت. لم تعد الأرض هى الأرض، ولا المكان هو المكان، ولا الناس هى الناس، وتهدل شموخ التمثال، وبدا منحنياً متوارياً فى صخب الحفر والدق والرزع. والحز أسئلة معلقة فى الفضاء، لا تجد من يجيب عنها. أو ليست غفلة أن تكون تلك هى المرة الأولى التى أعرف أن الحديقتين مغلقتان وأن بهما تطويراً؟
كنت قد قرأت منذ بضعة أشهر خبراً صحفياً يقول، أن تحالفاً استثمارياً، قد تسلم الحديقتين لتطويرهما، بعد موافقة مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للتخطيط العمرانى على «مخطط التطوير». اتسعت رقعة الغفلة الآن. فهأنذا أعرف للمرة الأولى أن بالبلاد مجلساً أعلى للتخطيط العمرانى. فما هى يا ترى العلاقة بينه وبين الجهاز القومى للتنسيق الحضارى؟ وما هو الرابط بينهما وبين وزارة السكان والمرافق والمجتمعات العمرانية؟ لا نعرف.
أصابنى مغص. قررت أن أتظاهر بالتجاهل. فالخبر مجهول المصدر، كما هو دأب صحافتنا هذه الأيام. معظم أخبارها منسوبة لمصدر لم تذكر اسمه. لعله مصدر يثب إلينا من قصص الجن والمردة والشياطين الأسطورية. مخطط؟ يا لها من كلمة غليظة قرينة فى الذهن والوجدان بالمؤامرة:مخطط صهيونى.. مخطط استعمارى.. مخطط الجماعة وإخوانها. أما كلمة تحالف فهى أكثر بغضاً فى دلالات إيحاءتها: التحالف الدولى لغزو العراق ونهبه، وتقسيم ليبيا وسوريا ونهب الثروات العربية ودعم حفنة من اللصوص الغزاة الإسرائيليين، فى مواجهة الشعب القلسطينى الأعزل، باسم الدفاع عن الديمقراطية!
قبل عدة سنوات قاد الكاتب الصحفى الراحل مصطفى نبيل حملة موسعة ضد أنباء كانت متداولة على خجل فى الإعلام الرسمى منسوبة– كما هى العادة- لمصادر مجهولة، تشير إلى استعداد الحكومة لبيع أرض حديقة الحيوان لشركات استثمارية. لكن ما لم يكن مجهولاً أن أحد المستثمرين من كبار رجال الأعمال هو من أمد مصطفى نبيل بتلك المعلومات، فى سياق تفاخره بصفقته الموعودة، ووصفه لحجم المولات والفنادق العالمية التى يستعد لإقامتها فوق أرض الحديقة. انتفضت المؤسسات الرسمية فى حينها– كما هو حادث هذه الأيام– لنفى تلك الأنباء وتكذيب مروجيها!
اشتد صداع رأسى وألم قلبى ومغص بطنى، وصار على إعادة ترتيب أوجاعى والتحكم بها، لكى أعبر متوازنة، من تلك اللحظة. أوقفت أحد التاكسيات لمغادرة الموقع. اندفع السائق الخمسينى يحدثنى عن والده الراحل الذى عمل سائقا شخصيا للمطربة صباح فى القاهرة ولبنان. ولكى يثبت لى صدق حديثه، أدار شريطاً لأغنيات قديمة لها. وارتفع صوتها الحنون الشجى يشدو: يا ليل طرق الهوى بابنا، فتحنا له ورحبنا، ومشانا فى تياره، وفى النص الطريق سابنا، سابنا يا ليل، يا ليل سابنا. ألم أقل لكم أنها مجرد ثرثرة لا معنى لها؟

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حديقة الحيوان على فكرة أمينة النقاش حديقة الأورمان حدیقة الحیوان

إقرأ أيضاً:

الجزائر تكشف لأول مرة عن مخطط لاستهدف مؤتمر إعلان الدولة الفلسطينية

كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أنه كان هناك مخطط لقصف قصر الأمم بالعاصمة الجزائر، أثناء استضافته للفعالية التي شهدت إعلان قيام الدولة الفلسطينية عام 1988.

وقال تبون، خلال كلمة أمام كبار الجيش في مقر وزارة الدفاع، "هنا بالجزائر، تم إعلان قيام الدولة الفلسطينية رغم المخاطر التي كانت موجودة آنذاك.. وأنتم ضباط الجيش تعلمون ماذا كان يحاك ضد الجزائر، بما فيها قصف قصر الأمم"، فيما لم يذكر تبون الجهة التي خططت لقصفه.

وأكد تبون أن الجزائر قامت بواجبها تجاه فلسطين، من منطلق الضمير ونصرة الحق، حيث استضافت القيادة الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات، لما اشتدت عليها الأوضاع سنة 1982.

كما شدد على أنه وبالرغم من هذا التهديد لم تتراجع الجزائر ولم تساوم "لأن ضميرها مع فلسطين"، مضيفا أن موقف الجزائر من فلسطين "لم يتغير ولن يتغير، رغم صداقتنا مع بعض الدول التي لها سياسة معاكسة تماما".

وجدد الرئيس الجزائري وصف الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها "إبادة جماعية ارتكبت لأول مرة في تاريخ البشرية، أمام أنظار العالم".

وأكد في الوقت ذاته أن الحل الوحيد للصراع هو قيام دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف، لافتا إلى أن "الحل هو قيام دولة فلسطينية، أما كل أشباه الحلول فهي إبادة".


وأواخر 1988 احتضنت الجزائر بقصر الأمم بالعاصمة، الدورة التاسعة للمجلس الوطني الفلسطيني، والتي أعلن خلالها الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية.

وهذه المرة الأولى التي تعلن الجزائر عبر رئيسها أنه كان هناك مخطط لقصف مكان انعقاد فعالية إعلان قيام الدولة الفلسطينية.

وخلال السنين الماضية، تناقلت وسائل إعلام معلومات تفيد بتخطيط إسرائيل لقصف قصر الأمم بالجزائر، لحظة إعلان قيام الدولة الفلسطينية عام 1988، بواسطة طائرات مقاتلة، لكن الجيش الجزائري أحبط المخطط، بنشره منظومة دفاع جوي وأجهزة رادارية متطورة، مع وضع مقاتلات اعتراضية في حدود المجال الجوي.

وبدعم أمريكي، ارتكبت دولة الاحتلال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ولسنتين إبادة جماعية بغزة، خلّفت 67 ألفا و682 شهيدا، و170 ألفا و33 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلا.

وفجر الخميس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توصل الاحتلال و"حماس" لاتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أمريكي.

ودخلت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، حيز التنفيذ ظهر الجمعة بتوقيت القدس، بعد أن أقرت حكومة إسرائيل الاتفاق فجرا.

مقالات مشابهة

  • بعد صدور المرسوم السلطاني.. نشر مخطط المنطقة الاقتصادية الخاصة في الروضة
  • الجزائر تكشف لأول مرة رسمياً عن مخطط لقصف مؤتمر إعلان دولة فلسطين
  • كشف آخر تطورات تطوير حديقتي الحيوان والأورمان.. موعد الافتتاح
  • الجزائر تكشف لأول مرة عن مخطط لاستهدف مؤتمر إعلان الدولة الفلسطينية
  • معنى التفضيل بين الأنبياء وعدم التفريق بين الرسل
  • يسري جبر يوضح معنى التفضيل بين الأنبياء وعدم التفريق بين الرسل
  • طفرة مواليد في “حديقة الإمارات للحيوانات”
  • بلجيكا تحبط مخطط شن هجوم بالمسيّرات يستهدف رئيس وزرائها
  • عاطف عبد الغني: مصر أجهضت مخطط تهجير الفلسطينيين وأنقذت غزة من الإبادة
  • حركة فتح: مصر أنقذت غزة من مخطط التهجير وحفظت وجودها الجغرافي