فتيل الحرب ينعكس في قاعة للمرايا!
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
يرى كثير من المؤرخين أن معاهدة فرساي التي وقعتها الأطراف المنتصرة في الحرب العالمية الأولى مع الدولة الخاسرة ألمانيا في 28 يونيو 1919، مهدت للحرب العالمية التالية.
إقرأ المزيدفي قاعة المرايا بقصر فرساي بفرنسا وقعت المعاهدة التي كان يفترض أن تحدد نتيجة الحرب العالمية الأولى.
الصحافة الفرنسية كانت أطلقت على ذلك المؤتمر المخصص للسلام والذي شارك فيه 27 دولة اسم "البورصة"، وهي لم تبالغ. في مؤتمر فرساي جرى عمليا تداول أسهم مختلف الدول وبالدرجة الأولى، ألمانيا، المفلسة الرئيسة في تلك الحرب.
من العلامات الهامة في مؤتمر فرساي، ظهور الولايات المتحدة كلاعب جديد على الساحة الدولية. في ذلك المؤتمر برزت بقوة من خلال رئيسها وودرو ويلسون، أول رئيس أمريكي يغادر بلاده في فترة وجوده في السلطة، للمشاركة في فرساي.
ويلسون وقع على شروط معاهدة فرساي، إلا أن مجلس الشيوخ الأمريكي لم يصدق عليها، ولاحقا وقع مجلس الشيوخ معاهدة منفصلة مع ألمانيا.
واشنطن في ذلك الوقت لم ترغب في الانضمام إلى "عصبة الأمم" التي وردت في الوثيقة كي لا تحد من حريتها في الحركة. من الدوافع الهامة لذلك أيضا رغبة الولايات المتحدة الاستفادة بأقصى حد من تعزيزها لموقفها الدولي حينها والمحافظة على الفوائد التي حصلت عليها جراء تلك الحرب بكونها أصبحت دائنة للعديد من دول الوفاق. إضافة إلى ذلك لم ترغب واشنطن بالمشاركة في "تمزيق" ألمانيا كي تبقى قوة كابحة لبريطانيا.
خلال مؤتمر فرساي ظهرت وجهات نظر مختلفة، أكثرها راديكالية صدر عن الرئيس الفرنسي حينها ريموند بوانكاريه الذي طالب بتقسيم أراضي ألمانيا بالكامل بين الدول المنتصرة. الدول المشاركة لم تقبل خوفا من أن تتعرض هي الأخرى في المستقبل لمثل هذا المصير.
اللافت أيضا أن الوفد الألماني تمت دعوته إلى فرساي في 7 مايو، أي بعد مرور 4 أشهر من بدء المؤتمر. رئيس الحكومة الفرنسية وقتها جورج كليمنصو، سلمه معاهدة السلام وطالب بقبول جميع موادها من دون قيد أو شرط.
رئيس الوفد الألماني في مؤتمر فرساي، أولريش بروكدورف رانتساو، رد بالقول إن بلاده لا تقر بأنها المذنب الوحيد في الحرب، وتصر على المسؤولية الجماعية لما جرى، إلا أن الخيارات كانت معدومة أمام الألمان. إذا لم يقوعوا على المعاهدة فسيتم استئناف العمليات العسكرية.
مُنح الألمان مهلة خمسة أيام للتفكير، وتمكن الوفد الألماني من الحصول على يومين إضافيين. غادر الوفد فرساي إلى برلين لبحث شروط الاتفاقية، ولم يكن هناك من مخرج إلا الخضوع. الحكومة الألمانية (تغير الاسم وقتها إلى جمهورية فايمار)، وافقت على الوثيقة في 21 يونيو، ووقعت عليها في قاعة المرايا بقصر فرساي في 28 يونيو 1919.
بموجب معاهدة فرساي فقدت المانيا العديد من المناطق وكذلك جميع مستعمراتها، وجرى حل هيئة الأركان العامة، وفرض عليها إلا تزيد قواتها عن 100000 شخص ومن المتطوعين تحديدا، ووضعت قيود شديدة على عدد قطع اسطولها وطائراتهاـ ومنعت من إنتاج الأسلحة إلا تحت سيطرة الحلفاء، وفرض عليها أيضا دفع تعويضات بقيمة 262 مليار مارك ذهبي، وهو ما يساوي ضعف الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا في ذلك الوقت.
في وقت لاحق في عام 1923، أعلنت جمهورية فايمار عدم قدرتها على دفع التعويضات بسبب أزمة اقتصادية خانقة، فسارعت فرنسا إلى احتلال منطقة الرور الغنية بمناجم الحديد والفحم.
لم يرض الطرفان بما سمي "نظام فرساي" الذي لم يحل أيا من التناقضات التي تسببت في الحرب العالمية الأولى، بل على العكس زاد من تعميقها. تلك التناقضات تضاعفت وأصبحت بمثابة قنبلة موقوتة.
النازيون ظهروا في ألمانيا واستغلوا معاهدة فرساي في الانتشار وتمهيد الطريق للوصول إلى السلطة. كانت تلك المعاهدة، السلم الذي ارتقوا به.
المارشال الفرنسي الشهير فرديناند فوش تنبأ بما سيجري، وصرّح حين علم بتوقيع معاهدة فرساي قائلا: "هذا ليس سلاما. هذه هدنة لمدة عشرين عاما"، وهذا ما حدث بالفعل.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف الحرب العالمية الأولى
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني تهديد إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي؟
أعلن رئيس البرلمان الإیراني، محمد باقر قالیباف، يوم الأربعاء، الموافقة على قرار تعليق تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسط تهديدات من قبل مسؤولين في البلاد بانسحاب طهران من معاهدة حظر الانتشار النووي، رداً على القصف الأميركي والإسرائيلي لمنشآتها النووية.
ويتضمن قرار البرلمان الإيراني منع تركيب كاميرات مراقبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في المنشآت النووية الإيرانية، ويحظر دخول مفتشي الوكالة إلى البلاد. كما يُجرّم تقديم أي تقارير إلى الوكالة من قبل الحكومة الإيرانية.
كما يمهد هذا القرار عملياً لانسحاب إيران رسمياً من معاهدة حظر الانتشار النووي.
"الهجمات تشكل انتهاكاً واضحاً"
وکان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، عباس غولرو، قد قال الأحد الماضي، عقب الهجوم الأميركي على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان أن لإيران الحق القانوني في الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) استناداً إلى المادة العاشرة.
كذلك أضاف غولرو أن "هذه الهجمات تشكل انتهاكاً واضحاً للالتزامات الدولية، ويمكن لإيران دراسة وتنفيذ الخيارات القانونية والدولية للرد".
في المقابل طالب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، باستئناف عمليات التفتيش، مشدداً على أن "تعاون إيران مع الوكالة جزء مهم من الاتفاق الدبلوماسي لإنهاء التوترات بشأن أنشطتها النووية".
وتتواجد مجموعة من مفتشي الوكالة حالياً في إيران، لكن لا يُسمح لهم بدخول المواقع النووية لتقييم الأضرار الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية والأميركية.
ویعني تهديد إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي نهاية التزامها الرسمي بالامتناع عن تطوير الأسلحة النووية، وهي خطوة تكرر طهران على أن لا مكان لها في سياساتها.
منذ عهد الشاه
وكانت إيران منذ عهد الشاه في السبعينيات من القرن الماضي من أوائل الدول الموقعة على المعاهدة. وبانضمامها إليها، تعهدت طهران بالامتناع عن بناء الأسلحة النووية وعدم استخدام الطاقة النووية إلا للأغراض السلمية، مثل إنتاج الطاقة.
في تلك السنوات نفسها، بدأت إيران والولايات المتحدة تعاونهما النووي من خلال "برنامج الذرة من أجل السلام"، وهو شعار الرئيس الأميركي آنذاك، دوايت أيزنهاور. ويُعد مفاعل طهران البحثي، أول تعاون نووي بين طهران واشنطن.
لكن عقب ثورة 1979، وصفت الحكومة المؤقتة برامج الشاه النووية بـ"الخيانة"، وأعلنت عن خطط لتحويل مفاعل بوشهر، الذي لم يكتمل بناؤه آنذاك، إلى صومعة لتخزين الحبوب. ومع السيطرة على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز موظفيها كرهائن، فرضت إدارة جيمي كارتر عقوبات على إيران، وأنهت التعاون النووي بين البلدين منذ ذلك الحين حيث احتجت الحكومات الإيرانية على قطع المساعدة التقنية الأميركية لتطوير البرامج النووية للبلاد.
وفي مختلف المراحل، صرّح رؤساء إيران بأن رفض واشنطن تقديم المساعدة وعرقلة مساعدة الدول الأخرى لإيران يعد انتهاكاً لالتزامات الولايات المتحدة بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.
"تكرار للنهج الذي اتبعته كوريا الشمالية"
إلى ذلك ينظر المجتمع الدولي إلى انسحاب إيران المحتمل من معاهدة حظر الانتشار النووي على أنه تكرار للنهج الذي اتبعته كوريا الشمالية، قبل نحو عقدين أي البدء الفوري في بناء واختبار الأسلحة النووية.
وأدت التصريحات المتكررة للمسؤولين الإيرانيين حول ضرورة امتلاك أسلحة نووية إلى تزايد الشكوك حول النوايا الحقيقية لطهران في تطوير برنامجها النووي السلمي.
كما أن هناك اتهامات منذ سنوات لإيران حول سعيها لصنع أسلحة نووية بسبب انتهاكاتها العديدة للوائح الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة عقب عثور الوكالة على ذرات ومواد يشتبه في أنها تستخدم لصنع أسلحة نووية.
كذلك من تداعيات انسحاب إيران المحتمل من المعاهدة هو إنهاء التعاون كلياً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يعني عدم وجود أي آلية رقابة على الأنشطة النووية، ما سيزيد الشكوك حول نوايا طهران، وبالتالي إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
وفي حال أحيل الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن، فذلك يفتح الباب أمام أي عمل عسكري إذا تبنت دول كبرى عضو في المجلس مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا وفرنسا من أجل القضاء على إمكانيات صنع السلاح النووي.
ومن تداعيات انسحاب طهران من المعاهدة هو دفع الدول نحو سباق تسلح إقليمي لشعورها بالخطر ولحماية نفسها من أية تهديدات مستقبلية.
مصير احتياطيات اليورانيوم المخصب
يشار إلى أن نقطة الجدل الأساسية الآن هي حول مصير احتياطيات اليورانيوم المخصب بنسبة عالية، حيث تتهم دول غربية إيران بامتلاك أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وهذه الكمية تقرّبها من إنتاج سلاح نووي، الأمر الذي تنفيه إيران دائماً.
ورغم التأكيد الأميركي على إعادة البرنامج النووي الإيراني عقوداً للوراء، فإنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت هجمات الولايات المتحدة قد قضت بشكل كامل على قدرة إيران على تحويل هذه المواد إلى رؤوس حربية، خاصة في مواقع فوردو وأصفهان ونطنز.
وفي تقريره إلى مجلس الأمن الدولي، يوم السبت، صرّح غروسي بأن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أرسل إليه رسالة في اليوم الأول من الحرب مع إسرائيل، مفادها أن احتياطيات اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ستُنقل إلى موقع آخر. وقال غروسي إن الوكالة لا تعرف مكان حفظ هذه الاحتياطيات حالياً.
ويبدو أن مصير هذه الكمية من اليورانيوم أساس التوترات المستقبلية بشأن الملف النووي، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
"فتوى تتناسب مع المرحلة"
ولطالما استند المسؤولون الإيرانيون إلى فتوى المرشد علي خامنئي، والتي تعتبر إنتاج وحيازة واستخدام أسلحة الدمار الشامل، كالقنابل النووية "حراماً" في معرض ردهم على الاتهامات حول الأبحاث النووية المشبوهة أو خطر إنتاج سلاح نووي وراء النسب العالية لتخصيب اليورانيوم.
لكن مع تصاعد الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة، ارتفعت أصوات تطالب خامنئي بإصدار فتوى تتناسب مع المرحلة وحجم التهديدات، لدرجة أن بعض المسؤولين ومن بينهم مستشارون لخامنئي تحدثوا صراحة عما سمّوه "تغيير العقيدة النووية"، ما بدا تمهيداً للخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي.