عبري تودع أحد رجالها الأخيار
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
أحمد بن علي الناصري
"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الأحزاب: 23).
اقتضت حكمة الخالق جلّ وعزّ أن حكم المنية جار على خلقه جميعًا، وفي عصر الأربعاء الماضي غادرنا الوالد الفاضل التقيّ النقيّ سالم بن عبيد بن سعيد بن مسعود السكيتي- أسأل الله أن يُنزل عليه شآبيب الرحمات، وأن يُسكنه فسيح الجنات- عن عمر تجاوز المائة عام، هذا الرجل الذي فقدته حواري عبري وأسواقها ونخيلها وأزقتها، لقد كان من بقية جيل أشبه بالرعيل الأول، فلقد عرف بالتقوى والورع، طيب النفس دمث الأخلاق، فإذا صمت يتحلى بالسمت والوقار، وإذا تحدث يتحلى بالهدوء واللين، وينساب حديثه في النفس كالماء العذب الزلال.
لقد ترعرع في طفولته في حارة الرمل التي كانت حاضرة مدينة عبري في تلك الحقبة، تلك الحارة التي ضمت بين جدرانها عبق ماض جميل صنع بسواعد رجال لم يعرفوا الهزيمة أمام تحديات الحياة ورياحها العاتية.
فهذه الحارة كانت مسقط رأس الوالد سالم وعاش في مرابعها طفولته البريئة بين أقرانه، وبدأ فيها طلب العلم على يد المعلم بطي بن سيف الجساسي، فتعلم القراءة والكتابة وختم المصحف على يديه، ومن القصص الجميلة في سيرته أنه كانت من عادة أهالي الطلاب أن يكرموا المعلم بعد أن يختم الطالب ختمته بوليمة يحضرها مع بقية الطلاب، ولكن الوالد سالم كان من أسرة فقيرة ولم يكن لدى والده من المال الذي يكفي لإكرام المعلم ومن معه، وأتت فكرة للوالد سالم بأن يبيع ردة من باب بيتهم وبالفعل باعها بموافقة والده، وعندما علم المعلم بما فعله تلميذه عذره عن الوليمة، فلننظر إلى مدى تأصل الكرم في الصغار حتى يقوموا بفعل الكبار.
ومن مروياته لي متحدثا بنعمة ربه قائلا: "لقد أكرمني الله برؤية الإمام محمد بن عبد الله الخليلي والعلامة أبو زيد عبد الله بن محمد الريامي- رحمهما الله- ومن معهما من العلماء وأهل الفضل، وهم قادمون للنظر في قضية السليف، وكانت سحابة تظللهم في شدة قائلة الصيف"، وكان عمره في ذلك الحين لا يتعدى ثماني سنوات.
ودارت عجلة الأيام وبدأ يتنقل بين أصحابه من المتعلمين في تلك الفترة ومن أبرزهم الشيخ القاضي علي بن محمد بن سالم الرقيشي وعبد الله بن حمد المصلحي وحميد بن راشد الوائلي حمد بن محمد الجساسي ومحمد بن بدر المنذري وعبد الله بن سليمان الإسماعيلي وكان يمثلون كوكبة مشرقة في سماء المدينة الواعدة فلازمهم في القراءة وحلقات القرءان الكريم التي كانوا يتحلقون حولها في كل بكرة وعشية وخصوصا في شهر رمضان الكريم.
واشتغل الوالد سالم في صغره في الزراعة في ضواحي عبري التي كان تعب من فلجي المفجور والمبعوث دون ملل أو كلل ليحصل بعض المال لقوته وعياله وكان يدخر بعض المال لشراء بعض الكتب لغلاء ثمنها في تلك الفترة، وسافر في مقتبل عمره إلى قطر للعمل لفترة وجيزة ثم انتقل منها إلى وظيفة أخرى بميناء الدمام والمبلغ الذي تحصله من سفره اشتغل به في التجارة بسوق عبري يبيع الحبوب والبقوليات.
وكان يتردد على السوق لأنه عاش في مرابعه بالقرب من بيته في حارة الرمل، ومن روايته يروي لي بنفسه قائلًا: "من التجار الذين كنت أحب مجالستهم الوالد علي بن حميد الناصري وكانت فيه صفتان يمتاز بهما وهما الحلم والكرم"، وبعد وفاته رآه في رؤيا يدخل قصرًا عظيمًا وبابه من خشب كأنه من أبواب عُمان القديمة.
ومن شدة تعلقه وشغفه بالعلم وأهله أزمع على الرحيل إلى موطن أصحابه الإباضية بوادي ميزاب في القطر الجزائري بعد أن فتحت المطارات في عُمان بعد تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم في البلاد، وكان بصحبته مهنا بن سعيد الجهضمي ومحمد بن هلال العزري وهناك اجتمعوا بعلمائهم ومن أبرزهم الشيخ بيوض والشيخ عدون والشيخ أبي اليقظان والشيخ ناصر المرموري وغيرهم.
وواصل الوالد سالم دربه في الحياة ورزقه الله العديد من الأبناء الذين أنابوا عن والدهم في البحث عن لقمة العيش الذي خفف عنه العبء قليلا، وهنا بدأ يكتب الفتاوى ويصيغها وكان معه رفيقه في هذه المهمة خلفان بن عبيد الشكيلي فكانا يوجهان أسئلة الناس من الظاهرة إلى سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي- حفظه الله وأمد في عمره وأبقاه- وبعض هذه الفتاوى نشرت منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن في الجرائد المحلية.
وانتقل للسكنى قبل أربعين عاما إلى الدبيشي من قرى عبري وأسس مع جيرانه وأقرانه مسجد الإمام جابر بن زيد رضي الله عنه وواصلوا بهذا المسجد اجتماعهم على حلقات قراءة الكريم وبعض الكتب الفقهية، وكانت صلاة التراويح معهم في تلك المرحلة لها وقع جميل على النفس؛ حيث يتناوبون على الإمامة كبار السن وقراءتهم لها طابع قديم وكانت سائدة بعُمان، وكانوا بعض الصالحين من قرى عبري يقصدون الصلاة معهم ويشنفون أسماعهم بتلاواتهم الجميلة.
ولمكانته وقربه الروحي من سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي كان إذا أتى إلى عبري لإلقاء محاضرة يحط رحله في منزله العامر، وشاركتهم مرتين في هذه المناسبة مع ثلة من أشياخنا في تلك الأيام.
وبعد كبر سن الوالد سالم وقلة تواصله مع سماحته أتى بنفسه لزيارته قبل 14 عامًا من الآن، وكانت هذه الزيارة خاصة إليه فلقد تجشم طول الطريق من مسقط على الرغم من ارتباطات سماحته وأعماله الكثيرة أبى إلّا أن يزوره وكان برفقته سائقه الوالد محمد الرشيدي، فهكذا شأن أصحاب المعالي فلا يعرف الفضل لأهله الفضل إلّا ذوو الفضل.
وكذلك الشيخ ناصر بن محمد المرموري- رحمه الله- من علماء الإباضية بالجزائر كان إذا أتى إلى عُمان يأتي إلى زيارته وزيارة مهنا بن سعيد الجهضمي ومحمد بن هلال العزري رفيقيه في الوفد الذي زارهم بالجزائر.
لقد رحل ولحق بركب أقرانه من أرض السر فلقد كان خاتمة عقد ذلك الجيل الذي يفوح منه عبق الماضي التليد، وعلى قسمات وجهه نقرأ صفحات سطرتها أقلام حارة الرمل، وعلى تمتمات أحرفه حنانا ينسكب على قلوبنا وعلى عينيه بريق أمل ينتشلنا من هزيمة حاضرنا، لقد رحلت يا شيخنا وتركت لنا غصة الفقد ومرارة الرحيل، ستبقى خالدا في قلوبنا، وفي سبحات ضراعاتنا وتحياتنا، السلام عليك وعلى عباد الله الصالحين.
سلكوا بمحياهم وبعد مماتهم // إذ وفقوا بمسالك الأبرار
درجوا وأصبحت العراص عقيبهم // من فقدهم مغبرة الآثار
يا موت أفنية الأعزة فاقتصد // إن كنت ترحم عبرة الأحرار
بأولئك الأبرار كنت معززًا // بأولئك الأبرار كنت أباري
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
آبل تنضم لسباق الهواتف القابلة للطي ومايكروسوفت تودع سكايب
ووفقا لحلقة (2025/5/14) من برنامج "حياة ذكية"، فإن تسريبات أوضحت أن الشركة ستتبنى إستراتيجية جديدة تقسم إصدارات سلسلة آيفون 18 على موسمين:
الطراز القابل للطي في الخريف. بينما سيُرحّل آيفون 18 التقليدي إلى ربيع 2027.مما يمثل تغييرا جوهريا في نمط إطلاق منتجاتها المعتاد.
ويبدو أن آبل لا تكتفي بمجرد اللحاق بالمنافسين، بل تسعى لتقديم تصميم استثنائي يتميز بسماكة 4.5 مليمترات فقط عند البسط، مع شاشة خارجية بحجم 5.7 بوصات تتسع إلى 8 بوصات عند الفتح.
لكن التحدي الرئيسي الذي واجه مهندسي الشركة يكمن في البطارية، إذ طورت آبل خلية شبه صلبة تتحمل الثني المتكرر دون فقدان السعة، وسيتم تصنيعها لدى "إل جي سوليوشنز".
كما سيعتمد الهاتف على تقنية "التعرف على الوجه" مع مستشعرات مخفية تحت الشاشة، مما يمنح آبل ميزة تقنية واضحة على منافسيها في هذا المجال.
وفي الوقت الذي تختبر فيه آبل استجابة السوق للأجهزة النحيفة من خلال آيفون 17 آير (5.15 مليمترات)، تتقدم المنافسة بخطوات متسارعة.
فقد وصلت شركتا سامسونغ وهواوي بالفعل لمرحلة إنتاج هواتف ثلاثية الطي مع تحسينات تخفض منحنى عودة الشاشة لأقل من 0.1 مليمتر، لكنهما ما زالتا تواجهان تحدي الوزن الذي يتجاوز 240 غراما.
إعلانوتشير دراسات السوق إلى أن "راحة اليد" تمثل عاملا حاسما في تبني المستخدمين لهذه الأجهزة، وإذا نجحت آبل في خفض وزن هاتفها لما دون 220 غراما، فستحقق ميزة تنافسية قد تغير قواعد اللعبة في هذا السوق الناشئ.
وفي تطور موازٍ يعكس الاهتمام المتزايد بالاستدامة البيئية، كشفت شركة مايكروسوفت عن نموذج لغوي جديد أطلقت عليه اسم "بت نت بي ون 282 بي40" يتميز بكفاءة استثنائية في استهلاك الطاقة.
ويعتمد هذا النموذج المبتكر على تقنية "ون بت ويت"، حيث تُخزن الأوزان باستخدام بت واحد فقط بدلا من 16 أو 32، مما قلص حجم النموذج واستهلاكه للطاقة بشكل كبير، وقد يمثل هذا الابتكار نقطة تحول في مجال الذكاء الاصطناعي الصديق للبيئة.
ورغم صغر حجمه، فإن هذا النموذج جرى تدريبه على مجموعة بيانات ضخمة تحتوي على 4 تريليونات رمز (ما يعادل محتوى 33 مليون كتاب)، ويحتل 0.4 غيغابايت فقط من الذاكرة، مقارنة بنماذج أخرى تصل إلى 5 غيغابايت.
كما يتفوق في الأداء بشكل ملحوظ، إذ يستهلك 0.028 جول فقط لكل استجابة، مقارنة بـ 0.186 إلى 0.649 جول للنماذج المنافسة، مع سرعة استجابة تبلغ 29 ملي ثانية.
وفي خطوة تعكس توجهها نحو المصادر المفتوحة، أتاحت مايكروسوفت النموذج عبر منصة "هاغينغ فيس"، مما سيسهم في تسريع وتيرة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي المستدام.
فهم أصوات الدلافين
وعلى صعيد آخر من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أعلنت غوغل عن تقدم ملحوظ في مشروعها العلمي المبتكر "دولفين جي" الذي يهدف إلى فهم أصوات الدلافين.
وطور فريق "ديب مايند" التابع للشركة نموذج ذكاء اصطناعي يحلل الأصوات المعقدة التي تصدرها هذه الكائنات البحرية.
ويستند المشروع إلى كنز من البيانات الصوتية جمعها مشروع الدلافين البرية على مدار 40 عاما من المراقبة المستمرة، مما شكل أساسا متينا لتدريب النموذج على فهم الأنماط الصوتية المعقدة لهذه الكائنات الذكية.
إعلانولم يتوقف المشروع عند حدود الفهم النظري، بل تجاوزه إلى التطبيق العملي من خلال تطوير نظام "تشات" (CHAT) المبتكر لتوليد أصوات صناعية تحاكي الدلافين وربطها بأشياء من بيئتها الطبيعية.
ويتكون هذا النظام المتطور من مكبرات صوت خاصة تعمل تحت الماء وميكروفونات حساسة ولوحة تحكم، ويمكن تشغيله مباشرة عبر هاتف بيكسل.
وتخطط غوغل لنشر النموذج ليكون مصدرا مفتوحا في وقت لاحق من هذا العام، مما سيفتح الباب أمام الباحثين في جميع أنحاء العالم لاستخدامه وتطويره، وتسريع فهمنا للتواصل بين هذه الكائنات البحرية المدهشة.
وداعا سكايب
ومن جهة أخرى، أعلنت مايكروسوفت عن قرار مفاجئ بإيقاف برنامج سكايب الشهير بعد 22 عاما من إطلاقه.
وكان سكايب يوصف بأنه رائد حقيقي في مجال المكالمات الصوتية والمرئية، وغيّر جذريا طريقة تواصل الناس عبر المسافات البعيدة، وأسهم في كسر احتكار شركات الاتصالات التقليدية للمكالمات الدولية.
وفي المقابل، ارتفعت شعبية منصة "تيمز" (Teams) التي أطلقتها مايكروسوفت قبل 8 سنوات بشكل كبير، ليصل عدد مستخدميها النشطين شهريا إلى 320 مليونا، مستفيدة من التحول الكبير نحو العمل والتعليم عن بُعد الذي أحدثته جائحة كوفيد-19.
وقد وضعت الشركة خطة لتسهيل انتقال مستخدمي سكايب إلى منصة تيمز، بحيث يمكنهم استخدام بيانات تسجيل الدخول نفسها، وستنتقل الدردشات وجهات الاتصال تلقائيا إلى التطبيق الجديد.
ومع ذلك، فإن هذا الانتقال لن يكون من دون تحديات، إذ إن بعض الميزات المهمة مثل مكالمات الهواتف العادية والمحادثات المشفرة الخاصة لن تنتقل، مما أثار استياء عديد من المستخدمين الذين اعتمدوا على هذه الخدمات لسنوات طويلة.
الصادق البديري14/5/2025