مخلفات الاحتلال.. مصائد موت تفتك بالعائدين إلى منازلهم المدمرة في غزة
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
غزة- "فجأة وقع انفجار كبير، طرت في الهواء، ووجدت نفسي بعد ذلك في المستشفى"، بهذا يلخص الشاب العشريني طلال السميري الحادثة التي أصيب بها بجروح في أنحاء جسده وفقد وعيه، جراء انفجار ذخائر من مخلفات قوات الاحتلال الإسرائيلي.
أنهك النزوح السميري (28 عاما)، وعندما دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ودولة الاحتلال حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، قرر العودة إلى منزله في شرق منطقة القرارة شمال شرقي مدينة خان يونس، التي كانت مسرحا لعمليات جيش الاحتلال إبان العملية العسكرية البرية الواسعة واجتياح المدينة في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان الماضيين.
ولخطورة هذه المنطقة القريبة من السياج الأمني الإسرائيلي المحيط بقطاع غزة من الناحية الشرقية، اضطر طلال وأسرته للنزوح مع بداية اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعايشوا ويلات التنقل الجبري من مكان إلى آخر.
كان السميري يعلم أن منزله مدمر، ولكنه سارع عائدا إلى المنطقة التي شهدت ولادته ونشأته، يقوده الشوق والحنين إليها. وقال للجزيرة نت "دمروا منزلنا منذ بداية الحرب، ولكنني ذهبت لإقامة مأوى لأسرتي والعودة للعيش في المنطقة التي نعرفها وتعرفنا".
وإلى جانب بقايا منزله المدمر عمل الرجل بجد على إقامة غرفتين من الصفيح والخشب والقماش، لتهيئة المكان لعودة أسرته، وبينما هو منهمك في ذلك شاهد جرافة تابعة للبلدية تعمل على مقربة منه. وقال "ذهبت لأطلب من سائق الجرافة أن يزيل الركام ويفتح الشارع لنتمكن من السير ونقل أمتعتنا، وقبل أن أتحدث معه وقع انفجار كبير".
أصيب طلال بشظايا في ساعده وبطنه ووجهه، وفقد وعيه، ولمّا استيقظ وجد نفسه على سرير يتلقى العلاج في مجمع ناصر الطبي غرب مدينة خان يونس.
إعلانمر نحو أسبوعين على هذه الحادثة، ولا يزال طلال وعدد آخر من الجرحى الذين أصيبوا معه يتلقون العلاج في المستشفى، وبعضهم في حالة صحية صعبة استدعت دخولهم قسم العناية الفائقة، وبينهم أطفال أصيبوا بحالات بتر في الأطراف وإعاقات دائمة.
أحد هؤلاء الأطفال هو سعيد عبد الغفور (15 عاما)، الذي كان على مقربة من الجرافة يتابعها مع أطفال وفتية آخرين وهي تعمل على تسوية الأراضي وتهيئتها من أجل التسهيل على سكان المنطقة للعودة إليها.
فقد هذا الطفل عينه، وأصيب بحروق شديدة في الوجه وأنحاء متفرقة من جسده، ولا يزال يتلقى العلاج في قسم الجراحة بمجمع ناصر الطبي.
لا يعلم عبد الغفور ما الذي حدث بالضبط، لكن هذه الحادثة ستترك أثرها عليه لبقية حياته وقد فقد عينه اليمنى. وقال للجزيرة نت "كنت قرب الجرافة وهي تعمل على تسوية الشوارع والأراضي وإزالة الركام والأنقاض، وفجأة وقع الانفجار".
لم يحتمل هذا الطفل الحديث طويلا عن الحدث، واستكمل والده عبد الحي الحديث، وذكر للجزيرة نت قائلا "يبدو أن عبوة ناسفة تفجرت بعد أن داستها الجرافة وأصابت عددا كبيرا من الموجودين بالقرب منها بما فيهم ابني، وموظف بلدية فقد كلتا عينيه".
كان عبد الحي وأسرته نازحين عن المنطقة منذ بداية اندلاع الحرب، وتشجع للعودة إليها وهو يشاهد العودة الكبيرة للنازحين إلى مناطقهم في شمال القطاع بعد اتفاق وقف إطلاق النار. ويقول إنه أقام خيمة في المنطقة لينتقل إليها مع أسرته، بعدما دمرت قوات الاحتلال منزله وغالبية المنازل المحيطة في المنطقة.
مصائد موتوتشير تقديرات رسمية إلى أن جيش الاحتلال شنّ خلال حربه على القطاع نحو نصف مليون غارة، استخدم فيها حوالي 92 ألف طن من المتفجرات، نحو 18% من الصواريخ والقذائف لم تتفجر، وهي بمثابة "مصائد موت" تتربص بالمواطنين، خاصة الأطفال.
إعلانويقول مدير عام الإمداد والتجهيز في جهاز الدفاع المدني محمد المغير للجزيرة نت إن 150 مواطنا، 70% منهم أطفال، استشهدوا، وأصيب أكثر من 300 آخرين، جراء انفجار أجسام من مخلفات الاحتلال منذ اندلاع الحرب.
ويصنف رئيس أقسام الأطفال ومدير مبنى التحرير بمجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا، هذه المخلفات إلى صنفين:
الأول هي القذائف غير المتفجرة، وتشكل عبئا كبيرا لخطورتها البالغة، حيث إنها تكون غالبا مخفية ومدفونة في الرمال أو بين ركام وأنقاض المنازل والمباني المدمرة، وهي عرضة للانفجار في أي لحظة، وإيقاع ضحايا، كحادثة منطقة القرارة التي أوقعت 16 مواطنا بين شهيد وجريح. والصنف الثاني من هذه المخلفات بحسب حديث الفرا للجزيرة نت، يتمثل في المنازل والمباني المدمرة أو التي استهدف جزء منها بصواريخ وقذائف الاحتلال، وهي غير صالحة للسكن والاستخدام، ليس فقط خشية الانهيار، ولكن جراء "اليورانيوم المستنفد" الصادر عن الانفجار، ويختلط بالبيئة والمكان المستهدف، وهي مواد مشعة خطرة جدا ومسرطنة.وبحسب الفرا، فإن مخاطر هذه المخلفات بشقيها ستشكل عقبة كبيرة أمام عمليات إعادة الإعمار، وتزداد خطورتها على الأطفال خاصة مع عودة المواطنين لمناطقهم ومحاولتهم إجراء إصلاحات في منازلهم المدمرة للإقامة في بقاياها أو على مقربة منها.
وتتهم السلطات المحلية، التي تديرها حماس في غزة، دولة الاحتلال بعرقلة دخول الآليات الثقيلة والمعدات اللازمة للتعامل مع الركام الهائل والآثار الكارثية التي خلفتها الحرب، وعرقلة تنفيذ البروتوكول الإنساني المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مخلفات الاحتلال للجزیرة نت من مخلفات
إقرأ أيضاً:
تعز على شفا كارثة صحية.. الكوليرا تفتك بأرواح المواطنين وسط تحذيرات من تفشي الوباء
تعيش محافظة تعز أوضاعًا صحية متدهورة وغير مسبوقة، وسط تفشي أوبئة قاتلة كالكوليرا والحميات، التي باتت تهدد حياة آلاف المواطنين، في ظل غياب شبه تام للاستجابة الرسمية، وتجاهل مقلق من قبل الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية، ما ينذر بكارثة صحية وشيكة في واحدة من أكثر المحافظات تضررًا من الحرب وتدهور الخدمات.
Read also :فتح طرقات اليمن.. ملف يكشف زيف الحوثيينويؤكد مسؤولون في قطاع الصحة في تعز أن المحافظة تشهد تفشيًا مقلقًا لوباء الكوليرا، وسط تدهور الخدمات الصحية وتراجع الاستجابة الطارئة، حيث سجلت المحافظة أكثر من 1,730 حالة اشتباه جديدة بالإسهالات المائية الحادة والكوليرا خلال النصف الأول من يونيو الجاري، في موجة انتشار وصفت بأنها "الأشد" منذ بداية العام.
وكشف تيسير السامعي، مسؤول الإعلام في مكتب الصحة بتعز، في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، أن عدد حالات الاشتباه ارتفع بشكل كبير من 1,260 حالة مسجلة في مطلع يونيو إلى 1,734 حالة حتى منتصف الشهر، أي بزيادة 474 حالة جديدة خلال أسبوعين فقط.
وأشار السامعي إلى أن حالات الإصابة المؤكدة شهدت أيضًا قفزة مفزعة، حيث ارتفعت من 29 حالة مؤكدة إلى 116 حالة، ما يعني تسجيل 87 حالة إصابة مؤكدة جديدة خلال فترة قصيرة، بينما ارتفعت حالات الوفاة من ثلاث إلى خمس حالات، ما يعكس تطورًا خطيرًا في مؤشرات التفشي.
وقال السامعي إن "المؤشرات الوبائية الحالية تنذر بموجة جديدة من الوباء"، داعيًا المواطنين إلى الالتزام الصارم بإجراءات الوقاية والنظافة الشخصية، وتكثيف حملات التوعية في الأحياء والمناطق الريفية، للحد من انتشار المرض وإنقاذ الأرواح.
ومديرية الوازعية، واحدة من المديريات المنكوبة بالأوبئة، حيث تشهد حاليًا تفشٍ موجة خطيرة لوباء الكوليرا والإسهالات المائية الحادة، وسط تسجيل حالات وفاة وعشرات الإصابة والاشتباه بالمرض.
تحذيرات متصاعدة من كارثة صحية وشيكة تهدد آلاف السكان في المديرية، خاصة في ظل تدهور الخدمات الصحية وغياب مراكز العلاج المتخصصة، ما يزيد من تعقيد الوضع الصحي في واحدة من أكثر المديريات تهميشًا في المحافظة.
وأكدت مصادر طبية محلية أن المرافق الصحية في المديرية استقبلت خلال الأيام الماضية عشرات الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا، بينها حالتان وافدتان من مديرية المضاربة بمحافظة لحج، توفيتا بعد تدهور حالتهما الصحية بشكل سريع نتيجة الإصابة بإسهال مائي حاد وجفاف شديد، وهي أعراض سريرية تتطابق مع الكوليرا.
وكشف فرع مكتب الصحة العامة والسكان بالمديرية عن تسجيل 14 حالة إيجابية مؤكدة منذ مطلع يونيو الجاري، وسط تزايد مستمر في الحالات الوافدة من مديريات مجاورة كالمضاربة ورأس العارة، مما يؤشر إلى خطر انتشار أوسع يتجاوز الحدود الجغرافية للوازعية.
وأعرب المكتب في بيان رسمي عن قلقه العميق من غياب مراكز علاج الكوليرا في المديرية، ما يضطر المرضى والمصابين إلى التنقل لمسافات بعيدة لتلقي العلاج في مستشفيات مدينة تعز أو مدينة المخا، وهو أمر يصعب على كثير من الأسر الفقيرة في ظل الانهيار الاقتصادي ووعورة الطرق.
وأشار البيان إلى أن البنية التحتية الصحية الهشة، وانعدام المياه النظيفة، وسوء شبكات الصرف الصحي، إلى جانب ضعف الاستجابة الإنسانية، تمثل عوامل رئيسية تسهم في تفاقم انتشار الوباء، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل فوري قد يهدد حياة الآلاف، خاصة من الأطفال وكبار السن.
وجه فرع مكتب الصحة، ومعه السلطة المحلية في المديرية، نداءً عاجلًا إلى مكتب الصحة بالمحافظة، والسلطة المحلية بمحافظة تعز، وكافة المنظمات الإنسانية والإغاثية المحلية والدولية، من أجل تنفيذ تقييم ميداني عاجل للوضع الوبائي، وإنشاء مراكز علاج الكوليرا داخل المديرية، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الطارئة، وإطلاق حملات توعية صحية للمواطنين في المناطق الريفية والنائية، وتوفير مياه نظيفة وتحسين خدمات الصرف الصحي كجزء من الاستجابة الوقائية.
وتزداد المخاوف من توسع انتشار المرض في ظل استمرار ضعف الاستجابة، ووجود مناطق نائية بعيدة عن مركز المديرية يصعب الوصول إليها، حيث لم تصلها أي حملات طبية أو توعوية حتى اللحظة.
وأكدت السلطات المحلية أن التصدي لهذا التفشي يحتاج إلى تنسيق عاجل وتعاون وثيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية، لتفادي تكرار سيناريوهات الكوارث الصحية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية بسبب انتشار الأوبئة.