ليبيا – اعتبر المبعوث الأمريكي الخاص والسفير لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أن الخطوة الأخيرة التي اتخذها المجلس الرئاسي الليبي بإقالة الصديق الكبير كانت عبارة عن اجراءات احادية وتأتي في اطار الاجراءات الاحادية الكثيرة والتي اتخذتها الاطراف الشرقية والغربية في الاسابيع والاشهر الاخيرة ومن جهة ما كانت الخطوة محفوفة بالمخاطر.

نورلاند قال خلال لقاء خاص عبر تلفزيون “اليوم السابع” وتابعته صحيفة المرصد إنه في الوقت الحالي أمريكا تشعر بالقلق من أن الجهود المبذولة للوصول لحل قد تتحول لحلقة مفرغة.

واعتقد أن الجميع يدركون الحاجة الملحة للتوصل لقرار بشأن قيادة البنك المركزي أي قيادة ذات مصداقية مبنية على الإجماع في اسرع وقت ممكن.

وأكد على أن مجلس الدولة يلعب دورا استشارياً مهماً في القضايا السياسية المتعلقة بمستقبل ليبيا، مضيفاً “ولذلك نحن لا نتخذ موقف بشأن من فاز بالمنصب وندرك أن التصويت كان قريباً جداً في نتائجه وحدث خلاف عليه واعتقد أنه من المهم إيجاد حلول في اسرع وقت ممكن حتى يتمكن مجلس الدولة بالقيام بدوره المطلوب” .

وأشار إلى أن الليبيين يريدون الدفاع عن سيادتها أكثر من أي وقت مضى ولا يرغبون في التلاعب بهم من قبل القوات الاجنبية أو وجود عسكري اجنبي يمكن أن يزعزع الاستقرار في المنطقة لذلك من وجهة نظرهم توقيف إطلاق النار بالكامل ورحيل هذه القوات هو أولوية مهمة للغاية.

وزعم أن المنافسة للوصول للموارد جزء من الصراع ولطالما شعر الشرق أنه لم يحصل على نصيبه العادل من عائدات النفط ولكن محاولة فرض حكومة في طرابلس أو استدامتها بالقوة ربما لا يكون الجواب الصحيح .

 

وفيما يلي النص الكامل:

س/ أبدأ حديثي حول ما حدث مؤخراً حيث أتخذ المجلس الرئاسي الليبي قرار موحدا بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي في طرابلس الكبير وقد رد معسكر الشرق بإغلاق الحقول والموانئ النفطية، ما هي تداعيات التحركات على المسار الاقتصادي وما موقف الولايات المتحدة من هذه الإجراءات؟

الخطوة الأخيرة التي اتخذها المجلس الرئاسي الليبي بإقالة الصديق الكبير كانت اجراءات احادية وللأسف تأتي في اطار الاجراءات الاحادية الكثيرة والتي اتخذتها الاطراف الشرقيه والغربيه في الاسابيع والاشهر الاخيرة ومن جهة ما كانت الخطوة محفوفة بالمخاطر لأنها أثارت التساؤلات حول نزاهة البنك المركزي الليبي وبالنسبة للعلاقات مع الشركاء الدوليين في المجتمع المالي يثار الآن حول من هو المسؤول وهل القيادات المعنية تتمتع بالمصداقية.

كما أن مداهمة وحده المخابرات وضبطها بالمسجلات اثارت مخاوف بشأن غسل الأموال وتمويل الإرهاب ولذلك من وجهة نظرنا ان موقف الولايات المتحدة ان الليبيين بحاجة للتحركات السريعة لاستعادة الثقة في قيادة البنك المركزي بحيث يمكن إجراء المعاملات المالية الدولية بشكل طبيعي واستيراد السلع والأدوية لليبيا وبالتالي تجنب حدوث أزمة اقتصادية.

في الوقت الحالي نحن قلقون من أن الجهود المبذولة للوصول لحل قد تتحول لحلقة مفرغة واعتقد أن الجميع يدركون الحاجة الملحة للتوصل لقرار بشأن قيادة البنك المركزي وأعني قيادة ذات مصداقية مبنية على الإجماع في اسرع وقت ممكن.

 

س/ ان تحدثنا على الصعيد السياسي فقد حدث انقسام جديد في ليبيا بعد رفض تكاله بفوز المشري ما موقفكم في الخصوص وهل تعترفون بمحمد تكاله ام خالد المشري كرئيس للدولة ؟

بعد أن عملت في ليبيا لسنوات تعاملت مع المشري عندما كان رئيس المجلس الأعلى للدولة العام الماضي وعملت مع محمد تكاله لذلك اعتقد من المؤسف الآن وجود هذا الخلاف لأن مجلس الدولة يلعب دورا استشارياً مهماً في القضايا السياسية المتعلقة بمستقبل ليبيا ولذلك نحن لا نتخذ موقف بشأن من فاز بالمنصب وندرك ان التصويت كان قريباً جداً في نتائجه وحدث خلاف عليه واعتقد انه من المهم إيجاد حلول في اسرع وقت ممكن حتى يتمكن مجلس الدولة للدولة بالقيام بدوره المطلوب .

 

س/ مصر تعمل على تحقيق وفاق بين مجلسي النواب والدولة لحسم ملف تشكيل حكومة موحدة وتفعيل مخرجات بوزنيقة المغربية حول المناصب السيادية , ما موقفكم من هذه التحركات؟

القاهره لعبت دور مهم جداً خلال الجمع بين الغرفتين لجنة الـ 6+6 وغيرها من الجهود للتوصل لاتفاق بشأن التفاهمات الدستورية الرئيسيه والمغرب لعبت دورا في هذا السياق ولذلك نعتبر أنه تم احراز التقدم واضح يمكن البناء عليه ولكن الأمر المهم الان، هو أن الجمع بين الغرف ليس كافياً بل يجب إحضار جميع أصحاب المصالح السياسية في ليبيا لطاولة المفاوضات حيث يمكنهم الالتقاء وجهاً لوجه والوصول لحلول ترضي جميع الاطراف من اجل مصلحة الوطن وهذا ما كانت الأمم المتحدة تحاول القيام به لكن جهودها توقفت بسبب استقالة المبعوث الخاص، نعتقد أن أزمة البنك المركزي ستساعد القادة على ما يجب القيام به لحل هذه الأزمة بما يعطي زخماً لحل القضايا السياسية الأوسع .

 

س/ ما موقف الولايات المتحدة من القرارات الصادرة من الأمم المتحدة حول ليبيا؟

وقف إطلاق النار في ليبيا والذي تم الاتفاق عليه في أكتوبر  2020 دعا لرحيل القوات الاجنبية وبما في ذلك المقاتلين والمرتزقة خلال الـ 90 يوم وقد مرت 4 سنوات ولم يحدث هذا بعد بإستثناء حالة صغيره لبعض المرتزقة واعتقد أن المسؤولية في إزالة هذه القوات تقع على عاتق الدولة والأطراف التي أرسلت المقاتلين والمرتزقة لهذه المنطقة ونحن نشعر أن الليبيين يريدون الدفاع عن سيادتها أكثر من أي وقت مضى ولا يرغبون في التلاعب بهم من قبل القوات الاجنبية او وجود عسكري اجنبي يمكن أن يزعزع الاستقرار في المنطقة لذلك من وجهة نظرنا توقيف إطلاق النار بالكامل ورحيل هذه القوات هو أولوية مهمة للغاية.

 

س/ كنت سفيرا للولايات المتحدة في ليبيا قبل أن تتولى منصب المبعوث الخاص كيف تصف الأوضاع في ليبيا الآن ؟

لقد بدأت عامي السادس في العمل في ليبيا وهذا أعطاني فهم واسع العوامل المتعددة التي تلعب دورها في الجمود السياسي الحالي، لقد شهدت ليبيا ديكتاتورية استمرت لـ42 سنة، كانت وحشية جداً وتلاها سنوات من الحرب الأهلية والصراعات الآخيرة وكانت هناك مشاركة من سلسلة من الجهات الفاعلة الخارجية وشخصيات قوية تعمل داخل ليبيا نفسها.

تظافرت كل هذه العوامل لخلق وضع معقد للغاية مما ادى مأزق سياسي حالي وببساطة لا يوجد خيار سوى ان يجلس الممثلون الرئيسيون معاً على الطاولة ويتفاوضوا على حلول وسط ويعتقد ان الوضع الراهن مستدام وطالما أن كل جانب له حق الوصول لعائدات النفط لكن كما رأينا في قضية البنك المركزي الخلاف حول الأصول والموارد وكل هذه العوامل تلعب دورها مما يعني أنه ليس وضع مستقر على المدى الطويل.

نحن مقتنعين أنه إن تم التفكير في الأمر ستدرك الجهات الفاعلة الرئيسة أن مصالحهم تخدم بشكل افضل الان ومن خلال المشاركة بمحادثات تهدف للوصول لاتفاق .

 

س/ الداخل الليبي هل هو صراع النفط والمال بين الليبين أم انكم ترون ذلك بشكل مختلف ؟

بالفعل وهناك العديد من العوامل التاريخية التي تؤثر على المشهد ولكن وبالتأكيد المنافسة للوصول للموارد جزء من الصراع، لطالما شعر الشرق أنه لم يحصل على نصيبه العادل من عائدات النفط ولكن محاولة فرض حكومة في طرابلس او استدامتها بالقوة ربما لا يكون الجواب الصحيح .

 

س/ قائد الأفريكوم زار ليبيا قبل أيام والتقى بقيادات عسكرية من طرابلس وبنغازي ما الرسائل التي تضمنها اللقاء؟

في الحقيقة الجنرال زار ليبيا مرتين في العام الماضي وكنت معه في أكتوبر الماضي عندما ذهبنا معاُ لبنغازي عندما تم تقديم بعض المساعدات الإنسانية جراء الفيضانات في درنة وقام برحلة اخرى مؤخراً، واحده من الرسائل التي يعي لنقلها أن الاضطرابات في الساحل وعدم الاستقرار على الحدود الجنوبية لليبيا تستدعي اهمية تأمين الحدود لحماية سيادتها.

لتحقيق ذلك يجب على قوات الأمن في الشرق والغرب البدء في تنسيق أنشطتها وتبادل الخبرات والمعرفة وربما يمكن للولايات المتحدة أن تساهم في هذه التفاهمات المشتركة مما يساعدهم في العمل معاً لتأمين حدودهم، لا نتوهم ان ذلك سيحدث بسرعة وهناك مخاوف بشأن القيادة السيطرة لكن حتى بعد حل  هذه المشكلات اعتقد انه من الممكن لهذه الكيانات ان تستفيد من العمل معاً ونريد فعل ذلك والهدف هو مساعدة الليبيين على حماية سيادتها.

 

س/ مع انشغال العالم في الصراع في أوكرانيا وغزة تضاؤل اهتمام الدول الفاعلة في الملف الليبي ودول الساحل والصحراء هل لديكم نية للعمل بشكل أوسع في هذه المنطقة في ظل المعلومات عن ظهور الجماعات المتطرفة مجدداً ؟

اعتقد أنه من الامن القول أنه من خلال تجربتي كسفير خاص والان مبعوث خاص هناك عودة للاهتمام الولايات المتحدة بمساعدة الشأن الليبي والدول المجاورة، السماح للوضع الراهن بالاستمرار ليس طريق لتحقيق الاستقرار، في العامين الماضيين عملت الولايات المتحدة على ما يسمى قانون الهشاشة العالمية وهي استراتيجية جديدة لمنع العنف وتحقيق الاستقرار، تتمثل الفكرة في دمج دبلوماسيتنا وتطوير القدرات الدفاعية في نهج شامل وليس عسكرياً فقط وليبيا كانت واحدة من البلدان التي وقع الاختيار عليها لتكون بمثابة برنامج تدريبي لهذا النهج الجديد، سنبدأ التركيز على الجنوب الليبي وهو منطقة تم تهميشها وقريبة من بؤرة الاضطرابات في منطقة الساحل وهناك مجالات يمكن ان نعمل فيها في المجالات السياسية والدفاعية تسهم في الاستقرار مثل مساعدة المجموعات في المنطقة على المصالحة بعد 2019 -2020 واعتقد الولايات المتحدة تتبنى الآن نهجاً أكثر نشاطاً واستراتيجية لمحاولة الانخراط في ليبيا ونشير إلى أننا نتوقع اعادة فتح السفارة في طرابلس مما سيكون لنا وجود هناك وهذا دليل ملموس على الاهتمام من قبل الولايات المتحدة بهذا الملف .

في وقت لاحق من ذات الشهر في نيويورك على هامش الجمعية العامة للولايات المتحدة انا واثق ان هناك فرص للولايات المتحدة التحدث مع الشركاء على مستوى عالي حول كيفية مساعدة الشعب الليبي على استعادة الزخم في عملياتهم السياسية.

 

س/ تشير التقارير الأخيرة لانتشار عمليات تصفية جسدية و اغتيالات في ليبيا ومنها قتل عبد الرحمن الميلاد ” البيدجا ” أحد أبرز مهربي البشر وقادة بعض التشكيلات المسلحة، كيف تنظرون لهذه العمليات التي تتم خارج القانون ؟

يجب أن نقول اننا مع آخرين في المجتمع الدولي وعدد من نشطاء حقوق الانسان الليبيين نتشارك القلق بشأن تنامي ثقافة الإفلات من العقاب المتعلقة بهذه الإجراءات في ليبيا لا يمكن لأحد أن يعتقد أنه يمكن ببساطة طرد خصمه او اسكاتهم بسبب اختلاف وجهات النظر، رأينا ذلك قبل 4 سنوات مع اختفاء عضو مجلس النواب الليبي سهام سرقيوة والتقيت مع عائلتها عدة مرات يعيشون بعذاب لا يعرفون ماذا حل بها، تم العثور على مقابر جماعية في ترهونة وهناك اعتقالات واختفاءات لنشطاء المجتمع المدني حتى في الاونة الاخيرة.

هناك ما يحدث من ترهيب لموظفي المصرف المركزي واجبارهم العودة للعمل او مساعده القيادة الجديدة لإدارة أعمال البنك، بما في ذلك من خلال التهديدات لهم ولأسرهم كل هذا يمثل اتجاه لا أعتقد أن الليبيين يدعمونه وهذا ليس في صالح ليبيا لذلك سيادة القانون مهمة للغاية وقد ذكر الصديق الصور الذي اعلم انه يعمل بجد لتعزيز سيادة القانون في ليبيا ونحن بالطبع ندعم هذه الجهود.

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: للولایات المتحدة الولایات المتحدة فی اسرع وقت ممکن البنک المرکزی مجلس الدولة فی طرابلس واعتقد أن فی لیبیا ما موقف ذلک من

إقرأ أيضاً:

هل فشلت الأمم المتحدة في ليبيا؟

منذ صدور القرارين 1970 و1973 عن مجلس الأمن الدولي في مارس 2011، وُضعت ليبيا رسميًا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما كان يُفترض معه أن تتحمّل المنظمة الدولية مسؤولية مباشرة في حماية المدنيين، وضمان الأمن والسلم، ومنع الانهيار المؤسسي. إلا أن ما تلا التدخل الدولي في ليبيا لم يكن سوى انفلات شامل غابت فيه الدولة، وتراخى فيه المجتمع الدولي – وعلى رأسه الأمم المتحدة – عن أداء دور حاسم تجاه الفوضى المتصاعدة.

فوضى بعد سقوط النظام

فما إن سقط النظام السابق، حتى اندلع اقتتال داخلي، رافقته حملات انتقامية ممنهجة ضد مناصري النظام، شملت التهجير والقتل والاعتقال خارج القانون، في خرقٍ صريح للقانون الدولي الإنساني. كما استحوذت ميليشيات مسلحة على السلاح، رافضة قرار المكتب التنفيذي بجمعه وحلّ التشكيلات المسلحة، تحت ذريعة “حماية الثورة”.

وقد تأسست كتائب كـ”الدروع”، وتشكيلات أخرى لم تشارك أصلًا في الثورة، بينما سلّم الثوار الحقيقيون أسلحتهم في بادرة حسن نية، ما جعل ميزان القوة يميل لصالح تيارات الإسلام السياسي والتنظيمات المؤدلجة.

انقلاب على الديمقراطية وتغوّل الميليشيات

وفي خضم هذه الفوضى، تم الانقلاب على العملية السياسية الوليدة، حين سيطرت جماعات مرتبطة بالإخوان المسلمين على المؤتمر الوطني العام، وهمّشت إرادة الناخبين. وبلغ التصعيد ذروته في عام 2014، مع اندلاع حرب بين الميليشيات في طرابلس، تسببت في تدمير مطار العاصمة ومرافق حيوية، وكرّست واقعًا دمويًا انقسمت فيه البلاد.

وفيما كانت الجماعات المسلحة تفرض سيطرتها على الغرب، انطلقت عملية عسكرية بقيادة المشير خليفة حفتر في الشرق، بدعم شعبي، استهدفت ما كانت الأمم المتحدة تصفهم بـ”الثوار”، رغم أن بعضهم حمل فكرًا متشددًا لا يعترف بشرعية الدولة ولا بمخرجات العملية الديمقراطية.

عشرة مبعوثين.. وفشل متكرر

منذ عام 2011، تعاقب على رئاسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عشرة مبعوثين أمميين، دون أن ينجح أيّ منهم في حل الأزمة، بل اكتفوا بإدارتها والتكيف مع أطرافها:

عبد الإله الخطيب (أبريل – أغسطس 2011): وزير خارجية أردني سابق، عُيّن مبعوثًا خاصًا مع اندلاع النزاع، مهمته اقتصرت على إجراء مشاورات عاجلة في ظل المواجهات، لكنه غادر سريعًا دون تأثير فعلي. إيان مارتن (سبتمبر 2011 – 2012): دبلوماسي بريطاني وأمين عام سابق لمنظمة العفو الدولية، قاد جهود التخطيط لمرحلة ما بعد النزاع، لكن الواقع تجاوز التصورات، واندلعت الأزمات سريعًا. طارق متري (2012 – 2014): أكاديمي ودبلوماسي لبناني، حاول إدارة حوار شامل بين الأطراف، لكن اندلاع حرب طرابلس وبنغازي حدّ من حركته، وأجبره على الانسحاب. برناردينو ليون (2014 – 2015): دبلوماسي إسباني، أدار مفاوضات “اتفاق الصخيرات” بين الفرقاء الليبيين، لكنه غادر وسط جدل كبير بعد تعيينه في مؤسسة إماراتية، ما أضعف مصداقيته. مارتن كوبلر (نوفمبر 2015 – يونيو 2017): ألماني، حاول تنفيذ اتفاق الصخيرات، لكنه فشل في احتواء الخلافات العميقة بين المجلس الرئاسي والبرلمان وقادة الميليشيات. غسان سلامة (يونيو 2017 – مارس 2020): لبناني، أحدث تقدمًا نسبيًا في ملفات المصالحة وتعديل الاتفاق، لكنه استقال فجأة لأسباب صحية بينما كانت الحرب على طرابلس على أشدّها. ستيفاني وليامز (2020 – بداية 2021): دبلوماسية أميركية، قادت ملتقى الحوار السياسي، وساهمت في إنتاج السلطة التنفيذية المؤقتة (المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، والحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة). استطاعت ممارسة ضغوط فعلية على الأطراف الليبية لإجبارهم على قبول “خريطة طريق” في جنيف، إلا أن ما تحقق كان حلًا مؤقتًا هشًا لم يعالج جذور الأزمة. يان كوبيتش (2021): دبلوماسي سلوفاكي، حاول تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن العملية انهارت قبيل موعدها بسبب خلافات قانونية عميقة. عبد الله باتيلي (سبتمبر 2022 – أبريل 2024): دبلوماسي سنغالي، أعلن استقالته بعد أن وصلت جهود التسوية إلى طريق مسدود، واتهم الأطراف الليبية بغياب الإرادة السياسية. (المنصب شاغر حتى منتصف 2025): وحتى اليوم، لم تُعيَّن شخصية جديدة لإدارة البعثة، في ظل انسداد سياسي داخلي، وتراخٍ دولي متزايد.

تدخلات دولية تقيّد المبعوث وتُجهض الحلول

إضافة إلى الإخفاق البنيوي في أداء بعثة الأمم المتحدة، فإن الواقع الجيوسياسي المحيط بليبيا أثّر بشكل مباشر في قدرة المبعوثين الأمميين على أداء مهامهم. فمجلس الأمن نفسه – الذي يفترض أن يمنح المبعوثين القوة الشرعية لتنفيذ القرارات – يعاني من تضارب مصالح حاد بين أعضائه الدائمين، خصوصًا الولايات المتحدة وروسيا، ناهيك عن فرنسا وبريطانيا والصين.

وفي مثل هذه البيئة المنقسمة، لا يستطيع أي مبعوث أممي التحرك بحرية، بل يتحرك ضمن حدود ما تسمح به توافقات القوى الكبرى. وإذا غابت هذه التوافقات، فإن مهمة المبعوث تصبح مجرد إدارة للوقت والمواقف، دون قدرة حقيقية على فرض الحلول أو مساءلة المعرقلين.

وقد لوحظ أن بعض المبعوثين – خصوصًا أولئك القادمين من الدول الكبرى – يميلون أحيانًا لمحاباة مواقف دولهم الأصلية، أو يسعون لتجنب استفزاز الأطراف المتدخلة في ليبيا، حفاظًا على مسيرتهم المهنية أو طموحاتهم المستقبلية. كما أن تعيين الأمناء العامين للأمم المتحدة والمبعوثين الخاصين لا يتم دون موافقة القوى الكبرى، مما يجعل الاستقلالية مسألة شكلية أكثر من كونها حقيقية.

شخصية المبعوث… بين العدالة والانحياز

لا يمكن فصل أداء المبعوثين الأمميين في ليبيا عن شخصياتهم وخلفياتهم السياسية، ومدى قدرتهم على فهم الواقع الليبي المعقّد، والتعامل بعدالة مع الأطراف المتنازعة.

فبعض المبعوثين تعاملوا مع مهمتهم كأنها مجرد “وظيفة مؤقتة”، ينهونها دون صدام أو تأثير يُذكر. بينما نظر آخرون إليها كمشروع سياسي أو أخلاقي، واعتبروها فرصة لإثبات قدرتهم على صنع تغيير في واحدة من أعقد الأزمات في العالم.

في هذا السياق، برزت ستيفاني ويليامز كحالة فريدة، إذ أنها – بخلفيتها الأمريكية ودعم بعض العواصم الغربية – استطاعت ممارسة ضغوط فعلية على الأطراف الليبية، وأجبرتهم على القبول بـ”خريطة طريق” عبر ملتقى الحوار السياسي في جنيف، الذي أسفر عن تشكيل سلطة تنفيذية مؤقتة (المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، والحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة).

لكن رغم هذا الاختراق، فإن ما تحقق كان حلًا مؤقتًا هشًا، لم يخدم الحل النهائي للأزمة، ولم يعالج جذور الانقسام، بل أدى لاحقًا إلى خلق سلطتين تنفيذيتين متنافستين من جديد، ما أعاد الأزمة إلى نقطة الصفر.

وقد حاول بعض المبعوثين فهم منطق الأزمة من الداخل، وواجهوا الواقع بشجاعة. طارق متري، على سبيل المثال، أشار بوضوح إلى أن الأطراف الليبية “لا تبحث عن حل بقدر ما تبحث عن مصالحها الضيقة”، في إشارة إلى تغليب الحسابات الشخصية والمناطقية على المصلحة الوطنية.

أما غسان سلامة، فقد تحدث بصراحة نادرة عن عمق الفساد المستشري، حين قال:

“في ليبيا، كل يوم يُولد مليونير جديد، ولا أحد يريد حقًا إنهاء الأزمة.”

هذا التصريح لم يكن مجرد توصيف، بل إدانة واضحة لنخبة سياسية تستفيد من استمرار الفوضى، وتُجهض أي مسار جاد نحو الاستقرار.

ورغم هذه الرؤية النقدية لدى بعض المبعوثين، فإن غياب الدعم الدولي، وصراعات مجلس الأمن، وازدواجية مواقف الدول المتدخلة، حالت دون تمكنهم من تنفيذ رؤاهم، وانتهى الأمر ببعضهم إلى الاستقالة، والآخرين إلى العزلة والتهميش.

الولايات المتحدة.. فوق الأمم المتحدة

من المهم أن نفهم أن تدخل القوى الكبرى – وعلى رأسها الولايات المتحدة – في الأزمات الدولية لا يخضع دائمًا لإطار الأمم المتحدة، بل يتجاوزه حين تقتضي المصالح الاستراتيجية ذلك. فواشنطن، كما أظهرت في ملفات متعددة، لا تعير قرارات المنظمة الأممية اهتمامًا حقيقيًا إن تعارضت مع أولوياتها، بل تتحرك بشكل منفصل، مستخدمة أدواتها الدبلوماسية والأمنية الخاصة.

وفي الحالة الليبية، فإن التحركات الأمريكية الأخيرة تعكس هذا النمط. فإدارة واشنطن قد تلجأ إلى بناء شراكات مباشرة مع أطراف محلية تراها موثوقة، متجاوزة دور البعثة الأممية إن رأت أنها عاجزة أو مقيدة بسبب الخلافات داخل مجلس الأمن.

هذا يُعيدنا إلى المعادلة الحاسمة: إذا استمر الليبيون في الارتهان للتدخلات المتقاطعة دون بلورة موقف وطني موحد، فإن مصير الأزمة سيبقى رهين حسابات الخارج لا إرادة الداخل.

وأخيرًا… لا خلاص دون وعي وطني

رغم كل ما قيل عن دور الأمم المتحدة ومبعوثيها، وعن التدخلات الإقليمية والدولية المتشابكة، تبقى المسؤولية الأساسية في نهاية المطاف على عاتق الليبيين أنفسهم. فلولا تفكك الداخل، وترسّب الخلافات الفكرية والمناطقية، وضعف الشعور بالوطنية الجامعة، لما تمكن الخارج من فرض وصايته بهذا الشكل.

لقد أضاع الليبيون أكثر من عقد وهم يراهنون على الخارج لحل أزمتهم، في حين أن المفتاح الحقيقي للحل لم يكن يومًا في يد المبعوث الأممي، بل في اليد الليبية الواعية التي تؤمن بأن “ليبيا يجب أن تُبنى بأيدي أبنائها، لا بأجندات الآخرين”.

ولعل وعي الليبيين بخطورة اللحظة التاريخية، وإدراكهم أن الحل يجب أن يكون وطنيًا، هو وحده القادر على إجبار الأمم المتحدة والدول المتدخلة على احترام إرادة الشعب الليبي، والكفّ عن العبث بمصيره، والتوقف عند حدود دورهم كمسهلين لا مقرّرين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي يجتمع مع سفير دولة قطر
  • محافظ مصرف ليبيا المركزي يعقد لقاءً موسعاً مع شركات ومكاتب الصرافة لتعزيز تنظيم سوق النقد الأجنبي
  • تيتيه في روما.. دعم إيطالي مستمر لخطة الأمم المتحدة بشأن ليبيا
  • المركزي الليبي يعلن جاهزية منصة حجز العملة الأجنبية
  • هل فشلت الأمم المتحدة في ليبيا؟
  • المركزي يعلن نتائج المرحلة التجريبية لمنصة حجز العملة الأجنبية
  • حاكم المصرف المركزي: إعفاء مشتري العقارات من الإيداع البنكي خطوة لتسهيل الإجراءات
  • «المركزي» يفرض غرامة بقيمة 10.7 مليون درهم على شركة صرافة
  • “المصرف المركزي” يفرض غرامة مالية على شركة صرافة بقيمة 10.7 مليون درهم
  • «المركزي» يلغي رخصة شركة جومتي للصرافة