تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يمضي بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي، في نهج دموي لا يتوقف، مستندا إلى سياسة قائمة على القوة العسكرية المطلقة، دون اكتراث بالقوانين الدولية أو الأعراف الإنسانية، ما يجري في قطاع غزة ليس مجرد حملة عسكرية تستهدف "حماس"، كما يروج في الخطاب الإسرائيلي الرسمي، بل هو محاولة ممنهجةٌ لإخضاع الفلسطينيين عبر القصف المكثف والحصار الخانق، في سياق استراتيجية تقوم على فرض سياسة الأرض المحروقة، وخلق واقع جديد لا يترك مجالًا للمقاومة أو حتى للحياة الكريمة.
التصعيد في قطاع غزة ليس مجرد خطوة عسكرية عابرة، بل هو انعكاس لأزمة عميقة في السياسة الإسرائيلية، حيث يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه أمام مأزق داخلي معقد، لم يعد بإمكانه الهروب منه إلا عبر إشعال مزيد من المواجهات، فمنذ توليه الحكم، اعتمد نتنياهو على تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج، مستخدمًا التصعيد الأمني كأداة سياسية للهروب من إخفاقاته، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى القانوني، حيث لا يزال يواجه اتهامات بالفساد تهدد مستقبله السياسي. ومع تزايد الغضب الشعبي داخل إسرائيل بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة، لم يجد سوى اللجوء إلى الخيار العسكري لتوحيد الجبهة الداخلية حوله، رغم إدراكه أن ذلك لن يكون حلًا مستدامًا.
من الناحية الاقتصادية، تواجه إسرائيل واحدة من أسوأ أزماتها منذ عقود، حيث انخفض معدل النمو إلى 1% فقط في 2024، في حين ارتفع العجز المالي إلى 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الإنفاق العسكري الهائل، الذي تجاوز 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار)، مما زاد من الأعباء على الاقتصاد. في الوقت ذاته، قفزت نسبة الدين العام إلى 69% بعد أن كانت 61.3% في 2023، وهو مؤشر على هشاشة الوضع المالي في ظل استمرار التصعيد، هذه الأرقام تعكس صورة قاتمة للوضع الاقتصادي، حيث فقدت إسرائيل قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تراجعت بنسبة 60% بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني، فيما زادت معدلات البطالة، خاصة بين المُهجّرين، إلى 20% نتيجة الاضطرابات الأمنية المتواصلة.
على المستوى التاريخي، لطالما استخدمت الحكومات الإسرائيلية التصعيد في غزة كأداة لإعادة ترتيب الأولويات الداخلية، لكن هذه الاستراتيجية لم تؤدِ يومًا إلى تحقيق نتائج مستدامة، فمنذ عملية "الرصاص المصبوب" (2008-2009) وحتى "حارس الأسوار" (2021)، كانت النتيجة دائمًا واحدة: تصعيد مؤقت يعقبه هدوء هش، بينما يظل الواقع على الأرض على حاله.
إن العنف الإسرائيلي ليس وليد اللحظة، بل هو جزء أصيل من العقيدة الأمنية للدولة العبرية، التي تأسست على القوة والاحتلال وفرض الأمر الواقع، إسرائيل لم تكن يومًا دولة تبحث عن السلام، بل كيان يستمد وجوده من الصراعات، ويعتمد على التفوق العسكري لضمان استمراره، فيما تتحول أي محاولةٍ فلسطينية للمطالبة بالحقوق إلى ذريعةٍ لحروبٍ جديدة، هذه الاستراتيجية ليست خيارا عابرا، بل هي ركيزة ثابتة في الفكر الصهيوني، حيث يرى قادته أن أي توقف عن استخدام القوة قد يؤدي إلى انكشاف الطبيعة الحقيقية لهذا الكيان، باعتباره دولة قائمة على الاحتلال والاستيطان، وليست كيانا طبيعيا ضمن المنظومة الدولية.
لا يقتصر النهج الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، بل يمتد ليشمل سياسةً خارجية قائمة على التدخل، والتخريب، وإثارة الأزمات الإقليمية، فمنذ نشأتها، اعتمدت إسرائيل على توسيع نفوذها عبر إضعاف الدول المحيطة، سواء من خلال الحروب المباشرة، أو عبر تغذية الصراعات الداخلية، أو حتى عبر توظيف الدبلوماسية والأدوات الاستخباراتية لخلق بيئةٍ إقليمية مضطربة تخدم مصالحها.
العداء الذي تصدره إسرائيل ليس موجهًا للعالم العربي فحسب، بل يتعداه إلى سياسات تقوم على التمدد في إفريقيا، وتعزيز النفوذ في مناطق النفط والغاز، ونسج تحالفاتٍ مع القوى الدولية لضمان دور في إعادة تشكيل النظام العالمي، في المقابل، تضمن تل أبيب لنفسها حصانة دائمة من أي مساءلة قانونية، مستفيدة من نفوذها المتزايد في المؤسسات الدولية، ومن علاقتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة، التي تحولت إلى راع رئيسي للمشروع الصهيوني.
الدعم الأمريكي لإسرائيل ليس مجرد سياسة خارجية عادية، بل هو التزام استراتيجي يتجاوز كل الاعتبارات الأخلاقية والسياسية، واشنطن، التي تتشدق دوما بمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، تنحاز بشكلٍ أعمى إلى تل أبيب، وتجهض أي مشروع أممي يسعى إلى محاسبتها أو حتى تقييد عدوانها، هذا الانحياز ليس نابعا فقط من المصالح السياسية، بل هو جزءٌ من عقيدة سياسية واقتصادية متجذرة، تجعل من إسرائيل شريكًا لا يمكن التخلي عنه.
ولكن، هل تمتلك إسرائيل الاقتصاد الأمريكي؟ الحقيقة أن النفوذ الإسرائيلي في مراكز صنع القرار الأمريكية لا يقتصر على الدعم السياسي، بل يمتد ليشمل الاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا، حيث تمارس الجماعات المؤيدة لإسرائيل تأثيرا هائلًا على الكونجرس، وتتحكم في توجهات كبرى الشركات الأمريكية، مما يجعل أي محاولة لإعادة النظر في العلاقة بين البلدين أمرا بالغ الصعوبة، اللوبيات الصهيونية لا تكتفي بدعم إسرائيل، بل تفرض أجندتها على السياسة الخارجية الأمريكية، بحيث تتحول واشنطن إلى أداةٍ في خدمة المشروع الإسرائيلي، دون أي حسابٍ لتداعيات هذا الدعم غير المشروط على الاستقرار العالمي.
إن استمرار إسرائيل في سياساتها العدوانية، واستغلالها للدعم الأمريكي المطلق، لا يعني أن هذا الوضع سيظل قائما إلى الأبد، فالتاريخ يخبرنا أن الاحتلال، مهما بلغت قوته، لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، إسرائيل قد تمتلك التفوق العسكري، لكنها لا تستطيع أن تفرض شرعيةً زائفةً على شعبٍ يرفض الخضوع، ولا يمكنها أن تضمن بقاءها في بيئةٍ ترفض وجودها. أما الولايات المتحدة، فرغم قوتها الاقتصادية والسياسية، فإن دعمها المطلق لإسرائيل يمثل عبئًا أخلاقيًا واستراتيجيًا قد يؤدي على المدى البعيد إلى تآكل مكانتها الدولية.
إسرائيل كيان قائم على الخوف، سلاحها الحقيقي ليس الطائرات ولا الدبابات، بل ترهيب الآخرين واستعراض القوة لإخفاء هشاشتها الداخلية، تظن أن القصف والحصار والاستيطان أدوات تضمن بقاءها، لكنها في الحقيقة تعيش في قلق دائم، مدركة أنها محاطةٌ بشعوب لا تعترف بها، وبأرض لم تكن يومًا ملكها، إنها دولة تخشى المستقبل، لأنها تعلم أن الزمن لا يسير في صالح المحتلين، وأن الشعوب التي تقهر قد تنحني مؤقتا، لكنها لا تستسلم أبدًا.
المشهد الحالي، بكل تعقيداته، لا يغير من حقيقة واحدة، وهي أن الاحتلال لا يدوم، وأن الشعوب التي تدافع عن حقها في الوجود لا يمكن أن تهزم، مهما بلغ حجم المؤامرات أو حجم القوة التي تستخدم لإخضاعها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: المشهد الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حماس غزة أو حتى
إقرأ أيضاً:
وزراء ودبلوماسيون أوروبيون يدعون إسرائيل لعدم التضييق على المنظمات الإنسانية الدولية
أصدر عدد من وزراء خارجية دول غربية إلى جانب الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بيانًا مشتركًا، حثوا فيه إسرائيل على عدم التضييق على عمل المنظمات غير الحكومية الدولية المعنية بالقضايا الفلسطينية.
وحذروا من أن نظام التسجيل الجديد الذي فرضته السلطات الإسرائيلية على المنظمات الإنسانية الدولية قد يجبر طواقمها على مغادرة إسرائيل الشهر المقبل، ما سيؤدي إلى فجوة كبيرة في المساعدات الإنسانية الموجهة إلى غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكد البيان، الموقع من وزراء أستراليا والنمسا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ونيوزيلندا والنرويج والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن استبعاد هذه المنظمات سيكون إشارة خطيرة.
ونبه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إلى أن إسرائيل تشترط على هذه المنظمات تقديم بيانات شخصية حساسة عن موظفيها الفلسطينيين أو مواجهة إنهاء أنشطتها في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، محذرًا من أن غالبية الشركاء الدوليين قد يُلغى تسجيلهم بحلول التاسع من سبتمبر أو قبل ذلك ما سيجبرهم على سحب طواقمهم.
ويشمل النظام الجديد قيودًا أخرى مثل منع إرسال الإمدادات إلى غزة للمنظمات غير المسجلة.
وكانت عشرات المنظمات الإنسانية قد رفضت هذه الإجراءات في مايو الماضي، واعتبرتها محاولة للسيطرة على العمل الإنساني المستقل، وتعزيز السيطرة الإسرائيلية وضم الأراضي المحتلة فعليًا، بينما قد يواجه المسجلون بالفعل خطر إلغاء تسجيلهم.وام