الحرة:
2025-06-27@12:51:21 GMT

البرهان بعد محادثات جنيف: سنحارب مئة عام

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

البرهان بعد محادثات جنيف: سنحارب مئة عام

 أكد قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، السبت، عدم المشاركة في المحادثات التي جرت في جنيف في سويسرا برعاية أميركية لوقف الحرب في السودان.

وقال البرهان في لقاء مع الصحفيين في مدينة بورتسودان في شمال البلاد بينهم مراسل وكالة فرانس برس، "لن نذهب إلى جنيف وليس لنا علاقة بها"، مضيفا "سنحارب مئة عام"، في إشارة إلى الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من 16 شهرا.

وأصدرت وزارة الخارجية الإماراتية، السبت، بيانا عقب المحادثات التي شاركت فيها بشأن السودان في سويسرا، 14 أغسطس الجاري، والتي استمرت لمدة 10 أيام، مشيرة إلى أنها "تأسف لعدم مشاركة أحد الأطراف في هذه المحادثات".

وعقدت في سويسرا خلال الفترة من 14 إلى 23 أغسطس 2024، محادثات بشأن السودان ضمن منصة "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان" (ALPS) التي تم إنشاؤها حديثا، وتضم السعودية والإمارات ومصر والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وسويسرا والأمم المتحدة.

وقالت مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، رئيسة وفد دولة الإمارات في المحادثات، لانا نسيبة إن "الوضع الإنساني في السودان خرج عن مستوى التحمّل. وأن هناك حاجة هائلة إلى المساعدات الإنسانية، ويجب أن تكون فرق الإغاثة قادرة على توصيل المساعدات إلى المحتاجين أينما كانوا".

وأضافت وفق البيان أن "برنامج الغذاء العالمي يعرف كيف يوقف المجاعة ويمنعها، ورسالتنا إلى جميع الأطراف هي: دعوهم يقومون بعملهم".

وتابعت: " قدمت دولة الإمارات خلال العقد الماضي، أكثر من 3.5 مليار دولار أميركي كمساعدات للسودان، والتي تتضمن 230 مليون دولار منذ اندلاع الصراع. ونحن ملتزمون بشكل راسخ بمواصلة جميع جهودنا لدعم الشعب السوداني الشقيق".

وأشارت نسيبة إلى أن "آلية عمل المنصة في جنيف استندت إلى اتفاقيات جدة، وتنضم الإمارات إلى المشاركين الآخرين بالمحادثات في التعبير عن التقدير للسعودية لدورها القيادي وجهودها المتواصلة في هذا الملف الحاسم، وكذلك للولايات المتحدة على دبلوماسيتها النشطة لتخفيف أسوأ أزمة إنسانية تواجه المجتمع الدولي اليوم".

وقالت: "نرحب بالصيغة الجديدة التي التقينا من خلالها على مدى الأيام الـ10 الماضية. لقد أدى التركيز والتعاون بين الجميع إلى تحسينات ملموسة لصالح الشعب السوداني. وخلال هذه المحادثات، تم الاتفاق على خطوات عملية بشأن وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين".

وأضافت: "يشمل ذلك السماح للأمم المتحدة باستخدام معبر أدري الحدودي إلى السودان، وتسهيل وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين يعانون من المجاعة في مخيم زمزم وأماكن أخرى في دارفور".

وتابعت نسيبة: "تم التعهد بالتزامات إضافية لتسريع وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين. كما التزمت قوات الدعم السريع خلال المحادثات بتوجيهات جديدة ومهمة بشأن حماية المدنيين، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتجنيد الأطفال، والاختفاء القسري".

وحسب نسيبة، فقد ركزت الإمارات بشكل خاص على "إنشاء مسار ضمن منصة (ALPS) يهدف إلى تقريب وجهات نظر ودمج أهداف وتوصيات النساء السودانيات في جميع جهود السلام والمساعي الإنسانية".

وقالت: "نحن ملتزمون بمواصلة مشاوراتنا مع النساء السودانيات وتعزيز أهدافهن واحتياجاتهن، والضغط على الأطراف لحماية جميع المدنيين، بما في ذلك النساء والفتيات، من انتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما فيها العنف الجنسي".

وأعربت مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، عن أسفها "لحقيقة أن أحد الأطراف اختار عدم المشاركة في هذه المحادثات"، قائلة: "لم نحقق التقدم الذي كنا نتمنى تحقيقه بشأن وقف كامل للأعمال العدائية، والذي سيؤدي إلى إنهاء الحرب. ونحن بالطبع نأسف لحقيقة أن أحد الأطراف اختار عدم المشاركة في هذه المحادثات"، في إشارة إلى الجيش السوداني.

ورفض السودان الذي يقوده قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، الدعوة إلى المشاركة في المحادثات، عبر وزير المال، جبريل إبراهيم، الذي كتب على منصة "إكس" يوم 15 أغسطس: "طبع الشعب السوداني يرفض التهديد والوعيد".

وأضافت نسيبة: "نأمل بأن يتم علاج هذا في المستقبل، لكننا نقدر الدبلوماسية المبتكرة التي سمحت للمشاركين بالتركيز على النتائج الملموسة للشعب السوداني"، مشيرة إلى التزام بلادها "بدعم الشعب السوداني الشقيق في استعادة السلام، وفي ضمان إيصال المساعدات التي يحتاج إليها بشدة".

والجمعة، استعرضت مجموعة "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان" (ALPS) في بيان، نتائج الاجتماعات التي انطلقت في سويسرا يوم 14 أغسطس الحالي لمدة 10 أيام.

وقالت المجموعة في بيانها المشترك، إن الشعب السوداني عانى من 16 شهرا مروعا من الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والتي أسفرت عن إجبار 10 ملايين شخص على الفرار من منازلهم، وأكثر من 25 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد، ومليون شخص يواجهون المجاعة.

وذكرت أنه استجابة لمطالب الشعب السوداني بمزيد من العمل من قبل المجتمع الدولي، اجتمعت الأطراف التي تضم المجموعة في سويسرا "بهدف اتخاذ إجراءات ملموسة وفورية لتخفيف معاناة الشعب السوداني وإنقاذ الأرواح وتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية".

وبناء على أسس إعلان جدة، نوهت المجموعة بأنها تمكنت على مدى الأيام الـ10 الماضية من "تأمين إعادة فتح وتوسيع طرق الوصول الإنساني الحرجة، وتلقت التزامات بتحسين حماية المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، فضلا عن تطوير إطار لضمان الامتثال لإعلان جدة وأي اتفاقيات مستقبلية بين الأطراف المتحاربة".

كما حصلت المجموعة "على ضمانات من كلا طرفي الصراع بتوفير وصول إنساني آمن ودون عوائق من خلال شريانين رئيسيين، معبر الحدود الغربي في دارفور عند أدري وطريق الدبة مع إمكانية الوصول عبر الشمال والغرب من بورتسودان".

ورحبت المجموعة بقرار قوات الدعم السريع إرسال وفد رفيع المستوى إلى سويسرا للتواصل مع المجموعة، وعلى الرغم من اتصالها المستمر مع القوات المسلحة السودانية افتراضيا، لكنها أكدت أنها تأسف لقرارهم بعدم الحضور.

وقالت إن عدم مشاركة الجيش السوداني "حدّ من قدرتنا على إحراز تقدم أكثر جوهرية نحو القضايا الرئيسية، خاصة وقف الأعمال العدائية على المستوى الوطني".

واندلعت الحرب في السودان قبل أكثر من عام بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث أسفرت عن مقتل وجرح عشرات الآلاف.

وأرغم النزاع أكثر من خُمس السكان على النزوح، بينما يواجه نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، "انعدام الأمن الغذائي الحاد"، وفق ما أفاد تقرير مدعوم من الأمم المتحدة في يونيو الماضي.

المصدر: الحرة

إقرأ أيضاً:

من يحاول خطف نصر الجيش في السودان؟

في لحظة فارقة من عمر الحرب السودانية، وبينما يقترب الجيش من حسم المعركة ميدانيًا، تلوح في الأفق تسوية دولية تُهدّد بأن تُفرغ هذا النصر من محتواه السياسي.

فبين سطور اللقاء الأخير لوزير الخارجية الأميركي مع أطراف الرباعية، ظهرت إشارات مقلقة توحي بأن الغرب لا يسعى إلى سلام يُنهي الحرب فحسب، بل إلى اتفاق يُبقي على توازن هشّ بين الدولة والتمرد؛ خوفًا من أن يتحوّل نصر الجيش إلى عقبة كأداء أمام بسط النفوذ الدولي مقابل الإرادة الوطنية، وتبرير ذلك من خلال مزاعم منع تحول النصر إلى حكم عسكري عضوض.

فهذا "السلام" المشروط لا يبدو بريئًا. فهو لا يستند إلى الوقائع الميدانية بقدر ما يستجيب لحسابات النفوذ، ويعيد إنتاج التوازنات التي سبقت الانفجار. وهنا يُطرح السؤال بصراحة مؤلمة: هل يُمكن بناء سلام عادل دون الاعتراف بمن انتصر ومن انهزم؟ وهل يُطلب من الجيش أن ينتصر في الميدان، ثم يُساوي نفسه سياسيًا مع من تمرّد ضد الدولة وارتكب الجرائم الفظيعة ضد المواطنين العزل؟

في هذا التحليل نحاول الغوص في خلفيات التحرك الدولي، ونفكك منطق "السلام الناقص"، ونبحث في مآلاته على مستقبل السيادة، والانتقال السياسي المدني في السودان.

في هذا الإطار، تتقدّم مجموعة الرباعية الدولية بمبادرات متسارعة؛ لإنهاء الحرب في السودان، غير أن هذه المبادرات، رغم شعاراتها الإنسانية، لا تبدو بعيدة عن حسابات المصالح السياسية والأمنية.

والرباعية هي دول تتولى التنسيق حول المسار السياسي والدبلوماسي منذ ما قبل اندلاع الحرب، وتلعب الآن دورًا تريده مركزيًا في صياغة ملامح تسوية ليس بالضرورة تستجيب للمصلحة الوطنية، أو الإرادة الشعبية السودانية.

لكن اللافت أن هذه الأطراف، وخصوصًا الغربية منها، باتت تتحدث بلهجة زاعمة بأن يؤدي الحسم العسكري الكامل لصالح الجيش إلى "إعادة إنتاج الحكم العسكري"، كما وصفته بعض مراكز التفكير الأميركية، بينما تتجاهل خطوة تعيين رئيس وزراء مدني بصلاحيات واسعة، وهو الأمر الذي رحب به الاتحاد الأفريقي، فضلًا عن القوى السياسية السودانية الفاعلة، عدا تلك القليلة المرتبطة بالأجندة الخارجية.

إعلان

كل ذلك يجري وكأنما يُراد للجيش أن يُقاتل وحده، ويُحاسَب وحده، ثم يُمنع من ترجمة نصره إلى شرعية سياسية. هذا الموقف يُعيد إلى الأذهان النموذج الذي فُرض على أكثر من دولة في الإقليم: انتصارات ميدانية تُعطلها صفقات ناعمة تحفظ للمتمردين موقعًا شكليًا في "السلام"، وتفتح أبواب السلطة باسم "الشمولية السياسية".

لكن السؤال الذي يتجنبه صناع هذه الصفقة هو: هل يُمكن بناء سلام حقيقي بالتماهي مع الانتهاك؟ وهل المطلوب إطفاء الحرب أم ترسيخ ازدواجية الدولة؟

توازن وهمي وحسابات أجنبية

حين تتكثف الدعوات الدولية للسلام في لحظة يتقدم فيها الجيش ميدانيًا، لا يبدو الأمر بريئًا من الناحية السياسية.

فالرباعية- وعلى رأسها واشنطن- ظلت لعدة أشهر تتعامل مع مليشيا الدعم السريع كطرف سياسي لا كمجموعة متمردة، رغم ما ارتكبته من فظائع موثّقة، وحين بدأت موازين القوة تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني، بدا أن السقف الدولي قد انخفض فجأة من دعم "الانتقال المدني" إلى فرض "وقف إطلاق نار عاجل".

كما فرضت واشنطن عقوبات على السودان بزعم استخدام الجيش أسلحة كيميائية استنادًا إلى تقرير صحفي. هذا التغير في اللغة والتكتيك يكشف ضمنيًا عن اعترافٍ دولي غير معلن بأن التمرد قد خسر المعركة ميدانيًا. فمليشيا الدعم السريع- التي كانت تسيطر على مناطق واسعة في بدايات الحرب- صارت اليوم تترنّح في جيوب معزولة، وتعتمد في بقائها على حرب مدن وقصف عشوائي لا يغيّر الواقع العسكري.

ومع ذلك، لا تُترجم هذه الهزيمة في الخطاب السياسي الغربي، بل يُعاد تأهيل المليشيا سياسيًا عبر المطالبة بإشراكها في التسوية، بحجة أنها "طرف فاعل" لا يمكن تجاوزه.

لكن ما يُقلق أكثر من إعادة تأهيل التمرد، هو أن هذا الإقرار المبطّن بالهزيمة لا يُبنى عليه موقف واضح لصالح الدولة، بل يُستغل للضغط على الجيش لتقديم تنازلات سياسية تُفرغ انتصاراته من مضمونها السيادي.

فهل يُراد للجيش أن ينتصر فقط ليُمنع من حماية الدولة؟ أم أن الغرب يخشى من نهاية الحرب أكثر مما يخشى استمرارها، لأن النهاية تعني أن أحد الطرفين سيفرض واقعًا جديدًا لا يخضع للإملاء الخارجي؟

في كثير من النزاعات، يكون السلام تتويجًا للنصر. لكن في الحالة السودانية، يبدو أن هناك من يسعى إلى فصل المسارين قسرًا: أن يتوقّف القتال دون أن يُعترف بانتصار طرف على آخر، وأن يُفرض على الدولة أن تُصافح من حمل السلاح ضدها دون شروط.

هذا هو جوهر "السلام الناقص" الذي تدفع به بعض العواصم الغربية عبر الرباعية. سلام يُطلَب فيه من الجيش أن يوقف المعركة وهو في موقع القوة، ويقبل بتسوية تُعيد دمج عناصر التمرد في المشهدين: السياسي والعسكري، بحجة "الاستقرار".

إن أخطر ما في هذه المعادلة هو محاولة فرض توازن سياسي وهمي على حساب الحقائق الميدانية. فالدعوات لإشراك الدعم السريع في مستقبل الحكم لا تأتي احترامًا لمطالب شعبية، بل تلبيةً لاعتبارات خارجية تخشى أن تتحوّل سيطرة الجيش إلى مشروع حكم وطني يصعب التحكم فيه من الخارج. هكذا يتحوّل النصر إلى عبء، والانتصار إلى خطر ينبغي احتواؤه، لا ترجمته.

إعلان

لكن هذا المنطق يُهدد بتكرار الكارثة: كيف يمكن بناء سلام حقيقي مع مليشيا ارتكبت تطهيرًا عرقيًا؟ كيف يُطلب من الضحايا أن يتعايشوا مع الجناة باسم "الحل السياسي الشامل"؟ وهل تُبنى دولة القانون على قاعدة اللاعقاب والمساواة الزائفة بين الدولة والتمرد؟

هذا النوع من السلام لا ينهي الحرب، بل يُجمّدها في صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، تمهيدًا لجولة قادمة من الصراع.

إن النصر العسكري، حين لا يجد ترجمته السياسية، يصبح فخًا. فالجيش السوداني، الذي قاتل وحده في مواجهة تمرد مسلح متوحش ومدعوم خارجيًا، لم يكن يدافع عن نفسه فقط، بل عن كيان الدولة ومؤسساتها وسيادتها.

وبالتالي، فإن حرمان الجيش من ثمرة هذا النصر- بحجة التوازن أو "اللامركزية السياسية"- لا يعني سوى تقويض سلطة الدولة الوطنية لحساب مراكز نفوذ مليشياوية أو محمية خارجيًا.

إن فرض "نصر غير مكتمل" على الجيش يحمل ثلاث نتائج كارثية:

إضعاف المؤسسة العسكرية معنويًا وسياسيًا: كيف يُطلب من جيش قدّم آلاف الشهداء أن يقبل تسوية تساوي بينه وبين من حاربه؟ كيف يُطالَب بالصبر على حماية شعبه، ثم يُمنع من حصد شرعية حماية الشعب؟ تفريغ التحول المدني من مضمونه: إذ لا يُمكن الحديث عن تحول ديمقراطي حقيقي في ظل وجود مليشيات خارج المؤسسة العسكرية الرسمية، ولا بوجود "شركاء سلام" لا يؤمنون بالدولة إلا إذا كانت ضعيفة. إضعاف ثقة الشارع في العملية السياسية: فالجمهور السوداني الذي دعم الجيش واستنفر أبناءه لجانبه؛ رفضًا للفوضى والقتل والاغتصاب، سيشعر بأن تضحياته ذهبت سدى إذا أُعيد دمج الجناة في السلطة.

إن أخطر ما في هذا النصر غير المكتمل، أنه لا يؤسس لسلام، بل لتعايش هش بين قوة تقاتل من أجل الدولة، وأخرى تستفيد من بقاء الدولة على شفا الهاوية.

الرباعية.. دور مشبوه وتجربة فاشلة

في الوقت الذي تتسارع فيه المبادرات الغربية لفرض تسوية تُبقي على جزء من التمرد ضمن بنية الحكم، تتصاعد في الداخل السوداني أصوات تحذّر من مصادرة القرار الوطني باسم "الحل الدولي".

فالتوازن الحقيقي ليس بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، بل بين رغبة الداخل في سلام يعيد للدولة هيبتها، وبين رغبة الخارج في تسوية تحفظ النفوذ وتُبقي البلاد تحت الوصاية الناعمة أو الفجّة. هذه الفجوة بين الداخل والخارج تتجلى بوضوح في الخطاب السياسي:

القوى الوطنية المستقلة ترفض أي مشروع يعيد دمج مليشيا الدعم السريع، وتطالب بسلام قائم على المحاسبة ونزع السلاح وتفكيك المليشيات. الشارع السوداني الذي دفع ثمن الحرب من روحه وجسده، يُدرك أن أي تسوية لا تعترف بمن انتصر ومن خان، ستكون مجرّد هدنة قبل انفجار جديد. بينما تواصل الرباعية الدولية الترويج لفكرة السلام "الشامل" الذي لا يُقصي أحدًا، حتى وإن كان هذا "الأحد" هو الجلاد.

وهنا يطرح الواقع سؤالًا لا يمكن تجاهله: هل أصبح القرار السياسي السوداني رهينة لموازين القوى الدولية؟ أم أن اللحظة الراهنة تستدعي جبهة وطنية عريضة تُعيد التفاوض من موقع القوة، لا من تحت سقف الابتزاز الدبلوماسي؟ إن من يُريدُ السلام حقًا، يجب أن يسأل أولًا: سلام مع من؟ وعلى أي أساس؟ لأن السلام ليس نزع سلاح فقط، بل استعادة معنى الدولة.

احذروا عودة الرباعية للواجهة

إن الرباعية، التي نشأت عمليًا عقب سقوط نظام البشير في 2019، دون تفويض شعبي أو دولي واضح، رفعت شعار: "دعم الانتقال الديمقراطي"، لكن تجربتها عكست مقاربة فوقية، سعت إلى فرض ترتيبات سياسية لا تنبع من الداخل السوداني، بل من حسابات إقليمية ودولية.

تاريخ الرباعية يشي بميلها إلى استثمار الهشاشة السياسية في السودان، خاصة خلال فترة حكومة عبدالله حمدوك، التي لم تحظَ بتفويض انتخابي، مما فتح الباب أمام تدخلات مباشرة في الشأن السوداني، أبرزها دعم مشروع "دستور المحامين" الذي وُجهت له انتقادات؛ لكونه يكرّس هيمنة نخبوية مدنية غير توافقية، ويمهد الطريق لتدخلات أجنبية تحت غطاء قانوني سياسي.

إعلان

 كما كان للدعم الذي حظي به الاتفاق الإطاري من قبلها – والذي ساوى بين المؤسسة العسكرية ومليشيا الدعم السريع – دورٌ كبير في خلق حالة من الانقسام الحاد داخل الساحة السياسية السودانية. وهو ما رأته تقارير حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" تهديدًا لاستقرار الدولة ووحدتها.

السلام الحقيقي من الداخل لا من العواصم

إن الحل الحقيقي لا يمكن أن يُفرض من الخارج، ولا يولد من رحم تسويات جزئية مفروضة، بل من حوار وطني شامل، ينطلق من الداخل، ويشارك فيه كل مكونات المجتمع. سلامٌ يُعيد هيكلة العلاقة بين المدنيين والعسكريين على أسس وطنية، لا على إملاءات دولية.

ويجب أن يكون هذا السلام قائمًا على:

نزع السلاح من المليشيات. دمج من تنطبق عليه الشروط في القوات المسلحة وفق قانونها. محاسبة من تورط في جرائم أو انقلابات. استعادة ثقة الشارع في مسار وطني حقيقي، لا شراكة وهمية مع من قادوا البلاد إلى الهاوية.

الخلاصة أن السيادة لا تُهدى، بل تُنتزع. فلم يعد السودان تلك الحديقة الخلفية التي تعبث بها الأيدي الأجنبية. لقد تغيّر الزمن، وتغيّر الوعي. وإذا كانت الرباعية تريد أن تكون فاعلًا إيجابيًا، فعليها أن تدعم خيارات الشعب لا أن تصادرها، وأن تُعلي من شأن الدولة لا أن تُساويها بالتمرد.

السلام لا يُبنى على التغاضي، ولا على التجميل السياسي للجراح. السلام الحق، هو الذي يستند إلى العدالة، ويُعيد الاعتبار للدولة، ويمنح الأمل للمواطن بأن دماء أبنائه لم تذهب سدى. فإما سلام يُعيد للسودان سيادته، أو تسوية تُعيد إنتاج أزمته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • السيادة السوداني يوافق على هدنة إنسانية في الفاشر لمدة أسبوع
  • السودان.. البرهان يوافق على هدنة إنسانية لمدة أسبوع في الفاشر
  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم بالطائرات المسيرة
  • الجيش السوداني : قواتنا بالفرقة الرابعة الدمازين تطهّر منطقة ملكن
  • طيران الجيش السوداني يقصف مواقع عدة
  • تحالف “الحلو” و”حميدتي” هل يسعى لتطويق الجيش السوداني في كردفان؟
  • الجيش السوداني يستولي على مسيرات ودانات تابعة للدعم السريع
  • من يحاول خطف نصر الجيش في السودان؟
  • “تضامن السودان حكومة وشعباً”.. رئيس مجلس السيادة يجري اتصالا هاتفيا مع أمير دولة قطر
  • السودان: كامل إدريس يعيّن وزيرين جديدين للدفاع والداخلية