مئة يوم على التطبيع العربي مع النظام السوري… ما الحصيلة؟
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
في التاسع عشر من أيار/مايو الماضي قام ولي عهد المملكة العربية السعودية بفك عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد 12 سنة من تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية بسبب القمع الوحشي للشعب السوري بعد انطلاقة ثورته بدعوته لحضور قمة جدة، وجاء قرار عودة النظام السوري إلى الجامعة في 7 أيار/ مايو بعد مشاورات عدة بين مصر، والأردن، والإمارات، والعراق على أعقاب زيارة الملك عبد الله إلى واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بضرورة الانفتاح على نظام الأسد، التي لم تعارض شريطة أن لا يتم خرق العقوبات المفروضة عليه حسب قانون «قيصر».
حجج الدول العربية التي دفعت بعجلة التطبيع استندت على أمنيات في تحقيق الاستقرار في سوريا، والحد من صنع وتهريب المخدرات وخاصة مادة كبتاغون التي أصبحت سوريا أول مصنع ومصدر لهذه المادة إلى دول الجوار، وخاصة إلى دول الخليج العربي الغنية حيث أشارت إحصائيات جمركية حول العالم أن منذ العام 2016 تم مصادرة أكثر من مليار حبة كبتاغون، وما لم يصادر يفوق هذا الرقم بكثير، إذ ذكرت أكثر من وسيلة إعلامية غربية وخبراء اقتصاد أن هذه التجارة تدر على ميزانية النظام السوري بمعدل 6 مليارات دولار سنويا، وربما أكثر، دون أن يعبأ نظام الأسد بتدمير مجتمعات بأكملها من جراء إدمان بعض مكوناتها على المخدرات. أمنية المطبعين الأخرى تكمن في تطلع الدول المستقبلة للاجئين السوريين وخاصة لبنان والأردن، وتركيا بأن يفتح التطبيع الباب أمام عودتهم إلى سوريا، فوجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في دول الجوار- 3.5 مليون في تركيا، و1.5 مليون في لبنان، و700 ألف في الأردن أصبح عبئا من الصعب تحمله حسب ما ترى هذه الدول لأسباب مختلفة وخاصة بعد انخفاض كمية المساعدات التي خصصتها بعض الدول والمنظمات الإنسانية لدعم الدول المستضيفة. والأمنية التي دفعت الإدارة الأمريكية لقبول التطبيع مع نظام تمارس عليه عقوباتها، هو إمكانية إبعاد النظام السوري عن إيران ومطالبته بسحب ميليشياته من سوريا. كما أن الدول المطبعة تمنت انخراط النظام السوري في عملية سياسية حسب خطة «خطوة مقابل خطوة « استنادا إلى القرار الدولي رقم 2254 التي قدمها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون واعتمدها الأردن وأيدها وأقنع نظراءه العرب بها. لكن هل هذه الأمنيات تحقق ولو جزء بسيط منها بعد أشهر ثلاثة من سير بشار الأسد على السجادة الحمراء لدى استقباله في جدة لحضور القمة العربية؟
لا يمكن للدول المطبعة وعلى رأسها دول الخليج إخفاء امتعاضها من انتظار الإرهاصات الأولى لنية تغيير نظام الأسد نهجه التي لا بوادر لها في أفق السياسة الأسدية تتجاوب مع ما قدم له من حضور على المستوى العربي على أقل تقدير.
ولا النظام نفسه الذي عبر عن خيبته وكان يمني النفس بعد عملية التطبيع والوعود المقطوعة من بعض الدول بتدفق المليارات الخليجية لدعم الاقتصاد السوري المنهار، وإعادة الإعمار. ففيما يتعلق بتحقيق الاستقرار في سوريا فإن الأحداث الجارية على الساحة السورية تؤكد عكس ذلك، فما أن تم الاتفاق ولم يجف حبره بعد عادت الطائرات الروسية وقوات النظام وميليشيات إيران لقصف مناطق المعارضة وقتل المدنيين وتدمير منازلهم، واعتقال المئات وقتل العشرات تحت التعذيب، وفي منطقة حوران قُتل حوالي 15 شخصاً في محافظة درعا الجنوبية. وفي منتصف تموز/يوليو، حاصرت قوات النظام قرى في طفس، التي اتُهمت بمنح معارضي النظام ملجأ، قبل هدم 18 منزلاً كعقاب (على الطريقة الإسرائيلية بالتعامل مع الفلسطينيين) بل وتصاعد التوتر العالي بين روسيا وأمريكا في الأجواء السورية بما ينذر للأسوأ، وتشير بعض التقارير إلى أن واشنطن قد زودت قاعدتها في منطقة التنف السورية بطائرة «إف 35» تحسبا لأي طارئ، أو تحضيرا لمخطط ما في المنطقة. ومن الطرف الآخر قامت موسكو بمناورات عسكرية ليلية مشتركة مع قوات الأسد كرسالة موجهة إلى واشنطن عن الجاهزية لمواجهة أي مخطط تنوي القيام به. من جانب آخر كشفت بيانات المصادرات لحبوب الكبتاغون المخدرة في المنطقة أن سيل التهريب لم ينقطع أبدا، بل ربما زاد تدفقه فخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وصلت قيمة الصادرات الموقوفة إلى مليار دولار. بل إن التصنيع وصل إلى أوروبا حيث اكتشفت ألمانيا مصنعا لإنتاج الكبتاغون وكميات من الحبوب تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار، وحوالي 3 طن من المواد الكيميائية التي تدخل في تركيب المواد المخدرة. وتشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن الاقتصاد السوري سجل تراجعا كبيرا بعد أن هبط سعر الليرة السورية مقابل الدولار إلى مستويات غير مسبوقة (وصل سعر الدولار إلى 13 ألف ليرة سورية أي أنها فقد 77 بالمئة من قيمتها وتراجع دخل الفرد العادي إلى 8 دولارات شهريا) مع أنه من المفروض أن يكون عكس ذلك مع الإعفاءات الأمريكية والأوروبية من العقوبات بعد الزلازل الذي هز تركيا وشمال سوريا، لكن الفساد المستشري، وسوء الإدارة المالية، وعدم استثمار النظام هذه الظروف التحسينية بالطريق الصحيح أدى إلى مفعول عكسي.
وحول إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، أو حتى التخفيف منه، فقد ضرب النظام عرض الحائط أمنيات المطبعين وقام بتمتين علاقاته مع نظام الملالي أكثر من ذي قبل، إذ قام وزير خارجية النظام فيصل المقداد بزيارة إلى طهران مؤخرا يرفقه وفد اقتصادي كبير حيث شهدت هذه الزيارة توقيع اتفاقيات جديدة بين الطرفين، إضافة إلى الاتفاقيات التي وقعها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالزيارة التي قام بها إلى دمشق (تم التوقيع على ثماني مذكرات تفاهم، شملت التعاون في مجالات الزراعة والسكك الحديدية والطيران إضافة إلى التعاون في مجال الاتصالات وتقانة المعلومات والقطاع النفطي، فضلا عن الاعتراف المتبادل بالشهادات البحرية، واتفاق تصفير التعرفة الجمركية بين البلدين). وعلى المستوى الميداني فإن إيران تصاعد من تسليح ميليشياتها في سوريا، وقد قام قائد الحرس الثوري إسماعيل قاآني بزيارة غير معلنة لسوريا حيث تفقد قواته في مناطق مختلفة من سوريا، ونقل موقع المنار عن قاآني قوله إن: «أعداء إيران وسوريا يعرفون جيدا أن المبادرة في المنطقة بيد محور المقاومة» لكنه لم ينته من كلامه حتى قصفت إسرائيل مجددا مكان تواجد قواته في محيط دمشق، وتشير المطارات والمعابر على الحدود العراقية السورية إلى حركة مستمرة للطائرات والشاحنات الإيرانية وهذا ما يدفع دولة الاحتلال إلى القيام بغاراتها الصاروخية والجوية لضرب قواعد ومخازن الأسلحة الإيرانية.
وأكد مراقبون أن سبب جمود التطبيع العربي يعود لعدم تنفيذ دمشق بنود المبادرة العربية التي قادتها السعودية والأردن بشكل خاص، ولم يف الأسد بوعده فيما يخص تهريب المخدرات وتوقيف تصنيعها، ولم يلتزم بالحل السياسي واعتبر نفسه منتصرا وعلى المعارضة أن تنصاع له.
فضلا عن وجود انقسام عربي حول الالتزام بتطبيق القرار الأممي الخاص في الحل بسوريا – 2254 – من عدمه. وتفيد بعض الأنباء الواردة من سوريا أن السعودية أوقفت ترميم سفارتها في دمشق. وهذا دليل قاطع على أن الأنظمة المطبعة قدمت هدية مجانية لنظام يأخذ ولا يعطي.
(عن صحيفة القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير الأسد سوريا جدة التطبيع اللاجئين سوريا الأسد جدة اللاجئين التطبيع مقالات سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام السوری فی سوریا
إقرأ أيضاً:
ماذا بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا؟
أنقرة (زمان التركية) – أنهت الولايات المتحدة بشكل رسمي جميع العقوبات ضد سوريا عبر مرسوم وقعه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعد أكثر من ستة أشهر من إطاحة الجماعات السورية بقيادة أحمد شرع بالرئيس السوري السابق، بشار الأسد، في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024 بعد السيطرة على دمشق.
وفي الوقت الذي تنادي فيه الإدارة السورية الجديدة إلى تخفيف العقوبات منذ وصولها إلى السلطة، جاء قرار الإزالة الكاملة لنظام العقوبات ليمثل تحولا كبيرا في سياسة الولايات المتحدة، كما أن إعادة إعمار البلاد لها آثار عميقة على الدبلوماسية الإقليمية والاستقرار الداخلي.
ماذا كانت العقوبات ضد سوريا ؟
كانت العقوبات الأمريكية على سوريا نتيجة لعملية مستمرة منذ سنوات عديدة ويعود تاريخها إلى عام 1979 عندما كانت سوريا تسمى “دولة داعمة للإرهاب”، غير أن العقوبات العنيفة جاءت خلال الحرب السورية التي بدأت في عام 2011.
وفي ظل شن نظام الأسد حملة قمع وحشية على المتظاهرين المدنيين، جمدت إدارة أوباما أصول نظام الأس، وحظرت صادرات النفط وقيدت المعاملات المالية وأدرجت مئات المسؤولين ورجال الأعمال في القائمة السوداء.
أدرج قانون قيصر للحماية المدنية السورية لعام 2019 العديد من هذه العقوبات ضمن قوانين الولايات المتحدة مما يجعل من الصعب التراجع عنها دون موافقة الكونجرس.
استهدفت هذه التدابير قطاعات حاسمة لإعادة الهيكلة مثل: الطاقة والتمويل والنقل.
لماذا فُرضت العقوبات؟
تم فرض العقوبات ردا على انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق وجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد بما يشمل استخدام الأسلحة الكيميائية والاعتقالات الجماعية والتعذيب والقصف الجوي للمناطق المدنية والتجويع المنهجي للسكان المحاصرين.
كان هدف واشنطن هو عزل الأسد دبلوماسيا واقتصاديا وممارسة الضغط من أجل الإصلاح السياسي وردع الحكومات الأجنبية عن تمويل إعادة إعمار سوريا في ظل بقاء النظام في السلطة.
ومع مرور الوقت، تطورت العقوبات إلى أداة أوسع للحد من نفوذ إيران في سوريا وتقييد حزب الله وروسيا والجهات الفاعلة الأخرى العاملة على الأراضي السورية.
تأثير العقوبات على الاقتصاد السوري
دمرت العقوبات الاقتصاد السوري، إذ انهار القطاع المالي في البلاد بسبب محدودية الوصول إلى رأس المال الأجنبي والواردات الأساسية وانخفضت قيمة الليرة السورية بأكثر من 90 في المئة وارتفع الفقر إلى مستويات قياسية وأصبح نقص الأدوية والوقود والغذاء أمرا روتينيا.
رفضت البنوك الدولية تنفيذ المعاملات السورية خوفا من الوقوع في القيود الأمريكية مما أدى إلى عزل البلاد عن النظام المالي العالمي. ورأى النقاد أن العقوبات قد أدت إلى تفاقم الضائقة الإنسانية، كما حذرت العديد من المنظمات غير الحكومية من أن العقوبات قد أعاقت تسليم المساعدات وإعادة الإعمار حتى في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الأسد.
وقالت الإدارة السورية الجديدة إن استمرار العقوبات جعل من المستحيل دفع رواتب المسؤولين أو بدء عملية إعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
لماذا ظلت العقوبات بعد سقوط نظام الأسد؟
على الرغم من سقوط الأسد في أواخر عام 2024، ظلت العقوبات ظلت سارية حتى منتصف عام 2025 الجاري. ولعل أحد أسباب ذلك هو أن العديد من القيود كانت واردة في قوانين مثل قانون قيصر ولا يمكن رفع هذه العقوبات بأمر تنفيذي وحده، لكن كان هناك مخاوف سياسية أيضا.
ارتبط اسم الشرع في مرحلة ما بجبهة النصرة وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أنه قطع العلاقات في عام 2016 وتعهده بحكم شامل، فإن صعوده أثار مخاوف في واشنطن.
وبعد أشهر من الضغط من قبل الحلفاء الإقليميين مثل: المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا لرفع العقوبات، اتخذ البيت الأبيض إجراءات. وخلال زيارة إلى الرياض في مايو/ آيار، تعهد ترامب برفع العقوبات إذا ظلت سوريا ملتزمة بالسلام الإقليمي وأطلقت عملية انتقالية موثوقة بعد الأسد.
ماذا يعني رفع العقوبات؟
يلغي الأمر التنفيذي لترامب خمسة قرارات عقوبات رئيسية ويوجه الوكالات الفيدرالية للتنازل عن القيود الأخرى. وتمت إزالة أكثر من 500 شخص ومنظمة من قائمة SDN، بما في ذلك البنوك والشركات السورية الكبرى الحيوية للبنية التحتية وإعادة الإعمار.
ستراجع وزارة التجارة الأمريكية ضوابط التصدير التي تمنع سوريا من الوصول إلى التقنيات الرئيسية بما في ذلك الأنظمة المصرفية الدولية مثل سويفت.
وتم تكليف وزارة الخارجية بمراجعة تصنيف سوريا على أنها “دولة داعمة للإرهاب” وتقييم وضع هيئة تحرير الشام في دمشق، التي كان يترأسها الشرع ذات يوم.
على الرغم من هذا، لم يتم رفع العقوبات بالكامل، إذ يتم الإبقاء على القيود المفروضة على بشار الأسد وأقاربه وشركائه والجهات الفاعلة في مجال الأسلحة الكيميائية وتجار المخدرات ووكلاء إيران وداعش والقاعدة.
تم نشر قائمة جديدة تضم 139 فردا وكيانا مرتبطين بالنظام السابق لتأكيد التزام واشنطن بالمساءلة.
وتصر وزارة الخزانة الأمريكية على أن هذا القرار التنفيذي ليس شيكا على بياض، إذ يتم تحذير المؤسسات المالية من أنها تخاطر بالعقاب إذا تعاملت مع أولئك الذين لا يزالون خاضعين للعقوبات.
هذا ومن المتوقع أن يؤدي رفع برنامج العقوبات الرئيسي إلى فتح سوريا أمام التجارة الدولية والاستثمار الإقليمي وتدفق المساعدات التي تم تجميدها منذ فترة طويلة بسبب حصار واشنطن.
Tags: التطورات في سورياالخارجية الأمريكيةدونالد ترامبرفع العقوبات الأمريكية عن سوريا