عربي21:
2025-05-08@18:41:50 GMT

10 سنوات على مذبحة رابعة.. شهادة مستحقة

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

في الأيام الأخيرة قبيل فض اعتصام رابعة (الذي تحل ذكراه العاشرة غدا 14 آب/ أغسطس) كنت وآخرون نوقن أن الفض قادم لا محالة، رغم أني كنت أراه صعبا مع هذه الحشود الضخمة التي اكتظ بها الميدان، والشوارع المجاورة له، وبين البنايات المختلفة، كنت أعتقد أن الفض سينجم عنه قتلى بعشرات الآلاف وهو ما لا طاقة للسلطة به مهما بلغت قسوتها، لكن تقديراتي حول السلطة ورشدها كانت غير صحيحة، فقد حدث الفض أخيرا برا وجوا، وحصدت نيران القوات الأمنية أرواح مئات المعتصمين السلميين الذين أوهمتهم السلطات بوجود ممرات آمنة كانت بمثابة أفخاخ جديدة للقتل.



كنا في حركة "صحفيون ضد الانقلاب" قد عقدنا اجتماعا قبيل أيام قليلة من الفض، وتشاورنا ماذا سنفعل عندما تقع الواقعة؟ وكان الرأي أننا سنتوافد كصحفيين إلى الميدان لنشكل حاجزا بشريا بين قوات الفض والمعتصمين لمنع إراقة الدماء، وبمجرد أن بدأت عملية الفض صباح الأربعاء 14 آب/ أغسطس اتجهنا إلى مقر نقابة الصحفيين حسب الخطة المتفق عليها، وقفنا نهتف على سلالم النقابة ضد عملية الفض، ثم اتجهنا إلى مقر الاعتصام في دروب وطرق صعبة، حيث الأجواء المحتقنة نتيجة عمليات التسميم الإعلامي التي جرت ضد الاعتصام والمعتصمين. وصلنا إلى المكان بصعوبة بعد أن تفرقت بنا السبل، فلم نستطع أن نكون كتلة كبيرة مؤثرة في المشهد، كانت عمليات الكر والفر في كل مكان، وملاحقات الشرطة والجيش أيضا.

وصلت مع بعض الزملاء إلى مدخل ميدان رابعة من ناحية نادي السكة الحديد، وهناك تواترت الأخبار عن بدء سقوط بعض الصحفيين شهداء، وفي مقدمتهم أحمد عبد الجواد، الصحفي بجريدة الأخبار وزميلنا في حركة صحفيون ضد الانقلاب، وبعده حبيبة عبد العزيز ومصعب الشامي، وميك دين؛ المصور بشبكة سكاي نيوز العالمية.

كانت عملية الفض تتم على الهواء مباشرة، ذلك أنه رغم محاولات كثيرة للنظام للتعتيم على الاعتصام، وقطع بث القنوات الفضائية عنه، إلا أن وجود سيارة البث التلفزيوني (التابعة للتلفزيون الرسمي) والتي منع المعتصمون خروجها ثم استخدموها في توفير البث لعشرات القنوات غير المصرية؛ ساهم في إفساد خطة التعتيم الإعلامي على الاعتصام، وشاهد العالم كله مظاهر الفض الدموي، وبكاء الأطفال والنساء، وسقوط الضحايا الذين عج بهم المستشفى الميداني ( مركز رابعة الطبي)، ثم انتشار عمليات القتل من قلب الميدان حتى أطرافه وسط محاولات مستميتة من المعتصمين للعودة إلى الميدان لإنقاذ المحاصرين، ونقل الشهداء والمصابين، وتحولت بعض المساجد والمقار الأخرى إلى مستشفيات ميدانية جديدة.

لم نكن نتصور أن مصريين يمكن أن يفعلوا ذلك بأشقائهم مهما بلغت درجة الخصومة بينهم، كان شعور الكثيرين أنهم لو كانوا في معركة مع عدو خارجي لربما كان أرحم بهم، فقواعد الحروب تمنع قتل المسالمين، والأطفال والنساء، لكن الذين فضوا اعتصام رابعة تجردوا من أي مبادئ سماوية أو أرضية، وتعاملوا مع مصريين مثلهم كوحوش مفترسة انقضت على فريستها دون رحمة
بينما كانت الحشود التي كنت ضمنها من ناحية مستشفى السكة الحديد باتجاه منصة الجندي المجهول تحاول الوصول إلى قلب الميدان للمساهمة في جهود الإنقاذ، تمت محاصرتنا بأرتال من سيارات ومدرعات الشرطة والجيش، في تلك اللحظة لُذت مع آخرين بالمسجد الموجود في المكان، والذي كان قد تحول إلى مستشفى ميداني اكتظ بالضحايا.. خلال عملية الملاحقة الأمنية والاشتباك بالأيدي بين رجال الأمن والمتظاهرين أصيب جنديان، وحملهما المتظاهرون إلى داخل المستشفى الميداني للعلاج، ولكن القوة العسكرية التابعين لها ظنت أنهما تم اختطافهما، ففتحت نيرانها مباشرة باتجاه المعتصمين داخل المسجد وكنت من بينهم، أغلقنا الأبواب والنوافذ وتترس المعتصمون خلفها، لكن الرصاص لم يتوقف قادما من بعض النوافذ.

طلب منا المسئولون عن المستشفى الميداني الانبطاح أرضا باعتبارنا مصابين، لعل ذلك يخفف النيران ضدنا، مرت رصاصة من فوق ظهري بسنيتمرات قليلة، واستقرت في جسد طبيب بجواري كان يعالج أحد المصابين فأردته شهيدا، ولو أنني رفعت ظهري قليلا في تلك اللحظة فربما كانت الرصاصة من نصيبي أنا.. إذن لقد نجاني الله منها، وكتب لي الحياة، لكن هذا المشهد لم أستطع محوه من ذاكرتي طيلة السنوات العشر الماضية، وإلى جانبه مشاهد مرعبة أخرى كنت شاهدا عليها.

لم نكن نتصور أن مصريين يمكن أن يفعلوا ذلك بأشقائهم مهما بلغت درجة الخصومة بينهم، كان شعور الكثيرين أنهم لو كانوا في معركة مع عدو خارجي لربما كان أرحم بهم، فقواعد الحروب تمنع قتل المسالمين، والأطفال والنساء، لكن الذين فضوا اعتصام رابعة تجردوا من أي مبادئ سماوية أو أرضية، وتعاملوا مع مصريين مثلهم كوحوش مفترسة انقضت على فريستها دون رحمة.

ودعك من حكاية أن الشرطة اضطرت للرد على مصادر نيران من داخل الاعتصام، فقوات الفض حين تحركت لتنفيذ مهمتها لم تكن تنتظر أي استفزاز، بل بادرت بإطلاق النيران الكثيف إلى جانب قنابل الغاز بمجرد وصولها إلى المكان.

لم تكتف تلك الوحوش المفترسة بجريمتها بقل المئات في ساعات، لكنها سممت عقول الكثيرين أيضا، فلاحقوا المعتصمين الناجين من المذبحة أثناء خروجهم، وأثناء عودتهم إلى أماكنهم التي أتوا منها، مجموعات من البلطجية التي كانت بدورها ضحية للتسميم الإعلامي تقذفنا بالحجارة، أو تتسابق في البذاءة، وحتى الكثيرون من سائقي سيارات الأجرة كانوا يمتنعون عن نقل البعض حين يشاهدون عليه أثار دماء، أو يظنون أنه عائد من الاعتصام، مجموعات من "المواطنين الشرفاء!!" تقيم نقاط تفتيش في بعض الشوارع والطرق لتعطيل حركة السيارات، وإنزال من تعتقد أنه قادم من الاعتصام.

لم أستطع في ذاك اليوم وعقب انتهاء عملية الفض مساء أن أعود إلى منزلي في مدينة السادس من أكتوبر بسبب تلك الحواجز الأمنية المتتالية، واضطررت للمبيت لدى أحد الأصدقاء في مكان آخر ومعي آخرون.. لحظات لا يمكن أن تنمحي من الذاكرة أبدا مهما طال الزمن، ولا تزال كوابيسها تطاردنا في نومنا، لم تكن أبدا اقل مما حدث في مذابح عالمية شهيرة أخرى مثل مذبحة سربرنتسا في البوسنة أو مذبحة الميدان السماوي في الصين، أو غيرهما.

لقد كنت شاهدا على سلمية الاعتصام، وأتذكر أننا في حركة "صحفيون ضد الانقلاب" التي كانت لها خيمة بارزة في الميدان أطلقنا مبادرة لزملائنا الإعلاميين طالبناهم بالقدوم إلى الميدان لتفقده وكتابة مشاهداتهم، مع استعدادنا لتوفير الحماية اللازمة لهم (لم يكن الأمر يستدعي ذلك لكن أردنا أن نطمئنهم إلى أمنهم الشخصي)، وكذا مع استعدادنا لمرافقتهم إن أرادوا خلال تنقلهم بين أرجاء الميدان لتصوير المعتصمين وتصوير ما يتوهمونه من سلاح ومنصات إطلاق مدافع كما زعم إعلام النظام الجديد، وفي حين تجاهلت الأغلبية هذه المبادرة عمدا لأنها ستفسد عملية التضليل المكلفين بها، إلا أن البعض استجاب لهذه المبادرة فعلا، وتجولوا بين المعتصمين، وشهدوا بسلمية الاعتصام لكنهم لم يستطيعوا نقل مشاهداتهم إلى صحفهم، حيث رفض رؤساؤهم نشر تلك الشهادات التي تخالف التعليمات العليا.

رغم ما يحمله كل من شارك في الاعتصام أو كل من دافع عن الشرعية من آلام ومرارات، إلا أنه ليس من الحكمة أن نظل عالقين في ذلك اليوم، بل الواجب أن نبحث عن مسارات جديدة لإنقاذ الوطن، ووقف نزيف المزيد من الدماء، واستعادة لحمة المجتمع، واستعادة المسار الديمقراطي
لا تزال أذرع النظام تردد أكذوبة الاعتصام المسلح، والحقيقة التي لا تقبل الشك أن القوات التي فضت الاعتصام وبذلت كل جهودها للبحث عن تلك الأسلحة لم تجد بغيتها، وخرج وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم في مؤتمره الصحفي عقب الفض ليذكر أنه تم ضبط 15 قطعة سلاح تقليدي (بنادق وفرد)، وهو عدد لا يكفي لوصف الاعتصام بالمسلح، لقد كانت طائرات الاستطلاع دائمة التحليق فوق الاعتصام، وكان بإمكانها تصوير منصات إطلاق المدافع التي تحدثوا عنها، لكنها لم تجد شيئا لتصوره، وحتى إذا ادعت الأبواق الإعلامية أنه تم تهريب السلاح قبل الفض بيوم أو يومين، فأين كان رجال الأمن الذين ينتشرون بالقرب من مخارج الاعتصام؟! وهل كان من الممكن نقل مدافع أو سلاح ثقيل في ظل ذلك الحصار الخانق؟!

مضت عشر سنوات الآن على تلك المذبحة التي وصفتها "هيومان رايتس ووتش" في تقريها المعنون "حسب الخطة" بأنها الأبشع في تاريخ مصر، وأنها جريمة إنسانية لا تسقط بالتقادم، كما حددت في ذلك التقرير المسئولين الرئيسيين عن الجريمة، ومن عاونهم من كبار القيادات الذين ظلوا في مأمن من المحاسبة طيلة السنوات الماضية.

ورغم ما يحمله كل من شارك في الاعتصام أو كل من دافع عن الشرعية من آلام ومرارات، إلا أنه ليس من الحكمة أن نظل عالقين في ذلك اليوم، بل الواجب أن نبحث عن مسارات جديدة لإنقاذ الوطن، ووقف نزيف المزيد من الدماء، واستعادة لحمة المجتمع، واستعادة المسار الديمقراطي، وساعتها سيمكن تطبيق عدالة انتقالية تعطي كل ذي حق حقه، وتفتح للوطن صفحة جديدة.

twitter.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه رابعة المصرية مصر رابعة الإنقلاب ذكرى مجزرة مقالات مقالات مقالات أفكار سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلا أن

إقرأ أيضاً:

رصد هاتف OnePlus Nord CE 5 في شهادة BIS تمهيدًا للإطلاق القريب

رصد هاتف OnePlus Nord CE 5 في قاعدة بيانات هيئة المعايير الهندية (BIS) تحت رقم الطراز CPH2613، مما يشير إلى اقتراب إطلاقه في السوق الهندية.

المواصفات المتوقعة

وفقًا للتسريبات، من المتوقع أن يأتي الهاتف  OnePlus Nord CE 5 بشاشة OLED مسطحة بحجم 6.7 بوصة بدقة Full HD+ ومعدل تحديث 120 هرتز، أما المعالج فهو من نوع MediaTek Dimensity 8350.

وبالنسبة لكاميرة الهاتف الخلفية في مزدوجة وبدقة 50 ميجابكسل (مستشعر LYT600 أو IMX882) وعدسة واسعة بدقة 8 ميجابكسل (IMX355)، أما الكاميرا الأمامية في بدقة  16 ميجابكسل.

فيما يتميز الهاتف  OnePlus Nord CE 5 ببطارية بقدرة  7100 مللي أمبير مع دعم الشحن السريع بقدرة 80 وات، أما ذاكرة تخزين الهاتف فتصل لنحو 8 جيجابايت ورام و256 جيجابايت تخزين داخلي، وبالنسبة لنظام تشغيل الهاتف؛ فهو يعمل بنظام Android 15.

بإمكانيات خارقة ستدهشك.. تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 5أيهما أفضل للشراء .. هاتف OnePlus 13T أو Xiaomi 15 Proون بلس 13 تي – OnePlus 13T فلاجشيب بأداء خارق وشحن سريع مذهلأيهما أفضل للشراء .. هاتف OnePlus 13R أم Pixel 9aبتصميم جديد.. أهم مواصفات هاتف OnePlus 13T قبل إطلاقههاتف OnePlus 13T .. تصميم متوازن رغم بطارية ضخمة وكفاءة عاليةالتصميم

تشير الصور المسربة إلى تصميم مشابه لهاتف iPhone 16، مع وحدة كاميرا خلفية مزدوجة موضوعة عموديًا داخل وحدة بيضاوية الشكل. 

ويُلاحظ غياب مفتاح التنبيه التقليدي في هذا الطراز، مع وجود أزرار الطاقة ومستوى الصوت على الجانب الأيمن من الجهاز. 

السعر المتوقع

من المتوقع أن يُطرح الهاتف بسعر يقارب 25,000 روبية هندية، مما يجعله منافسًا مباشرًا لأجهزة مثل Nothing Phone (3a) وiQOO Z10 5G وGalaxy M56 5G وMotorola EDGE 60 Fusion. 

الإطلاق المتوقع

مع حصول الهاتف على شهادة BIS، يُتوقع أن يتم إطلاقه في الهند خلال شهر يونيو المقبل. 

يُذكر أن هاتف OnePlus Nord CE 5 قد حصل أيضًا على شهادة هيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات العربية المتحدة (TDRA) تحت رقم الطراز CPH2719، مما يشير إلى إطلاقه في أسواق أخرى قريبًا.

طباعة شارك OnePlus OnePlus Nord CE 5 Nord CE 5

مقالات مشابهة

  • شهادات الادخار في بنكي مصر والأهلي تتصدر اهتمام العملاء
  • القوى الناعمة في الميدان الرياضي.. الأهلي نموذجاً
  • الرئيس الشرع: فرنسا كانت صديقة للشعب السوري ووقفت بجانبه طيلة سنوات الثورة
  • جولة رابعة من المباحثات النووية بين طهران وواشنطن قد تنطلق في مسقط الأحد
  • وزير في حكومة زيمبابوي ينتقد النظام الصحي ويدعو الرئيس للنزول إلى الميدان
  • أمريكا تُعيد فتح باب الدبلوماسية.. جولة نووية رابعة مع إيران هذا الأسبوع
  • ويتكوف: أمريكا تريد عقد جولة رابعة من المفاوضات مع إيران الأسبوع الجاري
  • أكسيوس: جولة رابعة للمحادثات الأميركية الإيرانية هذا الأسبوع
  • واشنطن تسعى لجولة رابعة من المحادثات النووية مع إيران هذا الأسبوع
  • رصد هاتف OnePlus Nord CE 5 في شهادة BIS تمهيدًا للإطلاق القريب