السياسة الطاقية بالمغرب.. أية رهانات للانتقال؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 1st, March 2025 GMT
الكتاب: الانتقال الطاقي بالمغرب: اختيار أم ضرورة؟
المؤلف: د محمد نجيب بوليف
دار النشر: رؤى برنت-الرباط.
الطبعة: 2025
عدد الصفحات: 400 صفحة
منذ أزيد من ثلاثة عقود من الزمن، طرحت معضلة النموذج الاقتصادي بالمغرب، وارتهانه إلى عوامل الطبيعة (الأمطار) وتقلبات أسواق النفط الدولية (أسعار النفط والغاز)، وتعاقبت سياسات حكومية كثيرة، موجهة برؤى استراتيجية رسمت الملكية خطوطها العريضة، تضع قضية الانتقال الطاقي في جدول أولويات النموذج التنموي المغربي الجديد، وتراهن على الطاقات المتجددة، لتقليص نسبة التبعية للخارج في موضوع الأمن الطاقي.
بيد أن هذه السياسات الطاقية التي تنوعت اتجاهاتها ورهاناتها، بدأت تطرح سؤال التقييم، بل أصبح سؤال الانتقال الطاقي، في حاجة إلى إعادة تعريف بالقياس إلى السياق المغربي نفسه، بالنحو الذي يجيب فيه عن سؤال طبيعة هذا الانتقال، وهل هو قرار استراتيجي واع، أملاه الاختيار، أم هو ضرورة، فرضت على المغرب، حتى يجيب عن التحديات الطاقية التي أضحت تحاصره؟
الكتاب الذي بين أيدينا "الانتقال الطاقي بالمغرب: اختيار أم ضرورة؟" لصاحبه الدكتور محمد نجيب بوليف، يكتسي أهمية من جهة الموضوع، وأيضا من جهة المؤلف الذي جمع بين ثلاث مزايا نوعية، أولها التخصص في اقتصاد الطاقة، فهو الحاصل على شهادتين للدكتوراه في هذا التخصص وطنية ودولية، وثانيتها، أنه شغل أكثر من مهمة حكومية سواء في حكومة عبد الإله بنكيران (وزارة الشؤون العامة والحكامة ثم وزير ا للنقل) أو في حكومة سعد الدين العثماني (وزير منتدب مكلف بوزارة النقل)، وثالثتها خبرته الاقتصادية لدى العديد من المؤسسات الدولية والمالية (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وجمعية الدول الفرنكفونية، والمنظمة العالمية لمحاربة الفساد.).
هذه الميزات الثلاث، تجعل من كتبه وثائق مذيلة بكثير من الإحصاءات والبيانات سواء منها الوطنية الخاصة بالمغرب، أو الدولية، هذا فضلا عن تتبع السياسات الحكومية، وقدرة كبيرة على تحليلها بشكل موضوعي، بعيدا عن التحيزات السياسية.
الانتقال الطاقي وإشكالات المفهوم
يثير المؤلف في كتابه سؤالا إشكاليا مهما يرتبط بمفهوم "الانتقال الطاقي"، فالمغرب الذي تبنى هذا الاصطلاح، لم يقدم أي تعريف له مما جعله غير محدد المعالم، بل جعله حمالا لأوجه كثيرة. يسجل المؤلف أن الوثائق الرسمية (الحكومية على وجه التحديد) بما في ذلك الاستراتيجية الطاقية الوطنية المعلنة سنة 2009، لا تقدم أي تعريف للانتقال الطاقي.
يعود المؤلف إلى حفريات هذا الاصطلاح الجديد والطارئ في الساحة الطاقية، ويسجل أن المعهد الألماني "أوكو فرايبورغ" كان أول من استعمله، وذلك سنة 1980، إذ كان يبحث عن بدائل النفط والطاقة النووية بعد أزمتي النفط عامي 1973 و1979. ثم تعزز استعماله في مؤتمر دولي ببرلين حول "الانتقال الطاقي والتخلي عن الطاقة النووية وكيفية حماية البيئة". ويشير إلى أنه خلال الفترة الأخيرة، تم تناوله أوائل عام 2009، من خلال رؤيتين مختلفتين، الأولى بمقاربة أنثروبولوجية وسياسية، والثانية بمقاربة أقرب إلى موضوعنا، من زاوية تقنية ـ اقتصادية.
المغرب يستورد الطاقة بنسبة 91 في المائة من احتياجاته الطاقية، وهو ما يجعل الفاتورة الطاقية مرتفعة، بل يجعل العرض الطاقي في المجمل خاضعا لتقلبات أسعار الطاقة والسياسية الطاقية الخارجية، وهذا ما يؤثر بشكل كبير على كثير من السياسات التنموية، خاصة عند تطبيق مقتضيات الدعم من خلال صندوق المقاصة ودعم الأسعار الكهربائية.يورد المؤلف تعريفات متنوعة للانتقال الطاقي، فالبعض يعرفه بأنه "تغيير من حالة طاقية إلى أخرى، قد تكون أفضل أو أسوا من سابقتها"، والبعض الآخر عرفه بأنه "تغيير لمصادر طاقية حالية (تغيير كلي أو جزئي) إلى مصادر طاقية مختلفة"، ويورد في هذا السياق ثلاث تعريفات لمتخصصين في المجال الطاقي، الأول عرف الانتقال الطاقي بأنه "وضع نموذج طاقي متنوع وتوازني وتشاركي"، وعرفه الثاني بانه "بديل يمكن من استعمال الطاقة البيئية، الصديقة للمناخ، وأنه الحل للإشكالات المناخية والاقتصادية"، بينما عرفه الثالث بأنه "العبور من بنية الإنتاج القائمة على الجمع بين مصادر الطاقة إلى أخرى". ويخلص المؤلف من استقراء هذه التعاريف كلها وتحليل مكوناتها إلى أن "الانتقال الطاقي" يمثل من جهة، "تحولا من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المستدامة المتجددة التي لا تنبعث منها غازات دفيئة"، ومن جهة ثانية هو "تقليص لكمية الطاقة المستهلكة عن طريق تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني والتكنولوجيات، وعن طريق تغيير أنماط الحياة".
الانتقال الطاقي في المغرب والإشكالات المستعصية
ليس ثمة أدنى شك أن تتبع عناصر استراتيجية الانتقال الطاقي المغربي، تتطلب ابتداء الإحاطة بخارطة الطاقة بالمغرب، وخصوصية العرض الطاقي المرتهن بشكل كبير إلى الخارج، فالمغرب يستورد الطاقة بنسبة 91 في المائة من احتياجاته الطاقية، وهو ما يجعل الفاتورة الطاقية مرتفعة، بل يجعل العرض الطاقي في المجمل خاضعا لتقلبات أسعار الطاقة والسياسية الطاقية الخارجية، وهذا ما يؤثر بشكل كبير على كثير من السياسات التنموية، خاصة عند تطبيق مقتضيات الدعم من خلال صندوق المقاصة ودعم الأسعار الكهربائية.
ولعل هذه التحديات والإكراهات هي ما دفعت المغرب إلى وضع استراتيجية طاقية وطنية جديدة، تستثمر ما يتوفر عليه المغرب من طاقات متجددة، وتهدف إلى رفع حصتها في الإنتاج الكهربائي إلى 52%، وكذا تقليص التبعية الخارجية إلى حدود 80% عام 2030.
وقد رسمت هذه الاستراتيجية خمسة توجهات أساسية، انطلقت من تعبئة الموارد الطاقية الممكنة، والارتكاز على التنمية المستدامة استجابة للتحديات المناخية العالمية، واستعمال النجاعة الطاقية كمصدر طاقي إضافي، ثم تنويع الباقة الطاقية بخيارات تكنولوجية موثوقة وتنافسية، إضافة إلى الاندماج الجهوي الطاقي للبلد، كحلقة وصل وتنمية بين أوروبا وأفريقيا (مشاريع الكهربة والغاز).
لكن تنزيل هذه الاستراتيجية على الأرض أظهر العديد من التحديات والإشكالات، التي اضطرت المغرب إلى نهج سياسة جديدة تقوم على مفهوم الانتقال الطاقي.
وقبل أن يعرض المؤلف لهذه الإشكالات، ويفك خيوطها ويبحث آثارها، وضع بين يدي القارئ بيانات ضافية حول مكونات المشهد الطاقي، تشكل مرجعيا إحصائيا وإطارا مرجعيا للعرض والطلب الطاقيين على السواء، إذ تضمن الكتاب 126 جدولا إحصائيا ورسما بيانيا تندرج معظمها في بيان هشاشة العرض الطاقي الوطني وضعفه ومحدويته. ويسعى الكتاب إلى تحليل هذه المعطيات، وتقدم إجابات منهجية لتجاوز هذا الوضع، كما حاول حصر الأثر الذي ينتج عن هذا العرض الطاقي الهش(ضعف التأثير الطاقي في المجالين التنموي والاقتصادي) وذلك، من خلال مؤشرات علمية معتمدة في المجال..
وإضافة إلى هذا الجهد الإحصائي والتحليلي الكثيف، فقد ركز المؤلف جهده في مناقشة إشكالية الانتقال الطاقي بالمغرب، وهل هو اختيار منسجم مع التوجهات الكبرى للنموذج التنموي الوطني وللاستراتيجية الطاقية؟ أم أن هذا الانتقال أصبح ضرورة (مفروضة) اعتبارا للواقع الطاقي الهش، وللتدبير الارتجالي لمجالات التأثير الطاقي، تم اللجوء إليه لمحاولة تجاوز الإشكالات المختلفة على الصعيد الإنتاجي والمؤسساتي والحكامي، وذلك لتوفير عرض طاقي وطني طموح ومستجيب للمتطلبات التنموية التي يحتاجها المغرب للانتقال التنموي في أفق 2050.
هذا وقد عالج الكتاب هذه القضايا في ستة فصول انتظمها بابان اثنان، إذ قدم في الباب الأول واقع الطاقة بالمغرب وتحدياته، وتوقف فيه عند ضعف العرض الطاقي الوطني كمعطى مرتبط بالجغرافيا وبضعف تدبير ملف العرض، وبحث في الجهة المقابلة التأثير الطاقي في المجالات الاقتصادية والتنموية والاستراتيجية. ثم تناول في الباب الثاني إشكالات الإستراتيجية الطاقية وسؤال الانتقال الطاقي، إذ تناول فيه مقاربة تدبير ملف الطاقة بين أهداف الاستراتيجية الوطنية والنموذج التنموي الجديد، من خلال محاور تعبئة الموارد الوطنية والرفع من الطاقات المتجددة، والتنمية المستدامة كأولوية وطنية، والنجاعة الطاقية كمصدر طاقي، وتنويع الباقة الطاقية بخيارات تكنولوجية موثوقة وتنافسية، وتعزيز الاندماج الجهوي. هذا وقد بسط المؤلف في هذا الباب أهم نتائج التدبير الطاقي، معززة بالمعطيات ونتائج الأبحاث.
كما تناول الكتاب ضمن هذا الباب أيضا تقييما شاملا للاستراتيجية الطاقية الوطنية، بعيدا عن التفاؤل الزائد للتسويق الحكومي، وذلك بالاعتماد على آراء مختلف المؤسسات الدستورية والبحثية، وكذا النتائج التي خلصت إليها الدراسة. لينتهي المؤلف بعد ذلك إلى تقديم العديد من المقترحات التي يمكنها أن تكون إيجابية لتسريع الانتقال الطاقي، انطلاقا مما هو متاح وممكن.
كيف وقع الانتقال من الاستراتيجية الطاقية إلى الانتقال الطاقي؟
يطرح المؤلف سؤالا إشكاليا ومنهجيا على السياسات العمومية في المجال الطاقي، يتلخص في الطريقة التي مرت بها المغرب "الاستراتيجية" الطاقية الشاملة، إلى "الانتقال الطاقي"، الذي قد يعتبر هدفا (جزئيا أو كبيرا) لهذه الاستراتيجية؟ وما الأسباب التي بررت هذا التحول؟ وهل هي ذاتية أم موضوعية؟ وهل هذا الانتقال ناتج عن فعل اختياري راشد تم اعتماده وفقا لتقييم موضوعي وواقعي لآثار تنزيل "الاستراتيجية" الطاقية الوطنية؟ أم أنه "ضرورة"، فرضت على البلد داخليا، من خلال الموارد الطاقية، القليلة فيما يخص الموارد الأحفورية والكثيرة من حيث الطاقات المتجددة كالشمس والرياح، وكذلك أيضا من حيث الموارد المالية المتوفرة، والتي لا تساعد على الإبقاء على تدبير القطاع الطاقي كما هو حاليا؟ أم هو ضرورة خارجية، أملتها المتغيرات العالمية التي توجهت من جهة نحو الاقتصاد الأخضر والخالي من الكربون، بحيث فرضت على المغرب التزامات وطنية، أو لربما نظرا لاستشراف مستقبل واعد بالنسبة لبعض موارد الطاقة البديلة، ومنها الهيدروجين كنموذج؟ أو لتفادي التغيرات السعرية الطاقية المرتبطة بمناخ جيو استراتيجي غير مستقر؟
يطرح المؤلف هذه الأسئلة الإشكالية، وهو يوجه الأنظار إلى قضية بالغة الأهمية، وهي أن هذا الاختيار أو هذا الاضطرار يخلف آثارا على التدبير الطاقي المستقبلي. فهو ليس "شعارا" يرفع، بل تغييرا "جذريا" في عملية إنتاج الطاقة واستهلاكها، بحيث يُعتبر أحد مكونات التحول البيئي. فعندما يقرر بلد ما "الانتقال" الطاقي نحو الطاقات المتجددة (النظيفة)، فإن عليه أن يتأقلم بشكل كلي مع هذا التوجه وينخرط فيه، استثمارا وإنتاجا واستهلاكا.
ومن هنا تكمن "مشكلة" الوعي بما يستوجبه من تغييرات على الصعيد المجتمعي. فـ"الانتقال الطاقي" ليس سهلا بحيث لا يتوقف فقط على إرادة صاحب القرار والتطورات التقنية والأسعار وتوفر المصادر، بل يتطلب تحولا سلوكيا واجتماعيا وتقنيا، وتعديلا لأنماط الاستهلاك الطاقي، بجعلها ـ حسب المتداول المقصود من المصطلح ـ أكثر انسجاما مع البيئة. وهو ما ليس متاحا بالنسبة لجميع مكونات المجتمع التي يراد تطبيق الانتقال الطاقي فيها، فهو يتطلب تكييفا للاستعمالات المنزلية والمقاولاتية والمجتمعية مع التطورات التي تتطلبها أنواع الطاقة البديلة، فليس كل من يتوق للطاقة الشمسية ـ يضيف المؤلف ـ يمكنه استعمالها، ولا الطاقة الريحية والهيدروجينية...فالتحول ليس بالأمر السهل اقتصاديا وماليا وفنيا وسياسيا..
"الانتقال الطاقي" ليس سهلا بحيث لا يتوقف فقط على إرادة صاحب القرار والتطورات التقنية والأسعار وتوفر المصادر، بل يتطلب تحولا سلوكيا واجتماعيا وتقنيا، وتعديلا لأنماط الاستهلاك الطاقي، بجعلها ـ حسب المتداول المقصود من المصطلح ـ أكثر انسجاما مع البيئة.ويذهب المؤلف أبعد من ذلك في طرح إشكالات مستقبلية على هذا الرهان الطاقي يصعب الإجابة عنها بشكل موضوعي. فيطرح سؤال ما العمل عند اختيار الانتقال الطاقي لو أن أسعار الطاقات الأحفورية، لأسباب جيو استراتيجية معلومة، أو للحفاظ على طلب عالمي في مستوى الإنتاج والاحتياطيات لمدة طويلة، أصبحت رخيصة جدا وتنافسية قياسا لأسعار إنتاج الطاقات المتجددة؟ وهل سيتم إيقاف سيرورة "الانتقال"؟ أم أن أصحاب هذا التوجه سيضطرون للقبول بمصادر طاقية أغلى وأقل تنافسية، وذلك على حساب الصالح العام؟ وما أثر ذلك على التنمية بالعالم؟
يطرح المؤلف هذا السؤال المستقبلي، ويعود بنا إلى التاريخ القريب لفهم طبيعته الموضوعية، فمنذ أزمة 1973، والدول تبحث عن البدائل، حيث توجهت نحو النفط الصخري تارة، ثم نحو إلى الطاقة النووية تارة أخرى، ثم نحو الطاقات العضوية وغيرها من المصادر، لكن ـ يضيف المؤلف ـ بعد 50 عاما، لازال النقاش مفتوحا للاستفادة من المواد الأحفورية إلى آخر "طن" منها.
يرى المؤلف أنه للإجابة عن هذا السؤال في السياق المغربي، لا بد من الانطلاق من واقع المغرب، الذي يوجد أمام تحـديات استراتيجية طاقية متعددة الجوانب. فمن جهة أولى يواجه المغرب تحديا مرتبطا بالعرض حيث ينتج المغرب أقل من عشر احتياجاته الطاقية فقط، مما يجعله "تابعا" للخـارج، وهو الأمر الذي دفعه لتحديد هدف مركزي لاستراتيجيته الطاقية يخفض من خلاله نسبة التبعية الطاقية إلى 82% (فقط) عام 2030. ينضاف إلى هذا التحدي تحدي ذي طبيعـة ماليـة يتمثل في ثقـل الفاتـورة الطاقيـة وانعكاسـاتها على مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للبلد. ويشير المؤلف بهذا الخصوص إلى ان تكلفة هذه الفاتورة انتقلت من أقل من 20 مليار درهم عام 2002 مثلا إلى 50 مليار درهم عام 2020، ثم إلى 75 مليار درهم عام 2021، لتقفز إلى رقم قياسي تاريخي ناهز 153 مليار درهم عام 2022.. لتتراجع عام 2023 إلى حوالي 122 مليار درهم (ويبقى رقما كبيرا).
ويذكر المؤلف تحديات ثالثا يرتبط بضعف الاستهلاك الطاقي العام والفردي، والذي من شأنه أن "يضبط إيقاع" دينامية الآلة الاقتصادية الوطنية. وقد نتجت عن هذه الجوانب المختلفة للطاقة بالمغرب إشكالات تتعلق بالكثافة الطاقية وبأثر الطاقة على الإنتاج والنمو، وكذا مردودية المشاريع الطاقية السابقة والمستقبلية والاختيارات الطاقية المرتبطة ب "الانتقال" الطاقي المراد للمغرب أن يسير عليه.
وفي سياق الإجابة عن هذه الإشكاليات المعقدة، قدم المؤلف تفصيلا دقيقا للوضعية الطاقية الوطنية، محاولا في ذلك تناول الخصوصيات الرئيسية للواقع الطاقي المغربي، من حيث العرض الطاقي الذي يبقى ضعيفا ودون المستوى المطلوب، وذلك نتيجة ضعف الرؤية الحكومية في كيفية إيجاد التوازن الملائم لمختلف مصادر الطاقة في الإنتاج الوطني، و"التبعية الإرادية" الناتجة عن ذلك. كما تناول الخصوصيات المرتبطة بضعف التأثير الطاقي في المجالين الاقتصادي والتنموي، سواء تعلق الأمر بعدم كفاية الطلب الطاقي الوطني، أو بانخفاض الإشباع الطاقي الفردي، أو بصعوبة تحقيق "الانتقال الطاقي" المنشود.
وقد حرص المؤلف على تقديم رؤيته الخاصة وتقييمه العلمي للاستراتيجية الوطنية من خلال مستوى تحقيق أهدافها، وانطلاقا من توجهاتها الاستراتيجية الخمسة، دن أن يكترث بتوصيفات عدد من المسؤولين و"الخبراء" المتفائلين الذين يسوقون بشكل عاطفي لمستقبل طافي زاهر، ويزيحون من اعتبارهم في التقييم النواقص والإكراهات التي تحتاج لعمل "إرادي" جاد ومتميز، يراعي أولويات الوطن والمواطنين.
هامشية المغرب في المجال الطاقي
خلص المؤلف في كتابه إلى أن المغرب هامشي في المجال الطاقي، سواء في إنتاجه للطاقة (أقل من 0.02% على الصعيد العالمي)، أو في استهلاكه (أقل عن0.2% عالميا)، أو في تدبيره غير الفعال لملف الطاقة برمته. وقد انتهى في دراسته أيضا إلى أن الإشكال الرئيسي للملف الطاقي بالمغرب يختصر أولا في ضعف الإرادة للرقي به إلى المستوى الاستراتيجي الذي يليق به، وكذا في تحديد الدور الذي يراد لقطاع الطاقة أن يقوم به في العملية التنموية بالمغرب.
يفسر د محمد نجيب بوليف ضعف تموقع المغرب الطاقي الاستراتيجي لهشاشة العرض، وقلة الموارد الطاقية الوطنية، وسوء التدبير المرتبط بضعف الاستكشاف والتنقيب والإمكانات الموفرة. فالمغرب لم يفلح منذ عقود في جلب الاستثمارات الضرورية في قطاع الطاقات الأحفورية، رغم الإمكانات الطبيعية المتاحة، والاحتياجات الكبيرة لتوفير هذا النوع من الطاقة، إذ لم يستطع جلب الشركات الكبرى المعروفة في هذا المجال، وبقي العاملون في هذا القطاع "صغارا" من الهواة، ضعيفي الخبرة والقدرات المالية، وليسوا من الصنف الذي يمكن أن يعول عليه لخلق "طفرة نوعية" دائمة في مجال الاستكشاف.
الانتقال الطاقي" لا يمكن أن يعتبر هدفا في حد ذاته، بل هو نتيجة "حتمية" لتطور واقع طاقي متميز بتفاعلات سلوكية وطبيعية / جغرافية وجيوـ استراتيجية مختلفة.كما يفسر ذلك أيضا بضعف انخراط الرأسمال الوطني في هذا المجال وعدم "مغامرته" للاستثمار، نظرا لضرورة الرأسمال الكبير وتواجد عناصر المخاطرة والمجازفة وطول وقت الحصول على مردودية، مفضلا بذلك منطق "الريع" والعمل في سلاسل القيمة النهائية لقطاع الهيدروكربونات، والمتعلقة بالتجارة، الرابحة دائما.
ويعزو المؤلف تراجع وضع المغرب الطاقي أيضا إلى تأخر مؤشرات استهلاكه الطاقي العام والفردي وكثافته الطاقية الإنتاجية عن مستويات الدول الصاعدة. ويرى المؤلف أن هذا الوضع ليس راجعا فقط للبنية الاقتصادية والاستهلاكية التي لا زالت حبيسة منطق لا يرى في الطلب الطاقي مكونا من مكونات النمو، بل تعود أيضا إلى محاولة المغرب الارتباط بالتوجهات الهيمنية الغربية، فالغرب -كان ولازال-له قدرة على تمرير سلوكيات ومواقف تخدم مصالحه، ومنها إلحاحه على ضرورة خفض الاستهلاك الطاقي الفردي، وكذا الاستهلاك الطاقي الضروري للإنتاج، والحرص على عدم الاستهلاك المضر بالبيئة، إلخ، مما يجعل الدول "النامية"، ومنها المغرب، مضطرة للالتزام بها وتطبيقها.
ويلمح المؤلف في خلاصة أخرى إلى إشكال ثالث يخص ضعف ارتباط التدبير الطاقي بمجالات النمو، مما يجعله مجردا ومقصودا لذاته. وقد خلص المؤلف لهاته النتيجة من خلال استقرائه لمختلف نتائج "الاستراتيجية الطاقية الوطنية" التي لم تستطع منذ 15 سنة أن تثبت عل أهداف قارة. وهذا ما رجح للمؤلف بان الانتقال الطاقي بالمغرب هو أقرب للضرورة منه للاختيار الواعي الراشد، ويدلل على ذلك بكون المغرب لم يوفر الطاقة بأسعار تنافسية، ولم يطور نجاعته الطاقية بما يلزم، ولم يحقق التنمية المستدامة المتوخاة والشمولية، ولم يمكن مواطنيه من "إشباع طاقي" ملائم، كما لم يستطع أن يحسم في مردودية وقابلية الطاقات المتجددة لكي تكون البديل الذي سيمكن من "الانتقال الطاقي" الموعود.
وهكذا يقرر المؤلف في كتابه خلاصة مركزية يعتبر فيها "الانتقال الطاقي" لا يمكن أن يعتبر هدفا في حد ذاته، بل هو نتيجة "حتمية" لتطور واقع طاقي متميز بتفاعلات سلوكية وطبيعية / جغرافية وجيوـ استراتيجية مختلفة. كما أنه لا يمكن أن "يفرض" استجابة لـ "توصيات" دولية أو ل "توجيهات" دول صديقة، أو لشروط "منظمات مالية".. فهو اختيار "قاصد" و"هادف"، نابع من إمكانيات البلد وأولوياته، وعملية إرادية متحكم في بلورتها وأهدافها وتنزيلها، وهو إرادة أولا، وتخطيط ثانيا، ووضع للوسائل ثالثا، ثم تنزيل محكم رابعا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب المغربي الطاقة العرض المغرب كتاب طاقة عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتقال الطاقی بالمغرب الطاقات المتجددة ملیار درهم عام المؤلف فی الطاقی فی یمکن أن من خلال ما یجعل فی هذا من جهة إلى أن
إقرأ أيضاً:
كتاب فرنسي جديد يكشف: غزة تحت الاحتلال.. مأساة إنسانية وتواطؤ دولي
سلط الكاتب الفرنسي فرانسيس غيل، الضوء، على آخر ما صدر من كتب عن المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو، Un historien à Gaza (مؤرخ في غزة) الذي سافر إلى غزة عدة مرات خلال السنين الماضية، وقضى شهرا في المناطق الفلسطينية من كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى كانون الثاني/ يناير 2025.
وأشار الكاتب عبر مقال له، إلى أن، المؤلف جان بيير فيليو، هو أستاذ دراسات الشرق الأوسط في معهد باريس للدراسات السياسية وباحث في مركز CERI الفرنسي المتخصص في الدراسات الدولية وزميل في مركز برشلونة للعلاقات الدولية CIDOB وزميل زائر في كينجز كوليج بجامعة لندن.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
شهد الأسبوعان الماضيان تغيراً ملحوظاً في لهجة زعماء كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فيما بدا أنه طي لصفحة ما كان سائداً من قبل بينهم من تكرار للحديث عن أن لدولة الاحتلال الإسرائيلي الحق في الدفاع عن نفسها. هذا مع العلم أن عدداً من زعماء أوروبا الآخرين، وخاصة في إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا، تبنوا منذ وقت طويل موقفاً أكثر نقداً لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
والآن، يستخدم رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني، تعبيرات أشد قسوة للتنديد بحرب دولة الاحتلال الإسرائيلي على أهل غزة، إذ راحوا يهددون بتعليق الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل. بل لقد قال المستشار ميرز، والمعروف عنه أنه من أشد المؤيدين للدولة اليهودية، إنّ: "ما تفعله الحكومة الإسرائيلية في غزة لم يعد بالإمكان تبريره بالقتال ضد حماس".
ينسجم هذا التبدل مع موقف الرأي العام، بل لقد فتح الباب على مصراعيه أمام جدل في ألمانيا حول ما إذا كان ينبغي عليها أن تستمر في تزويد إسرائيل بالأسلحة. تعكس هذا التغيير تغطية الإعلام الفرنسي للأحداث، فمؤخراً صار الإعلاميون والأكاديميون المنتقدون للسياسة الإسرائيلية يحظون بوقت أطول في البرامج التي تبث لتمكينهم من التعبير عن وجهات نظرهم. إلا أن هذه الكلمات لم تؤثر بعد في السياسة الإسرائيلية.
جاءت صور الأطفال الرضع الذين أصابهم الهزال وهم في أحضان أمهاتهم اللواتي لم يعد بإمكانهن إرضاعهم لتذكر المشاهدين بتلك الصور التي وثقت فتح معسكرات الإبادة الألمانية في عام 1945 والرعب الذي ظهر على وجوه الضباط الأمريكيين والبريطانيين حينما وقعت أعينهم على مشاهد لبشر تركوا في أوضاع أشد انحطاطاً من أوضاع كالحيوانات.
لسوف يتذكر الناس أواخر شهر مايو (أيار) 2025 باعتبارها اللحظة التي وجد الزعماء الأوروبيون فيها أن من المستحيل لفظياً الاستمرار في إنكار حقيقة تأكيد الزعماء الإسرائيليين، ما بعد هجوم السابع من أكتوبر والذي قتل فيه 1139 إسرائيلياً وأجنبياً، على أنهم سوف يخرجون 2.3 مليون فلسطيني قسراً من قطاع غزة.
كرس جان بيير فيليو، أحد أشهر المؤرخين الفرنسيين المتخصصين في المنطقة، كتاباً للحديث عما لا يعرفه كثير من الناس عن تاريخ هذا القطاع العجيب من الأرض. لغته منضبطة، وكلماته جراحية. ليس من النوع الذي يعبر صراحة عن المشاعر العاطفية، سواء في كتبه المنشورة أو في مقابلاته التلفزيونية.
جمله مصاغة بلغة فرنسية كلاسيكية لا تشوبها شائبة. يتكلم كما لو كان قاض يقدم خلاصة لقضية ما. تمكن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من السفر إلى غزة وأمضى شهراً هناك، حيث نزل ضيفاً على المنظمة غير الحكومية "أطباء بلا حدود".
من المعروف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمنع مندوبي الصحافة الدولية من الدخول إلى غزة، التي قضى نحبه فيها ما بين شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وشهر إبريل (نيسان) 2025 ما لا يقل عن 232 صحفياً، خمسة وعشرون منهم من النساء. طبقاً لما صدر عن لجنة حماية الصحفيين، يعادل الصحفيون الذين قتلوا في غزة ثلاثة أرباع أولئك الصحفيين الذين قتلوا حول العالم في عام 2023 وثلثي الصحفيين الذين قتلوا حول العالم في عام 2024.
يخلص فيليو إلى أنه "لا يوجد شك بأن الجيش الإسرائيلي وحده يتحمل المسؤولية عن الموت العنيف لأولئك الذين مهنتهم إعلام الناس." ولذلك يعتبر كتابه "مؤرخ في غزة" إدانة ساحقة لسياسة الانتقام التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي من شأنها أن تحولها إلى دولة منبوذة.
بينما ينتقل بالسيارة عبر شارع صلاح الدين، يشرح لماذا يتوجب عليهم أن يمضوا فيه ببطء، وذلك أن الناس الذين يسيرون على الأقدام بلغت منهم المعاناة والألم والقصف الدائم أنهم لم يعودوا يسمعون السيارات. على امتداد الطريق يقابل رجلاً مسناً يقول له إن مصيره أشبه ما يكون بمصير الشاة التي تُعلف بما يكفي لإبقائها على قيد الحياة إلى أن يحين موعد التضحية بها في العيد كل سنة. من بين معارفه القدامى، يحظى الشخص النازح في المتوسط بما لا يزيد عن متر ونصف المتر المربع ليعيش فيه – الفلسطينيون أشبه بمن تحطمت سفينتهم.
الرائحة الكريهة المنبعثة من أطنان من النفايات، ومحطات معالجة المجاري المدمرة، ونقص المياه، أمر لا يطاق. يذكرنا الكاتب بما عبر عنه البابا فرانسيس حين لخص الوضع في غزة قائلاً: "هذه ليست حرباً، بل ممارسات وحشية".
تتعرض المستشفيات بشكل ممنهج ومنتظم للقصف، ويموت الرضع بسبب البرد والجفاف والمرض، ويتم استهداف الأطباء والممرضين، وتدمر المدارس والجامعات، ويقوم الجنود الإسرائيليون عن عمد بتدمير الكتب والوثائق الأكاديمية. يتعرض الفلسطينيون "لعنف يليق بيوم الحساب.".
تم تدمير الكثير من المباني والكثير من الأسواق، حتى أن فيليو يفقد القدرة على معرفة المكان الذي يتواجد فيه. لا شيء مما شهده في أفغانستان وسوريا وأوكرانيا أعده لما يراه في غزة. وهذا يفسر "لماذا لا تسمح إسرائيل للطواقم الصحفية الدولية بالوصول إلى مثل هذا المشهد الصادم".
وفيما عدا ما تنشره صحيفة "هآريتز"، لا يرى الناس في دولة الاحتلال الإسرائيلي العنف اليومي الذي تتعرض له غزة. وحكومات أوروبا وأمريكا الشمالية "التي تحرص في العادة على الدفاع عن الحرية لا تفعل شيئاً من أجل حمل إسرائيل على تخفيف التعتيم الشديد الذي تفرضه." ثم يعرب فيليو عن دهشته إزاء قلة التعاطف في الغرب مع الضحايا المدنيين لحقول القتل هذه.
إنه لا يتغاضى عن الانقسامات المريرة ما بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهي الانقسامات التي تشجعها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك الإمارات مؤخراً، والتي وقعت على عقد شراكة استراتيجية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
تتفادى دولة الاحتلال الإسرائيلي قضف المستشفى الذي شيدته الإمارات العربية في رفح، فتراه واقفاً لم يمسسه سوء وسط ركام المباني المدمرة من حوله. يزعم الإماراتيون أنهم يتصدرون "العمل الإنساني" في غزة، ولكنهم في الواقع يختبرون أعماقاً جديدة من المكر. يفهم فيليو أكثر من غيره مجريات الأمور داخل كل من حماس ومنظمة التحرير، بما في ذلك وسائل حماس الصارمة في فرض سيطرتها على قطاع غزة، والحكايات البائسة للاقتتال الداخلي، وتاريخ قوة النخبة داخل حماس، كتائب القسام.
كما يلاحظ أن من ينتسبون إلى الطبقة الوسطى من الناس لاذوا بالفرار من غزة، ويجد أن كثيراً من الشباب الفلسطينيين لديهم أكثر من مجرد الاستعداد للانضمام إلى حماس، وذلك على الرغم من تكبد قواتها خسائر جسيمة على يد دولة الاحتلال الإسرائيلي.
يمكن الاستدلال بأحداث مختلفة على تعطل القانون الدولي، ومنها: الاستراتيجية الحالية من قبل الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي والتي تقوم على خصخصة المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة، وتشجيع دولة الاحتلال الإسرائيلي لرؤوس الإجرام مثل أبو شباب على مهاجمة قوافل المساعدات الإنسانية، وتجريف دولة الاحتلال الإسرائيلي للمقابر الإسلامية زاعمة أن ذلك وقع نتيجة لما تقول إنه "مجرد إهمال"، ثم لا يطول بها المقام حتى تعيد إلى المستشفيات في غزة شاحنات مملوءة بالجثث المجهولة المتحللة.
وبينما يتم التنصل من الالتزام بالقواعد التي تم الاتفاق عليها بعد عام 1945 وتحل محلها سيادة القوة الوحشية، ويتم التلاعب بوسائل الإعلام، ويوصف أعداء دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنهم حيوانات، يلتزم الزعماء الغربيون الصمت، متجاهلين تراجع نفوذهم عبر العالم.
يخلص المؤلف إلى القول إنه "منذ السابع من أكتوبر 2023، تُركت غزة وأهلها في حالة من الاختناق بسبب مأزق ثلاثي الأبعاد – الانسداد في الحالة الإسرائيلية، والانسداد في الحالة الفلسطينية، والانسداد في الحالة الإنسانية. أما الانسداد الإسرائيلي فهو ناجم عن رفض دولة الاحتلال الإسرائيلي معاملة غزة إلا من وجهة النظر المتعلقة بأمن الدولة اليهودية، دون أي اعتبار للواقع الإنساني داخل غزة..
مثل هذا الخداع الذاتي لم يحل دون أن تشهد دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر الأيام دموية في تاريخها. وأما الانسداد الفلسطيني فناجم عن اهتمام الفصائل الفلسطينية بخدمة مصالحها الخاصة على حساب سلامة وتكامل الشعب الفلسطيني. وأما الانسداد الإنساني فناجم عما سبق ذكره، إذا لا فائدة من التظاهر بتقديم المساعدة على المدى البعيد لسكان لازالوا يحرمون من أي أفق سياسي ومازالوا يعيشون تحت رحمة سلطة محتلة".
لا مفر أن تكون الكلمات الأخيرة لبواتر سمولنار من مقاله المنشور في عدد العشرين من فبراير 2018 من صحيفة لوموند تحت عنوان "غزة على شفا الاختناق"، والذي يقتبس منه فيليو ما يلي:
"تمثل غزة لكل العالم نوعاً من المختبر الجنوني الذي يحاول فحص كم سيبقى مليونان من الخنازير الغينية على قيد الحياة داخل قفص زجاجي محكم الإغلاق.
لا تنهار غزة فقط على رؤوس "أهل غزة من النساء والرجال والأطفال. بل إن غزة تُسقط أعراف وأحكام القانون الدولي التي استغرق بناؤها كثيراً من الجهد عسى أن تتمكن البشرية من تجنب تكرار ما شهدته الحرب العالمية الثانية من توحش وهمجية".
بمعنى آخر، تفتح غزة الباب على "عالم خسيس.. تترك شؤونه ليتولاها شخص مثل ترامب ونتنياهو وبوتين وحماس"، إنه عالم جديد يتسارع تشكله بفضل تخلينا عن غزة.