ماذا تحمل زيارة ماكرون للبنان بعد انتخاب عون؟
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
بيروت- وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، صباح اليوم الجمعة، إلى العاصمة اللبنانية العاصمة اللبنانية في أول زيارة له منذ انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسا للجمهورية بعد فراغ لهذا المنصب استمر أكثر من عامين.
وتأتي هذه الزيارة بعد 4 سنوات من زيارته السابقة التي أعقبت كارثة انفجار مرفأ بيروت. وتهدف -بحسب مراقبين- إلى دعم لبنان في مواجهة أزماته المتفاقمة، وتعكس حرص باريس على تعزيز الشراكة مع القيادة اللبنانية الجديدة.
وتستمر الزيارة يوما واحدا، وبحسب بيان صادر عن قصر الإليزيه، سيجري ماكرون محادثات مع عون ورئيس الحكومة المكلّف نواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري، تركز على دعم سيادة لبنان وضمان وحدته وازدهاره، كما ستتناول النقاشات تسريع تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، وفتح الباب أمام إعادة الإعمار.
ومن أبرز الملفات المدرجة على جدول الأعمال، التشديد على الالتزام بوقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه في 26 نوفمبر/تشرين الثاني بين حزب الله وإسرائيل بوساطة مشتركة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن وإيمانويل ماكرون.
وتأتي الزيارة في ظل انقسام سياسي في لبنان، بعد مقاطعة كتلتي حركة أمل وحزب الله الاستشارات الحكومية. وفي هذا السياق، كثفت فرنسا اتصالاتها مع القيادات اللبنانية، بما في ذلك اتصال أجراه ماكرون برئيس مجلس النواب قبيل زيارته في محاولة لخفض التوتر وحث الأطراف كافة على المشاركة في جهود إعادة بناء الدولة.
يعتقد المحلل السياسي جورج علم أن ماكرون -بصفته رئيس دولة كبرى وعضوا دائما في مجلس الأمن الدولي– يمثل دائما شخصية بارزة في إطلاق المبادرات التي تهدف إلى مساعدة لبنان في مواجهة أزماته المتعددة.
إعلانوأشار علم -خلال حديثه مع الجزيرة نت- إلى أن ماكرون سبق أن دعا إلى عقد مؤتمرات دولية لدعم لبنان والجيش اللبناني، إلا أن بعض تلك المؤتمرات لم يُنفذ بسبب عوامل مختلفة، منها الصراعات السياسية الداخلية والأزمات المتراكمة التي أعاقت الدول المانحة عن الوفاء بتعهداتها.
ورأى أن زيارة ماكرون تلك تكتسب أهمية خاصة لعدة أسباب، من بينها:
دعم العهد الجديد. تسريع تشكيل حكومة برئاسة سلام. إضافة إلى التأكيد على تنفيذ وقف إطلاق النار بالجنوب وانسحاب إسرائيل وفق الاتفاق المبرم. إمكانية أن تمهد الزيارة لعقد مؤتمر دولي يهدف إلى إعادة إعمار الجنوب.وأوضح علم أن هذه الزيارة تعد دعما واضحا للمرحلة الجديدة التي يشهدها لبنان، حيث يُعوَّل عليها كثيرا في ظل تعاطف ماكرون مع بيروت، ونظرا لدوره كرئيس لدولة مؤثرة وعضو دائم بمجلس الأمن فإنه يُنظر إليه كشخصية قادرة على تحريك المجتمع الدولي لدعم لبنان بشكل إيجابي.
كما ذكر أن معلوماته تشير إلى أن الثنائي الشيعي سيشارك بالحكومة المرتقبة، موضحا أن اجتماعا سيعقد اليوم بين سلام وبري لبحث سبل معالجة العقبات. واعتبر أن الثنائي يدرك أن العودة إلى كنف الدولة تمثل مصلحة إستراتيجية، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية والمحلية، وأشار إلى أن هذا الاجتماع قد يكون حاسما في تحديد معالم المرحلة المقبلة.
تأييد فرنسيمن جهته، اعتبر الأستاذ الجامعي والناشط السياسي علي مراد أن الهدف الأساسي من الزيارة هو تعزيز الدعم الفرنسي للبنان، مع الإشارة إلى أن علاقات البلدين تاريخية وأن باريس حريصة على مصلحة بيروت، ووفقا له فإن زيارة فرنسية بعد ما مر به لبنان لتقديم التهنئة للرئيس الجديد أمر طبيعي، ولا يمكن اعتبارها تدخلا في تشكيل الحكومة.
وأوضح الناشط السياسي -للجزيرة نت- أن موعد الزيارة تم تحديده منذ انتخاب رئيس الجمهورية، أي قبل نحو أسبوع، وبالتالي فإن التحضير لم يكن مرتبطا أو مشروطا بمن سيكلف برئاسة الحكومة.
إعلانوتمثل الزيارة الحالية -حسب مراد- دعما للمسار الجديد الذي بدأ مع انتخاب الرئيس وتكليف رئيس الحكومة، معتبرا أن زيارة ماكرون تؤكد احترام فرنسا لإرادة اللبنانيين، لا سيما في ما يتعلق بانتخاب عون، رغم الضغوط التي مورست على الأحزاب اللبنانية، وأضاف أن "عون يحظى بدعم شعبي واسع من جهة، في حين أن تكليف سلام لرئاسة الحكومة يحظى بتأييد دولي".
واعتبر مراد أن الزيارة تشكل دعما لعون وسلام، مما يعكس موقفًا فرنسيًا يعزز العهد اللبناني ويدعم الخيارات الإصلاحية التي ستتجسد من خلال الحكومة المقبلة.
من ناحيته، يرى المحلل السياسي توفيق شومان أن زيارة ماكرون تحمل عدة رسائل. فبالإضافة لتهنئة عون، تأتي في سياق يتعلق بسلام الذي يرى أنه يتمتع بعلاقة جيدة مع الفرنسيين.
ويعتبر شومان أن الزيارة تحمل بُعدا يرتبط بمتابعة الأوضاع اللبنانية، مستندا إلى العلاقة التاريخية والوجدانية التي تجمع البلدين. كما يرى أن أحد أهدافها قد يكون الوساطة بين باريس والثنائي الشيعي لا سيما عبر التواصل مع بري والسعي لإزالة العقبات.
ويخلص شومان إلى أن العلاقات الفرنسية الجيدة مع مختلف الأطراف السياسية، بما في ذلك حزب الله، تمنح باريس هامشا واسعا للعب دور الوسيط في المشهد اللبناني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات زیارة ماکرون إلى أن
إقرأ أيضاً:
رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟
استقبلت فرنسا أكثر من 100 مليون شخص في عام 2024، لكن الاحتجاجات السياحية كانت قليلة ومتباعدة. اعلان
في اليونان، يرسم السكان المحليون رسومات الجرافيتي على الجدران. وفي إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، لجأوا إلى استخدام مسدسات المياه والاحتجاجات الجماهيرية للتعبير عن غضبهم بسبب العدد الكبير من المهاجرين.
في حين بدأت المشاعر المعادية للسياحة تتصاعد في جميع أنحاء أوروبا، إلا أن دولة واحدة تتجلى بوضوح في صمتها النسبي. إنها الدولة الأكثر زيارة في العالم: فرنسا.
على الرغم من أنها تستقبل حوالي 100 مليون مسافر سنويًا، إلا أن فرنسا نادرًا ما تتصدر عناوين الصحف بسبب الاحتجاجات ضد السياحة - وهو ما يتناقض تمامًا مع جيرانها الذين يعبّرون عن إحباطهم المتزايد إزاء المدن المزدحمة وارتفاع الإيجارات وسوء السلوك.
لا يوجد ما يمنع فرنسا من مواجهة ردود الفعل السلبية ضد السياح، كما أن المخاوف من هكذا ردات فعل ليست بلا مبرر. غير أن الالتزام بالسياحة المستدامة، إلى جانب البنية التحتية المتينة واستراتيجية توزيع الزوار على مختلف المناطق والمواسم، جميعها عوامل مؤثرة في الحد من هذه المخاطر.
فرنسا اتخذت نهجًا طويل الأمد
على عكس العديد من الدول التي تسعى جاهدة الآن لكبح جماح السياحة الجماعية، بدأت فرنسا في تمهيد الطريق منذ سنوات.
جعلت وكالة تنمية السياحة في فرنسا (أتو فرانس) الاستدامة ركيزةً أساسيةً لاستراتيجيتها. وبموجب خارطة طريق مدتها عشر سنوات - "خطة فرنسا للوجهة" - خصصت الحكومة 1.9 مليار يورو في عام 2021 لتشجيع السفر الأكثر مراعاةً للبيئة ومسؤولية.
وهذا يعني الدفع باتجاه السفر بالسكك الحديدية بدلاً من الرحلات الجوية القصيرة، والاستثمار في المدن متوسطة الحجم، وتشجيع الزوار على تجاوز المدن المعتادة، مثل باريس ونيس.
وعززت فرنسا جهودها هذا العام، مع تعهد جديد بالاستثمار في سياحة أكثر مراعاةً للبيئة وشمولاً وذكاءً رقمياً. ويأمل قادة السياحة أن يؤدي هذا الاستثمار إلى إقامات أطول، وحشود أقل، وتجارب أكثر فائدة.
تقول فيرونيكا ديكواترو، رئيسة قسم الأعمال التجارية بين المستهلكين والتوريد في أوميو، وهو محرك بحث سفر أوروبي: "لقد استثمرت السلطات الفرنسية في السفر المستدام لسنوات".
وتضيف: "ينصب التركيز الآن على تحسين جودة التجارب السياحية، وتوزيع أعداد الزوار على مدار العام لمكافحة السياحة المفرطة، والتركيز على ممارسات السياحة البيئية والرقمية والاجتماعية والشاملة".
قوة القطارات
تمتلك فرنسا واحدة من أوسع شبكات السكك الحديدية في أوروبا - 28,000 كيلومتر من المسارات، بما في ذلك 2,800 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية عالية السرعة.
تقول ديكواترو: "تُعدّ فرنسا من بين أكثر الدول سهولةً في الوصول للسياحة بالسكك الحديدية".
وتوضح أن المدن التي لا يتجاوز عدد سكانها 20,000 نسمة لديها محطات قطار. وبفضل قطارها عالي السرعة، يُمكنك الوصول من باريس إلى مرسيليا في ثلاث ساعات.
هذا النوع من الوصول يُعيد تشكيل أنماط السياحة، ويُعيد تشكيل السياسات أيضًا.
في عام 2023، حظرت فرنسا رسميًا الرحلات الجوية الداخلية على بعض المسارات التي يُمكن قطعها في أقل من ساعتين ونصف بالقطار. ورغم أن تأثيرها على المناخ غير واضح، إلا أن هذه الخطوة عززت السفر بالقطار، ومن المُرجح أنها شجعت الرحلات إلى مناطق ربما كانت غائبة عن الأنظار.
Related حتى الحبس له فاتورة.. فرنسا تدرس إلزام السجناء بدفع تكاليف احتجازهم والعائلات المتضرر الأكبرارتفاع قياسي منذ عقدين.. المستشفيات العامة في فرنسا تسجل خسائر بنحو 3 مليارات يوروجنوب فرنسا يواجه أضخم حرائق الغابات منذ نصف قرن وسط تحذيرات من تدهور الأحوال الجويةالسياح مُشتتون عمدًا
بينما تمتاز إسبانيا بساحل كوستا برافا، وتشتهر إيطاليا بمدينة البندقية، تجمع فرنسا كل هذه المزايا معًا، وهذا ما يميزها.
تقول مارين برات، مصممة فعاليات السفر والأعمال في "لوار سيكريتس": "يتوزع السياح في فرنسا. إنهم لا يقصدون مكانًا واحدًا فقط، بل يسافرون إلى عدة مناطق".
وتضيف برات: "يزداد عدد الناس الذين يرغبون في السفر بعيدًا عن الطرق التقليدية. إنهم يرغبون في رؤية مناطق مختلفة - ليس فقط المناطق الكلاسيكية، مثل باريس ونورماندي وجنوب فرنسا. الآن، يمكنهم أن يروا على إنستغرام أنه يُمكنهم السفر على بُعد ساعة ونصف من باريس واكتشاف القرى الساحرة وفنون الطهي والمدن النابضة بالحياة بسهولة".
ميزة ثقافية
يأتي إرث فرنسا في استضافة الغرباء ثماره اليوم. إذ تقول برات: "لطالما كانت فرنسا ملتقى للثقافات لقرون. من الطبيعي أن يزور فرنسا الناس من جميع أنحاء العالم... إنه جزء كبير من اقتصادنا".
هذا التاريخ الطويل من الاستضافة، إلى جانب بنية تحتية سياحية قوية، من المرجح أن يكون قد ساهم في حماية فرنسا من بعض المشاكل التي تشهدها أماكن أخرى.
وكما تشير برات، فقد ازداد عدد الوافدين من أسواق جديدة مثل الهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا وأفريقيا في السنوات الأخيرة، فهم يجدون المزيد من الأنشطة خارج المدن الكبرى وينجذبون إليها أيضًا.
وتضيف: "نحاول الترويج لمزيد من التجارب المحلية. نحن منخرطون بشكل كبير في منطقتنا. نريد الترويج لمزيد من صانعي النبيذ العضوي أو الحيوي، والمزيد من الأطعمة المحلية والعضوية، والأشخاص الذين يعملون بهذه الطريقة".
وتقول فيرونيكا ديكواترو إن بيانات شركتها تدعم ذلك.
وتضيف: "كثيرًا ما يختار المسافرون باريس كوجهة أولى لهم." ولكن من هناك، كما تقول، يتوسعون، مضيفةً أن مرسيليا وستراسبورغ تنموان بسرعة، بفضل تحسن الاتصالات ووجود المزيد من التجارب التي يمكن للمسافرين تجربتها عند وصولهم إلى هناك.
هل يُمكن للتنظيم أن يُجنّب فرنسا الانتقام؟
لم تنجُ فرنسا من الاحتكاكات إذ إن الإضرابات المتكررة، في قطاع السكك الحديدية والطيران وغيرها، لا تزال جزءًا من يوميات الدولة الأوروبية. كما يُمكن أن يُشكّل الازدحام والتحديث العمراني مشاكلَ مُلحّة.
في غضون ذلك، جذبت دورة الألعاب الأولمبية العام الماضي اهتمامًا كبيرًا إلى مدينة الأضواء، لدرجة أن أكثر من 50 مليون شخص زاروها في عام 2024 وحده.
في وقتٍ سابق من هذا الصيف، بدأ سكان مونمارتر يُدقّون ناقوس الخطر بشأن تزايد حشود السياح. قال أحد السكان لوكالة "رويترز": "يأتي الناس لثلاث ساعات، يستمتعون، يشترون قبعةً أو كريبًا، ثم يغادرون، كما لو كانوا في مدينة ملاهي". بينما تأمل السلطات أن يُساعد التنظيم في درء الأسوأ
في حين أن تأجير أماكن الإقامة قصيرة الأجل قد تسبب في أزمات سكنية في مدن مثل لشبونة وبرشلونة، إلا أن السلطات في فرنسا كانت أسرع في التحرّك.
بموجب قانون صدر العام الماضي - قانون "لوي لو مور" - يمكن للحكومات المحلية وضع حد أقصى لإيجارات العطلات، وخفض عدد ليالي استئجار المساكن (من 120 إلى 90 ليلة)، وتغريم مُلّاك العقارات الذين يتجاهلون القواعد.
سواءً أكان الأمر يتعلق بقوانين تُنظّم الإيجارات قصيرة الأجل أو خطة رئيسية لنمو أكثر استدامة، يبدو أن نظام السياحة الفرنسي صامد. في عصر السياحة المفرطة، قد يكون السلاح السري للبلاد هو أنها خططت لهذه اللحظة منذ البداية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة