هل تنجح إثيوبيا في تفعيل اتفاقية عنتيبي رغما عن مصر والسودان؟
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
تتفجر أزمة جديدة بين دول حوض نهر النيل الأحد عشر، مع تفعيل 6 دول منها تتزعمهم إثيوبيا اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل "عنتيبي" والتي ترفضها دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ويعتبرها خبراء مصريون بأنها "مؤامرة".
موقع "مبادرة حوض النيل" أعلن أنه بحلول منتصف ليل القاهرة 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري تم تفعيل اتفاقية "عنتيبي"، والتي وقعتها إثيوبيا، وتنزانيا، ورواندا، وأوغندا، وبوروندي، وجنوب السودان (آخر الدول الموقعة 14 آب/ أغسطس الماضي)، وترفض مصر، والسودان، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، وأريتريا، التوقيع عليها.
وعنتيبي اتفاقية تهدف إلى إعادة تعيين حصص دول الحوض من مياه النيل (الأطول في العالم بنحو 6650 كم)، خصما من حصتي مصر والسودان، ولذا تعتبرانها تهديدا لحقوقهما التاريخية في مياه النيل، ومخالفة لاتفاقيات تاريخية، وتضر بحياة أكثر من 150 مليون مصري وسوداني، وبشكل خاص في مصر التي تعاني ندر الأمطار والمياه وتعتمد على النيل كمورد أساسي للزراعة والشرب والصناعة.
"ردود فعل إثيوبيا ومصر"
وعلى الفور، وصف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، دخول "عنتيبي" حيز التنفيذ بأنه يوم تاريخي، فيما أعلن وزير المياه الإثيوبي هبتامو إتافا، أن الأمر يتبعه إنشاء "مفوضية حوض نهر النيل" التي ستتولى إدارة موارد النهر.
وخلال 60 يوما من دخول "عنتيبي" حيز التنفيذ من المقرر تدشين "مفوضية دول حوض النيل"، بهدف تنظيم وإدارة السياسات الخاصة بإدارة المياه بين الدول الأعضاء، والتي من المقرر أن تلقى اعترافا من جهات دولية، ما يمنح أعمالها وقراراتها أبعادا سياسية وقانونية، بحسب الرؤية الإثيوبية.
وهو الأمر الذي يقلق مصر على موردها الدائم من مياه النيل الأبيض، إلى جانب مخاوفها من تأثر حصتها من النيل الأزرق، مع بناء إثيوبيا سدا على الرافد الهام، منذ العام 2011، وأكملت أعمال البناء وتواصل خطط الملء دون توافق مع مصر والسودان اللتين تطالبان بتوقع اتفاق ثلاثي قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي، في ظل رفض أديس أبابا.
وعلى الجانب الآخر، دعت مصر الأحد الماضي، على لسان وزير الموارد المائية والري هاني سويلم، دول حوض النيل الموقعة على "عنتيبي" بمراجعة موقفها والعودة للنقاش حول التعاون بما لا يحقق ضررا لأى من دول النهر، مشيرا إلى أن "موقف مصر عادل ويتسق مع اتفاقيات الأنهار الدولية المعمول بها دوليا".
وأكد أن "مصر ترفض الإجراءات الأحادية ولا تعترف بالاتفاقيات الموقعة بشكل أحادي"، مبينا أن "الواقع الآن في حوض النيل غير جيد وتم تقسيمه 3 مجموعات غير متفقين، وهم دول أعالى النيل، وشرق النيل، ودولتي المصب".
وأعلنت "الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل" بين مصر والسودان 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، رفضها اتفاق عنتيبي، مؤكدة أن المسودة غير مستوفية للتوافق لوثيقة "الاتفاق الإطاري" (CFA) ولا تتسق مع قواعد القانون الدولي.
وأشارت لضرورة إرساء "مبادئ التشاور والإخطار المسبق بشأن المشروعات المستندة إلى دراسات علمية وافية للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمشروعات التي تنفذ من خلالها"، معلنة أن اتفاقية "عنتيبي" غير ملزمة لدولتي المصب، مطالبة الدول الموقعة للعودة إلى "مبادرة حوض النيل".
من جانبه، انتقد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خلال "أسبوع القاهرة للمياه السابع" الأحد الماضي: "المشروعات العملاقة التي تستغل الأنهار الدولية بشكل غير مدروس، دون مراعاة لأهمية الحفاظ على سلامة واستدامة الموارد المائية تبعا لمبادئ القانون الدولي"، في إشارة إلى السد الإثيوبي.
ووجه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، رسالة تحذير لدول العالم من موجة نزوح لأكثر من 100 مليون مصري بعد فقدان مورد المياه الرئيسي وخسارة 15 بالمئة من الرقعة الزراعية، حال استمرت إثيوبيا في التشغيل الأحادي غير التعاوني للسد الإثيوبي.
لماذا ترفضها مصر والسودان؟
تلك الاتفاقية تثير مخاوف القاهرة، والخرطوم، على المصدر الدائم لمياه النيل من حوض "النيل الأبيض" القادمة من هضاب "البحيرات الاستوائية العظمى" من وسط إفريقيا الاستوائية (نحو 3700 كيلو متر)، وعلى حصتيهما التاريخية من إجمالي مياه النيل والبالغة (55.5) و(18.5) مليار متر مكعب مياه على التوالي، وفقا لاتفاقيات أعوام 1892، 1929، 1959.
وتتزايد مخاوف المصريين، مع تصدر إثيوبيا مشهد "عنتيبي"، خاصة مع استمرار تأزم ملف سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا منذ العام 2011، على النيل الأزرق المورد الموسمي والأكبر لمياه النيل الواصلة دولتي المصب.
الاتفاقية التي جرى الإعلان عنها عام 1999، بموافقة مصر تحت مسمى "مبادرة حوض النيل"، انسحبت منها القاهرة لاحقا، لدور إثيوبيا في حشد دول الحوض للتوقيع منفردة في عنتيبي، تحت مسمى "مشروع الاتفاق الإطاري".
وكانت إثيوبيا، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وكينيا أولى الدول الموقعة عام 2010، ثم بوروندي، لتواصل إثيوبيا خطواتها عام 2013، بمصادقة حكومة أديس أبابا على الاتفاقية فيما تلتها رواندا، ثم تنزانيا عام 2015، وأوغندا في 2019، وبوروندي عام 2023.
"هنا أصل المشكلة"
وفي رؤيته، للموقف المصري من اتفاقية عنتيبي، وما بيد القاهرة من أوراق لوقف تنفيذ الاتفاقية وتقليل حدة التوتر مع دول حوض النيل، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبد الله الأشعل: "للأسف مصر فقدت قيمتها التاريخية والدولية وتأثيرها على دول حوض النيل".
وفي حديثه لـ"عربي21"، توقع أستاذ القانون الدولي، أنه "حتى لو دعت القاهرة دول حوض النيل لمؤتمر إقليمي لححلة المواقف المتعسرة في ملف المياه فإنها لن تتفاعل مع مصر، وقد لا تحضر، وبالتالي فإن أصل المشكلة هو انهيار مكانة ودور الدولة المصرية وتراجع صورتها الدولية وفي الإقليم".
ويرى أنه "ربما الحكومة أحسنت الظن بإثيوبيا؛ ولكن الموضوع ليس في يد الخبراء، وفي وقت تنهار سمعة وصورة الدولة كل يوم مع كل تصرف حكومي، ومهما كانت النوايا طيبة لكن مصر تحتاج إلى بعث على المستوى الدولي، والدفع في قضاياها بجدية".
ولفت إلى "ضرورة عمل مذكرة يقال فيها إن إثيوبيا تنتهك القانون الدولي للمياه"، مؤكدا أن "الحكومة المصرية تبدو رقيقة جدا وهينة في التعامل مع هذا الملف وتعتقد أن هذه سياسة، لكنها أبدا ليست كذلك بل حسرة وخسارة".
وألمح إلى أن "من يتولوا الملف ربما يكونوا لا يفهمونه كما يجب"، منتقدا "تولي عسكريين سابقين أغلب الملفات"، ومؤكدا أن "هذا الموقف انعكس على العلاقات الخارجية المصرية بالضعف، وللأسف لم يعد لمصر وزن على مستوى الإقليم والعلاقات الدولية".
"انشغالات 2011 وثغرة 2015"
وفي تعليقه، قال السياسي المصري، محمد عوض: "لا شك أنه حديث الساعة لدى المصريين الذين تتعلق أنظارهم باتفاقية (عنتيبي)، وهو ما يفرض على القادة الرسميين للدولة المصرية الخروج للشعب برسائل واضحة حول حقيقة الخطر الذي تواجهه البلاد، وخطة الدولة لمواجهة هذا الخطر".
رئيس حزب "الخضر" المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "دعني أقول إن رجل الشارع ربما لا يعلم ما نصوص هذه الاتفاقية، ولكن طريقة فرضها على مصر في ذاته، أعطى انطباعا عاما بأنها تحمل الشر لمصر".
وأوضح أن "هذه الاتفاقية بخلفية الإعلان عنها عام 2010، وما صاحب ذلك من توتر علاقات مصر مع دول حوض النيل، أيضا، لا يمكن إغفال أحداث مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011".
وألمح إلى "انشغال مؤسسات الدولة المعنية بقضية النيل، في ذلك الوقت بمحاولة دفع الأمور إلى الاستقرار الداخلي"، مؤكدا أن "ذاك الوضع الداخلي كان محل ابتزاز إثيوبي، وكان فرصة أولى لفرض الأمر الواقع".
عوض، استدرك قائلا: "ولكن حتى مع انتهاء هذه المرحلة، وحتى عام 2015، لا يجادل أحد في أنه كان يمكن للإدارة المصرية السيطرة على هذه القضية، إلا أننا فوجئنا جميعا بتوقيع ما يسمى بـ(الاتفاقية الإطارية) للسد الإثيوبي في الخرطوم 15 آذار/ مارس من ذلك العام".
ومضى يوضح أن "تلك هي الثغرة التي لا يمكن لأحد الجدل بشأن ما أحدثته من إضعاف لموقف الجانب المصري بشدة؛ وربما هذا الوضع هو ما جعل المصريين يتناسون أو نسوا ما حدث في شرم الشيخ 2010، من إعلان إفريقي صريح بما يسمى باتفاقية عنتيبي".
وأضاف: "وإيجاز للأمر، فإن جميع أطراف الاتفاقية يدركون جميعا أن الأسس التي تمت عليها صياغة هذه الاتفاقية، تمثل حالة عدوان على دولتي المصب السودان ومصر، ومن ثم فالمتوقع لهم جميعا ارتفاع حدة التوترات في هذا الحوض".
ولفت إلى أن "ذلك التصعيد يأتي في وقت تتزايد فيه احتمالات خطر الحرب في شرق إفريقيا (القرن الإفريقي)، نتيجة لكثير من التغيرات في السياسة الدولية"، متسائلا: "هل تغامر بلدان حوض النيل بالعمل بإتفاق لم يحظ برضاء كافة بلدان الحوض، وعلى الأخص دول المصب؟"، مجيبا بقوله: "أشك كثيرا".
السياسي المصري، أكد أن "مثل هذه الاتفاقية إن جرى العمل بها، فعاجلا أو آجلا، وسواء في وجود النظام الحالي أو وجود نظام آخر، فإنها سوف يتم إلغاؤها كليا".
ومضى يوضح: "نعلم أن الشمال الإفريقي مستهدف من باقي دول القارة لأسباب عديدة، رغم أن الشمال هو الحدود التي تؤمن إفريقيا، وتلك هي الرسالة المصرية التي يجب على الجميع استيعابها".
وختم بالقول: "كلمة العلم الأخيرة تقول إن السدود على مجرى النهر باتت تشكل خطرا بيئيا كبيرا على البحار، وأتوقع لبلدان المصب أن تلجأ لقواعد القانون الدولي في شأن التلوث العابر للحدود".
"الحرب قادمة.. وهذا مسرحها"
وفي اعتقاده، قال الباحث السوداني وائل نصر الدين، إن "اتفاقية عنتيبي يمكن النظر إليها بشكل ما كاتفاقية لتقاسم مياه النيل، وتضم الدول الواقعة على النيل الأبيض والذي يمثل أقل من 14 بالمئة من مياه نهر النيل".
نصرالدين، أوضح في حديثه لـ"عربي2"، أنه "لذلك مصر بداية لم يساورها الشك من اتفاقية عنتيبي، ولكن الذي أقلقها كان انضمام إثيوبيا لها، خاصة وأنه ينبع منها النيل الأزرق الرافد الأهم لمياه النيل".
وأكد أن "إثيوبيا استغلت اتفاقية عنتيبي لحشد دول النيل الأبيض لتضع الاتفاقية كل دول منبع نهر النيل ضد دولتي المصب مصر والسودان".
ولفت إلى أن "آخر إنجازات اتفاقية عنتيبي كان توقيع دولة جنوب السودان منتصف العام الجاري، والتي أعتقد أنها خطوة كان من المفترض ألا تتم؛ لأن ملف مياه النيل من الملفات التي تحسم العلاقة ما بين السودان وجنوب السودان".
"كما أن هناك مجموعة من الملفات بين إثيوبيا وجنوب السودان لم يتم حسمها، وبينها ملف يتم حوار حولها كمسألة الحدود، ومياه النيل، وبالتالي جنوب السودان وقعت على عنتيبي إرضاء لبعض الأصوات داخل جنوب السودان".
وأكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني إن "إثيوبيا تحاول استغلال الأمر كل فترة من أجل حشد بعض الدول الإفريقية ضد مصر، وفي المقابل القاهرة تدعم الصومال وإريتريا والجيش السوداني، وإثيوبيا على الجانب الآخر تحاول حشد دول حوض النيل ضد مصر".
وأضاف: "وتحاول أديس أبابا أيضا، تصوير الصراع على أنه بين مصر التي تريد الاستمرار في الاتفاقيات الاستعمارية وبين إثيوبيا التي تطمح للتنمية، وأعتقد أن إثيوبيا هي من دفعت بالحدث الذي تم، وقد يكون رد فعل على الاجتماع المصري الإرتري الصومالي الذي تم 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في أسمرة، بحضور السيسي".
"مسرح الحرب"
ويعتقد نصر الدين أن "الحرب قادمة لا محالة بين مصر وإثيوبيا؛ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين سيكون مسرح الحرب؟"، موضحا أن "إثيوبيا لديها طموحات كثيرة؛ منها الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر، وهذا طموح مدعوم من أمريكا وفرنسا التي دربت القوات البحرية الإثيوبية".
وبين أنه "كذلك لدى إثيوبيا طموح الهيمنة على مياه نهر النيل والسيطرة على القرار السياسي المصري؛ وهذا أمر تدعمه إسرائيل وأمريكا التي أوصلت لإثيوبيا تمويل سد النهضة عبر البنك الدولي".
ويرى نصر الدين، أن "المسرح المحتمل للحرب بين مصر وإثيوبيا هو الصومال؛ لأن إثيوبيا تعمل على تشجيع تقسيم الصومال".
وختم بالقول: "هذه 3 مسارح عمليات محتملة للصراع الإثيوبي المصري؛ ولكن أعتقد أن إثيوبيا ليست وحدها؛ وهناك أطراف تدعمها منها واشنطن وتل أبيب، ومن جانب آخر بعض الأطراف العربية المرتبطة بالمشروع الإسرائيلي الأمريكي لدعم إثيوبيا".
"مؤامرة عنتيبي"
وفي مقال له بموقع "المصري اليوم" المحلي، أشار أستاذ المياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة الدكتور نادر نورالدين، إلى أن إثيوبيا تستغل اتفاقية عنتيبي للضغط على مصر في ملف السد الإثيوبي، منتقدا تصريح وزير إثيوبي يقول إنه "على مصر الانضمام إلى اتفاقية عنتيبى أولا إذا أرادت توقيع اتفاق قانوني ملزم معنا".
ولفت إلى أنه من نصوص "عنتيبي غير العادلة النص على أن يكون التصويت لإنشاء السدود وحصص المياه ونقل المياه بالأغلبية بدلا من التوافق فى السابق، وطبعا دول المنابع تشكل الأغلبية كست دول لمنابع النيل الأبيض ومعها إثيوبيا وجنوب السودان مقابل مصر والسودان فقط كدولتي مصب".
وختم مقاله بالقول: "هذه مؤامرة عنتيبي ضد مصر".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مصر حوض النيل السودان مصر السودان أثيوبيا حوض النيل سد النهضة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتفاقیة عنتیبی القانون الدولی وجنوب السودان هذه الاتفاقیة دول حوض النیل مصر والسودان النیل الأبیض لمیاه النیل أدیس أبابا أن إثیوبیا میاه النیل نهر النیل ولفت إلى بین مصر إلى أن
إقرأ أيضاً:
السودان يتحسّب لتطورات عسكرية في حدوده مع إثيوبيا
الخرطوم- كشفت مصادر رسمية سودانية للجزيرة نت، أن السودان يتحسّب لفتح جبهة عسكرية جديدة في شرقه بعدما سمحت إثيوبيا المجاورة بفتح معسكر لتدريب قوات الدعم السريع ومرتزقة أجانب تابعين لها لمهاجمة إقليم النيل الأزرق المتاخم لحدودها.
وأوضحت المصادر الحكومية -التي طلبت عدم كشف هويتها- أن السلطات الإثيوبية لديها تنسيق عسكري مع قوات الدعم السريع عبر قوى إقليمية تساندها، حيث تم الاتفاق على خطوط إمداد وبناء معسكرات تدريب وتجهيز مهابط طائرات.
وحسب المصادر ذاتها فقد بدأت حركة إمداد ووصول مركبات قتالية ومنظومات مدفعية وأجهزة تشويش عبر مدينة أصوصا عاصمة إقليم بني شنقول قمز في الشمال الغربي من إثيوبيا المتاخم لإقليم النيل الأزرق في السودان، ويوجد به سد النهضة.
تدريب وإمداد
كما كشفت المصادر الحكومية أن هناك تنسيقا استخباريا للجيش الإثيوبي مع الدعم السريع والجيش الشعبي، وهو الذراع العسكرية للحركة الشعبية-شمال في إقليم النيل الأزرق بقيادة جوزيف توكا التابع للحركة بزعامة عبد العزير الحلو، حيث تنتشر قوات توكا في جيوب بالإقليم وتنشط في الشريط الحدودي بولاية أعالي النيل في دولة جنوب السودان.
وأوردت منصات قريبة من السلطات السودانية تفاصيل أخرى عن التطورات الجديدة المرتبطة بالحرب في البلاد، وذكرت أن معسكر التدريب الإثيوبي المخصص للدعم السريع يستوعب أكثر من 10 آلاف مقاتل، في منطقتي منقي والأحمر بمحلية أوندلو، ويشرف عليه الجنرال الإثيوبي غيتاتشو غودينا بتنسيق مع ضباط أجانب تقف دولهم خلف القوات.
وتشمل العناصر الأجنبية المتدربة مرتزقة من دولة جنوب السودان، وآخرين من دول بأميركا اللاتينية أبرزهم مقاتلون كولومبيون، إضافة إلى عناصر من الدعم السريع، كانوا قد فرُّوا من جبهات القتال في السودان وتم تجميعهم وترحيلهم من دارفور.
إعلانوأفادت تلك التقارير، أن الإمدادات اللوجيستية للمعسكر، تصل عبر مينائي بربرة الصومالي ومومباسا الكيني قبل نقلها إلى داخل إثيوبيا.
وأضافت أن جوزيف تكا الذي يتخذ من منطقة يابوس السودانية الحدودية معسكرا رئيسيا لقواته تسلّم أخيرا طائرات مسيرة استخدمت خلال الأيام الماضية واستهدفت مدينتي الدمازين عاصمة إقليم النيل الأزرق والكرمك القريبة من الحدود الإثيوبية انطلاقا من مناطق يابوس ومكلف وبليلة.
وكشفت أن الأسلحة والمعدات القتالية والإمداد اللوجيستي يعبر عن طريق حاضرة إقليم بني شنقول إلى قرى أبورامو وشرقولي وأهوفندو ثم قشن التي تبعد نحو 30 كيلومترا من مدينة يابوس السودانية، لتُسلّم إلى الدعم السريع وقوات الحركة الشعبية التي لها عدة معسكرات في تلك المنطقة، كما يُنقل إمداد الطائرات المُسيّرة جوا.
ويعتقد الاستاذ الجامعي المهتم بالشأن الأفريقي، إسماعيل الأمين، أن التطورات الأخيرة بإقامة معسكر لتدريب مقاتلين من الدعم السريع بالأراضي الإثيوبية، يكشف عن تحول خطر في نمط التدخلات الإقليمية في الأزمة السودانية.
وإذا لم يُواجه بتحرك سوداني وإقليمي ودولي فاعل -يضيف الأمين للجزيرة نت- فإن الحرب ستدخل مرحلة جديدة أكثر دموية، وتهدد الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي، حيث إن السودان وإثيوبيا أكبر دول الإقليم بجانب موقعهما الجيوسياسي.
ويرى أنه في ظل الضغوط الاقتصادية والتوتر في بعض أقاليم إثيوبيا يبقى من غير المرجح أن تمتلك أديس أبابا المقدرة المالية لخوض حرب كبيرة جديدة، وسيكون انخراطها عسكريا في الأزمة السودانية مصدرا محتملا لمزيد من عدم الاستقرار داخل إثيوبيا، إذ تمتلك الخرطوم أوراق ضغط يمكن أن تؤذي جارتها أمنيا للتداخل الحدودي وانتشار جماعات مسلحة معارضة لها قرب الحدود.
"شد الأطراف"من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي يوسف عبد المنّان، إن ما يحدث في حدود السودان الشرقية هو سياسة "شد الأطراف"، حيث يمر الإمداد العسكري واللوجيستي للدعم السريع عبر الحدود مع شرق ليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان وأخيرا إثيوبيا.
ويشبّه عبد المنّان في تصريح للجزيرة نت، التطورات الجديدة بما جرى في منتصف التسعينات، حين سعت واشنطن لإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير عبر عملية "الأمطار الغزيرة"، حيث شاركت أوغندا وإثيوبيا وإريتريا في دعم قوات الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وشنّت هجوما متزامنا على حدود السودان الجنوبية والشرقية انطلاقا من الدول الثلاث لتغيير نظام الحكم أو حمله لتوقيع اتفاق سلام مع المتمردين.
ومنذ الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب في السودان، اتسم موقف إثيوبيا بتقارب بقيادة الدعم السريع وقوى سياسية متحالفة معها، واستضافت مسؤولين من القوات والقوى المعارضة خلال قمة زعماء دول المنظمة الحكومية للتنمية "إيغاد" في يوليو/تموز 2023 التي انسحب منها الوفد السوداني احتجاجا على ذلك.
وقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، آنذاك، غضب الخرطوم، حين ادّعى أن السودان يعاني من فراغ في القيادة، وطالب بنشر قوات أفريقية وبفرض منطقة حظر طيران في البلاد.
إعلانوزار آبي أحمد بورتسودان في يوليو/تموز 2024 وأجرى مباحثات مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، لإذابة الجليد بينهما، والتوسط لاحتواء التوتر بين الخرطوم وأبوظبي، كما زار مدير المخابرات الإثيوبي رضوان حسين بورتسودان في يوليو/تموز الماضي في مهمة لم تُعلن نتائجها.