جدير بالاطلاع و التبصر: عماؤنا الأيديولوجي: صَفّقنا للخميني وعادَينا الديموقراطية
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
الدكتور أحمد نسيم برقاوي
أعَرّفُ اليسار بأنه موقف أخلاقي ضد الاضطهاد الطبقي، والتمييز العنصري والحقد الطائفي، والهيمنة الإمبريالية على العالم، وتأييد الدفاع عن حقوق الإنسان.
وقد جاء حينٌ من الدهر تحوّلنا فيه -نحن اليساريين والقوميين- إلى أيديولوجيين نُعادي الديمقراطية باسم العداء للإمبريالية، ونؤيد الأصولية الشيعية باسم العداء لإسرائيل، وندافع عن أنظمة حكم الشيوعية السوفييتية وما شابهها في العالم الثالث.
حين تسلّم الخميني السلطة صفّقنا للخميني، فلم نكن نرى في شاه إيران إلا الحارس الأمريكي في الخليج، والاعتراف بإسرائيل. عداؤنا لأمريكا وإسرائيل أعمانا عن رؤية خطر الخمينية على إيران والمنطقة العربية. وحين رُفع العلم الفلسطيني في قلب طهران طرنا فرحًا. ولم نكترث لتصفية حزب «توده» والليبراليين الإيرانيين، بل ولم نتخذ موقفًا أخلاقيًا من الحرب الإيرانية- العراقية، فجميع العراقيين الشيوعيين في دمشق وقفوا إلى جانب إيران.
وأذكر حادثة ذات أهمية تبرز عماءنا اليساري الأيديولوجي آنذاك. بعد اغتيال حسين مروة برصاص “حزب الله” بأيام اجتمعنا في بيت الدكتور «طيب تيزيني» على شرف حضور الفيلسوف والشاعر الماركسي المحبوب «مهدي عامل». سُئل مهدي عامل كيف ستكون العلاقة بينكم وبين “حزب الله” و”أمل” بعد اغتيال حسين مروة، فأجاب: لا بد من التحالف معهم، نحن في معركة صعبة مع إسرائيل. فقلت له: من قتل حسين مروة سيقتل مهدي عامل، أخاف عليك. تبسّم مهدي بسمته الطفلية وأجابني: لا تخَف عليّ. لم يمضِ على اغتيال حسين مروة شهور حتى تم اغتيال مهدي عامل في 1987. ولم تمضِ سنوات قليلة حتى صفّى”حزب الله” المقاومة الوطنية اللبنانية.
لقد حرَم العماء الأيديولوجي مهدي عامل أن يرى خطر حركة مليشياوية مسلحة تغتال أحد أهم عقول اليسار اللبناني آنذاك.
وظل وعينا بالكفاح ضد إسرائيل واحتلالها لجنوب لبنان عامل غضٍّ للنظر عن أصولية “حزب الله” وطائفيته في مجتمع طائفي ودولة طائفية. إلى أن استفقنا وانهار الأساس الأيديولوجي لعمائنا، عندما تحوّل هذا الحزب إلى أداة إجرام بحق الشعب السوري. هذا الحزب الذي أعتقد بأن الله ليس بحاجة إليه وليس بحاجة إلى أي حزب باسمه.
كان العماء الأيديولوجي وراء مشاركة اليسار العربي في المؤتمر القومي-الإسلامي حيث كان الأصوليون الإسلاميون الشيعة والسنّة، حماس والجهاد وحزب الله يتسيّدون المؤتمر بخطاباتهم. لم نكن نميّز بين ضرورة العداء للعنصرية الصهيونية من جهة، وضرورة العداء للأصولية بكل أنواعها، كنا نعادي الإخوان المسلمين ونصفّق لحماس ولحزب الله.
وما زال الحزب السوري القومي الذي من المفترض أنه علماني يتحالف مع حزب الله وحزب الله هو الذي صفّى مقاومته في الجنوب، ما زال الحزب الشيوعي اللبناني يُمالئ حزب الله وحزب الله هو الذي قضى عليه عمليًا في لبنان.
ما زالت بعض بقايا اليسار الفلسطيني ترى في الأصولية الشيعية حبل خلاص ونجاة، وليس حبل مشنقة.
لا يمكن أن تكون يساريًا وأصوليًا معًا، لا يمكن أن تكون شيوعيًا وطائفيًا معًا، لا يمكن أن تكون وطنيًا وتابعا لدولة ولاية الفقيه.
إذا كان لا بدّ من نقد ذاتي، فعلى جميع قوى اليسار جماعات وأفرادًا أن يعتذروا من التائقين إلى الحرية عن عمائهم الأيديولوجي.
*مفكر وباحث وشاعر سوري مِن أبَوَين فلسطينيَّين. الوسومأحمد نسيم برقاوي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: حسین مروة حزب الله
إقرأ أيضاً:
استشهاد صحفية تحت أنقاض منزلها شرق غزة بعد أيام من فقدان الاتصال بها
استشهدت الصحفية الفلسطينية مروة مسلم، بعد العثور على جثمانها تحت أنقاض منزلها المدمر في حي الشجاعية شرق مدينة غزة الجمعة، وذلك عقب أيام من فقدان الاتصال بها.
وكانت مروة مسلم، التي عملت في إذاعة "الشباب" المحلية، واحدة من الأصوات الإعلامية الشابة المعروفة في القطاع، وبرزت من خلال تقديمها برامج صباحية وإجتماعية تناولت هموم الغزيين اليومية، وسلطت الضوء على معاناة الفلسطينيين تحت الحصار الإسرائيلي المستمر.
وبحسب مصادر إعلامية محلية، فقد أُطلقت خلال الأيام الماضية مناشدات عاجلة لإخلاء الصحفية وعائلتها من حي الشجاعية، بعد ورود معلومات تفيد بأنها لا تزال على قيد الحياة برفقة أفراد أسرتها تحت الركام.
إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت جميع طلبات التنسيق والإجلاء الإنساني، ما أدى إلى تأخير عمليات البحث والإنقاذ، وانتهى بالعثور على جثمانها متوفاة.
وكانت مروة قد أُدرجت في قائمة المفقودين منذ عدة أيام، بعد انقطاع التواصل معها ومع شقيقيها، معتز ومنتصر مسلم، في منطقة الشعف الواقعة بحي التفاح شرق المدينة، عقب قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلًا ملاصقًا لمنزلهم، ما أدى إلى تدميره بالكامل.
في سياق متصل، أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة، مساء الجمعة، عن انتشال 18 جثمانا لشهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف أحياء الزيتون والشجاعية شرقي مدينة غزة، في استمرار لحملة الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال على السكان المدنيين.
استشهاد الصحفية مروة مسلم بعد العثور على جثمانها في منزلها بحي الشعف بعد استهداف منزل مجاور لهم .. بالاضافة الى جثة اخرى لشقيقها ولم يتم العثور على شقيقها الاخر
مروة كانت تعمل في إذاعة الشباب في غزة وتقدم عدة برامج منها البرنامج الصباحي وبرنامج ذات. pic.twitter.com/ekcU4ZJ7iS — صالح الجعفراوي | Saleh Aljafarawi (@S_Aljafarawi) August 1, 2025
في مقابلة سابقة، تحدثت الزميلة الصحفية مروة مسلم عن الظروف القاسية التي واجهتها هي وعائلتها جراء عدوان الاحتلال. ويُذكر أنه فُقد الاتصال بمروة وشقيقيها معتز ومنتصر منذ أكثر من ٢٢ يومًا، عقب قصـ.ف صهـ~يوني استهدف المنزل الملاصق لمنزلهم. https://t.co/MpdumkZIgv pic.twitter.com/2yAUAYAHj5 — ق.ض (@Qadeyah1) August 1, 2025
ارتفاع عدد شهداء الصحفيين
وتأتي هذه الجريمة في سياق تصاعد عمليات استهداف الصحفيين في قطاع غزة، حيث أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان رسمي بتاريخ 25 تموز/ يوليو الجاري، أن عدد الصحفيين الشهداء ارتفع إلى 232 صحفيًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وذكر البيان أن استشهاد الصحفي آدم أبو هربيد مؤخرًا، يأتي ضمن سياسة "الاستهداف الممنهج والمقصود للكوادر الصحفية والإعلامية في غزة"، محملاً الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم.
كما دعا المكتب الإعلامي كافة المؤسسات الصحفية الدولية، وعلى رأسها الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب، إلى اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة ضد جرائم الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين، و"فضح سياسة التصفية التي تستهدف إسكات الصوت الفلسطيني المقاوم".
وأكد البيان أن "الاحتلال الإسرائيلي، ومعه الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية الداعمة له كالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، يتحملون مسؤولية مباشرة عن هذه الجرائم النكراء التي تُرتكب بحق الصحافة الحرة في غزة".
وتعيش غزة منذ أكثر من عشرين شهرا٬ تحت وطأة أسوأ كارثة إنسانية في تاريخها، حيث تتوالى المجازر اليومية مع الحصار والتجويع، ما أدى إلى استشهاد وإصابة أكثر من 208 آلاف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب تقديرات رسمية فلسطينية، إضافة إلى أكثر من 11 آلاف مفقود تحت الأنقاض، ومجاعة متفاقمة تهدد حياة مئات الآلاف، وتسببت بوفاة عشرات الأطفال حتى الآن.
وبدعم مباشر من الولايات المتحدة، ويُتهم الاحتلال الإسرائيلي، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، وسط دعوات دولية متزايدة لتقديم قادة الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاكمتهم على جرائمهم بحق المدنيين.