الجفاف وارتفاع الحرارة يهددان إنتاج الزيوت العطرية في أرياف تونس
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
عين دراهم،تونس"أ ف ب": تشهد تونس موجة جفاف للسنة السادسة على التوالي، وبسبب نقص الموارد المائية المتأتية أساسا من الأمطار تراجعت نسبة امتلاء الـ36 سدّا المتمركزة غالبيتها في محافظات الشمال الغربي إلى 20%، وهي نسبة لم تشهدها البلاد منذ عقود.
وتنتج تونس نحو 10 آلاف طن من الزيوت العطرية والطبية سنويًا، تمثل نبتة الإكليل الجبلي وحدها أكثر من 40% من صادرات البلاد إلى الأسواق الفرنسية والأميركية.
فضلا عن ذلك، وخلال السنوات الأخيرة، واصلت معدلات الحرارة ارتفاعها خلال الصيف وتجاوزت الخمسين درجة مئوية في بعض المناطق، وكنتيجة لذلك، تكلّف التغيرات المناخية الاقتصاد التونسي 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق إحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتمثل النساء في سنّ العمل نصف السكان في تونس البالغ عددهم حوالى 12 مليون نسمة، إلا أن 27.9% فقط منهن ناشطات اقتصاديا، كما أن نسبة البطالة بينهن 21.3% وغالبا ما يشغلن وظائف هشة، ما يجعلهن أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية والمناخية، وفق تقارير أممية، وحوالى 70% من القوة العاملة في قطاع الزراعة من النساء، ويواجهن التداعيات المباشرة للتغير المناخي، لا سيما "في ظل هشاشة أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق تمكينهن من الوصول إلى فرص اقتصادية بديلة"، بحسب الأمم المتحدة.
اذ يستفيد المجمع النسائي الريفي من تدريب تقدمه منظمات دولية مثل "منظمة الأغذية والزراعة" للأمم المتحدة، لمساعدتهنّ على الحفاظ على الثروة الحرجية أمام تزايد تهديدات تغيرات المناخ. لكن وبالرغم من ذلك، فإن الوضع بالنسبة لمبروكة العثيمني ساء لدرجة تقول "لم أعد بإستطاعتي تجهيز طلبيات العملاء من خلال جمع الكميّات المطلوبة، وأضطر تبعا لذلك للرفض لأن النبات قلّ"، ما يؤثر مباشرة على دخل المجمع.
وتواجه النساء العاملات في جمع الأعشاب البرية شمال غربي تونس تحديات متزايدة نتيجة تغير المناخ، حيث أصبحت الأمطار شحيحة ودرجات الحرارة مرتفعة بشكل غير مسبوق، مما أثر على كميات الأعشاب البرية المستخدمة في استخلاص الزيوت الطبية والعطرية.
وعلى إحدى هضاب جبال الشمال الغربي تتابع مبروكة العثيمني، وهي مشرفة على مجمع لتقطير الزيوت، عاملاتها وهن يكافحن لجمع الأعشاب. "شتّان بين ما كان عليه الوضع وما أصبحنا نعيشه اليوم. بالكاد نحصل على نصف الدخل، وأحيانًا لا يتجاوز الثلث"، تقول العثيمني البالغة من العمر 62 عامًا.
وتسعى عشرات النساء في قرية التباينية الواقعة بمنطقة عين دراهم إلى جمع أعشاب مثل نبتة القضوم (المستكة) من الغابات الممتدة، رغم أن سلالهن لا تمتلئ كما كانت في السابق. اذ تشير العثيمني إلى أن تغير المناخ أثر بشكل واضح على إنتاج الأعشاب البرية، موضحة أن "الأمراض التي تظهر بسبب ارتفاع درجات الحرارة ساهمت في تقليل إنتاج الزيوت".
حيث تدير العثيمني منذ أكثر من عقدين مجمع "البركة" الذي يشغّل 51 امرأة، تعتمد عليه العديد من الأسر في منطقة الشمال الغربي، حيث تسجل معدلات فقر تصل إلى 25.8% مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 15.3%.
من جهتها تصطحب منجية السوداني (58 عاما) ابنتها العشرينية معها خلال عمليات التقطير داخل المجمع. وتؤكد "كنا خلال السنوات السابقة نجمع ما بين 3 و4 أكياس كبيرة من أوراق النباتات، وهذه الأيام لم نعد نحصّل كيسا واحدا والمناخ هو السبب".
وتضيف بينما تملأ خزان آلة التقطير "كنا نجمع بمعدل 4 كيلوغرامات من نبتة الضرو، وأصبحت الكمية لا تتجاوز 1.5 كيلوغرام ما يؤثر على مدخول العائلة" و"بطبيعة الحال عندما ينقص المنتوج ينقص الدخل".
وكشفت دراسة نشرها "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" في سبتمبر الفائت، أن الأضرار التي لحقت بالغابات نتيجة التغيّر المناخي تؤثر بشكل كبير على سكانها الذين يعتمدون على مواردها لكسب رزقهم، و"تعاني النساء بشكل خاص من التأثيرات حيث اصبحت الانشطة التي يمارسنها أكثر صعوبة ومشقة".
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ناسا تكشف تغير مقلق.. لماذا أصبح كوكب الأرض أكثر قتامة؟
في تطور علمي يثير القلق حول مستقبل المناخ العالمي، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" عن نتائج دراسة جديدة تكشف أن الأرض أصبحت أكثر قتامة منذ عام 2001، في تحول دقيق ظاهريا لكنه يحمل آثارا ضخمة على استقرار المناخ.
الفريق البحثي بقيادة العالم نورمان لوب أوضح أن نصف الكرة الشمالي يفقد قدرته على عكس ضوء الشمس بوتيرة أسرع بكثير من النصف الجنوبي، وهو مؤشر على تغيرات عميقة في النظام المناخي قد تقود إلى اضطرابات أشد في الطقس خلال السنوات المقبلة.
تراجع البياض أرقام صغيرة وتأثيرات خطيرةاعتمدت الدراسة على تحليل بيانات الأقمار الصناعية لمدة تجاوزت 23 عامًا، وكشفت أن انعكاسية الأرض تراجعت بمعدل 0.34 واط/م² لكل عقد ورغم أن الرقم يبدو ضئيلاً، إلا أن دلالته العلمية كبيرة المزيد من ضوء الشمس يُحتجز داخل الغلاف الجوي بدلًا من انعكاسه، ما يؤدي إلى ارتفاع تدريجي وثابت في حرارة الكوكب.
يشبه العلماء هذا التغير بـ"رفع درجة حرارة فرن بدرجة واحدة كل فترة قصيرة" لا يُلاحظ التغير فورًا، لكن تأثيره النهائي قد يكون كارثيًا.
من مرآة جليدية إلى إسفنج يمتص الحرارةتؤكد الدراسة أن القطب الشمالي يشهد التدهور الأكبر في انعكاس ضوء الشمس نتيجة ذوبان الجليد والثلوج فبعد أن كانت هذه الطبقات تعمل كمرآة ضخمة تعكس الحرارة، تم استبدالها بأسطح داكنة مثل المحيطات والأراضي المكشوفة، ما يجعلها تمتص كميات هائلة من الطاقة الشمسية.
ويتسبب ذلك في حلقة متصاعدة من التسخين والذوبان:
ذوبان الجليد يقلل الانعكاس.
انخفاض الانعكاس يزيد امتصاص الحرارة.
ارتفاع الحرارة يؤدي إلى مزيد من الذوبان.
هذه "الدوامة الحرارية" كما يصفها العلماء قد تستمر بلا توقف، حتى يصل القطب إلى نقطة يفقد فيها آخر دفاعاته الجليدية.
الهباء الجوي إنجاز صحي لكنه مكلف مناخيًامن الملاحظات الصادمة في الدراسة هو تأثير انخفاض تلوث الهواء في أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا.
فمع تطبيق سياسات صارمة لتحسين جودة الهواء، انخفضت مستويات الجسيمات العالقة المعروفة بـ"الهباء الجوي".
ورغم أن ذلك نجاح صحي كبير، إلا أن له جانبا مناحيا غير محسوب فالهباء الجوي كان يساعد، دون قصد، في تشتيت جزء من ضوء الشمس وإعادته إلى الفضاء ومع تراجع هذه الجسيمات، أصبح الغلاف الجوي أكثر شفافية وقدرة على امتصاص الحرارة.
على النقيض، شهد النصف الجنوبي زيادات مؤقتة في الهباء الجوي بفعل أحداث طبيعية كبرى مثل حرائق أستراليا الضخمة و ثوران بركان هونغا تونغا في 2022 ما رفع انعكاسية هذا النصف لفترة محدودة.
الأرض تفقد توازنها الحرارييشير الانقسام بين نصفي الكرة الأرضية إلى أن حرارة الكوكب لم تعد تتوزع بشكل طبيعي كما في السابق، الأمر الذي قد يمهد لموجات اضطراب مناخي متلاحقة.
من السيناريوهات الأكثر ترجيحا وفق العلماء:
تغيّر مفاجئ في مسارات التيارات المحيطية
مواسم عواصف أكثر شدة
تغيرات جذرية في خطوط الأمطار
زيادة رقعة الجفاف أو الفيضانات في مناطق غير معتادة
اضطرابات واسعة في دوران الغلاف الجوي
ورغم حجم المعلومات التي توصلت الدراسات إليها، يحذر العلماء من أن الصورة الكاملة للتداعيات ما تزال غير واضحة، ما يجعل المستقبل المناخي أكثر غموضًا وإثارة للقلق.