ألقى نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار خطاباً مهماً للأمة السودانية مساء ” الأحد”، معبراً فيه عن رؤية متكاملة لسودان مابعد الحرب، مستعرضاً فيه كافة الجوانب السياسية والإقتصادية والعسكرية للبلاد، ورسم خارطة طريق لكيفية تأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة بعيدة عن الكراهية، ومبنية على إدارة التنوع والاعتراف به.

النصر قاب قوسين
نائب رئيس مجلس السيادة السوداني قال في خطابه، إن مليشيا الدعم السريع تسعى لنهب ثروات السودان، مؤكدا أن السودان واجه مكائد من بعض صغار النفوس الذين انحرفوا عن مسار الثورة، مشيرا إلى أن بعض صغار النفوس رضوا بأن يخدموا أجندات خارجية لتدمير بلدهم، مؤكدا أن النصر قاب قوسين أو أدنى بعد تحرير مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، وأضاف عقار: “أقول للمتورطين في إراقة دم السودانيين ستعاملون معاملة قائدكم المتمرد حميدتي”، موضحا أن الإنتقال إلى الديمقراطية يتطلب استكمال استعادة تحرير جميع أنحاء الدولة.

الانتقال السياسي
كما أكد عقار أن الجيش السوداني لن ينحرف عن مسار الإنتقال السياسي الذي ضحى من أجله الثوار بدمائهم، لافتا إلى أن المتمردين عملوا على مخطط معد مسبقاً لتفتيت الدولة السودانية وتقسيمها، مشدداً على أن الجيش لن يسمح لأي قوة داخلية أو خارجية بالعمل على بث الفتنة والفرقة بين السودانيين، وقال إن الجيش يدرك أن السودان لا يعيش حاليا حالة مساواة ويعمل على معالجة ذلك، مضيفا “أقول لأنصار تيار الإسلام السياسي عليكم الاستفادة من تجربة حكم امتدت 30 عاما”، داعيا في الوقت نفسه إلى بدء حوار يؤسس لسودان جديد، وتابع أنه يجب البحث عن شرعية توافقية تنقل البلاد إلى شرعية دستورية، مشدداً على أن الجيش لن يقبل بأي مبادرة صلح تمس سيادة السودان، لافتا إلى أنه يجب على الأحزاب في السودان القيام بدورها وتوفيق أوضاعها.

مؤشر التوقيت
تزامن خطاب عقار مع إنتصارات الجيش ودخوله مدينة ود مدني “السبت”، مما حدا بخبراء وصفه بخطاب النصر، والذي أعلن فيه خطة الدولة لما بعد الحرب، إلى جانب إنجازات الحكومة في تحويل العملة ونجاحها في تحدى امتحانات الشهادة الثانوية، ما آثار العديد من التساؤلات حول مدى التأكد من أن الحرب انتهت أو على مشارف الإنتهاء، فإلى أي مدى يمكن أن نقرأ أن الحرب على وشك أن تضع أوزارها في السودان، وكيف يمكن القبول بالمحددات التي وضعها نائب رئيس مجلس السيادة بشأن التوافق السياسي وكيفية التأسيس لسودان مابعد الحرب؟

تحفظات على الخطاب
بعض القوى السياسية بالبلاد تحفظت على ماجاء في خطاب عقار، وأكدت أنه ليس وقت الحديث عن انجازات، وقال عدد من قيادات القوى السياسية التي فضلت عدم ذكر اسمها لـ “المحقق”: كنا نتوقع أن يركز الخطاب على الإنتصار في مدني ورفع الروح المعنوية للقوات لمزيد من تحرير المدن، واصفين الخطاب بأنه عرض حال به تعميم كبير، ملمحين إلى أن عقار ليس هو المسؤول الذي يتحدث عن رؤية الدولة، واعتبروا عقار في النهاية يمثل جهة، وأن ذلك قد يشكل حساسية مع باقي القوى الأخرى بالبلاد.

رؤية الدولة
من جانبه رأى الأمين السياسي للحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل معتز الفحل أن خطاب عقار جاء معقولاً يعبر عن رؤية الدولة السودانية. وقال الفحل لـ “المحقق” إننا في الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل نتمسك بالتحول المدني الديمقراطي، وبالمحاسبة لكل من ارتكب جريمة وساهم في تشريد وتعذيب الشعب السوداني، مضيفا أنه يجب أن تأخذ العدالة مجراها، داعيا إلى عدم الإقصاء، وقال إننا كحزب مع صوت التسامح والترفع عن الصغائر، ونرى أن كل من له انتماء وطني حقيقي من حقه أن يكون موجودا في المعادلة السياسية بالبلاد، ورأى الفحل أن الخطاب جاء في زمن مناسب، وعبر عن انجازات الحكومة في ظل الحرب وتصدي الحكومة للأزمات في هذا الزمن الصعب، وقال إن تحرير مدني هو بارقة أمل كبيرة تؤكد على مسيرة الجيش والتحام الشعب معه في معركة وطنية حقيقية، مؤكدا أن الرؤية التي طرحها عقار هي رؤية الدولة وأنه مشروع متفق عليه، وقال نتفق مع ضرورة التمسك بالتحول الديمقراطي ووحدة السودان، وحيا الفحل مالك عقار، وقال إنه لديه رصيد نضالي في السودان كرئيس للحركة الشعبية لتحرير السودان وأنه تحمل الكثير من التحديات والأعباء مع الصف الوطني.

متفق عليه
بدوره أكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مكي المغربي أن هنالك نقاط متفق عليها، وأنه لم يعد هنالك قرار فردي مطلقا. وقال المغربي لـ “المحقق” لا أعتبر أن عقار لديه رؤية والبرهان لديه رؤية وأي من قيادات الدولة لديه رؤية مختلفة، مضيفا مايحدث من اختلاف في مستوى التعبير بين الحدة والوضوح وإغلاق الأبواب، والآخرون الذين يتحدثون بلسان سياسي أكثر اعتدالا، كله يخرج من تصور واحد ومطبخ واحد، معربا عن اعتقاده أن عقار يعبر تماما عما هو متفق عليه، وقال حتى اشارات عقار النقدية لما يوصف بالإسلام السياسي هي رسائل بها مناصحة وتأكيد على عدم قدرة أي فصيل على اختطاف الشأن السوداني، مضيفا أنها رسائل مطلوبة للخارج أكثر من كونها للداخل، لأن الداخل محسوم تماما والتصور فيه واضح، معتبرا أن خطاب عقار يمثل الدولة ومتسق عما تفعله تماما.

القاهرة – المحقق- صباح موسى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: رؤیة الدولة خطاب عقار عن رؤیة إلى أن

إقرأ أيضاً:

قراءة في الحسابات الإسرائيلية بعد الضربة الأميركية لإيران

القدس المحتلة- في تطور لافت على جبهة التصعيد بين إسرائيل وإيران، بدأت تل أبيب تبدي إشارات علنية إلى رغبتها بإنهاء الحرب الدائرة، وذلك بعد الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت مواقع نووية إيرانية.

وأظهرت تصريحات مسؤولين إسرائيليين نقلتها هيئة البث الرسمية أن الحكومة مستعدة لوقف إطلاق النار "حتى غدا" إذا أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي استعداده لذلك، في رسالة بدت للكثير من المراقبين كمحاولة لفتح باب للتهدئة من دون الاعتراف المباشر بالحاجة الملحة إليها.

هذه الرسائل، التي صدرت بعد أيام من التصعيد، لم تمر من دون انتباه في أوساط المحللين العرب، الذين رأوا فيها مؤشرا على حجم الضغط الذي تتعرض له إسرائيل داخليا، خصوصا في ظل الشلل الذي أصاب الحركة في المدن الإسرائيلية للأسبوع الثاني على التوالي، والتقارير المتزايدة عن تآكل المخزون الدفاعي، خاصة فيما يتعلق بالصواريخ الاعتراضية.

وأجمع المحللون على أن هذا الخطاب الإسرائيلي الجديد لا يعكس إنجازا عسكريا حاسما، بل اعترافا غير مباشر بالثمن الباهظ الذي تدفعه إسرائيل نتيجة الرد الإيراني، لا سيما مع عدم قدرة الضربات الأميركية، التي دفع بها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- على تدمير المشروع النووي الإيراني بشكل كامل.

وعلى الرغم من "الضرر الهائل" الذي تدعي تل أبيب أنها ألحقته بالبرنامج، فإن المؤشرات الميدانية تؤكد أن إيران نجحت في إنقاذ بعض مكونات منشآتها الحساسة، مما يترك الباب مفتوحا أمام مواصلة المشروع لاحقا.

قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في مقر غرفة العلميات لمراقبة الهجمات الجوية الإسرائيلية في إيران بعد الضربة الأميركية
(الجيش الإسرائيلي) القلق الإسرائيلي

في خلفية هذا المشهد، يبرز القلق الإسرائيلي العميق من سيناريو حرب استنزاف طويلة، تستنزف القدرات العسكرية والاقتصادية وتضعف الجبهة الداخلية، كما فعلت إيران سابقا مع العراق في حرب السنوات الثمانية.

إعلان

وبالنظر إلى تلك التجربة، يخشى الإسرائيليون من تكرار مسار لا يملكون فيه القدرة على الحسم ولا التوقيت لإنهائه. من هنا، يُقرأ الانفتاح الإسرائيلي على وقف الحرب على أنه محاولة لتفادي الغرق في مستنقع إقليمي مفتوح، أكثر منه تعبيرا عن ثقة ميدانية أو تفوق إستراتيجي.

ويرى محللون وباحثون في الشأن الإسرائيلي أن إيران، على الأرجح، ستتجنب الرد المباشر على الولايات المتحدة، رغم الضربة الأخيرة التي استهدفت منشآتها النووية.

هذا الامتناع، بحسب تقديراتهم، لا ينبع من ضعف، بل من حسابات إستراتيجية دقيقة، تهدف إلى تفادي الانجرار إلى مواجهة مفتوحة مع واشنطن، قد تكون أكثر قسوة وأشد تكلفة.

في المقابل، تفضل طهران التركيز على استنزاف إسرائيل، عبر هجمات صاروخية دقيقة وعنيفة، تتسبب بأضرار جسيمة، سواء في البنية التحتية أو في الجبهة الداخلية، دون أن تفتح الباب أمام حرب إقليمية شاملة.

مسار الاستنزاف

وفي معرض تعليقه على ما إذا كانت التلميحات الإسرائيلية حول الاستعداد لوقف الحرب تعكس اعترافا ضمنيا بتأثير الهجمات الإيرانية، يقول الباحث أنطوان شلحت إن إسرائيل لن تقر بذلك علنا، بل تستمر في تسويق رواية مفادها أنها "دمرت البرنامج النووي الإيراني"، رغم معرفتها الدقيقة بأن هذا الادعاء لا يستند إلى واقع.

ويضيف شلحت للجزيرة نت أن الخطاب الإسرائيلي الرسمي يحاول الحفاظ على صورة "الإنجاز"، في وقت تدرك فيه القيادات الأمنية، بل وتقر ضمنيا، بأن أقصى ما يمكن تحقيقه عسكريا هو تأخير البرنامج النووي الإيراني، لا تدميره.

وأوضح شلحت أيضا أن هذا التباين في الخطاب بين المستوى السياسي والأمني ليس جديدا. فبينما يروج الساسة، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، لفكرة القدرة على القضاء على المشروع النووي الإيراني، تتحدث المؤسسة العسكرية والأمنية بلغة أكثر واقعية ومهنية، وتقر صراحة أن مثل هذا الهدف غير ممكن دون إسقاط النظام الإيراني نفسه.

وبناء على هذا، يرى شلحت أن نتنياهو، الذي بنى عقيدته الأمنية طوال سنوات على "الخطر الإيراني"، كان بحاجة ماسة إلى عمل عسكري يظهر من خلاله إنجازا ما، لذلك سعى إلى جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران، يخرج من خلالها بمكاسب سياسية وأمنية.

ويعتقد شلحت أن حجم الدمار الذي تسببت به الصواريخ الإيرانية داخل إسرائيل، سواء ما كشف عنه أو ما لا يزال طي الكتمان، لعب دورا محوريا في دفع صناع القرار الإسرائيليين للتفكير الجدي بوقف الحرب.

ولفت إلى أن الخسائر الجسيمة في البنى التحتية، والممتلكات، والحالة النفسية للجبهة الداخلية، شكلت ضغطا مضاعفا على القيادة السياسية، التي بدأت تدرك أن استمرار المعركة قد يفقد إسرائيل ما تبقى من إنجازاتها، ويزج بها في مسار استنزاف طويل الأمد، لا قدرة لها على تحمله.

هجوم إيراني واسع بالصواريخ على إسرائيل، ومسؤولون إسرائيليون يقولون إنهم يأملون في إنهاء المعركة مع #إيران خلال أيام
الخبر في قصة بـ #إيحاز pic.twitter.com/9EDu1Km9Am

— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 23, 2025

 غياب الإستراتيجية

في قراءة مكملة لما ذهب إليه شلحت، يرى المؤرخ الفلسطيني الدكتور جوني منصور أن التخبط الظاهر في التصريحات الإسرائيلية، سواء من قبل المسؤولين السياسيين أو العسكريين، يعكس حالة من الإرباك العميق في التعامل مع مسار الحرب المتصاعدة مع إيران.

إعلان

وأشار منصور للجزيرة نت إلى أن هذا التناقض في الخطاب الإسرائيلي لا يعكس فقط غياب إستراتيجية واضحة، بل يكشف أيضا عن قلق من تحول المواجهة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق قد تخرج عن السيطرة.

وفي تعليقه على التصريحات التي تلمح إلى استعداد إسرائيل لوقف الحرب، يرى منصور أن الهدف الحقيقي منها ليس السعي لتهدئة أو تسوية، بل محاولة التفرد بإيران في لحظة ينظر إليها في تل أبيب على أنها لحظة ضعف مؤقتة، بما يتيح فرض اتفاق استسلام عليها.

هذا الاتفاق، حسب الرؤية الإسرائيلية، يجب أن يتضمن تعهدا إيرانيا بوقف مشروعها النووي والتخلي عن ترسانتها الصاروخية الدقيقة والباليستية، وذلك بدعم من واشنطن وحلفائها الأوروبيين.

أما ما يروج له إسرائيليا بشأن "اقتراب استكمال بنك الأهداف" والاستعداد لوقف الحرب بعد تحقيق الإنجازات المطلوبة، فيصفه منصور بأنه "مجرد هرطقات سياسية"، متهما نتنياهو بالمراوغة، إذ يواصل الحرب على أكثر من جبهة من دون جدول زمني حقيقي أو حدود واضحة، معتبرا أن مستقبل المعركة مع إيران لا تحدده إسرائيل بل طهران وحدها.

ويخلص منصور إلى أن العامل الحاسم في الموقف الإسرائيلي ليس الإنجاز العسكري، بل الضغط الناتج عن الصواريخ الإيرانية التي طالت العمق الإسرائيلي. هذه الصواريخ، بحسب تقييمه، أصابت الجبهة الداخلية بالشلل، وعطّلت المرافق الاقتصادية والتجارية، وأثرت على الحياة اليومية بشكل كبير، كما كشفت محدودية قدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية على التصدي الكامل لها.

مقالات مشابهة

  • خطاب الحرب
  • حوار.. محمد الفكي: تحالف الفساد والعنف يقود السودان نحو الهاوية
  • برلمانية: احتياطات الدولة جسدت رؤية استباقية لمواجهة التحديات الدولية الراهنة
  • خبراء يكشفون للجزيرة نت دلالات وتوقيت خطاب حميدتي
  • خطاب حميدتي العرجاء لمراحها
  • قراءة في الحسابات الإسرائيلية بعد الضربة الأميركية لإيران
  • المستشار السياسي لحركة جيش تحرير السودان قيادة – مناوي: الانحياز للشعب موقف وطني راسخ لا حياد فيه ولا تراجع
  • الحرب لاتصنع السلام: مابعد رؤية صمود ومواصلة إستعادة أدوات السياسة
  • محافظ الجيزة: معرض الحرف اليدوية يعكس رؤية الدولة لدعم الصناعات وتمكين المرأة
  • قراءة في خطاب الدكتور كامل إدريس الأخير