حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
د. وجدي كامل
عندما اندلعت هذه الحرب في بداياتها، بدا الأمر وكأنه صراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، ثم سرعان ما تكشفت حقيقتها لتصبح حربًا بين جنرالين لا يمتلكان أي حس بالمسؤولية الوطنية، يسعيان بكل ما أوتيا من قوة للاستئثار بالسلطة. ومع مرور الوقت، أدرك الناس أن هذه الحرب ليست سوى محاولة من المؤتمر الوطني وأجهزته العسكرية والأمنية لاستعادة الحكم الذي أسقطته ثورة الشعب.
كل ذلك صحيح بلا شك، لكنه ليس سوى جزء من المشهد. فمع توالي الأحداث، اتضح أن هذه الحرب لم تكن سوى غطاء لعمليات نهب منظم لموارد وثروات البلاد من ذهب، ومعادن اخرى، حيث شاركت جميع الأطراف المسلحة- الجيش والدعم السريع على حد سواء- في عمليات السلب والنهب، مستهدفين البنوك والمنازل والأسواق، وباطن الارض، دون أدنى اعتبار لحقوق المواطنين أو ممتلكاتهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كشفت التقارير الأخيرة عن تورط عناصر من الجيش في مواصلة عمليات النهب التي بدأتها قوات الدعم السريع، في ما أصبح يُعرف بـ”الشفشفة”، وهو مصطلح محلي يعبّر عن نهب ممتلكات النازحين بعد مغادرتهم قسرًا.
ولم تتوقف هذه الجرائم عند نهب الممتلكات الفردية، بل امتدت لتشمل عمليات تهريب للثروات الوطنية، مثل تصدير النحاس المستخرج بطريقة غير قانونية، في وقت يعاني فيه المواطنون من الجوع والفقر والتشريد. أصبح من الواضح أن هذه الحرب ليست سوى حرب لصوص، حيث تتنافس القوى المسلحة المختلفة على استغلال البلاد لصالحها، دون اعتبار لمصير الشعب أو مستقبل السودان.
لقد بات واضحًا أن الإطاحة بالمرحلة الانتقالية لم تكن سوى “كلمة سر” لفتح الأبواب أمام نهب منظم من قبل القادة العسكريين، وهو ما تؤكده المعلومات المتداولة حول تضخم ثرواتهم بطريقة يعجز العقل عن استيعابها. هذه الاستباحة للممتلكات العامة والخاصة، وهذا الاحتقار التام للحقوق العامة، ليسا سوى امتداد لثقافة الفساد التي عمّقها عقلية الإخوان المسلمين خلال سنوات حكمهم، حيث زرعوا فكرة أن الفساد ليس مجرد انحراف، بل ممارسة مشروعة بل ومطلوبة لتحقيق المصالح. وهكذا، أصبحت السرقة سلوكًا راسخًا، لا يقتصر على الأفراد بل يمتد إلى مؤسسات كاملة، تشمل الجيش، الدعم السريع، الحركات المسلحة المتحالفة، وحتى الكتائب الأمنية المختلفة. لقد فهم الناس ان الفضائح اخرجتها لجنة التفكيك كانت اجراءات مؤلمة وشديدة الصدمة للمدانين وان الحرب لم تعد سوى الوسيلة والاداة لرفض حكم القانون والافلات من العقاب والمحاسبة. الحرب والفساد دائرة جهنمية لا تنتهي، وان هذه الفوضى لا تقتصر على تدمير الاقتصاد ونهب الثروات، بل إنها تخلق واقعًا اجتماعيًا جديدًا تُطبع فيه اللصوصية كجزء من الحياة اليومية. كل يوم تستمر فيه الحرب، يتغلغل الفساد أكثر، ويصبح أكثر قبولًا كجزء من النسيج الاجتماعي، حتى يصل إلى مرحلة يستحيل فيها اقتلاعه دون ثمن باهظ.
من الواضح بات، ان النتائج ستكون كارثية، ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية الحالية، ولكن على مستقبل البلاد والأجيال القادمة، التي ستجد نفسها مضطرة لدفع ثمن هذا الفساد المنهجي على “دائرة المليم”، كما يُقال. لقد أُبتلي السودان بحكام عسكريين، بتحالفات مدنية، لم يروا في الدولة سوى غنيمة، ولم يروا في الشعب سوى عقبة في طريقهم للثراء.
في ظل هذا الواقع المظلم، لا يمكن الخروج من هذه الدوامة إلا عبر وعي شعبي متزايد بحقيقة الصراع، ورفض تام لاستمرار سيطرة هذه القوى الفاسدة على مصير البلاد. لا بد من إعادة بناء السودان على أسس جديدة، يكون فيها القانون هو الحاكم وليس السلاح، وتكون فيها العدالة هي الميزان، وليس المصالح الشخصية لمن هم في السلطة.
إنها السرقة بأوامر عليا. انها السرقة التي كلف تنفيذ خطتها فض انعقاد الاجتماع المدني السوداني وتدمير الدولة والعبث بالحقائق والتاريخ. إنها حرب اللصوص، لكن الشعب، وحده قادر على إنهائها، طال الوقت، ام قصر.
[email protected]
الوسومالحرب السودان الفترة الانتقالية القوات المسلحة اللصوص الوعي الشعبي د. وجدي كامل قوات الدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحرب السودان الفترة الانتقالية القوات المسلحة اللصوص الوعي الشعبي قوات الدعم السريع الدعم السریع هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تستهدف بورتسودان... والعدل الدولية ترفض دعوى السودان ضد الإمارات
قوات الدعم السريع تستهدف مستودعات الوقود في مطار مدينة بورتسودان بالطائرات المسيرة ما يفاقم الوضع الإنساني في المدينة أكثر، وفي تطور قانوني، رفضت محكمة العدل الدولية دعوى رفعتها الحكومة السودانية ضد الإمارات بتهمة التواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية. اعلان
تتواصل الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع على مدينة بورتسودان شمال شرق السودان، العاصمة المؤقتة للحكومة السودانية، لليوم الثاني على التوالي.
وقصفت طائرات مُسيّرة، الاثنين، مستودعات الوقود شرقي المدينة، وذلك بعد استهدافها مطار بورتسودان ومنشآت استراتيجية أخرى في اليوم السابق.
وبحسب شهود عيان، وقع انفجار هائل في مستودعات الوقود جنوبي المدينة، والتي تحتوي على الاحتياطي الاستراتيجي لوزارة الطاقة والنفط، الأمر الذي يفاقم الوضع الإنساني والاقتصادي المتدهور أصلاً، خاصة بعد تعرض مصفاة الخرطوم للحريق سابقاً إثر الاشتباكات المسلحة.
وكان نزاع السيطرة على الخرطوم قد دفع الحكومة السودانية إلى الانتقال إلى بورتسودان في الأيام الأولى للحرب، حيث كانت تُعد حتى الآونة الأخيرة واحدة من المناطق القليلة التي نجت من الاشتباكات، وشهدت توافد مئات الآلاف من النازحين إليها، فضلاً عن انتقال موظفي الأمم المتحدة إليها.
اتهامات رسمية بارتكاب جرائم حربمن جهة أخرى، أفادت صحيفة "غارديان" البريطانية بأن شرطة "سكوتلاند يارد" تلقت ملفاً يتكون من 142 صفحة يوثق أدلة على ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرب في السودان، وتجري حالياً مراجعته تمهيداً لتحويله إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وأكد محامون قدموا الملف أن الوثائق تحوي إثباتات تشير إلى المسؤولية المباشرة لقيادة قوات الدعم السريع عن انتهاكات متكررة، مشيرين إلى أن القادة كانوا إما على علم بهذه الفظائع أو كان يجب أن يكونوا كذلك، بناءً على مبدأ "المسؤولية القيادية".
وتأتي هذه التطورات بعد تصريحات سابقة من الخارجية الأمريكية، التي وصفت العام الماضي أعمال قوات الدعم السريع بأنها إبادة جماعية، وفرضت عقوبات على قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
Relatedالسودان: نزوح الآلاف من مخيم زمزم بعد هجوم لقوات الدعم السريع خلف مئات القتلى السودان مأساة لا تنتهي: آلاف النازحين يصلون شمال دارفور هربًا من قوات حميدتي عامان من الحرب في السودان... تقلبات كثيرة والثابت الوحيد هو تصاعد الأزمة الإنسانيةالعدل الدولية ترفض الدعوى السودانية ضد الإماراتوفي سياق آخر، رفضت محكمة العدل الدولية، الاثنين، الدعوى التي رفعتها الحكومة السودانية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تتهمها فيها بالمشاركة في ارتكاب جرائم إبادة جماعية عبر دعمها لقوات الدعم السريع في النزاع السوداني.
وبررت المحكمة رفضها بالقول إنها تفتقر إلى الاختصاص القضائي في النظر بالقضية، خاصة أن الإمارات سبق أن أعلنت استثناءً يتعلق بالفصل من الاتفاقية الدولية الخاصة بالإبادة الجماعية الذي يخول المحكمة النظر في مثل هذه القضايا.
بدورها، رحبت الإمارات بالقرار، مؤكدة أن الدعوى لا تستند إلى أسس قانونية أو واقعية، وقالت ممثلة الدولة لدى المحكمة، ريم كتيت، إن الادعاءات السودانية "عارية من الصحة"، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة