حرب البذاءات والانتكاسات القيمية
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
وجدي كامل
طوال حياتنا، وعلى مر الأيام، ولأجيال متعاقبة، كانت الكلمة النابية والألفاظ الجارحة والخادشة مرفوضة، وكان المجتمع، بمختلف طبقاته ومستوياته، يقف موقفًا واضحًا منها، نابذًا إياها، رافضًا تسللها إلى الحديث العلني. كانت كلمة * “عيب” * بمثابة السيف القاطع الذي يردع كل من تسوّل له نفسه الانحدار إلى هذا المستوى من الإسفاف، يطلقها الكبار بصرامة، فتُخرس المتجاوزين وتعيدهم إلى جادة الاحترام والانضباط.
لم يكن الأمر مجرد تقليد تربوي عابر، بل كان قيمة متجذرة، معيارًا أخلاقيًا تقيس به المجتمعات رُقي أفرادها. حتى أولئك الذين وُصموا بـ”قلة الأدب”، كانوا يدركون، ولو ضمنيًا، أن هناك حدودًا لا يجوز تجاوزها، فكانوا يتحفظون أمام النساء والأطفال، يراقبون ألفاظهم، وإن مارسوا إساءاتهم، مارسوها في الخفاء، بعيدًا عن أعين المجتمع ورقابته الصارمة.
لكن، يا للأسف، جاءت هذه الحرب، ولم تكتفِ فقط بإخراج أسوأ ما فينا، بل جعلتنا نشهد، بلا حول ولا قوة، مدى هشاشتنا الأخلاقية، ومدى قابلية القيم التي كنا نظنها راسخة لأن تنهار تحت وطأة الفوضى. لم تخرج هذه الحرب مسامعنا فقط، لم تشه لغتنا وحدها، بل شوّهت وعينا وإدراكنا، حين رأينا ليس فقط الجنود والمقاتلين من الطرفين يتلفظون بأسوأ الألفاظ، بل حتى المدنيين، كبار السن، العجائز الذين كانوا يومًا يُعدّون مرجعًا للقيم، باتوا اليوم يستخدمون ذات الألفاظ التي لطالما شجبوها. أين هم الآن في إعراب تلك التربية التي ظلوا يتحدثون عنها؟ وأين ذهبت القيم التي طالما نادوا بتطبيقها؟
لم تكن هذه الحرب مجرد معركة على الأرض، بل كانت حربًا على المعاني، على الحدود التي تفصل بين الوحشية والإنسانية. لم تقتصر على الكلمات، بل أظهرت لنا أبشع الصور التي لم يكن يمكن لعقل بشري أن يتخيلها؛ رأينا البطون تُبقر بوحشية، والأكباد تُؤكل كأنها غنائم، والأبرياء يُقتلون بلا ذنب، والحوامل يُسحلن في الطرقات كأنهن لم يحملن في أرحامهن الحياة، رأينا الوطن يُسرق، والخائن يصعد فوق الجثث ليصبح بطلًا في أعين قومه.
لكن أكثر ما يملأ القلب حزنًا ورعبًا هو أثر كل هذا على الأجيال القادمة، أولئك الذين وجدوا أنفسهم شهودًا رغماً عنهم على هذا الزمن الذي تحكمه *التفاهة، ويسوده *التافهون*. كيف سيكون نسقهم القيمي بعد أن أصبحوا يرون الباطل حقًا، والجريمة بطولة، والخيانة دهاءً، والانحطاط حرية؟ كيف سيتشكل وعيهم في عالمٍ لم يعد للأخلاق فيه أي وزن، ولم يعد للحق أي صوت؟
قلبي على هذه الأجيال، على مستقبلها الذي بات مجهولًا أكثر من أي وقت مضى، على القيم التي ستنهار تحت وقع الدماء والخراب، على اللغة التي لم تعد تُستخدم للتعبير عن الجمال، بل تحولت إلى أداة شتم وسب، على وطنٍ لم يعد يعرف من هم أبناؤه الحقيقيون ومن هم أعداؤه.
إنه زمنٌ غابت فيه القيم كلهم، وصار فيه الصراخ أعلى من الحكمة، والرعاع هم سادة المشهد، والتفاهة هي القانون الحاكم، والحق أضعف من أن يجد له مكانًا.
الوسوموجدي كاملالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
ترامب يكذب تصريحات مديرة الاستخبارات حول إيران: "كانت مخطئة"
الرئيس ترامب ينتقد تقييم الاستخبارات الأمريكية بشأن إيران، ويعتبر تصريحات المديرة غابارد "مخطئة"، ويؤكد أن إيران تملك مواد لتطوير سلاح نووي وتستطيع امتلاكه خلال أسابيع. اعلان
نفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات أدلى بها لدى وصوله إلى ولاية نيوجرسي صباح اليوم، التقييم الذي أصدرته أجهزة الاستخبارات الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني، مؤكدًا أن مجتمع الاستخبارات كان "مخطئًا".
جاء ذلك رداً على شهادة مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، التي أفادت أمام الكونغرس في شهر آذار (مارس) الماضي بأن الوكالات الاستخبارية الأمريكية لم ترصد أي مؤشرات على أن إيران قد اتخذت قرارًا بتطوير سلاح نووي.
وقال ترامب للصحفيين بعد نزوله من الطائرة: "إذن مجتمع الاستخبارات الخاص بي كان مخطئًا". وعندما أوضح له أحد المراسلين أن التصريح كان صادرًا عن غابارد بالتحديد، أكد ترامب: "إنها مخطئة".
وأضاف ترامب أن لديه معلومات استخبارية تشير إلى أن إيران جمعت كمية كبيرة من المواد اللازمة لتطوير سلاح نووي، وأنه يتوقع أن تكون طهران قادرة على امتلاك هذا النوع من السلاح خلال أسابيع أو أشهر. وشدد على أن الولايات المتحدة لن تسمح بذلك.
Relatedالمعارضة الإيرانية في ظل الحرب مع إسرائيل.. هل ستنجح في إسقاط النظام؟في ملجأ محصن.. خامنئي يعزل نفسه ويحدّد خليفته تحسبًا لاغتيال محتملحرب إسرائيل وإيران في يومها التاسع.. هجمات متبادلة وتل أبيب تتوقع أياماً صعبةكما أعرب ترامب عن عدم فهمه لضرورة حاجة إيران إلى استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية، مشيرًا إلى أن الدولة تمتلك احتياطيات هائلة من النفط.
وقال: "إنها تجلس على أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم. لا أعرف لماذا يحتاجون لذلك للاستخدام المدني. عندما تكون في دولة تملك أحد أكبر كميات النفط في العالم، فمن الصعب بعض الشيء رؤية الحاجة لذلك."
يأتي هذا في ظل استمرار العمليات الحربية بين إيران وإسرائيل التي دخلت أسبوعها الثاني على التوالي، وراح ضحيتها مئات الأشخاص بين الطرفين وتدمير للبنى التحتية المدنية والعسكرية.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة