أشرف غريب يكتب: ماذا تعني عودة ترامب؟
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
أخيراً انتهى السباق نحو البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، فاز الجمهورى دونالد ترامب على الديمقراطية كامالا هاريس في منافسة بدت هادئة في البداية قبل أن تصيبها حمى النهايات كما جرت العادة في كل الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة، حسمها ترامب بفارق مريح حتى يقضى على أية محاولات للطعن في نتائج الانتخابات مثلما حدث في مناسبات سابقة، ليس هذا فقط وإنما أتى معه بأغلبية تاريخية للجمهوريين في غرفتي الكونجرس النواب والشيوخ وعلى مستوى حكام الولايات أيضاً، وقد جاءت نتائج الانتخابات لتكشف عن مجموعة من الحقاق والمفارقات يمكن أن نخرج بها من تلك القراءة السريعة في هذه النتائج:
أولاً: جاء فوز ترامب ليصفع كل تكهنات المنجمين الذين أكدوا فوز هاريس، ومن بينهم أسماء كبيرة في عالم التنجيم مثل ليلى عبداللطيف وغيرها، ولم يكن المنجمون وحدهم الذين خابت توقعاتهم، فقد جاءت النتائج في بلد التقدم التكنولوجى والدقة العلمية على خلاف معظم استطلاعات الرأى التى ذهبت إلى فوز هاريس أو على الأقل إلى احتدام المنافسة بين المرشحين الجمهورى والديمقراطى ليقول الصندوق الانتخابى كلمته ويحسم المقترع الأمريكى المعركة لصالح الرجل العجوز.
ثانياً: بدا من خلال وصول ترامب من جديد إلى البيت الأبيض أن الناخب الأمريكى لا يزال غير مهيأ لأن تحكمه امرأة حتى لو كان بديلها رجل على مشارف الثمانين تم الطعن على حكمه مرتين، وتعرَّض للاغتيال مرتين، وأحيل للمحاكمة، وهاجمه معارضوه كثيراً حتى من داخل المعسكر الجمهورى، فإذا بالناخب الأمريكى يفضله مرتين على امرأتين: الأولى على هيلارى كلينتون في انتخابات 2016 وفي الثانية على نائبة الرئيس بايدن كامالا هاريس في الانتخابات الأخيرة 2024.
ثالثاً: ليس هذا فقط، بل إن وصوله من جديد إلى البيت الأبيض يعنى -من بين ما يعنى- أن الأمريكيين برهنوا على استعدادهم للعفو أو التغافل عن أية أخطاء يمكن أن يكون الرجل قد وقع فيها أثناء فترة رئاسته السابقة، أو ربما عبَّرت الأرقام المبهرة التى أفرزتها نتيجة الانتخابات عن اعتذار عملى وصريح من جانب الناخب الأمريكى لترامب بعد أن أسقطه في انتخابات 2020 لصالح جو بايدن وحزبه الديمقراطى، فقد مثلت عودته للبيت الأبيض مرة أخرى السابقة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، والأولى منذ عام 1892 حينما فعلها الرئيس الثانى والعشرون «جروفر كليفلاند» وعاد ثانية إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات من هزيمته أمام الرئيس الثالث والعشرين بنجامين هاريسون.
رابعاً: لم يهزم ترامب هاريس وحدها في تلك الانتخابات، وإنما أسقط معها الديمقراطيين في غرفتى الكونجرس وحكام الولايات، بل إن كثيراً من الولايات التى كان ولاؤها التقليدى لصالح الديمقراطيين أدارت ظهرها لهم هذه المرة، وكأن تلك الانتخابات كانت استفتاء على فشل إدارة الرئيس الديمقراطى جو بايدن ونائبته خلال أربع سنوات أمضياها في قيادة قطب العالم الأوحد، وقادا الولايات المتحدة إلى ما اعتبره الأمريكيون تراجعاً في مستوى معيشتهم وتذبذباً في إدارة الملفات الخارجية.
خامساً: تؤكد سطوة الجمهوريين على غرفتي الكونجرس الشيوخ والنواب إطلاق يد الرئيس الأمريكى الجديد/ القديم في سن القوانين التي يريدها وتمريرها دون أية عقبات، وهو ما يعنى حرية أوسع في إدارة السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، ومسئولية أكبر أمام الشعب الأمريكى إذا كان ترامب يطمح من الآن إلى كتابة التاريخ والبقاء في البيت الأبيض لفترة رئاسية ثالثة تمتد حتى يناير 2033.
سادساً: هل تعنى تلك النتيجة أن الأمريكيين اختاروا الرجل الذى وعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا وفي غزة وتقليص أثر حلف شمال الأطلنطى على السياسة الدولية من خلال خفض المساهمة المالية للولايات المتحدة في ميزانية الحلف والتى تصل حالياً إلى ما يقرب من ستين بالمائة بينما تتوزع بقية ميزانية الحلف على الدول الأعضاء الأخرى مجتمعة؟
فقد سادت خلال الحملة الانتخابية لترامب نغمة تبرهن على نزعة الرجل للتهدئة والسلم العالمى باعتباره لم يبادر في فترة رئاسته الأولى بالدخول في أى حرب أو على الأقل إشعالها والانغماس فيها، على عكس هاريس التى شاركت بايدن المسئولية خلال السنوات الأربع التى قضاها داخل البيت الأبيض.
سابعاً: لكن الأمريكيين اختاروا بالتأكيد رجلاً محافظاً لا يريد منح مزيد من الحريات للمثليين أو يشجع على الإجهاض، اختاروا رجلاً يزمع فرض مزيد من القيود على الهجرة إلى الولايات المتحدة والتعامل بصرامة وربما بعنف مع المهاجرين غير الشرعيين، وربما هذه الميول المحافظة هى التى دفعت الأمريكيين العرب إلى التصويت لترامب لاعتبارات أخلاقية وظناً منهم أنه سوف يُنهى الحرب في غزة ويكف يد إسرائيل عن الإبادة الجماعية التى ترتكبها في حق الشعب الفلسطينى.
لكن هؤلاء الأمريكيين ذوى الأصول العربية نسوا -على ما يبدو- أن ترامب هذا في فترة رئاسته السابقة هو الذى نقل عاصمة بلاده إلى القدس، وهو الذى اعترف بشرعية احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان، وهو الذى غضَّ الطرف عن التوسع الاستيطانى الإسرائيلى في الضفة الغربية، وهو الذى أوعز باستخدام بلاده لحق الفيتو للتصويت على العديد من قرارات الإدانة لإسرائيل في مجلس الأمن الدولى، فهل يجهل عرب أمريكا الحقيقة الدامغة بأن السياسة الأمريكية الحاضنة لإسرائيل ثابتة مهما تغيرت أسماء ساكنى الببت الأبيض هناك أم أنهم يتعلقون مثلنا بالأمل الكاذب؟
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الانتخابات الأمريكية البيت الأبيض مجلس الأمن الدولى البیت الأبیض
إقرأ أيضاً:
مؤمن الجندي يكتب: أشرف محمود.. الذي علق فأنطق الهوية
في بعض الوجوه تسكن أوطان، وفي بعض الأصوات تنام ذاكرة شعب بأكمله.. هناك وجوه لا تُنسى، لا لأنها لامست الشاشات، بل لأنها لامست القلوب دون استئذان.. أشرف محمود… ليس مجرد اسم لمعلق رياضي، بل حكاية مصرية تمشي على قدمين، رجل حين يتحدث، تسمع في صوته رائحة الشاي على مصطبة الجد في آخر النهار، تسمع أنين أبو الهول وصبر الفلاح، ودفء السلام عليكم من جارٍ لا يغلق بابه.
مؤمن الجندي يكتب: مهما صفق الواقفون مؤمن الجندي يكتب: عندما ينطق الوجه مؤمن الجندي يكتب: أزرار السوشيالجية مؤمن الجندي يكتب: بين العرق والذهب وصمت الكادحينهو لا يعلّق على المباراة فحسب، بل يُمسك بالميكروفون كمن يُمسك بفرشاة ألوان، يرسم بها مشهدًا حيًّا تنقلك من الملعب إلى الحارة، من الهدف إلى الضحكة المصرية الخجولة، ومن تمريرة سحرية إلى حكمة قالها الأب زمان: "اللي ملوش كبير يشتري له كبير".
تراه فلا تتساءل عن معدنه، هو معدن "ابن البلد" النقي، صادق كالنيل، بسيط كالرغيف، نظيف كضحكة طفل في عز المولد.
أشرف محمود لم يجمّل نفسه، لم يصطنع شخصية، بل اختار أن يكون هو... فقط هو، وفي زمن يتصارع فيه الناس على الأضواء، كان هو الضوء ذاته، ضوءٌ يُشبه عيون أمك حين تدعو لك، ويُشبه نبرة أبيك حين يقول لك: "راجل يا ابني".
هو لا يركض خلف "الترند"، بل يمشي على خطى الكبار، لا يلهث خلف اللقطة، بل يصنعها بهدوء، كالفلاح حين يحرث الأرض.. يعلم أن الخير سيأتي.
أشرف محمود ليس ظاهرة صوتية، بل ظاهرة هوية وطنية.. هو مصر حين تتحدث بعقلها وقلبها ولسانها السمح، أثناء التعليق على المباريات.
في هذا الرجل تتجلى الهوية المصرية بكل ما فيها: بشهامتها، بكرامتها، بخفة ظلها، بجدعنتها، بحكمتها، بلغتها العربية، وبإيمانها العميق أن الأصل هو الأصل.. مهما تبدّلت الأزمان.
قبل النهاية، نحن في زمن امتلأت فيه الشاشات بالتصنع، والمنصات بالتصيد، لكن خرج هذا الصوت المصري الدافئ في بطولة مونديال الأندية، من الميكروفون لا يشبه إلا نفسه.. لا يستعير لهجة، ولا يبالغ في تعبير، ولا يتكلّف حماسة رغم خروجه عن شعوره.. لكنه فجأة! أصبح "تريند"، ولم يكن ذلك لأنه يملك خطة تسويق، أو فريق سوشيال ميديا محترف، أو يسعى خلف "اللايك والشير"، بل لأنه فقط قرر أن يكون كما هو: مصريًا جدًا.. بصوته، بكلماته، بنُكاته، بحماسه، وبهدوئه حين يجب أن يهدأ.
أشرف محمود لم يعلّق على المباريات فحسب، بل منحها طعمًا ولونًا ورائحة.. جعل المتابع يشعر أن المباراة تُلعب في ساحة بيتنا، وأن الهدف ليس مجرد كرة في الشباك، بل حكاية تُروى على القهوة، وضحكة تنطلق من القلب، وعصبية ابن بلد يعرف قيمة اللحظة.
لقد أصبح تريند.. لا لأنه أراد، بل لأن الناس اشتاقت لما يُشبهها.. وأشرف يشبهنا جدًا.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا