قبل حوالي عشرين عاما، كتب أحد شباب الإسلاميين التقدميين واسمه "لطفي الوسلاتي" نصا لافتا للنظر، رغم كونه لم يتجاوز المرحلة الثانوية، تحت عنوان "فلسطين قرية قرآنية"، وقد نشر مقاله بمجلة "15/21" لصاحبها الدكتور "احميدة النيفر". في هذه الأيام عادت بي الذاكرة إلى ذلك النص، وأنا أتابع تلك المشاهد المؤثرة والعجيبة الواردة علينا من غزة المحررة؛ مشاهد تعيدنا إلى محطة تاريخية من ذاكرتنا الجماعية، حين كان أجدادنا وأمهاتنا يعانقون الملائكة، ويصنعون من ضعفهم قوة، ومن قلّتهم كثرة في عيون أعدائهم، ومن تضحياتهم معجزات.
مئات الآلاف من البشر يسيرون كأنهم واد مندفع نحو موطنه؛ لا يبحثون عن شيء سوى العودة إلى بيوتهم التي أخرجوا منها كرها، ويعلمون بأنهم قد يجدونها ركاما، لكن مع ذلك تبقى أرضهم التي لا بديل لهم عنها. كلهم تقريبا فرحون بتلك العودة، وفي الأثناء كانوا يكبرون بشكل عفوي كأنما عائدون من جبل عرفات يسيرن نحو مكة حيث الصفا والمروة. هكذا اختلطت الصور والأزمنة والمشاعر، وكما يحصل في تلك المناسبات حيث يصر البعض من الجدات والشيوخ على أداء مناسكهم الدينية، فاضت روح بعض الفلسطينيين المتقدمين في السن قبل أن يصلوا إلى بيوتهم. ماتوا في الطريق، ودُفنوا بعيدا عن مقبرة القرية، لكن الأكيد احتضنتهم مدينة غزة، وسيُبعثون يوم القيامة ليستردوا حقوقهم من غاصبيهم.
قيم لا يفقهها شخص مثل الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن بأن النظامين المصري والأردني سيخضعان ويستجيبان لطلبه عندما دعاهما إلى المساعدة على تهجير الفلسطينيين، بل فكّر حتى في نقلهم إلى إندونيسيا دون إحساس بالخزي. هو ابن الرأسمالية المتوحشة وأحد قادتها الكبار، ويعتقد بأنه يمكن شراء كل شيء، بما في ذلك الأوطان والتراث والعقائد والأخلاق والقيم
ما تعرض له صحابة رسول الله خلال المرحلة المكية من عذاب على أيدي قادة قريش وصبيانهم كان أمرا عظيما، لكنه لا يقارن بالمحرقة التي عاشها الغزاويون قرابة السنة ونصف. إنها إبادة جماعية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها، ومع ذلك خرج هؤلاء مثل التنين من تحت الأنقاض، في يوم من أيام الله، وتحدوا "دولة الوحوش"، ترحموا على موتاهم، وحاولوا تضميد جراحهم، وجعلوا من تسريح أسراهم مقابل المخطوفين من رهائن أعدائهم نصرا وانتصارا. هذا الأمر أغاظ عدوهم، وأشعروه بالهزيمة والذل رغم ما فعله في سبيل كسر إرادة الفلسطيني، ودفعه نحو الاستسلام والفرار من الجحيم. لقد انقلبت الآية، وتبين للجميع أن "دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة". هذا ليس شعرا، هذه سنّة من سنن التاريخ. المهم أن يكون عندك شعب لا ينسى، ولا ييأس، ولا يجبن، ولا يبيع وطنه بأبخس الأثمان.
هذه قيم لا يفقهها شخص مثل الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن بأن النظامين المصري والأردني سيخضعان ويستجيبان لطلبه عندما دعاهما إلى المساعدة على تهجير الفلسطينيين، بل فكّر حتى في نقلهم إلى إندونيسيا دون إحساس بالخزي. هو ابن الرأسمالية المتوحشة وأحد قادتها الكبار، ويعتقد بأنه يمكن شراء كل شيء، بما في ذلك الأوطان والتراث والعقائد والأخلاق والقيم؛ مثل هؤلاء لا يحترمون أي شيء له قيمة في الوجود بما في ذلك الإيمان والحب والوفاء. سيعلم بالتأكيد أنه سيفشل في رهانه كما فشل غيره؛ ليس هذا مجرد ادعاء، ولكنه حقائق أثبتها التاريخ.
فالتتار الذين كادوا يدمرون العالم العربي والإسلامي، وجدوا من يتصدى لهم. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تذكر كتب التاريخ أن أحد أبناء زعيم التتار هولاكو واسمه عند ولادته نيكولاس تيكودار خان اعتنق الإسلام وأصبح اسمه أحمد، وأدمج شعبه داخل إطار الأمة الإسلامية. ليس الغرض هذا المثال دعوة الرئيس الأمريكي الى اعتناق الإسلام، أهل غزة الذين هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم هم الذين سيكذبونه، وسيصرون على البقاء في مدينتهم، حتى لو أُجبروا على البقاء سنوات تحت الخيام. ولن تستطيع مصر ولا الأردن أن تستدرجهم إلى تكرار ما حصل في نكبتهم السابقة، وذلك في حال أن قبل الحكام؛ رغم رفض شعوبهم التورط في مثل هذه الجريمة الشنيعة التي لن يغفرها لهم التاريخ، وعندها ماذا سيفعل ترامب وغيرهوإن كان العديد من الأمريكيين قد أسلموا بسبب ما شاهدوه من آيات في غزة، إنما استحضرنا هذا المثال للتأكيد على أن الطغيان لا يجعل من الحق باطلا. وأهل غزة الذين هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم هم الذين سيكذبونه، وسيصرون على البقاء في مدينتهم، حتى لو أُجبروا على البقاء سنوات تحت الخيام. ولن تستطيع مصر ولا الأردن أن تستدرجهم إلى تكرار ما حصل في نكبتهم السابقة، وذلك في حال أن قبل الحكام؛ رغم رفض شعوبهم التورط في مثل هذه الجريمة الشنيعة التي لن يغفرها لهم التاريخ، وعندها ماذا سيفعل ترامب وغيره؛ هل سيأمر بخطف الغزاوين وإلقائهم عبر الطائرات في البحر؟ إنه الغباء بعينه.
تنطبق نظرية التناسخ على المقاومة وعلى سكان غزة، وتفترض هذه النظرية عند من يؤمنون بها من خارج دائرة الإسلام بأن الشخص الذي يموت لا يندثر، وإنما تنتقل روحه إلى شخص آخر. وليس القصد في هذا السياق التشكيك في عقيدة أهل فلسطين الأتقياء، ولكن المعاينة تثبت صلابة هؤلاء. وهي صلابة تنتقل من جيل إلى جيل، ولكل جيل أبطاله ورموزه، وكلما استشهد هؤلاء تنتقل أرواحهم بشكل رمزي، ليصعد آخرون من أبناء فلسطين، ويتسلمون المشعل. استشهد الآلاف من مقاتليهم بمن فيهم قادة الصف الأول، فماذا كانت النتيجة؟ عوضهم آخرون بسرعة نادرة، فاضطرت الحكومة الإسرائيلية للتفاوض معهم بعد أن تعهدت بالقضاء عليهم. وبدل أن تنهار حماس، تفككت إرادة العدو، وظن الإسرائيليون، وهم يتابعون حفل تسليم أسراهم بأنهم يحاربون أشباحا.
لهذا كله، قلنا إن غزة قرية قرآنية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين غزة ترامب تهجير المقاومة الإسرائيلية إسرائيل فلسطين مقاومة غزة تهجير مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على البقاء
إقرأ أيضاً:
الوداد المغربي.. يصارع الأزمات ويطمح لكتابة التاريخ في كأس العالم للأندية
تمتزج مشاعر الأوساط الكروية المغربية بين التفاؤل والخوف في آن واحد، وذلك قبل بداية مشوار الوداد البيضاوي في بطولة كأس العالم للأندية 2025 بمواجهة قوية أمام مانشستر سيتي الإنجليزي، مساء الأربعاء على ملعب "لينكولن فايننشال فيلد"، في مدينة فيلادلفيا الأميركية.
ويخوض الوداد المغربي، الذي يشارك للمرة الثالثة في كأس العالم للأندية بعد 2017 و2022، منافسات الدور الأول في المجموعة السابعة مع أندية مانشستر سيتي بطل آخر نسخة من المسابقة (2023)، ويوفنتوس الإيطالي والعين الإماراتي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2راموس: مبابي سيتفوق على لامين جمال ويظفر بخمس كرات ذهبيةlist 2 of 2سان جيرمان يزيح برشلونة ويصبح الأقوى هجوميا في 2025end of listوعاش الوداد -أكثر الأندية المغربية تتويجا بالألقاب المحلية والقارية- خلال العامين الماضيين أوضاعا صعبة أفرزت أزمة رياضية وإدارية، وألقت بالفريق في مهب النتائج السلبية.
كما غاب الفريق في العام الجاري عن خوض أي مسابقة أفريقية وذلك للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
وأبدت الأوساط الكروية المغربية الكثير من الواقعية قبل مواجهة الوداد ومانشستر سيتي، إذ يعتقد أغلب مشجعي الفريق البيضاوي أن قرعة المونديال كانت صعبة على فريقهم بأن وضعته منذ البداية في مواجهة مانشستر سيتي، أحد الأندية المرشحة بقوة للتتويج، والذي عزّز صفوفه بعدة لاعبين جدد للمونديال من بينهم الفرنسي ريان شرقي، والهولندي تيجاني ريندرز بجانب وجود كل من عمر مرموش وإيرلينغ هالاند وغيرهم.
ورغم الفوارق التي تبدو واضحة بين الوداد ومانشستر سيتي، بدا منسوب التفاؤل عاليا لدى بعض مشجعي الوداد، إذ تعتقد فئة واسعة منهم أن فريقهم يمكن أن يسير على خُطا المنتخب المغربي، عندما أبلى البلاء الحسن في كأس العالم 2022 بقطر، وبلغ نصف النهائي كأول منتخب عربي وأفريقي يصل تلك المرحلة من البطولة.
ومقابل ذلك، أعربت فئة أخرى من الجماهير عن تخوفها من إخفاق جديد في المشاركة المونديالية الثالثة، خصوصا أن القرعة لم تكن "رحيمة" بالفريق، حيث وضعته مع اثنين من عمالقة الكرة الأوروبية.
وفي موسم 2024ـ2025، استطاع الوداد، صاحب الرقم القياسي في التتويج بالدوري المغربي للمحترفين برصيد 22 لقبا، أن ينهي السباق في المركز الثالث ما سيمنحه التأهل لكأس الكونفدرالية الأفريقية، في حين سيغيب مجددا عن دوري الأبطال.
إعلان فوائد كبرىويعتبر الصحفي والناقد الرياضي الحسن جابري أن "مشاركة الوداد الرياضي بمونديال الأندية في نسخته الأولى الموسعة سيحقق فوائد كبرى للنادي الذي خرج من الموسمين الأخيرين خالي الوفاض"، وفق قوله.
ويقول جابري للجزيرة نت "مشاركة الوداد في هذه النسخة تأتي في وقت يمر فيه الفريق بفترة إعادة البناء، التي بدأت الموسم الماضي".
ويضيف "أنهى الوداد منافسات الدوري المغربي في المركز الثالث، وسيعمل الموسم المقبل على استعادة المنافسة على لقب الدوري للعودة المشاركة في دوري أبطال أفريقيا".
وبخصوص التعاقدات الأخيرة التي أبرمها الفريق، يرى جابري أنها "تأتي في سياق تجهيز فريق قادر على الظهور بشكل مشرف في مونديال الأندية، ولكن من المهم قبل ذلك أن يتم التجانس بين اللاعبين والانسجام الذي يحتاج إلى وقت طويل".
ويعتبر الحسن جابري أن أمين بنهاشم، المدرب المعروف بانضباطه التكتيكي وخبرته المحلية، بإمكانه قيادة الوداد للتألق أمام مانشستر سيتي وتقديم مونديال جيد، في حال نجح في خلق توليفة متماسكة واستثمار طاقات اللاعبين الجدد، خصوصا مع وجود لاعبين ذوي خبرة مثل نور الدين أمرابط وحمزة هنوري وعزيز كي.
ويضيف "مونديال الأندية بالنسبة للوداد فرصة لتسويق اسم النادي رياضيا، فحتى لو لم يحقق إنجازا كبيرا، فإن المشاركة بحد ذاتها فرصة لتقديم صورة مشرفة عن الكرة المغربية".
وقبل المشاركة في المونديال، تعاقد الوداد المغربي مع 6 لاعبين هم: الدولي السابق نور الدين أمرابط، والمدافع الهولندي بارت مايرس، والبرازيلي جيريمي فيريرا، والمهاجم البوركيني عزيز كي، وحمزة الهنوري، والمهاجم السوري المخضرم عمر السومة.
بطولة لا ترحمرغم ضيق فترة التحضيرات التي أعقبت تعيينه رسميا مدربا أول للوداد، يعتقد محمد أمين بنهاشم أن فريقه سيخوض كأس العالم للأندية دون حسابات، بما في ذلك المباراة الافتتاحية له أمام مانشستر سيتي غدا الأربعاء.
وتطرق بنهاشم، في تصريحات للموقع الرسمي للنادي، إلى الوضعية الراهنة التي يمر بها الوداد، قائلا "لا يمكن أن نبني فريقا جديدا في 3 أسابيع، نحتاج إلى وقت كثير لنضع أسسا ثابتة من أجل الظهور مجددا كفريق مراهن محليا وقاريا على الألقاب، ولكن نحن نعمل يوميا على تحسين الانسجام والترابط بين الخطوط، ونعمل كثيرا على الجانب الذهني لأن كأس العالم للأندية بطولة لا ترحم"، وفق قوله.
وأشاد المدرب الذي حل بديلا للجنوب أفريقي رولاني موكوينا بالتعاقدات الجديدة قائلا "الصفقات الجديدة كانت وفق معايير دقيقة، لقد بحثنا عن لاعبين لديهم الجاهزية الذهنية قبل البدنية".
ووفقا لأمين بنهاشم، حاول الوداد المغربي التعاقد مع لاعبين آخرين بنظام الإعارة لمونديال الأندية مثل المغربيين عبد الصمد الزلزولي لاعب ريال بيتيس وسفيان أمرابط لاعب فنربخشه، لكن جهود النادي لضمهما لم تكلل، حسب وصفه.
وبخصوص مواجهة مانشستر سيتي، قال بنهاشم إنه شاهد مع اللاعبين بعض مباريات المنافس لكنه يدرك الفوارق بين الطرفين، مشيرا إلى أن لاعبيه "متحمسون للمشاركة في بطولة بهذا المستوى، ولديهم الرغبة لأنهم يمثلون الوداد والمغرب وأفريقيا".
إعلانويسعى الوداد إلى تجاوز إخفاقه السابق في 2017 و2022 عندما اكتفى بخوض مباراة واحدة في كأس العالم للأندية. وكانت المشاركة الأولى عام 2017، وخسر مباراته الوحيدة في البطولة أمام باتشوكا المكسيكي ليحصد المركز السادس، ثم عاد للمشاركة بعد 5 سنوات، وخسر 5-3 بركلات الترجيح أمام الهلال السعودي بعد التعادل 1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي.