يخدم مليون فلسطيني.. مستشفى شهداء الأقصى مهدد بالإغلاق
تاريخ النشر: 27th, August 2024 GMT
غزة- يشعر الجريح الفلسطيني مصطفى أبو جلهوم بالوحشة، بعد أن فرغت الصالة التي يمكث بها داخل مستشفى "شهداء الأقصى" على نحو مفاجئ، وقد كانت تعج بالمصابين والمرضى وذويهم. وقال "أغلب المرضى غادروا، خافوا من الاحتلال، المستشفى الآن مُهدد بشكل خطير، والناس أكثرهم غادروا".
لم يبقَ في الصالة السيئة الإنارة التي تقع في الطابق الأرضي بمبنى الاستقبال والطوارئ سوى بضعة جرحى، قرر بعضهم البقاء، في حين لم يتمكن البعض الآخر من المغادرة.
ويعاني الجريح أبو جلهوم منذ 3 شهور من شظية قنبلة اخترقت ساقه اليسرى، ولم يتمكن الأطباء من إخراجها، بينما ينتظر السماح له بالسفر للعلاج في الخارج.
يأتي ذلك بعد أن أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامره صباح الاثنين بـ"إخلاء" المربع السكني الذي يقع فيه المستشفى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وهو ما أثار خوف الكثير من المرضى والنازحين المقيمين داخله، وقرروا المغادرة على نحو سريع. لكن أبو جلهوم قال للجزيرة نت، إنه لن يغادر المستشفى مهما حصل، بعد أن يئس من كثرة النزوح من مكان لآخر، مضيفا "أنا قاعد هنا، ما كتبه الله سأراه".
تحمل ذاكرة الفلسطينيين مشاهد مروعة لجرائم جيش الاحتلال داخل المستشفيات التي اقتحمها في شمالي القطاع وجنوبه. ويقول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الاحتلال استهدف 162 مؤسسة صحية، وأخرج 34 مستشفى و80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل.
ويشترك محمد الأخرسي مع أبو جلهوم في إحساسه بالوحشة جراء الخلو المفاجئ للقاعة التي يتلقى فيها العلاج بمستشفى "شهداء الأقصى". ويقول للجزيرة نت "الأغلب طلعوا، المشكلة أنا لا أعرف إلى أين أذهب"، كما أشار إلى أنه مضطر للبقاء لتلقي العلاج، نظرا لصعوبة الحصول عليه في مكان آخر.
وأُصيب الأخرسي قبل أسبوع بكسور في قدميه جراء قصف إسرائيلي، وينتظر تركيب قضبان من البلاتين لتثبيت العظام في ساقيه، ويلفت الشاب المُصاب إلى أن الخدمة الطبية في المستشفى "لا تزال جيدة"، لكنه يُعرب عن قلقه حيال ما تخبئه الأيام القادمة.
وانعكست أجواء التوتر التي يعيشها المستشفى على الحركة داخله، حيث اختفى الباعة المتجوّلون الذين كانوا يجوبون ساحاته لبيع المشروبات الساخنة والمأكولات للنازحين المقيمين والزوار. وعلى خلاف العادة، قلّت أعداد المراجعين داخل قسم الاستقبال والطوارئ، إلا من عدد قليل من المرضى.
ورغم حالة القلق الشديدة التي تعتريه، يواصل الممرض معتصم صبرة تقديم الخدمة الطبية للمرضى داخل قسم الاستقبال، وبينما كان يقدم الإسعاف لمسن، يقول للجزيرة نت "نحن طواقم إنسانية، يجب أن نبقى على رأس عملنا، حتى نتعامل مع المرضى والجرحى".
وأضاف "نحن جدار الحماية الأول، إذا تركنا المستشفى، فمن سيعالج المرضى؟ من سابع المستحيلات أن نترك المستشفى ونغادر، إن شاء الله سنظل وربنا سيزيل الغمة". ويشير إلى أن الخدمة الطبية، لا تزال متاحة داخل المستشفى "حتى الآن"، مضيفا أن "المرضى لا يترددون كما في السابق، لكن نحن على أهبة الاستعداد".
وقررت بعض العائلات المقيمة داخل المستشفى النزوح مجددا، حيث بدأت تفكيك خيامها والاتجاه نحو المناطقة الغربية من المدينة. ومنهم عائلة لؤي حودة التي وصلت إلى المستشفى في بداية الحرب، وكان غالبية أفرادها مصابين بعد قصف منزلهم، كما استشهد بعضهم وبقي آخرون عالقين تحت الركام.
وبعد تلقيهم العلاج الأساسي، قرر حودة الإقامة في خيمة مع عائلته داخل ساحة المستشفى لفقدان منزلهم، ورغم محاولتهم المغادرة، يتساءل في حديثه للجزيرة نت "أين أذهب؟ لا يوجد أي مكان آمن". يصمت ثم يقرر البقاء "لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
ويؤيد أحمد الشامي قرار "زميله في الألم ورحلة النزوح" حودة، حيث يرى أن المستشفى قد يكون أكثر أمانا من المكان الذي قد ينزح إليه، ويضيف الشامي للجزيرة نت "من خلال التجربة، المكان الذي تقول إسرائيل إنه آمن، تركز عليه القصف والقتل، لا مكان آمنا، سأظل هنا، أين أذهب؟".
ورغم ذلك، يلتمس الشامي العذر لمن غادر المستشفى، ويقول "غادروا بسبب معرفتهم بجرائم الاحتلال، الاحتلال عوّدنا على جرائمه في كل المستشفيات التي دخلها، في الشفاء وناصر والإندونيسي وغيرها".
وكان الشامي قد أصيب في 16 أبريل/ نيسان الماضي في قصف إسرائيلي استهدف منزله، وتسبب له بحروق وشظايا في كل أنحاء جسمه، وبعد تشافيه من الحروق، لا يزال يعاني من شظايا القنابل التي توغلت في جسده، وتسبب له الالتهابات. ويعرب عن قلقه حول مصير وجودة الخدمة الطبية التي سيتلقاها المرضى خلال الأيام القادمة.
حكم إعداميقول الدكتور خليل الدِقران، الناطق باسم مستشفى شهداء الأقصى، إن قرار الاحتلال بإخلاء محيطه تسبب بحالة من الهلع والخوف بين المرضى، ودفعهم للمغادرة، ويضيف للجزيرة نت "بقي في المستشفى حوالي 100 مريض، 8 منهم في غرف العناية المركزة، ولدينا 8 أطفال خُدج في قسم الحضانة".
كما أشار إلى أن المستشفى يقدم خدمة غسل الكلى لنحو 480 مريضا، وهو عدد يفوق قدرته بنحو 3 أضعاف، وذلك بسبب ارتفاع عدد سكان وسط القطاع جراء حركة النزوح من المناطق الأخرى، محذرا من أن إخراج المستشفى عن الخدمة سيتسبب في موت جميع مرضى الكلى، وكذلك المرضى في غرف العناية المركزة والأطفال الخدج.
ووضح الدقران أن المستشفى هو الوحيد في محافظة وسط القطاع ولا بديل له، ويخدم حاليا أكثر من مليون شخص، غالبيتهم من النازحين، لكن رغم الخطر المحدق، فإن إدارته والطواقم الطبية مستمرة في تقديم الخدمة للمرضى والمواطنين، وفق تأكيده.
ويقول المتحدث إن ما يجري حاليا يندرج ضمن مخططات الاحتلال في استهداف المستشفيات كما جرى سابقا في مستشفى الشفاء بغزة، والإندونيسي بشمال القطاع، ومستشفى ناصر في خان يونس. وناشد الدقران المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية والحقوقية بالضغط على الاحتلال لتجنب استهداف المستشفى وإبعاده عن الخطر.
وختم حديثه بالقول "إذا أخرج الاحتلال هذا المستشفى عن الخدمة، فهذا حكم بالإعدام على الجرحى والمرضى والسكان، لن يكون هناك مكان لاستقبال الجرحى، ولا لتقديم الخدمة الصحية لمليون شخص وسط القطاع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الخدمة الطبیة شهداء الأقصى للجزیرة نت وسط القطاع عن الخدمة مکان آمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
مسؤولون للجزيرة نت: إسرائيل تخرق بند المساعدات والمعابر في اتفاق وقف النار
غزة- ينقضي غدا الخميس، الأسبوع الأول على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وضع حدا لحرب إسرائيلية دموية ومدمرة استمرت عامين كاملين على قطاع غزة.
وبموجب هذا الاتفاق كان يفترض أن تسمح إسرائيل بدخول 600 شاحنة من المساعدات والإمدادت الإنسانية المتنوعة، إضافة إلى شاحنات بضائع وسلع تجارية للقطاع الخاص، من أجل الاستجابة للإغاثة العاجلة لنحو مليونين و300 ألف فلسطيني، عانوا ويلات الحرب والحصار والتجويع.
وتؤكد مصادر في هيئات دولية ومحلية تحدثت إليها الجزيرة نت، أن دولة الاحتلال لم تفِ -حتى كتابة هذا التقرير- بالتزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وتتذرع بحجج واهية، وتضع عراقيل أمام تدفق المساعدات والإمدادات الإنسانية والإغاثية، وأهمها مستلزمات الإيواء العاجل، وتلك الخاصة بالقطاع الصحي، وآليات وأدوات التعامل مع الركام والأنقاض، وصيانة المرافق والقطاعات الحيوية.
ذرائع الاحتلال
كما تنصلت إسرائيل من التزاماتها بخصوص إعادة تشغيل معبر رفح البري، كما كان مقررا، اليوم الأربعاء، وهو المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية، الذي لا يزال محتلا منذ اجتياحه وتدميره إبان العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة لمدينة رفح في السادس من مايو/أيار 2024.
وعلمت الجزيرة نت من مصادر مسؤولة في هيئات محلية ودولية، أن إسرائيل تتذرع بقضية جثامين الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائل المقاومة في غزة، وتتهرب من الإيفاء ببنود اتفاق وقف إطلاق النار بخصوص فتح معبر رفح البري المخصص لسفر الأفراد، وحركة العمل على معبر كرم أبو سالم التجاري، ومعبر كوسوفيم العسكري، المخصصين لدخول شاحنات المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية.
وفي حين سمحت إسرائيل، الأحد الماضي، وهو اليوم الأول لعمل المعابر عقب التوصل للاتفاق، بدخول بضع مئات من شاحنات تجارية للقطاع الخاص، فإنها لم تسمح سوى بدخول 173 شاحنة من المساعدات الإنسانية من أصل 600 شاحنة يوميا ينص عليها الاتفاق.
ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الدكتور إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت، إن الاحتلال أدخل هذه الشاحنات القليلة، الأحد الماضي، ومنع دخول أي شاحنة الاثنين والثلاثاء الماضيين، لدواع غير مقنِعة.
إعلانوبحسب المسؤول الحكومي فإن أغلبية محتويات الشاحنات الـ173 هي مواد ثانوية، وليست ذات أولوية مُلحة وعاجلة كمستلزمات الإيواء والصيانة والصحة، بينها 3 شاحنات من غاز الطهي، و6 أخرى من الوقود.
ويحتاج قطاع غزة لأكثر من 50 شاحنة غاز طهي ووقود يوميا، لسد العجز الهائل لصالح الاستهلاك المنزلي وعمل المرافق البلدية والصحية والحيوية، وذلك بعد نحو 7 شهور لم تدخل منها أي كمية للقطاع منذ أن نكث الاحتلال باتفاق وقف إطلاق النار السابق، واستأنف حربه على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي.
المدير العام لمكتب الإعلام الحكومي بغزة للجزيرة: نطالب بتسريع فتح المعابر وإدخال المستلزمات الطبية الضرورية، وستكون الأولوية في السفر عند فتح معبر رفح للمرضى والجرحى#الأخبار pic.twitter.com/sPvzs6Bi8c
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 15, 2025
فتح المعبروطالب الثوابتة الوسطاء والولايات المتحدة الأميركية بضرورة الضغط على دولة الاحتلال للإيفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وفتح معبر رفح والمعابر التجارية فورا وبدون تأخير.
وتشير أرقام غير رسمية إلى أن الاحتلال لم يسمح، اليوم الأربعاء، بإدخال سوى عدد محدود من شاحنات المساعدات، بينها عشرات الشاحنات المحملة بمواد إغاثية تابعة لمنظمة الغذاء العالمي، وبضع شاحنات محملة بمواد صحية وطبية.
وحسب الثوابتة فإن الاحتلال لم يلتزم أيضا بتعهداته وبما تم التوافق عليه بخصوص إدخال الخيام، حيث كان من المفترض خلال الأسبوع الأول من توقيع الاتفاق السماح بإدخال 20 ألف خيمة للإيواء العاجل للنازحين. ويُقدّر أن 288 ألف أسرة فقدت منازلها وليس لها مأوى، وهي بحاجة ماسة لخيام وبيوت متنقلة.
وحول معبر رفح البري، كشف المسؤول الحكومي الثوابتة أن الاتفاق ينص على التزام الاحتلال بإعادة إعمار وتجهيز وتهيئة الجانب الفلسطيني من المعبر المدمر، تمهيدا لإعادة فتحه وتشغيله، أمام سفر الحالات الإنسانية التي لها أولوية السفر بالمرحلة الأولى، كجرحى الحرب والمرضى والطلبة.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن أكثر من 17 ألف جريح ومريض ينتظرون بفارغ الصبر فتح المعبر، وهم بحاجة ماسة للسفر لتلقي العلاج في الخارج، إذ لا تتوفر الإمكانيات لعلاجهم في مستشفيات القطاع شبه المنهارة.
ويوضح الثوابتة أن الاتفاق ينص على إعادة فتح وتشغيل المعبر وفق آلية واتفاق المعابر لعام 2005، مع وجود بعثة مراقبة أوروبية.
ويتفق رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، مع الثوابتة على أن الاحتلال لم يفِ حتى اللحظة بالتزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، سواء من حيث كمية ونوعية المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وحتى الـ600 شاحنة من المساعدات التي ينص عليها الاتفاق، يرى الشوا في حديثه للجزيرة نت، أنها لا تكفي الاحتياجات الهائلة بالنسبة للغزيين، وأغلبيتهم من النازحين والمشردين الذين فقدوا منازلهم، وفقدوا كذلك مصادر الرزق والدخل خلال عامي الحرب.
إعلانوأكد ضرورة السماح بتدفق المساعدات بأنواعها بدون سقف عددي، وأن تراعي الاحتياجات والأولويات للسكان، وبما يعجل من عمليات الاستجابة الإنسانية العاجلة، وإعادة الحياة للقطاعات الحيوية.
ويقول رئيس الشبكة إن شاحنات البضائع التجارية لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، خاصة بعد شهور من التجويع الممنهج، ولا تزال الأسعار في الأسواق مرتفعة جدا ولا تناسب أغلبية الغزيين ممن هم تحت خط الفقر، ويعتمدون في معيشتهم بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية، التي يتوجب تدفقها بشكل كبير وعاجل.
ووفقا للشوا، فإن القطاع بحاجة عاجلة لنحو 300 ألف خيمة لإيواء النازحين، وآليات ثقيلة للتعامل مع أطنان هائلة من الركام وإعادة فتح الشوارع المغلقة، وإمدادات لإغاثة القطاع الصحي، ولعمل البلديات، لافتا إلى أن الاحتلال لم يدخل أي شيء من هذه الاحتياجات مع انقضاء الأسبوع الأول من اتفاق وقف إطلاق النار.