سودانايل:
2025-05-28@20:44:04 GMT

تشّكُل حكومة موازية أم سودان ثالث

تاريخ النشر: 21st, February 2025 GMT

تابعنا بالأمس الاجتماعات التي تُعقد في كينيا، والتي تجمع بين الدعم السريع والإدارات الأهلية والسياسيين والأحزاب المختلفة، تعكس حالة من الحراك السياسي والاجتماعي الواسع، حيث تضم هذه اللقاءات طيفًا واسعًا من المكونات الاجتماعية. هذه الاجتماعات إذا لم يتم التعامل معها بجدية من قبل الأطراف الأخرى، قد تؤدي إلى تحولات جذرية في المشهد السياسي، وربما تفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل كيان سياسي جديد مكتمل الأركان.


بالتأكيد تستهين حكومة بورتسودان بهذه التحركات وتدينها وتنعتهم وتصفهم بوابل من الاتهامات من خيانة وتمرد ولكن هذه الاتهامات لن تُغير من الواقع شيئًا، بل قد تزيد من تعقيد المشهد وتعميق الانقسام. فبدلًا من محاولة احتواء هذه القوى بالحوار ومعالجة الأسباب الحقيقية التي دفعتها إلى الاجتماع والتكتل، تسلك حكومة بورتسودان نهج المواجهة اللفظية والتخوين، وهو أسلوب قد يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا. التاريخ السياسي يُثبت أن نفي المطالب المشروعة وشيطنة الحركات السياسية والاجتماعية لا يُفضي إلا إلى مزيد من التصلب في المواقف، بل قد يدفع تلك المكونات إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة تجاه تحقيق استقلالها السياسي والإداري. فحينما يشعر الفاعلون السياسيون والاجتماعيون أن أصواتهم لا تجد صدى، وأن الحوار مستحيل، تصبح الخيارات الأخرى أكثر جاذبية لهم، بما في ذلك السعي لتأسيس كيان سياسي جديد يحقق تطلعاتهم بعيدًا عن السلطة المركزية التي يرونها فاقدة للشرعية أو غير قادرة على الاستجابة لمطالبهم. إن كانت حكومة بورتسودان ترى في هذه الاجتماعات تهديدًا، فإن الرد الصحيح ليس التخوين والاتهامات، بل البحث عن الأسباب التي دفعت إلى هذا الحراك والعمل على معالجتها بجدية. أما تجاهلها، فسيؤدي بالضرورة إلى تعميق الأزمة وخلق واقع سياسي جديد قد يكون خارج نطاق سيطرتها تمامًا.
إذا صحت الأخبار حول نية هذا الكيان الناشئ في امتلاك قدرات عسكرية، مثل سلاح الطيران، وتأسيس جيش وخدمة مدنية مستقلة، فإن ذلك يعد مؤشرًا قويًا على أن الأمور تسير نحو مرحلة متقدمة من التبلور السياسي والعسكري. هذا التطور يعكس أن القوى المجتمعة في كينيا لم تعد ترى نفسها مجرد معارضة سياسية أو كيان تفاوضي، بل بدأت فعليًا في وضع اللبنات الأولى لمشروع دولة جديدة. امتلاك جيش وخدمة مدنية هو بمثابة خطوة حاسمة نحو بناء دولة ذات سيادة، حيث لا يمكن لأي كيان سياسي أن يدعي الاستقلالية ما لم تكن لديه القدرة على فرض سلطته وتأمين مصالحه. هذا يعني أن الأزمة السودانية قد تدخل منعطفًا أكثر تعقيدًا، حيث لن تظل مجرد أزمة حكم أو صراع على السلطة، بل قد تتجه نحو إعادة رسم الخرائط السياسية والكيانية في المنطقة.
هذا السيناريو ليس مجرد احتمال بعيد، بل هو مسار واقعي قد يتعزز مع استمرار التجاهل الرسمي وعدم الاستجابة الفعلية لمطالب هذه المكونات. فالتاريخ يشهد بأن أي حراك سياسي أو اجتماعي يجد نفسه في مواجهة سلطة ترفض الاعتراف به أو التعامل مع مطالبه بجدية، سرعان ما يلجأ إلى البحث عن آليات بديلة تضمن له التأثير والتمثيل السياسي، مما قد يقود إلى نشوء كيانات جديدة تمتلك مقومات الدولة. إن تشكيل مؤسسات موازية، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو خدمية، يمنح هذه القوى شرعية مستمدة من القواعد الاجتماعية التي تمثلها، ويعزز شعورها بقدرتها على إدارة شؤونها بمعزل عن السلطة المركزية. وحينما تتوفر لهذه المؤسسات آليات تنفيذية فعالة، فإنها تتحول إلى نواة لدولة جديدة مكتملة الأركان، خصوصًا إذا حظيت بدعم داخلي واسع أو اعتراف خارجي، سواء كان ضمنيًا أو علنيًا.
في ظل هذا الواقع فإن استمرار القوى المتحكمة في السلطة في نهج التجاهل أو الاستخفاف بهذه التحركات قد يكون بمثابة منح هذه المكونات دافعًا إضافيًا للمضي قدمًا في مشروعها، بدلاً من العودة إلى طاولة الحوار. ومن هنا، فإن أي استهانة بهذه التطورات قد تعني المساهمة غير المباشرة في خلق كيان سياسي جديد، قد يصبح لاحقًا أمرًا واقعًا لا يمكن تجاوزه.وبذلك، فإن أي استهانة بمثل هذه التطورات لن تكون مجرد تجاهل لحراك سياسي عابر، بل قد تمثل بداية لتغيير جوهري في الخريطة السياسية للمنطقة، بما يعيد تشكيل موازين القوى وفقًا لحقائق جديدة يفرضها الواقع.


د. سامر عوض حسين

samir.alawad@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: کیان سیاسی سیاسی جدید

إقرأ أيضاً:

وزير العمل يترأس اجتماع لجنة تخطيط القوى العاملة

عقدت لجنة تخطيط القوى العاملة، اليوم، اجتماعها الدوري برئاسة سعادة الدكتور علي بن صميخ المري وزير العمل، رئيس اللجنة.

جرى خلال الاجتماع مناقشة آخر مستجدات قطاع القوى العاملة في الدولة، إلى جانب استعراض سير العمل بالمبادرات والمشاريع التي يتم تنفيذها ضمن الاستراتيجية الوطنية الثالثة لقوى عاملة كفؤة ذات إنتاجية، بما يساهم في تطوير الكفاءات الوطنية، ورفع نسبة القوى العاملة الوطنية في القطاعين الحكومي والخاص

مقالات مشابهة

  • فهد الروقي يُلمح: لاعب من النصر وآخر من الأهلي وربما ثالث من الاتحاد
  • أسرار المال والميراث.. حكاية نوال الدجوي وأسرار الطلقة التي هزت كيان الأسرة
  • الوحدة ثالث الهابطين إلى دوري يلو.. والأخدود يبقى بهدف قاتل
  • الموروثات الاجتماعية والسلوك السياسي
  • وزير العمل يترأس اجتماع لجنة تخطيط القوى العاملة
  • ريال مدريد يقترب من حسم ثالث صفققاته الصيفية
  • “صمود” في كمبالا- محاولة لخلق طريق مدني ثالث وسط ركام الحرب السودانية
  • مقاربات تاريخية في تجارب فترات الانتقال السياسي في السودان
  • مكتبة مصر العامة بأسيوط تنظم تدريبات المشروع القومي مودة للحفاظ على كيان الأسرة المصرية
  • عام ثالث من الحرب … كيف يعيش سكان الأبيض آثارها النفسية ؟