موقع النيلين:
2025-05-06@09:59:58 GMT

أبا والشيوعيون: حين وقف حمار نميري في الجاسر

تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT

أبا والشيوعيون: حين وقف حمار نميري في الجاسر
عبد الله علي إبراهيم
تقديم عبد الخالق السر
(دار المصورات 2024)
قال الزعيم الإسلامي أحمد عبد الرحمن عن دورهم في معارضتهم المسلحة في أبا: “الله يبرئنا من دماء الأنصار ويغفر ليهم”.
لا أعرف حادثة مثل ضربة أبا حتّت تاريخها عن بكرة أبيه كالشجرة في الصقيع لتستبقي منه شيطاناً رجيماً واحداً هو الشيوعيون في حالنا.

ومصير الواقعة، متى خلعت التاريخ عنها، أن تصبح لوثة. وصار هذا حالها: لوثة سامة عند الإسلاميين بصورة استثنائية.
فنجا من سعر اللوثة رئيس النظام المخلوع جعفر نميري وأركان حربه من كان بوسعهم وحدهم الأمر بالحرب واقتحام الجزيرة براً وجواً وبحراً. ومع ذلك أسبل عليهم الأنصار أنفسهم عفو الدنيا بعد ست سنوات من الواقعة. فغفروا لنميري ما تقدم من ذنبه فيهم في مصالحة 1977م. فتذرّع السيد الصادق المهدي لعقدها مع نظام مايو في رسالة للأنصار في 1979م مايو بانقشاع “الفئة التي تؤذي”، أي الشيوعيين. ومما يُستغرَب له انعقاد تلك المصالحة بعد ثمان سنوات طوالٍ من تخلُّص النظام من تلك الفئة المؤذية في 1971م. ومن ضمن ما تذرَّع به السيد الصادق لعقد تلك المصالحة وعد النظام بتأسيس” قانون السودان على الشريعة الإسلامية الغراء”، والاعتراف بمساهمة الإمام الهادي القتيل في خدمة الدين والوطن.
وما أعرف من نشط في تذنيب الشيوعيين بدم أبا مثل كُتّاب الحركة الإسلامية على أيامنا هذه يتوسَّلون بردمنا إلى مأرب معارض سفليٍّ للثورة. فحتى الأنصار غفروا في حين كفر الجيران. وتستغرب لمن لم يهدأ له مكر، قاصراً دور “الشرير” في أبا على الشيوعيين، في حين أكرمت دولتهم المبادة “سفاح” أبا المشير الركن جعفر نميري بجنازة دولة، حتى بعد أن خلعه الشعب لجرائمه بحقه بما في ذلك مقتلة أبا. بل ورسَّمت الإنقاذ أبو القاسم محمد إبراهيم، جنرال عموم حملة أبا، مشيراً ركناً من منازله تهفو إليه مجالسُها النيابية الباطلة بعد خمول.
بل لا أعرف وجهاً لكثيرين من الصفوة وسائر الشعب لا يفتأ يُحمِّلنا ضربة أبا وحدنا دون غيرنا، بينما يلهج بكرامات نميري الذي حكم فعدل فنام، ومات في بيت العائلة في ود نوباوي. يا للورع! ولا يتورع نفر من المستقلين، أو من يزعمون الاستقلالية كنوع من الورع السياسي، بمختلف المسميات، يتنادون إلى كورس إدانتنا متى تهيأ لهم. وهم الأصل في مايو. وكانوا الطاقم الذي تشبَّث بها حتى أخذتهم ثورة إبريل 1985م أخذاً وبيلاً. بل قال زين العابدين محمد أحمد، رئيس هيئة الأركان بالإنابة، الذي بعث، بأمر من نميري، أول دفعة طائرات مساء 27 مارس 1970م لضرب أبا كما سيرد، إن أول من طرح فتح أبا بالقوة في اجتماع مشترك لمجلس الثورة والوزراء كان موسى المبارك الحسن الذي بدأ السياسة مستقلاً، ثم وطنياً اتحادياً، ثم وزيراً في مايو حتى انتقل مُعجَلاً إلى رحمة الله.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

البحر الأحمر: شريان التجارة الذي يغذي العالم ويختنق أمام أعيننا

حين تنظر إلى خريطة العالم، قد يبدُو البحر الأحمر كخطٍّ رفيع بين قارتَي آسيا وإفريقيا. ولكن في حقيقة الأمر، هو شريان نابض، لا يقل أهميَّة عن قلب العالم التجاريِّ، يحمل في تياراته أكثر من 13% من تجارة الأرض، وينقل عبر مياهه الطاقة والغذاء والدواء من قارات الإنتاج إلى قارات الاستهلاك. إنَّه الرابط بين الشرق والغرب، بين الحقول والمصانع والأسواق، بين الطموح الاقتصاديِّ والاحتياج الإنسانيِّ، ومع كل اضطرابٍ في مياهه، يختنق العالم شيئًا فشيئًا.

منذ أواخر عام 2023، ومع تصاعد الهجمات التي استهدفت السفن التجاريَّة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، بدأت علامات الاختناق تتَّضح.

شركات الشحن الكُبْرى مثل ميرسك وإيفر جرين أعادت مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح، مضيفةً أكثر من أسبوعين إلى زمن العبور، ومتسببة في زيادة تكاليف النقل بنسبة تفوق 40%.. وفي المقابل، قفزت أقساط التأمين على الشحنات البحريَّة بنسبة تزيد عن 300%، وفق تقارير أبريل 2025.ما بدأ كاضطراب موضعيٍّ، تحول إلى أزمة عالميَّة، حيث لا تُقاس الخسائر فقط بالدولارات، بل بتباطؤ دوران عجلة التجارة، وارتفاع أسعار السلع الأساسيَّة التي تصل إلى المستهلكين.

ووسط هذا المشهد المتعثِّر، لم تكن التدفقات التجاريَّة وحدها مَن تعاني.. الاقتصادات الوطنيَّة شعرت بالضغط سريعًا.. مصر فقدت 40% من إيرادات قناة السويس، خلال عام واحد.. الأردن شهد تراجعًا بنسبة 20% في وارداته من الحبوب.. وباكستان، التي كانت تعوِّل على تفعيل دور ميناء جوادر كمركز لوجستيٍّ إقليميٍّ، وجدت نفسها محاصرةً بتباطؤ حركة الملاحة البحريَّة.. أمَّا الهند، التي يمرُّ أكثر من 80% من صادراتها إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، فقد واجهت اضطرابًا متصاعدًا في سلاسل الإمداد، انعكس على صناعاتها الحيويَّة مثل الأدوية والمنسوجات.

وما زاد الصورة تعقيدًا أنَّ الأزمة لم تبقَ محصورة في مياه البحر الأحمر.. فبالتوازي، اندلعت حرب تجاريَّة شرسة بين الولايات المتحدة والصين.. فرضت واشنطن تعريفات جمركيَّة بنسبة 145% على العديد من السلع الصينيَّة، وردَّت بكين بتعريفات انتقاميَّة بنسبة 125%.. هذه الحرب التجاريَّة دفعت الدول والشركات إلى إعادة توجيه التدفقات التجاريَّة؛ ممَّا ضاعف الضغط على الممرَّات البحريَّة المتاحة، وزاد الحاجة إلى مسارات بديلة.الصين لم تتوقف عند حدود البحر الأحمر.. رأت في الأزمة فرصةً لتسريع خططها الإستراتيجيَّة لبناء بدائل لوجستيَّة بعيدة عن الممرات المُضطربة.. استثمرت بقوَّة في تطوير السكك الحديديَّة العابرة لآسيا الوسطى، مثل خط الصِّين – كازاخستان – أوروبا، لتعزيز الربط البريِّ، وتقليل اعتمادها على الممرات البحريَّة.. كما عزَّزت وجودها في موانئ شرق إفريقيا، مثل بورتسودان وجيبوتي، لتأمين نقاط ارتكاز إضافيَّة على طرق التجارة العالميَّة.. لكن رغم هذه الجهود، لا تزال الصين تواجه تحدِّيًا صلبًا: أكثر من 95% من صادراتها ما تزال تمرُّ عبر البحار، والبحر الأحمر يبقى مسارًا لا يمكن تجاهله.

التعريفات الجمركيَّة لم تضرب الصين وحدها.. دول الخليج والأردن والبحرين، التي تعتمد على صادرات الألمنيوم، الكيماويات، والصناعات التحويليَّة، وجدت نفسها فجأةً أمام ارتفاع في تكاليف الشحن، وانخفاض في الطلب العالميِّ، وتحدِّيات متزايدة لإعادة تخطيط سلاسل الإمداد.

الألمنيوم البحريني، على سبيل المثال، واجه ارتفاعًا في تكلفة النقل بنسبة 25%، بسبب اضطرار الشحنات لسلوك مسارات أطول وأكثر تكلفة؛ ممَّا انعكس على الأسعار النهائيَّة، وزاد الضغط على الأسواق.

هذه الحلقة المفرغة بين اضطرابات الملاحة البحريَّة والحروب التجاريَّة، أدَّت إلى نتيجة حتميَّة: ارتفاع أسعار السلع الأساسيَّة على مستوى العالم.. ليس فقط بفعل تكلفة النقل والتأمين الإضافيَّة، بل أيضًا بسبب تحوُّلات تدفقات التجارة، وزيادة الرسوم الجمركيَّة.. ففي نهاية كل سلسلة إمداد، هناك مستهلك يدفع الثمن مضاعفًا؛ من ارتفاع تكلفة الغذاء، إلى زيادة أسعار المنتجات الإلكترونيَّة، إلى بطء وصول الأدوية والمواد الخام.إنَّ المفارقة المؤلمة، أنَّ البحر الأحمر، الذي كان -لقرونٍ- طريقًا للتقارب بين الشعوب والتجارة، أصبح اليوم عقدةَ اختناق في قلب النظام التجاريِّ العالميِّ.. وإذا كانت الحرب التجاريَّة بين الولايات المتحدة والصين، قد أشعلت فتيل التوتر، فإنَّ هشاشة البنية اللوجستيَّة العالميَّة سرَّعت الانفجار.

رغم الصورة القاتمة، لا تزال الفرصة قائمة.. إعادة هندسة سلاسل الإمداد بما يراعي تعدُّد المسارات، تنويع الموانئ، وتبنِّي تقنيات ذكيَّة مثل البلوكتشين، وأنظمة التتبع اللوجستيِّ المتقدِّم، قد يوفِّر جزءًا من الحل.. إضافة إلى ذلك، لابُدَّ من إنشاء تحالفات لوجستيَّة إقليميَّة حقيقيَّة، تقوم على المصالح المشتركة، لا على التنافس الأحاديِّ.

البحر الأحمر اليوم يختنق أمام أعيننا، لكنَّه ما زال يملك القدرة أنْ يعود شريانًا يغذِّي العالم إذا أدركنا حجم التحدِّي مبكِّرًا.. كما أنَّ الدَّم لا يتدفَّق بلا قلب نابض، فإنَّ التجارة لا تزدهر بلا ممرَّات آمنة.. وفي اللحظة التي نظنُّ فيها أنَّ الانهيار بعيد، يكون قد بدأ بالفعل من تحت أقدامنا.

فالبحر الأحمر شريانُ التجارة الذي يغذِّي العالم، يختنق أمام أعينِنَا.

د. عبدالقادر حنبظاظة – جريدة المدينة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الطفل حسن عياد الذي أنشد لصمود غزة واستشهد كما غنى
  • مفوض حقوق الإنسان: الرعب الذي يتكشف في السودان لا حدود له
  • صالح سليم.. "المايسترو" الذي عزف ألحان المجد بين الملاعب والسينما
  • البحر الأحمر: شريان التجارة الذي يغذي العالم ويختنق أمام أعيننا
  • من الرفاهية إلى السجون.. قصة أبو صباح الذي فضح غسيل الأموال في الإمارات
  • " ناصر" الذي لَمْ يَمُتْ
  • ما الذي سيختلف بالنسبة للسودان في ظل إدارة ترامب؟
  • مايكل فاراداي.. الرجل الذي عرف العلم بالله!
  • هل تعرف الأمم شكل الاستعمار الجديد الذي يمارسه الغرب؟
  • ترامب ينشر صورة له أثارت زوبعة: "الرجل الذي خرق الوصايا الـعشر يريد أن يصبح بابا!"