نحو قوى سياسية جديدة تتجاوز الانقسامات…!

محمد تورشين*

لطالما عانت الساحة السياسية السودانية من انقسامات حادة داخل الأحزاب والقوى السياسية، مما أضعف قدرتها على تحقيق الاستقرار والانتقال الديمقراطي الحقيقي.

منذ تأسيس الأحزاب السودانية في العقود الأولى من القرن العشرين، ظل الصراع داخلها قائمًا بين التيارات المختلفة، مما أدى إلى انشقاقات متكررة أسهمت في تشظي المشهد السياسي.

واليوم، مع وجود أكثر من 300 حزب سياسي وحركة مسلحة، أصبح من الواضح أن هذه الأزمة البنيوية تحتاج إلى حلول جذرية، وإلا فإن أي عملية سياسية مستقبلية ستواجه المصير نفسه من التعثر والتراجع.

الإشكالية التاريخية للأحزاب السودانية

منذ تأسيس أول الأحزاب السودانية مثل “حزب الأشقاء” و”الحزب الجمهوري الاشتراكي” في أربعينيات القرن الماضي، تميز المشهد السياسي السوداني بسيطرة الزعامات التقليدية، سواء كانت دينية أو قبلية أو أيديولوجية.

ومع مرور الزمن، شهدت الأحزاب الكبرى مثل “حزب الأمة” و”الاتحادي الديمقراطي” و”الحزب الشيوعي” انقسامات متكررة بسبب الخلافات الداخلية حول القيادة والتوجهات السياسية.

هذه الانشقاقات لم تكن فقط نتيجة خلافات فكرية، بل كثيرًا ما لعبت المصالح الشخصية والبحث عن النفوذ دورًا محوريًا في تعميق الانقسامات، مما أدى إلى إضعاف دور الأحزاب في بناء دولة ديمقراطية قوية.

في ظل هذا الواقع، أصبح المواطن السوداني ينظر إلى الأحزاب السياسية بعين الريبة، حيث لم تقدم له هذه الأحزاب حلولًا عملية لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية.

كيف أثرت هذه الانقسامات على مستقبل التحول الديمقراطي؟

لا يمكن لأي نظام ديمقراطي أن يترسخ دون وجود قوى سياسية قادرة على تقديم برامج واضحة والعمل على تحقيق الحد الأدنى من التوافق الوطني. إلا أن حالة التشرذم الحزبي في السودان أدت إلى:

ضعف الثقة الشعبية في الأحزاب السياسية: حيث يرى المواطنون أن الأحزاب مشغولة بصراعاتها الداخلية أكثر من انشغالها بمشاكلهم الحقيقية. تعثر بناء مؤسسات الدولة: بسبب عدم وجود توافق سياسي يسمح بتأسيس مؤسسات حكم مستقرة ودائمة. استمرار التدخلات العسكرية: إذ إن الانقسامات الحزبية المتكررة تخلق فراغًا سياسيًا تستغله المؤسسة العسكرية للبقاء في السلطة. نحو نهج سياسي جديد: دور الشباب في التغيير

في ظل هذا الواقع المعقد، بات من الضروري أن يقود الشباب السوداني مشروعًا سياسيًا جديدًا يتجاوز هذه العيوب التاريخية. فبدلًا من إعادة إنتاج أحزاب تقليدية تقوم على الولاءات الشخصية والطائفية، يجب أن يسعى الشباب إلى تأسيس قوى سياسية حديثة تعتمد على المبادئ التالية:

الحد الأدنى من التفاهمات الوطنية: أي تجاوز الخلافات الثانوية والتركيز على القواسم المشتركة التي يمكن أن تجمع مختلف الأطراف. تبني نهج ديمقراطي داخلي: بحيث لا يكون الحزب قائمًا على زعيم واحد، بل على مؤسسات داخلية شفافة تسمح بالتداول السلمي للقيادة. الاعتماد على برامج واقعية بدلًا من الشعارات: تقديم خطط حقيقية لحل الأزمات الاقتصادية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء دولة المؤسسات. التخلص من الولاءات الضيقة: التركيز على مشروع وطني شامل يتجاوز الانتماءات القبلية والطائفية والأيديولوجية الضيقة. دمج التكنولوجيا في العمل السياسي: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المشاركة السياسية لإشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين في عملية صنع القرار. هل يمكن تحقيق هذا التغيير؟

رغم التحديات الكبيرة، إلا أن الظروف الحالية توفر فرصة حقيقية للشباب السوداني لإعادة تشكيل المشهد السياسي. فالوعي السياسي لدى الشباب اليوم أصبح أكثر نضجًا، وهناك إدراك متزايد لأهمية تجاوز أخطاء الماضي. كما أن التكنولوجيا الحديثة فتحت آفاقًا جديدة لتنظيم العمل السياسي بعيدًا عن الأساليب التقليدية.

لكن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى إرادة قوية، وتنظيم محكم، وإصرار على إحداث تغيير حقيقي. فالسودان لن ينهض إلا إذا وُجدت قوى سياسية جديدة قادرة على بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.

ختاما، إن استمرار الأزمة السياسية في السودان هو نتيجة طبيعية لانقسامات القوى التقليدية التي لم تتمكن من تقديم نموذج سياسي مستدام. واليوم، لم يعد هناك خيار سوى التفكير في نهج جديد يعتمد على توافقات وطنية وبرامج سياسية حديثة تضع مصلحة السودان فوق المصالح الضيقة. إذا تمكن الشباب من بناء قوى سياسية جديدة برؤية مختلفة، فإن الأمل في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي سيصبح أكثر واقعية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيأخذ الشباب زمام المبادرة أم سيتركون الساحة لنفس القوى التقليدية التي أعاقت التقدم لعقود؟

* باحث وكاتب سوداني متخصص في الشؤون المحلية والقضايا الأفريقية.

الوسومالأحزاب السودانية التحول الديمقراطي التفاهمات الوطنية السودان القوى التقليدية القوى السياسية محمد تورشين

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأحزاب السودانية التحول الديمقراطي السودان القوى التقليدية القوى السياسية

إقرأ أيضاً:

دراسة: الشباب المصابون بمشاكل صحية متعددة أكثر عرضة للوفاة بعد النوبة القلبية

من المتوقع أن تشكّل الدراسة أساسًا لبرنامج بحثي جديد يمتد لعدة سنوات، يهدف إلى إعادة صياغة طرق تقييم الأطباء للمخاطر، وتطوير علاجات مخصّصة، ووضع إرشادات محدَّثة لتقييم الحالة الصحية للمرضى.

كشفت دراسة قادها فريق من جامعة ليستر ونُشرت في مجلة European Heart Journal، عن قصور كبير في الطريقة التي يُقيّم بها الأطباء المخاطر الصحية المستقبلية للمرضى الذين هم دون الـ55 عامًا بعد إصابتهم بنوبة قلبية.

فبعد تحليل ما يقرب من مليون حالة نوبة قلبية في إنكلترا وويلز، تبيّن أن البالغين الشباب الذين يعانون من ضعف صحي شديد يواجهون خطرًا أعلى بكثير للوفاة المبكرة، ورغم ذلك غالبًا ما يخضعون لفحوصات أقل ويحصلون على خدمات دعم متخصصة أدنى مقارنة بالمرضى الأكبر سنًا.

وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن المرضى الأصغر من 45 عامًا لا يعانون من الوهن الذي يتجلى في بطء المشي والضعف الجسدي وأعراض الشيخوخة التقليدية، أسقطت الدراسة هذا التصور.

وتوصل الباحثون إلى أن هذا الوهن لدى الشباب ناتج عن مجموعة من الأمراض القلبية والتمثيلية، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض الكلى والفشل القلبي المبكر، والتي تتراكم في سن مبكرة غير متوقعة.

وتقول الورقة إنه "نظرًا لعدم تمييز هذا الضعف العضوي، يفوت هؤلاء المرضى غالبًا تلقي العلاج المكثف والرعاية اللاحقة التي يحتاجون إليها بشكل عاجل."

Related دراسة: شرب القهوة يوميًا قد يبطئ الشيخوخة البيولوجية لدى المصابين باضطرابات نفسية شديدةدراسة: الوشوم قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلدأعراض اكتئاب وأزمات نفسية.. دراسة جديدة تكشف آثار الحرب على سكان قطاع غزة

ووفقًا للدكتور حسن محي الدين والدكتور محمد رشيد من قسم علوم القلب والأوعية الدموية، اللذين قادا الدراسة، فإن أبرز النتائج كانت:

الوهن: نحو واحد من كل عشرة مرضى أصيبوا نوبة قلبية تحت عمر 55 عامًا صنفوا ضمن فئة الذين يعانون من وهن معتدل أو شديد طبيعة الوهن لدى الشباب: على عكس الضعف المرتبط بالعمر لدى كبار السن، يظهر لدى المرضى الشباب نمط فريد تهيمن عليه الأمراض القلبية والتمثيلية بدلًا من مشكلات الحركة أو الذاكرة. تأثير أكبر: مقارنةً بكبار السن، كان المرضى الشباب الذين يعانون من وهن شديد أكثر عرضة للوفاة بنحو أربعة أضعاف مقارنةً بأقرانهم الأصحاء في العمر نفسه. الوفاة المبكرة: توفي الشباب الذين يعانون من الوهن الشديد قبل ست سنوات في المتوسط من العمر المتوقع بعد الإصابة بنوبة قلبية.

من جانبه، قال الدكتور محي الدين، المؤلف الأول للدراسة: "نشهد في الواقع مزيدًا من المرضى الشباب الذين يعانون حالات صحية متعددة لا تتماشى مع الصورة التقليدية للضعف الصحي، ومع ذلك يواجهون نتائج صحية سيئة."

بدوره، أضاف الدكتور محمد رشيد، اختصاصي قسطرة القلب: "أعتقد أنه ينبغي استخدام تقييم الوهن الصحي بشكل روتيني لدى جميع مرضى النوبات القلبية، وليس فقط كبار السن."

ومن المتوقع أن تشكل الدراسة الأساس لبرنامج بحثي جديد متعدد السنوات في ليستر بقيادة الدكتور رشيد، يهدف إلى إعادة تعريف كيفية تقييم الأطباء للمخاطر، وتطوير علاجات شخصية جديدة، ووضع إرشادات محدثة لتقييم الحالة الصحية للمرضى.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • دراسة: الشباب المصابون بمشاكل صحية متعددة أكثر عرضة للوفاة بعد النوبة القلبية
  • نائبة التنسيقية: الرئيس السيسي يضع الشباب كقاطرة أساسية للمستقبل والتنمية المستدامة
  • توترات حضرموت تكشف انقسام الشرعية وتستحضر خيانة سقوط صنعاء.. أول تعليق سياسي يحذر من خيانة جديدة تستهدف ما تبقى من أرض الشرعية .. عاجل 
  • رؤساء لجنتين نيابيتين يلتقون طلبة الجامعة الأمريكية لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية
  • المؤتمر: كلمة الرئيس ترسم ملامح مرحلة أكثر انضباطا في العمل السياسي
  • “العليمي يعرقل”… خلافات جديدة تعصف بالمجلس الرئاسي حول منصب وزير المالية
  • التنمية المحلية: أكثر المشاركين في انتخابات النواب من الشباب والسيدات
  • تعز.. الأحزاب السياسية تدين الهجوم على موكب المحافظ والجبولي
  • 275 فرصة عمل جديدة بالسويس
  • مصدر سياسي: التوافق السياسي من يحسم أسم رئيس الحكومة الجديدة