الهواري: المجتمعات التي تمتلئ بالأمل قادرة على تحقيق حاجاتها بالسعي والعمل
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
قال محمود الهواري الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني أهل هلال ربيع تبارى الخطباء والدعاة والكتاب إلى ميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسون منه الأنوار والأسرار والإشراقات مشيرا خلال خطبته بالجامع الأزهر بعنوان: «الأمل صناعة نبوية لا تستغني عنها المجتمعات» ان ميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ميلادَ أمة، وإشراق حضارة، وصناعة إنسانية، وإحياء قيم وأخلاق.
مضيفا أنه كان صلى الله عليه وسلم عظيم الأمل فلم ييأس، واسع الرجاء فلم يقنط، قوي العزيمة فلم يجزع، فالحاجة إلى الأمل في ظل الواقع المر، وما أحوج الناسَ إلى الأمل في ظل ما يعانون مرارته يوما بعد يوم مما حل بالأمة من مشكلات داخلية وخارجية، تلك العبادة القلبية التي قل من يفطن لمعناها ويعمل بمقتضاها، أن يعيش على معنى توقع الجميل من الله.
أكد الهواري أن الأمل يتمثل في أن يوقن الإنسان أن مع العسر يسرا، وبعد الكسر جبرا، وبعد الضعف قوة، وبعد المرض عافية، وبعد الداء شفاء وبعد الشدة فرجا وبعد الضيق سعة، وبعد الدنيا وما فيها جنة عرضها السماوات والأرض، موضِّحًا أن صنفا من البشر يعيشون على يأس وقنوط وإحباط فهم في قلق وهم واضطراب وخوف وفزع،
أوضح الأمين المساعد أن اليأس قطيعة إيمانية بين العباد وربهم؛ ولذا لا عجب أن يورد القرآن اليأس والكفر في سياق واحد، وما أروع ما قال يعقوب لبنيه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)،
استكمل اله الهواري وفي الجانب الآخر نجد الإيمان والأمل متلازمين، فالمؤمن أوسع الناس أملًا، وأكثرهم تفاؤلًا، وأبعدهم عن التشاؤم والتبرم والضجر؛ إذ الإيمان معناه الاعتقاد بقوة عليا تدبر هذا الكون لا يخفى عليها شيء، ولا تعجز عن شيء، الاعتقاد بقوة غير محصورة، ورحمة غير متناهية، وكرم غير محدود، الاعتقاد بإله قدير رحيم، يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، يمنح الجزيل، ويغفر الذنوب، ويقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، إله هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها. إله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، إله يفرح بتوبة عبده أشد من فرحة الضال إذا وجد، والغائب إذا وفد، والظمآن إذا ورد، إله يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف أو يزيد، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو، مشيرا إلى أنه كانت حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلة من الأمل، وكأنما يقدم لنا بهذه الحياة الشريفة النموذج الأمثل لكل مبتلى من فرد أو مجتمع أو أمة.
وتابع: عاش النبي في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو قومه إلى الإسلام، فيلقون دعوته بالاستهزاء، وقرآنه بالإعراض، وآياته بالتكذيب، وأصحابه بالأذى والتعذيب، فما لانت له قناة، ولا انطفأ في صدره الأمل،.
أشار الهواري إلى أنه عندما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة، ويبدأ في كفاح مرير مع طواغيت الشرك، وأعوان الضلال، حتى تأتي غزوة الأحزاب فيتألب الشرك الوثني بكل أدواته مع الغدر اليهودي بكل تاريخه الدموي، ويحيط بالمسلمين مؤامرة من الداخل والخارج، ويشتد الأمر على النبي وأصحابه، حتى يصوره القرآن بقوله: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا) (الأحزاب: 10، 11) في هذه الساعات الرهيبة التي يذوي فيها عود الأمل، ويخبو شعاع الرجاء، يحدث النبي أصحابه عن الغد المأمول، والمستقبل المرجو، وهم يحفرون الخندق حول المدينة؛ ليصدوا به الغزاة، ويعوقوا به الطغاة، تعرض لهم صخرةٌ لا تأخذُ فيها المَعَاوِلَ،
أشار الأمين المساعد الى أن المجتمعات التي تمتلئ بالأمل هي المجتمعات القادرة على تحقيق حاجاتها بالسعي والعمل، وإن الأوطان التي يشيع فيها اليأس هي مجتمعات مقيدة لا تتقدم، ولا ترتقي، ولعل الله يصنع لنا من ليلنا الحالك أنوار فجر مشرق يبدد الظلمات، ويحقق الغايات، فالأمل صناعة نبوية، وفريضة دينية، وحاجة مجتمعية، من تخلى عنها تخلى عن الحياة، وما طعم الحياة إن كانت بلا أمل؟ وما متع الدنيا إن كانت الحياة بلا أمل؟، وإن أولى الناس بالأمل هم أهل الإيمان الذين يعتصمون بالله البر الرحيم، العزيز الكريم، الغفور الودود، الذين ينظرون إلى الحياة بوجه ضاحك، ويستقبلون أحداثها بثُغر باسم، لا بوجه عبوس قمطرير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الهواري خطبة الجمعة الدعاة الجامع الأزهر صناعة انسانية صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
حكم الشرع في مقولة "خد الشر وراح"
تعد مقولة "خد الشر وراح" التي اعتاد الناس عليها في بعض البلاد لَمْ تخرج عن المشروعية، ولا حرج عليهم في قولها، ولا تُنافي الإيمانَ في شيءٍ، كما لا تعارِض يقين المؤمنين بأنَّ دَفْع الشَّر أو جَلْب الخير بيد الله سبحانه؛ لأنها من إضافةِ الفعل لسببه، وهذا مِن المجازات الصحيحة المستعملة لغةً وشرعًا، بالإضافة إلى أنَّ الأصل في المسلم أنْ يُحسِن الظنَّ بغيره، ويَحمِل كلامَه على أحسنِ المعاني وأصحِّها، وألَّا يُبَادِرَ بالتخطئة والإنكار إلا فيما ثَبَتَت حُرمَتُه بيقين.
مراعاة العرف في الأحكام الشرعية وأثره في الفتوى
ومِن المقرر في الشريعة الإسلامية أنَّ النَّظَرَ إلى أعراف الناس وعوائدهم يكون بعين الرعاية، فالأصل إقرارُها ما لم تتعارض مع الأحكام الشرعية؛ قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، والطبراني في "المعجم الأوسط"، والحاكم في "المستدرك" وصحَّحه.
حكم مقولة خد الشر وراح
وقد صاغ الفقهاء هذا المعنى في قاعدةٍ مِن قواعد الفقه الكبرى، هي: أن "العَادَةَ مُحَكَّمَةٌ"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 7، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام الرُّحَيبَانِي في "مطالب أولي النهى" (1/ 351، ط. المكتب الإسلامي): [(قال ابن عقيل: لا ينبغي الخروج مِن عادات الناس) مراعاةً لهم وتأليفًا لقلوبهم (إلا في الحرام إذا) جرت عادتهم بفعله، أو عدم المبالاة به -فتجب مخالفتهم، رضوا بذلك أو سخِطوا] اهـ.
وقال الإمام ابن عَابِدِين نظمًا في "شرح عقود رسم المفتي" (ص: 39، ط. لاهور):
حكم مقولة "خد الشر وراح" وبيان معناها
ومقولة "خد الشر وراح" التي هي تعبيرٌ باللهجة المصريَّة الدارِجَة يُقالُ لشخصٍ أُضِير ضررًا خفيفًا، وذلك على سبيل التخفيف مِن وَقعِهِ، كأن يَكسِر كوبًا أو طَبَقًا أو نحو ذلك ممَّا ينزعج الإنسان بفقده، والمعنى: أنَّ الذي كُسِر قد أَخَذَ الشَّرَّ وذَهَب به بعيدًا، وهو مِن قبيل التفاؤل بما سيأتي مِن أقدار الله سبحانه وتعالى، كما في "موسوعة الأمثال الشعبية المصرية" للدكتور إبراهيم شعلان (2/ 448، ط. دار الآفاق العربية).
وقد اشتمل استعمال هذه المقولة على عدة معانٍ، منها: التخفيفُ والمواساةُ على مَن أصابه الضُّرُّ، والتفاؤلُ والاستبشارُ بالخير، وكلاهما ممَّا أمر به الشَّرعُ الشَّريف، وحثَّنا عليه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم قولًا وفعلًا.
فمِن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمريض الذي يعوده: «لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ.. الحديث» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
ومنه: الأمرُ بتشميت العاطس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُل: الحَمْدُ لِلهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وفي هذه الأحاديث وغيرها ما لا يخفى مِن التخفيف والمواساة، مع الفألِ الحسن، والبشارة، حيث بَشَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المريضَ بأن الله سيُطهِّرَه مِن دائه، وواساه بقوله: «لَا بَأْسَ»، وكذا بَشَّرَ العاطس بأنه ستشمله رحمةُ الله تعالى، فليُحسن ظَنَّه بربه.
قال الإمام ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" (2/ 100-101، ط. دار النوادر): [قولُ المشمِّتِ: "يرحمك الله" الظاهرُ منه والسابقُ إلى الفهم: أنه دعاءٌ بالرحمة، ويَحتَمِل أن يكونَ إخبارًا على طريقةِ البِشارة المبنيَّة على حُسنِ الظنِّ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم للمَحْمُومِ: «لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ»، أي: هي طهورٌ لك إن شاء الله، والله أعلم بمراد رسوله] اهـ.
مقولة خد الشر وراح
وقد أحبَّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم التفاؤلَ والاستبشارَ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» متفقٌ عليه.