يُعدّ مصطلح "التّقيّة" من المصطلحات "الدينيّة" التي استغلّتها بعض الفرق الإسلاميّة، وربّما استُخدمت بمناقشات وأدبيات جماعات ثقافيّة وفكريّة! واستعملت التّقيّة، قديما وحديثا، بشكل واسع في المواقف الشرعيّة المفصليّة والدقيقة لإخفاء الرأي المخالف لمَن يملكون السطوة والقوّة من الحكام!

والملاحظ أنّ "التّقيّة الدينيّة" انتقلت اليوم إلى السياسة، وصرنا بمواجهة "التّقيّة السياسيّة"! ويمكنّنا تعريفها بأنّها إخفاء الرأي السياسيّ الحقيقيّ لهذا المسؤول أو ذلك، لتحقيق مصالح آنية أو مستقبليّة للطائفة أو البلاد!

وبمتابعة المسار الحاليّ لعلاقات العراق وسوريّا، وخصوصا مع انقلاب المواقف الرسميّة العراقيّة، يمكننا القول بأنّنا أمام "تقيّة سياسيّة" في العلاقة الجديدة مع الإدارة السورية بزعامة الرئيس أحمد الشرع المتّهم بالإرهاب في العراق!

والكلام عن علاقات بغداد ودمشق ليس بهذه السهولة نتيجة التّشنّجات الخطيرة والأجواء السلبيّة القائمة، ومع ذلك سنحاول ترميم الصور الممزّقة، وتصوير المشهد الضبابيّ لعلاقات البلدين! الواضح أنّه، ورغم استئناف بغداد لعمل سفارتها في دمشق نهاية العام الماضي، إلا أنّ الغيوم السوداء بقيت تُخيّم على العلاقات المشتركة!

الكلام عن علاقات بغداد ودمشق ليس بهذه السهولة نتيجة التّشنّجات الخطيرة والأجواء السلبيّة القائمة، ومع ذلك سنحاول ترميم الصور الممزّقة، وتصوير المشهد الضبابيّ لعلاقات البلدين! الواضح أنّه، ورغم استئناف بغداد لعمل سفارتها في دمشق نهاية العام الماضي، إلا أنّ الغيوم السوداء بقيت تُخيّم على العلاقات المشتركة!
بداية ينبغي العودة قليلا إلى الوراء، وتحديدا منذ إرجاء زيارة الشيباني لبغداد قبل شهر، والتي لم تُحدّد حينها، وضرورة ملاحظة أنّ خطابات العراق الرسميّ، اليوم وليس قبل شهر تقريبا، تختلف عن خطاباته السابقة، وتتناقض مع خطابات العراق غير الرسميّ المتشنّجة!

ورغم التّشنّجات السياسيّة والإعلاميّة العلنيّة زار وزير الخارجيّة السوريّ أسعد الشيباني، العراق يوم 14 آذار/ مارس الحاليّ، والتقى برئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بعد أن قيل بأنّ من أسباب تأجيل زيارته لبغداد قبل شهر تقريبا هي رفض السوداني اللقاء به!

وخلال الزيارة اجتهدت الجيوش الإلكترونيّة التابعة للعراق غير الرسميّ، وربّما الرسميّ، لرفع العديد من الوسوم، (الهاشتاجات، Hashtags) المضادّة للرئيس الشرع واتّهمته بقتل العراقيّين، وغيرها من الاتّهامات المليئة بالشحن الطائفيّ والمذهبيّ!‏ وأثناء الزيارة رفض أعضاء مجلس النوّاب العراقيّ من الجنوب والوسط زيارة الشيباني ودعوا لاستجواب وزير الخارجيّة العراقيّ تحت قبّة المجلس!

زيارة الشيباني لبغداد لم تسبقها أيّ "مباركة بغداديّة" بسقوط نظام بشار الأسد، أو بسيطرة الإدارة الجديدة، كَون بغداد، وعلى لسان كبار قيادات "الشيعة"، متخوّفة من الواقع السوريّ الجديد، وهي تتّهم العديد من القيادات، بمَن فيهم الرئيس الشرع، بالإرهاب داخل العراق!

وهنا تبرز أمامنا بعض التساؤلات، ومنها:

ما الذي غيّر الموقف الرسميّ العراقيّ تجاه سوريا؟

وهل زيارة الشيباني ستكون مناسبة جيّدة لفرش السجّاد الأحمر للشرع ومشاركته في القمّة العربيّة المرتقبة ببغداد في أيّار/ مايو القادم؟

وهل علاقات البلدين ستبقى صامدة وتتنامى في ظلّ الأجواء العراقيّة غير الرسميّة السلبيّة في التعاطي مع الإدارة السوريّة، أم أنّ الأيّام مليئة بالمعضلات السياسيّة والأمنيّة العراقيّة الداخليّة الضاربة للتقارب مع دمشق؟

وبالعودة لجدليّة تَغيّر الموقف العراقيّ تجاه القيادة السوريّة، أظنّ أنّ العراق أراد أن يُثْبِت للآخرين، وخصوصا لواشنطن والدول العربيّة، بأنّه بعيد عن "محور المقاومة" الموالي لطهران، وبأنّه لا يدور في فلك "الأجندات الإيرانيّة"!

وربّما أراد العراق، أيضا، النأي التامّ بنفسه عن مسار العقوبات الأمريكيّة القصوى ضدّ طهران، وخصوصا بعد رفض واشنطن منح بغداد استثناءات جديدة لتوريد الغاز الإيرانيّ الضروريّ للطاقة الكهربائية، وهذه شرارة لثورة شعبيّة مرتقبة نتيجة لأجواء الصيف العراقيّ الملتهبة!

ومن التناقضات الغريبة اتّهام بغداد لغالبيّة قيادات دمشق بالإرهاب وفي ذات الوقت اتّفق الطرفان، قبل أيّام، على محاربة الإرهاب!

ووفقا لتصريحات الشيباني ببغداد يبدو أنّ التعاون العراقيّ- السوريّ سيكون استراتيجيّا وخصوصا مع الاتّفاق المشترك على مقاتلة "داعش"، وهذا يعني أنّ المرحلة المقبلة ستشهد، ربّما، عمليّات مشتركة لمحاربة "التنظيم" في البلدين!

حكومة بغداد أمام اختبار حقيقيّ في كيفيّة الحفاظ على علاقاتها مع دمشق، واستمرار ضبطها للميادين السياسيّة والإعلاميّة العراقيّة في التعاطي مع الحالة السوريّة الجديدة
وعلى النقيض من الاتفاق تابعنا، بعد زيارة الشيباني، كتابات لبعض النخب السوريّة "الثقيلة" تتحدّث عن تشكيل غرفة عمليّات بمقرّ سفارة أجنبيّة في بغداد وبحضور "بعض زعامات المليشيات وضباط من الحرس الجمهوريّ السوريّ، وهدفها خلق ربكة في الساحة السوريّة عبر الاغتيالات والسيّارات الملغمة"!

فكيف يمكن تفهم هذه التناقضات؟

ومن التناقضات الكبيرة مقاطع الفيديو المصوّرة لأشخاص ملثّمين ينتمون إلى "تشكيلات يا علي الشعبيّة"، وكانوا يتنقلون بين أماكن عمل وسكن الشباب السوريين في العراق، ويُفتّشون أجهزتهم الخلويّة (الموبايلات) ويعتدون عليهم بالضرب والشتائم!

وهذا التدخّل السافر في توجهات السوريّين في العراق مرفوض، ويتناقض مع بيان وزارة الخارجيّة العراقيّة بهذا الخصوص!

وبعيدا عن المناحرات السياسيّة هنالك اليوم تقارير صحفيّة إيجابية تؤكّد تراجع معدّلات تهريب المخدّرات للعراق من سوريا، وانخفاض تهريب الدولار، والوقود، والأدوية، وسرقات السيّارات وغيرها من المواد المهرّبة إلى سوريا!

ومع هذه التطورات المتنوّعة فإنّ حكومة بغداد أمام اختبار حقيقيّ في كيفيّة الحفاظ على علاقاتها مع دمشق، واستمرار ضبطها للميادين السياسيّة والإعلاميّة العراقيّة في التعاطي مع الحالة السوريّة الجديدة!

وختاما، هل نحن أمام "تقيّة سياسيّة" تسعى لترطيب الأجواء مع دمشق وإبقاء جذوة الخلافات؟ وهل "التّقيّة السياسيّة" ستبقى سيّدة الموقف في علاقات بغداد ودمشق المستقبليّة، أم أنّ العراق غير الرسميّ سيكون له موقف آخر؟

x.

com/dr_jasemj67

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق علاقات سوريا العراق سوريا علاقات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة زیارة الشیبانی ة العراقی ة غیر الرسمی السیاسی ة ة الجدیدة السوری ة ة السوری مع دمشق

إقرأ أيضاً:

من الإطار إلى طاولة الشراكة: العراق نحو صياغة معادلة السلطة

12 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: يشهد المشهد السياسي العراقي تحولاً حاسماً مع إعلان عضو الإطار التنسيقي محمود الحياني عن عقد اجتماع واسع يجمع جميع المكونات الوطنية ، بهدف حسم ملف الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة الجديدة.

يأتي هذا الاجتماع، الذي يضم ممثلين عن الكتل البرلمانية والأحزاب الرئيسية، في سياق يتجاوز الروتين السياسي المعتاد، حيث يركز على وضع المعايير النهائية لاختيار مرشحي الرئاسات، إلى جانب رسم الخطوط العامة للبرنامج الحكومي المرتقب، وسط آمال متزايدة في تجاوز التعثر الذي طال أمده بعد الانتخابات الأخيرة.

ومع ذلك، يبرز هذا اللقاء كخطوة جريئة نحو الانفتاح بين القوى السياسية، بعيداً عن السياق التقليدي الذي يشهد فيه السنة والشيعة والكرد اجتماعات منفصلة، مما يعكس رغبة ملحة في بناء جسور الثقة.

يجلس ممثلو الكتل الكبرى على طاولة واحدة لأول مرة منذ فترة، يناقشون تقسيم الوزارات والهيئات الحكومية، قبل أن يخرجوا بإعلان موحد.

هذا النهج، الذي يعتمد على الشراكة الوطنية كوصفة علاجية، يعيد إلى الأذهان تجارب سابقة نجحت جزئياً في تهدئة التوترات، لكنه يواجه تحديات في ظل الضغوط الاقتصادية والأمنية المتصاعدة.

من جانب آخر، تظل المعادلة غير المكتوبة التي تحكم تشكيل السلطات في العراق قاعدة أساسية لهذا الاجتماع، حيث يحتفظ الشيعة بمنصب رئيس الوزراء، والسنة برئاسة البرلمان، والكرد برئاسة الجمهورية، مع حصص موازية في الوزارات والأجهزة والمؤسسات.

وتُبنى هذه المعادلة على سنوات من التفاوض الشاق، تضمن تمثيلاً عادلاً يمنع التهميش، لكنها تثير تساؤلات حول قدرتها على دفع إصلاحات جذرية.

و تبرز فكرة “حكومة الجميع” كرمز للانتقال من التوازنات المؤقتة إلى شراكة مستدامة، تجمع تحت مظلتها الأقليات والقوى الناشئة، لتكون أكثر شمولاً مما كانت عليه الحكومات السابقة.

بالإضافة إلى ذلك، يُعد هذا المشروع الشامل الخيار الوحيد الواقعي للعراق في ظروفها الحالية، حيث يجمع بين الاستقرار السياسي والاستجابة للتحديات الاقتصادية، بعيداً عن مخاطر الفراغ الحكومي أو التصعيد الطائفي.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء العراقي: حققنا الأمن والاستقرار في البلاد رغم التحديات
  • الأمين العام للأمم المتحدة: نقدر التزام الحكومة العراقية بالمضي قدما في خطط التنمية
  • السوداني: انتهاء مهمة يونامي لا تعني نهاية الشراكة بين العراق والأمم المتحدة
  • من الإطار إلى طاولة الشراكة: العراق نحو صياغة معادلة السلطة
  • تشكيل مباراة الأردن ضد العراق الرسمي في كأس العرب اليوم
  • للعام الـ11 على التوالي.. أوروبا تجدد حظر الطائرات العراقية في سمائها
  • السفارة الأمريكية: إشراك الفصائل في حكومة العراق الجديدة لا يتوافق مع الشراكة
  • أكثر من (7)ملايين برميل نفط الصادرات العراقية لأمريكا خلال الشهر الماضي
  • السوداني يوجه بتطبيق قانون حماية المنتجات العراقية
  • القضاء الأعلى يوبخ مسؤولًا بعد كتاب عن إسقاط النظام السياسي في العراق