بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على بداية الثورة السورية في 2011، والتي أدت إلى اندلاع حرب مدمرة وأجبرت أكثر من 6 ملايين سوري على النزوح إلى مختلف دول العالم، لا يزال اللاجئون السوريون يعيشون بين الأمل والخوف.

اعلان

ومع بداية العام الجديد، يتطلعون إلى العودة إلى وطنهم رغم الظروف الصعبة والتحديات التي تواجههم في دول اللجوء.

تحدثت يورونيوز إلى ثلاثة لاجئين سوريين هم ميداني وعبد الرحمن وأحمد، الذين انضموا إلى الثورة منذ بداياتها، ومروا بتجارب قاسية خلال السنوات الماضية.

مقاتلو المعارضة السورية يحتفلون بعد انهيار الحكومة السورية في دمشق، سوريا، الأحد، 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.Omar Sanadiki/APقصص من السجون

كان ميداني وعبد الرحمن وأحمد طلابًا عندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا عام 2011، وشاركوا في الحراك السلمي. إلا أنهم تعرضوا للاعتقال بسبب مشاركتهم في الثورة، وعاشوا تجارب قاسية في السجون السورية.

وقال ميداني، الذي تم اعتقاله في وقت مبكر من الثورة، إنه: "بعد شهرين من الاعتقال، بدأت أفقد توازني. كانت درجة حرارتي مرتفعة جدًا وكان من الصعب التنفس بسبب الهواء الملوث في مركز الاحتجاز وكمية التعذيب."

وأضاف: "لا يستطيع أي إنسان أو حتى حيوان تحمل ما مررت به في السجن." تم الإفراج عنه بعد أشهر من الاحتجاز في سجن عسكري في منطقة كفر سوسة في دمشق، بمساعدة والده الذي عمل على إخراجه من السجن.

أشخاص يسيرون في ممر في سجن صيدنايا العسكري في سوريا، شمال دمشق، سوريا، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2024APRelatedفرنسا: الاتحاد الأوروبي قد يرفع بعض العقوبات عن سوريا قريباًتضم أجزاء من الأردن وسوريا ولبنان.. خريطة "إسرائيل التاريخية" تثير غضبا واسعا وعمان تدين بشدةبعد فترة من الإغلاق.. متحف سوريا الوطني يستأنف نشاطه في دمشقأردوغان: لا مكان للتنظيمات الإرهابية في مستقبل سوريا الجديدة

أما عبد الرحمن، الذي تم الإفراج عنه أيضًا، فقد عاش حالة من الخوف المستمر من الاعتقال أثناء تجواله في الشوارع. وأشار عبد الرحمن إلى أنه: "عندما خرجت من السجن، كنت أخشى السير في الشارع خشية أن يعتقلوني مرة أخرى." وأضاف: "كنت أعيش في سجن كبير، حيث لا يوجد حرية ولا كرامة."

فيما قرر أحمد، الذي تم إطلاق سراحه بعد ثلاثة أشهر، متابعة دراسته الجامعية في سوريا رغم نصائح من حوله بمغادرة البلاد. بينما غادر عبد الرحمن سوريا مباشرة بعد إطلاق سراحه، واستقر في تركيا.

عنصر من قوات الأمن التابعة للحكومة السورية المؤقتة الجديدة يقف بجانب زنزانات السجن في فرع فلسطين، دمشق، سوريا، في 14 ديسمبر 2024APرحلة اللجوء والهجرة

بعد الاعتقالات والمخاطر، قرر الثلاثة مغادرة سوريا. استقر عبد الرحمن في تركيا، التي أصبحت ملاذًا لآلاف اللاجئين السوريين، بينما خاض ميداني وأحمد رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط.

استغرق أحمد أكثر من أسبوع للوصول إلى أوروبا، حيث استقر في ألمانيا التي استقبلت أكثر من 850,000 لاجئ سوري. واوضح أحمد أن: "ألمانيا كانت تجربة إيجابية جدًا، حيث أكملت دراستي وتزوجت وأصبحت مدرسًا."

لاجئون ومهاجرون يصلون بزورق في قرية سكالا سيكامينياس في جزيرة ليسبوس اليونانية بعد عبورهم بحر إيجة من تركيا، يوم الجمعة 28 فبراير/شباط 2020Michael Varaklas/AP

أما ميداني، فقد استقر في السويد التي استقبلت أكثر من 100,000 لاجئ سوري، حيث بدأ حياة جديدة بعيدًا عن الحرب. أما عبد الرحمن، فقد عمل في تركيا في مجال الصحافة، ثم انضم إلى وكالة أنباء الجزيرة ليصبح محررًا.

متطوعون يساعدون مهاجرين ولاجئين على متن زورق لدى وصولهم إلى شاطئ جزيرة ليسبوس شمال شرق اليونان، بعد عبورهم بحر إيجه من تركيا، 20 مارس/آذار 2016،Petros Giannakouris/APتغيرات ميدانية في سوريا

ومع مرور الوقت، بدأت تطورات غير متوقعة تحدث في سوريا. تحدث ميداني: "لم أكن أتصور أبدًا أن بشار الأسد يمكن أن يُسقط." وأكمل: "لم تكن هناك قيادة موحدة، وكان كل قائد فصيل يريد أن يكون الرئيس. توقفت عن متابعة الأخبار لفقداني الأمل."

غروب الشمس يلقي بوهج دافئ من خلال النوافذ بينما يسير السوريون في سجن صيدنايا العسكري في ضواحي دمشق، سوريا، الأربعاء، 18 ديسمبر 2024AP

لكن، وعندما شنت جماعة هيئة تحرير الشام هجومًا على حلب، تغير الوضع بشكل مفاجئ. كما وصف ميداني شعوره: "كنت في حالة من الصدمة، ولم أكن أستطيع التركيز، حتى عندما سلّم عليّ أحدهم، لم أكن أستمع."

أما عبد الرحمن، فقد كان أقل انفعالًا، لكنه عبر عن سعادته بشكل محدود بعد الهجوم، حيثُ أشار: "لم أكن أعتقد أن السلطة ستتغير في المستقبل القريب، لكنني شعرت بالسعادة بشكل مؤقت."

أشخاص يحتفلون خلال احتفالات ليلة رأس السنة في ساحة الأمويين في دمشق، سوريا، الثلاثاء، 31 ديسمبر/كانون الأول 2024.Leo Correa/APالهدوء بعد العاصفة؟

أصبحت هيئة تحرير الشام، التي قادت الهجوم على حلب، محوراً للجدل بعد سيطرتها على عدة مناطق في سوريا. وتحدث زعيم الهيئة، أحمد الشرع، عن نية الهيئة في دعم حقوق الأقليات في سوريا، بما في ذلك المسيحيين والعلويين، بالإضافة إلى دعم حقوق المرأة. لكن ما زالت هناك انتقادات واسعة لمواقف الهيئة خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة.

وعلق أحمد بالقول إنه "متفائل قليلًا، لكنه قلق بشأن ما قد يحدث." بينما عبد الرحمن يضيف: "لم أؤيد أيديولوجية هيئة تحرير الشام، ولكنني أعتقد أن أيديولوجيتها قد تغيرت الآن."

اعلان أحمد الشرع، المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، يتحدث في المسجد الأموي في دمشق، سوريا، الأحد، 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.Omar Albam/APالتخطيط للعودة... لكن بحذر

على الرغم من المخاوف، يبقى الأمل في العودة إلى سوريا قائمًا. يتفق الثلاثة على أنهم يخططون لزيارة سوريا في المستقبل القريب، لكن العودة ليست سهلة.

وأوضح ميداني أن : "70% من سوريا مدمرة، أحياء ومناطق بأكملها تم تدميرها. لذا، إذا عاد هؤلاء الناس، أين سيعيشون؟" ويرى أحمد إلى أن الأطفال الذين غادروا سوريا ليس لديهم أي ذكريات حقيقية عنها، مما يجعل العودة صعبة بالنسبة لهم.

لكن رغم كل ذلك، يبقى التفاؤل قائمًا. ويختم ميداني حديثه: "العودة تحتاج إلى وقت طويل، ونحن الآن في بداية الطريق."

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "سوريا ستصبح تحت قيادتك دولة رائدة".. ماذا طلب نجل الحاخام اليهودي أبراهام حمرا من الشرع؟ إعفاءات أمريكية قاب قوسين أو أدنى.. سوريا نحو أغلال اقتصادية أقل وفرج لربما قريب في زيارة رسمية هي الأولى منذ سنوات.. فرنسا تعرض تقديم دعم تقني وقانوني لصياغة الدستور السوري الجديد بشار الأسدأبو محمد الجولاني الحرب في سورياتعذيبسجونهيئة تحرير الشام اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. قتلى وجرحى في غزة وتحذير من نفاد الوقود بمستشفى ناصر ورئيس بولندا يطالب بحماية نتنياهو خلال زيارته يعرض الآن Next لبنان يطوي صفحة الفراغ.. انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية يعرض الآن Next بلينكن: مساعدات عسكرية أمريكية لأوكرانيا تشمل صواريخ وذخائر دفاعية عاجلة بقيمة 500 مليون دولار يعرض الآن Next نتنياهو ومخاوف الاعتقال.. بولندا تطلب ضمانات لاستضافته في ذكرى تحرير معتقل أوشفيتز يعرض الآن Next ترحيب عالمي وعربي بعد انتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان.. ووزير خارجية إسرائيل أول المهنئين! اعلانالاكثر قراءة كاليفورنيا تشتعل: حرائق مدينة بوربانك تلتهم المنازل وتجبر السكان على الفرار إعلام بريطاني: إغلاق شوارع وسط لندن بعد حادث أمني وشرطة العاصمة تبدأ تحقيقاتها قطر تمد "أياديها البيضاء" لتحقيق وعود حكومة محمد البشير بزيادة الأجور الفراغ الرئاسي في لبنان يقترب من نهايته.. فهل يكون قائد الجيش جوزيف عون الأوفر حظا؟ "من أين أتت كل هذه الحروب؟".. ترامب ينشر فيديو مثير يهاجم نتنياهو ويتهمه بتوريط أمريكا في حروبه اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليوملبنانكوارث طبيعيةإسرائيلدونالد ترامبروسياحرائق غاباتجيشزلزالبرلمانشرطةالصين زلزالضحاياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

المصدر: euronews

كلمات دلالية: لبنان كوارث طبيعية إسرائيل دونالد ترامب روسيا حرائق غابات لبنان كوارث طبيعية إسرائيل دونالد ترامب روسيا حرائق غابات بشار الأسد أبو محمد الجولاني الحرب في سوريا تعذيب سجون هيئة تحرير الشام لبنان كوارث طبيعية إسرائيل دونالد ترامب روسيا حرائق غابات جيش زلزال برلمان شرطة الصين زلزال ضحايا دیسمبر کانون الأول یعرض الآن Next تحریر الشام عبد الرحمن فی سوریا فی دمشق أکثر من فی سجن لم أکن

إقرأ أيضاً:

الثورة السورية الكبرى 1925.. جهاد بالسيف بعد أن سكت القلم

الثورة السورية الكبرى من أكبر الانتفاضات المسلحة ضد الاستعمار في العالم العربي بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، واستمرت بين عامي 1925 و1927. ورغم انطلاقها من جبل العرب في الجنوب السوري، فإنها سرعان ما اتسعت في سوريا كلها، بقيادة نخبة من الشخصيات الوطنية، كان من أبرزهم: سلطان الأطرش وعبد الرحمن الشهبندر وإبراهيم هنانو وفوزي القاوقجي.

هدفت الثورة إلى مقاومة الانتداب الفرنسي، وتحقيق وحدة سوريا واستقلالها التام، وقد خاض الثوار في سبيل ذلك معارك كبرى، كانت في مقدمتها معركتا الكفر والمزرعة.

فتيل الثورة السورية الكبرى

اندلعت الثورة السورية الكبرى نتيجة تراكمات خلفتها سياسات الانتداب الفرنسي المجحفة بحق السوريين، والتي تضمنت إهانات علنية طالت النخب الوطنية، واعتقالات دون محاكمة، إضافة إلى استغلال موارد سوريا الطبيعية والاقتصادية لخدمة المصالح الفرنسية بعيدا عن أي تنمية محلية، فضلا عن محاربة الثقافة العربية وروادها.

وبدأت معاناة السوريين مع الانتداب منذ دخول قواته بقيادة الجنرال غورو سوريا عام 1920 استنادا إلى قرار عصبة الأمم ومخرجات مؤتمر سان ريمو.

عمد الانتداب الفرنسي بعد سيطرته على الأراضي السورية إلى تقسيمها إلى دويلات إثنية وإقليمية تمثلت بدمشق وحلب ومنطقة دير الزور، إضافة إلى جبل الدروز وجبال العلويين ولبنان الكبير، وهي المنطقة التي استثناها الفرنسيون من حدود دولتهم الاتحادية لتسهيل السيطرة على سوريا. أما الأقاليم الشمالية فسيطرت عليها تركيا بموجب معاهدة أنقرة.

في عام 1921 أبرم الكولونيل الفرنسي كاترو معاهدة مع العشائر الدرزية في جبل العرب، تقضي بتأليف وحدة إدارية مستقلة عن دمشق يرأسها حاكم درزي، مقابل اعتراف العشائر بالانتداب الفرنسي على سوريا، وعين بموجبها سليم الأطرش حاكما للجبل.

إلا أن الفرنسيين نقضوا المعاهدة بعد وفاة الأطرش عام 1924، إذ عينوا الكابتن كاربييه حاكما للجبل، ومارس سياسات قمعية تجاه أبناء الجنوب السوري، مما دفعهم إلى تنظيم مظاهرات احتجاجية ضده، وإرسال وفد إلى الحاكم العسكري الفرنسي للمطالبة بعزله وإعادة الحكم لأبناء المنطقة.

رفض الحاكم استقبال الوفد، وهدد أفراده بالنفي إن لم يتراجعوا، الأمر الذي فاقم غضب السكان، وأسهم في إشعال شرارة الثورة السورية.

تمثال سلطان باشا الأطرش في الجولان  (الجزيرة)

وتزامن ما سبق مع تمرد القائد الدرزي سلطان الأطرش على الفرنسيين إثر اعتقالهم أحد أبرز مقاومي الجنوب اللبناني، وهو أدهم الخنجر عام 1922، وكان ذلك أثناء توجهه إلى منزل سلطان حاملا رسالة له، فكان اعتقال الضيف من أمام بيت مضيفه انتهاكا صارخا لعادات أهل الجبل، التي تضمن حماية الضيف وصون أمنه.

إعلان

أثار الاعتقال غضب سلطان، فسارع رفقة أنصاره إلى قطع الطريق على القافلة الفرنسية التي كانت تنقل الخنجر، غير أن الفرنسيين تمكنوا من الفرار به إلى بيروت، ثم إعدامه عام 1923.

تصاعدت التوترات مع سلطات الانتداب على خلفية هذه الحادثة، إذ قصفت طائراته عام 1922 قرية القريا، مسقط رأس سلطان، فدمرت منزله وأسقطت عددا من الضحايا السوريين، مما دفع سلطان إلى التصعيد وقيادة حرب ضد القوات الفرنسية استمرت 9 أشهر.

حكم الفرنسيون على سلطان بالإعدام، إلا أنه لجأ إلى الأردن قبل أن يصدر الانتداب عفوا عنه، فعاد على إثر ذلك إلى موطنه السويداء جنوب سوريا في ربيع 1923.

اتحد سلطان الأطرش قائد ثوار جبل العرب في الجنوب السوري، مع زعماء سوريا في الشمال والوسط، وعلى رأسهم رئيس حزب الشعب عبد الرحمن الشهبندر، الذي عمل على توسيع رقعة الكفاح المسلح في مختلف أقاليم سوريا، والزعيم إبراهيم هنانو، الذي قاوم الفرنسيين في الشمال السوري منذ عام 1920.

قاد سلطان الأطرش قوات الثورة السورية الكبرى، بينما كلف الشهبندر بالعمل ناطقا رسميا لها ومسؤولا عن شؤونها السياسية والدبلوماسية.

وفي 21 يوليو/تموز 1925 أعلن الأطرش في بيان أصدره انطلاق الثورة السورية الكبرى، والتي استمرت حتى ربيع عام 1927 حين قمعت الحملات الفرنسية العسكرية آخر معارك الثوار في مناطق الغوطة والجنوب السوري.

تبنت الثورة الجهاد المسلح وسيلة للمقاومة، إذ دعا الأطرش السوريين إلى حمل السلاح، وقال في بيانه "هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم… فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم"، فباشر الثوار على إثر ذلك بتوزيع منشورات متوجة بعنوان "الدين لله والوطن للجميع" في أنحاء سوريا كلها، تحفيزا لهمم المواطنين من أجل المشاركة في الثورة.

وضمت الثورة قادة المدن والأرياف السورية وفلاحيها، إلى جانب مقاتلين من أصول غير سورية، مثل التونسيين والمغاربة وغيرهم.

مقاتلون من الدروز شاركوا في الثورة السورية الكبرى (الصحافة السورية)مطالب الثورة

عانى السوريون طويلا من الانتداب الفرنسي، وعبر سلطان الأطرش عن معاناتهم في بيانه الذي قال فيه "أيها العرب السوريون، لقد نهب المستعمرون أموالنا واستأثروا بمنافع بلادنا… وقسّمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية السفر حتى في بلادنا وأقاليمنا".

وجاءت الثورة استجابة لتلك المعاناة، سعيا لتحقيق مجموعة من المطالب من أبرزها:

توحيد سوريا كلها بما في ذلك ساحلها. الاعتراف بالدولة السورية العربية. إقامة حكومة شعبية تعمل وفق دستور يقوم على سيادة الأمة الذاتية المطلقة. سحب قوات الانتداب الفرنسي من سوريا. تشكيل جيش وطني. تبني مبادئ الحرية والمساواة والإخاء والثورة على المحتل. جبهات الثورة

شاركت في الثورة السورية الكبرى عدد من الجبهات، كان من أبرزها:

الجبهة الجنوبية الشرقية (جبل العرب)

انطلقت الثورة من جبل العرب، حيث مدينة السويداء والمناطق المحيطة بها، واستمرت المعارك في هذه الجبهة حتى نهاية الثورة بقيادة سلطان الأطرش، وكان من أبرز نقاط الاشتباك:

إعلان معركة الكفر

خاض سلطان الأطرش رفقة الثوار في يوليو/تموز 1925 معركة ضد حملة عسكرية فرنسية متوجهة من مدينة السويداء -التي كانت مركز قيادة العمليات العسكرية الفرنسية في المنطقة- نحو قرية الكفر جنوب شرق المدينة، بقيادة الكابتن الفرنسي نورمان.

وجاءت هذه المعركة بعد تحذير الثوار للفرنسيين من الاستمرار في حملاتهم العسكرية في الجنوب السوري، إلا أن الفرنسيين رفضوا التراجع، مما دفع الثوار إلى مهاجمة مبنى حكومة الانتداب الفرنسي في صلخد، ثم مواجهة قواته المتحركة نحو قرية الكفر في أول مواجهة مسلحة واسعة بين الطرفين.

انتهت المعركة بانتصار كبير للثوار، إذ قتلوا قائد الحملة الفرنسية ومعظم ضباطه، وفر الباقون إلى معسكراتهم في السويداء.

معركة المزرعة

في بداية أغسطس/آب 1925 حقق الثوار -الذين لم يتجاوز عددهم 500 مقاتل- انتصارا على حملة فرنسية متجهة نحو قرية المزرعة غربي السويداء، ضمت أكثر من 3 آلاف جندي بقيادة الجنرال ميشو، إلى جانب الطائرات والمدافع والعربات المصفحة.

وتمكن الثوار على إثرها من الاستيلاء على العتاد الفرنسي بعد فرار الجيش وضباطه، مما عزز من قوتهم المعنوية والعسكرية لاستكمال عملياتهم الثورية.

الجبهة الشمالية

رغم اندلاع الثورة ضد الانتداب الفرنسي في الشمال السوري منذ عام 1920 بقيادة إبراهيم هنانو، إلا أنها تفاعلت مع الثورة السورية الكبرى بعد اشتعالها عام 1925، واستمرت حتى ربيع 1926، إذ امتدت إلى مناطق إدلب وجبل الزاوية وأنطاكية وجسر الشغور.

برزت معركة تل عمار في ريف إدلب عام 1925 بكونها آخر معارك الثوار في الشمال السوري، وأسهمت بشكل كبير في استنزاف القوات الفرنسية.

عبد الرحمن الشهبندر نسق مع وجهاء المناطق السورية لنقل شرارة الثورة إلى الشرق والشمال (التاريخ السوري) الجبهة الجنوبية الغربية (درعا وحوران واللجاة)

مثلت هذه الجبهة موقعا إستراتيجيا للقوات الفرنسية، نظرا لربطها سوريا بفلسطين والأردن، مما جعل السيطرة عليه ذات أولوية قصوى.

قاد الثورة فيها عدد من القوى الوطنية المحلية بمساندة سلطان الأطرش، واستفاد الثوار من تضاريس المنطقة في عملياتهم، إذ أسهمت سهول حوران والمرتفعات البركانية بمنطقة اللجاة في إعداد الكمائن للعدو.

ومن أبرز معارك هذه الجبهة، معركة المسيفرة في سبتمبر/أيلول 1925، حين باغت الثوار ليلا معسكر الفرنسيين في بلدة المسيفرة الواقعة في ريف درعا الشرقي جنوبي سوريا.

ورغم تمكنهم من اختراق صفوف الجيش الفرنسي الذي قاده الكابتن أندريا، أجبرهم القصف الجوي الفرنسي على الانسحاب.

جبهة الوسط السوري

اتسعت الثورة السورية من جبل العرب نحو الوسط السوري في مناطق عدة، أبرزها:

جلهة غوطة دمشق

قاد المجاهد حسن الخراط ثورة الغوطة التي تمثل الأرياف المحيطة بدمشق، بدعم من قوات سلطان الأطرش، إلى جانب عدد من المقاتلين المحليين.

خصّ الثوار الريف الدمشقي بسبب قربه من العاصمة دمشق -حيث تتركز السيطرة الفرنسية بقواتها ومراكزها الإدارية والعسكرية- بهدف الضغط على الانتداب ومنعه من التوسع في محيط العاصمة.

شهدت الغوطة اشتباكات كثيرة في قرى مثل المليحة وجرمانا وجسرين وكفربطنا وجوبر وبرزة. وكانت من أبرز الوقائع معركتا الزور الأولى والثانية في المليحة والقاسمية، اللتان استهدف الثوار فيهما نقاط الحراسة الفرنسية على الطرق الحيوية المؤدية إلى دمشق، مستغلين التضاريس الزراعية الكثيفة لإقامة الكمائن والاشتباك بالنيران.

جبهة دمشق

بعد اتساع نفوذ الثوار في الغوطة تمكنوا في أكتوبر/تشرين الأول 1925 من دخول دمشق والسيطرة على عدد من أحيائها الداخلية، بدعم من كتائب المجاهد حسن الخراط، لا سيما الأحياء الجنوبية القديمة مثل الميدان والشاغور وباب سريجة.

ردا على ذلك قصفت القوات الفرنسية أحياء العاصمة بمدافعها، متخذة من قلعة دمشق موقعا إستراتيجيا لإطلاق القذائف، مما خلف آلاف الشهداء والجرحى السوريين، إلى جانب تدمير مئات المنازل والمنشآت.

إعلان

اضطر الثوار على إثر ذلك إلى الانسحاب من دمشق لاستكمال ثورتهم في باقي أنحاء سوريا، بينما عزل الانتداب مفوضه السامي ماكسيم سراييل وعين هنري دو جوفنيل مكانه نهاية العام ذاته، في محاولة لتهدئة الأوضاع في العاصمة.

جبهة حماة

أعلن فوزي القاوقجي الثورة في حماة، وخففت انتصاراته فيها من ضغط الحملات العسكرية الفرنسية على الجنوب السوري، مما قاد إلى منحه صلاحيات ثورية أكبر في الوسط السوري، مكنته من تنظيم عمليات في مناطق الغوطة أيضا.

جبهة حمص

شكلت جبهة حمص نقطة محورية لربط الثورة في الجنوب السوري بالوسط، مما هدد خطوط الإمداد الفرنسية، وشتت قوات الانتداب بين عدة محاور.

شاركت في ثورة هذه المنطقة قوات من جبل العرب بقيادة سلطان الأطرش إلى جانب مقاتلين محليين.

جبهة الحدود السورية-اللبنانية الجنوبية

امتد النشاط الثوري السوري إلى الحدود الجنوبية الغربية بين سوريا ولبنان، حيث دارت معارك في مدينتي حاصبيا وراشيا، إلى جانب وادي التيم موطن الطائفة الدرزية في جنوب لبنان.

وتشير الروايات الشعبية إلى أن الثوار حاصروا قلعة راشيا القائمة على سفوح جبل الشيخ، والتي كانت تمثل رمزا للسيطرة الفرنسية في لبنان على الحدود القريبة من تجمعات الثوار في سوريا. إذ تمكنوا من اقتحامها جزئيا قبل أن يحول نقص السلاح والمؤن دون استكمال تحريرها.

فوزي القاوقجي (وسط) أحد قادة الثورة السورية الكبرى (أرشيف الثورة الفلسطينية) جبهة الشرق السوري

شكل ثوار الشرق السوري جبهة مساندة للثوار المنتشرين في أنحاء سوريا، إذ تركزوا بشكل رئيس في مدينة دير الزور، إلى جانب الرقة والبادية السورية.

قاد المجاهد العياش بك الثورة في دير الزور، واستهدف معسكرات الفرنسيين وقطع طرقهم. ومن أبرز إنجازات ثوار الشرق السوري قتلهم عددا من الضباط الفرنسيين في منطقة عين البو جمعة، مما أدى إلى قصف طائرات الانتداب قرى السوريين، مخلفة خسائر بشرية ومادية جسيمة.

تمكن الفرنسيون لاحقا من القبض على العياش بك وإعدامه في سبتمبر/أيلول 1925، كما اغتالوا عميد عائلته واعتقلوا آخرين ممن شاركوه الثورة.

مخرجات الثورة

رغم الإنجازات غير المسبوقة للثورة السورية الكبرى حتى ربيع عام 1927، أدى التفوق العسكري للانتداب الفرنسي مقابل شح سلاح الثوار إلى تراجعهم، خاصة مع حيازة فرنسا الدعم الدولي.

ومع تكثيف الاحتلال حملاته بحق الثوار، اضطر كثير منهم للنزوح إلى الأردن وشبه الجزيرة العربية، وكان من بينهم القائد سلطان باشا، الذي أبقته عقوبة الإعدام في المنفى حتى عام 1937، حين عاد إلى سوريا مع رفاقه إثر عفو فرنسي شمله.

ولّدت الثورة بعد انتهائها نتائج أثرت على مصير الدولة لاحقا، إذ أعاد الانتداب توحيد سوريا رغم محاولاته السابقة تقسيمها إلى دويلات، إلى جانب مخرجات أخرى كان من أبرزها:

وضع الدستور السوري

بعد انتهاء الثورة السورية الكبرى، أسست نخبة من السوريين -من بينهم إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي- تنظيم الكتلة الوطنية، الذي هدف إلى المطالبة باستقلال سوريا وإنهاء الاحتلال الفرنسي.

وبعد مناورات سياسية طويلة، أجريت انتخابات نيابية في ربيع 1928 فاز فيها الوطنيون السوريون لتمثيل المجالس النيابية المحلية، ووضعوا على إثرها دستورا نص على اعتماد نظام الحكم الجمهوري في الأراضي السورية، التي أقرت حدودها اتفاقية "سايكس بيكو".

حاولت فرنسا إجراء تعديلات على الدستور وتعليق العمل به بسبب تركيزه على سيادة السوريين واستقلالهم ورفضهم الاعتراف بسلطة الانتداب، إلا أن الحراك السوري السياسي المستمر مكن من إجراء انتخابات نيابية ورئاسية عام 1936، ومهد الطريق نحو الحصول على الاستقلال التام عام 1946.

تشكيل العلم السوري

تضمنت مسودة الدستور السوري الأولى عام 1928 فكرة اعتماد علم يمثل الاستقلال السوري، وهو يتكون من 3 ألوان: الأخضر في الأعلى والأبيض في الوسط والأسود في الأسفل، مع 3 نجوم حمراء تعلو اللون الأبيض.

رفع العلم رسميا رمزا للجمهورية السورية عام 1946 عقب استقلالها عن الانتداب الفرنسي وظل حتى عام 1958، ثم عاد مجددا إلى الواجهة رمزا للثورة السورية التي انطلقت عام 2011 وانتهت عام 2024 بعد خلع بشار الأسد من الحكم.

مقالات مشابهة

  • سوريا.. السفارة الأمريكية تترجم رأي ترامب بعمل الحكومة السورية وأداء أحمد الشرع وموقف إسرائيل
  • صحيفة الثورة السورية.. رهان على الورق في زمن الرقمنة
  • الثورة السورية .. دمشق تطلق أول جريدة ورقية منذ سقوط النظام
  • الثورة السورية الكبرى 1925.. جهاد بالسيف بعد أن سكت القلم
  • روشان أحمد خالد مقدادي .. كل عام وانت الفرح
  • لاجئون صوماليون يفضلون العودة لبلدهم هربا من “الفقر والبطالة” في اليمن
  • "الثورة السورية".. صدور أول صحيفة ورقية في سوريا منذ الإطاحة بالأسد
  • عودة الإعلام الورقي إلى سوريا.. دمشق تطلق أول صحيفة بعد الإطاحة بالأسد
  • سوريا .. طباعة العدد الأول من صحيفة الثورة السورية
  • مشاهدة ماتش تونس ضد سوريا الآن.. رابط مجاني للبث المباشر