التّقيّة السياسيّة العراقية تجاه دمشق بين الشراكة والتوجّس!
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
يُعدّ مصطلح "التّقيّة" من المصطلحات "الدينيّة" التي استغلّتها بعض الفرق الإسلاميّة، وربّما استُخدمت بمناقشات وأدبيات جماعات ثقافيّة وفكريّة! واستعملت التّقيّة، قديما وحديثا، بشكل واسع في المواقف الشرعيّة المفصليّة والدقيقة لإخفاء الرأي المخالف لمَن يملكون السطوة والقوّة من الحكام!
والملاحظ أنّ "التّقيّة الدينيّة" انتقلت اليوم إلى السياسة، وصرنا بمواجهة "التّقيّة السياسيّة"! ويمكنّنا تعريفها بأنّها إخفاء الرأي السياسيّ الحقيقيّ لهذا المسؤول أو ذلك، لتحقيق مصالح آنية أو مستقبليّة للطائفة أو البلاد!
وبمتابعة المسار الحاليّ لعلاقات العراق وسوريّا، وخصوصا مع انقلاب المواقف الرسميّة العراقيّة، يمكننا القول بأنّنا أمام "تقيّة سياسيّة" في العلاقة الجديدة مع الإدارة السورية بزعامة الرئيس أحمد الشرع المتّهم بالإرهاب في العراق!
والكلام عن علاقات بغداد ودمشق ليس بهذه السهولة نتيجة التّشنّجات الخطيرة والأجواء السلبيّة القائمة، ومع ذلك سنحاول ترميم الصور الممزّقة، وتصوير المشهد الضبابيّ لعلاقات البلدين! الواضح أنّه، ورغم استئناف بغداد لعمل سفارتها في دمشق نهاية العام الماضي، إلا أنّ الغيوم السوداء بقيت تُخيّم على العلاقات المشتركة!
الكلام عن علاقات بغداد ودمشق ليس بهذه السهولة نتيجة التّشنّجات الخطيرة والأجواء السلبيّة القائمة، ومع ذلك سنحاول ترميم الصور الممزّقة، وتصوير المشهد الضبابيّ لعلاقات البلدين! الواضح أنّه، ورغم استئناف بغداد لعمل سفارتها في دمشق نهاية العام الماضي، إلا أنّ الغيوم السوداء بقيت تُخيّم على العلاقات المشتركة!
بداية ينبغي العودة قليلا إلى الوراء، وتحديدا منذ إرجاء زيارة الشيباني لبغداد قبل شهر، والتي لم تُحدّد حينها، وضرورة ملاحظة أنّ خطابات العراق الرسميّ، اليوم وليس قبل شهر تقريبا، تختلف عن خطاباته السابقة، وتتناقض مع خطابات العراق غير الرسميّ المتشنّجة!
ورغم التّشنّجات السياسيّة والإعلاميّة العلنيّة زار وزير الخارجيّة السوريّ أسعد الشيباني، العراق يوم 14 آذار/ مارس الحاليّ، والتقى برئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بعد أن قيل بأنّ من أسباب تأجيل زيارته لبغداد قبل شهر تقريبا هي رفض السوداني اللقاء به!
وخلال الزيارة اجتهدت الجيوش الإلكترونيّة التابعة للعراق غير الرسميّ، وربّما الرسميّ، لرفع العديد من الوسوم، (الهاشتاجات، Hashtags) المضادّة للرئيس الشرع واتّهمته بقتل العراقيّين، وغيرها من الاتّهامات المليئة بالشحن الطائفيّ والمذهبيّ! وأثناء الزيارة رفض أعضاء مجلس النوّاب العراقيّ من الجنوب والوسط زيارة الشيباني ودعوا لاستجواب وزير الخارجيّة العراقيّ تحت قبّة المجلس!
زيارة الشيباني لبغداد لم تسبقها أيّ "مباركة بغداديّة" بسقوط نظام بشار الأسد، أو بسيطرة الإدارة الجديدة، كَون بغداد، وعلى لسان كبار قيادات "الشيعة"، متخوّفة من الواقع السوريّ الجديد، وهي تتّهم العديد من القيادات، بمَن فيهم الرئيس الشرع، بالإرهاب داخل العراق!
وهنا تبرز أمامنا بعض التساؤلات، ومنها:
ما الذي غيّر الموقف الرسميّ العراقيّ تجاه سوريا؟
وهل زيارة الشيباني ستكون مناسبة جيّدة لفرش السجّاد الأحمر للشرع ومشاركته في القمّة العربيّة المرتقبة ببغداد في أيّار/ مايو القادم؟
وهل علاقات البلدين ستبقى صامدة وتتنامى في ظلّ الأجواء العراقيّة غير الرسميّة السلبيّة في التعاطي مع الإدارة السوريّة، أم أنّ الأيّام مليئة بالمعضلات السياسيّة والأمنيّة العراقيّة الداخليّة الضاربة للتقارب مع دمشق؟
وبالعودة لجدليّة تَغيّر الموقف العراقيّ تجاه القيادة السوريّة، أظنّ أنّ العراق أراد أن يُثْبِت للآخرين، وخصوصا لواشنطن والدول العربيّة، بأنّه بعيد عن "محور المقاومة" الموالي لطهران، وبأنّه لا يدور في فلك "الأجندات الإيرانيّة"!
وربّما أراد العراق، أيضا، النأي التامّ بنفسه عن مسار العقوبات الأمريكيّة القصوى ضدّ طهران، وخصوصا بعد رفض واشنطن منح بغداد استثناءات جديدة لتوريد الغاز الإيرانيّ الضروريّ للطاقة الكهربائية، وهذه شرارة لثورة شعبيّة مرتقبة نتيجة لأجواء الصيف العراقيّ الملتهبة!
ومن التناقضات الغريبة اتّهام بغداد لغالبيّة قيادات دمشق بالإرهاب وفي ذات الوقت اتّفق الطرفان، قبل أيّام، على محاربة الإرهاب!
ووفقا لتصريحات الشيباني ببغداد يبدو أنّ التعاون العراقيّ- السوريّ سيكون استراتيجيّا وخصوصا مع الاتّفاق المشترك على مقاتلة "داعش"، وهذا يعني أنّ المرحلة المقبلة ستشهد، ربّما، عمليّات مشتركة لمحاربة "التنظيم" في البلدين!
حكومة بغداد أمام اختبار حقيقيّ في كيفيّة الحفاظ على علاقاتها مع دمشق، واستمرار ضبطها للميادين السياسيّة والإعلاميّة العراقيّة في التعاطي مع الحالة السوريّة الجديدة
وعلى النقيض من الاتفاق تابعنا، بعد زيارة الشيباني، كتابات لبعض النخب السوريّة "الثقيلة" تتحدّث عن تشكيل غرفة عمليّات بمقرّ سفارة أجنبيّة في بغداد وبحضور "بعض زعامات المليشيات وضباط من الحرس الجمهوريّ السوريّ، وهدفها خلق ربكة في الساحة السوريّة عبر الاغتيالات والسيّارات الملغمة"!
فكيف يمكن تفهم هذه التناقضات؟
ومن التناقضات الكبيرة مقاطع الفيديو المصوّرة لأشخاص ملثّمين ينتمون إلى "تشكيلات يا علي الشعبيّة"، وكانوا يتنقلون بين أماكن عمل وسكن الشباب السوريين في العراق، ويُفتّشون أجهزتهم الخلويّة (الموبايلات) ويعتدون عليهم بالضرب والشتائم!
وهذا التدخّل السافر في توجهات السوريّين في العراق مرفوض، ويتناقض مع بيان وزارة الخارجيّة العراقيّة بهذا الخصوص!
وبعيدا عن المناحرات السياسيّة هنالك اليوم تقارير صحفيّة إيجابية تؤكّد تراجع معدّلات تهريب المخدّرات للعراق من سوريا، وانخفاض تهريب الدولار، والوقود، والأدوية، وسرقات السيّارات وغيرها من المواد المهرّبة إلى سوريا!
ومع هذه التطورات المتنوّعة فإنّ حكومة بغداد أمام اختبار حقيقيّ في كيفيّة الحفاظ على علاقاتها مع دمشق، واستمرار ضبطها للميادين السياسيّة والإعلاميّة العراقيّة في التعاطي مع الحالة السوريّة الجديدة!
وختاما، هل نحن أمام "تقيّة سياسيّة" تسعى لترطيب الأجواء مع دمشق وإبقاء جذوة الخلافات؟ وهل "التّقيّة السياسيّة" ستبقى سيّدة الموقف في علاقات بغداد ودمشق المستقبليّة، أم أنّ العراق غير الرسميّ سيكون له موقف آخر؟
x.
com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق علاقات سوريا العراق سوريا علاقات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة زیارة الشیبانی ة العراقی ة غیر الرسمی السیاسی ة ة الجدیدة السوری ة ة السوری مع دمشق
إقرأ أيضاً:
البروفيسور نوري المحمدي.. وإسهامه في تصنيع “المدفع العملاق” العراقي
آخر تحديث: 31 ماي 2025 - 11:31 م
شبكة اخبار العراق :بغداد
الحوار الشيق والأكثر من روعة ، الذي أجراه الإعلامي والمحاور التلفزيوني المحترفجلال النداوي ضمن برنامج (أوراق مطوية) ليلة الجمعة التاسع والعشرين من أيار2025 في حلقته الثانية ، كان مع البروفيسور في الاستشارات الهندسية في قطاعهاالمدني الدكتور نوري المحمدي ، وهو حديث مثير للغاية ، تضمن جوانب إبداعه وماقدمه الرجل من إسهامات وخبرات تقنية وهندسية لأغراض التصنيع العسكري ، ودورهالفاعل والخارق في محاولات العراق نهاية الثمانينات وبداية التسعينات لبناء صناعاتعسكرية ضخمة كانت تشكل في حينها محاولات جبارة لبناء مدفع عملاق تم تصنيعهفي دول أوربا.
البروفيسور نوري المحمدي.. وإسهامه في تصنيع “المدفع العملاق” العراقي
وربما كانت بروكسل إحدى محطات انطلاقة تصنيع المدفع العملاق العراقي ، والذيأثيرت حملات رعب صاخبة تبنتها وسائل إعلام بريطانية وأمريكية وإسرائيلية نهايةالتسعينات وبدايات عام 2003 ، عبرت تلك الدول في حينها عن مخاوفها الكبرىورعبها من تلك المحاولة العراقية ، وبخاصة دول عظمى مثل بريطانيا والولاياتالمتحدة،إضافة الى إسرائيل التي كانت تتابع محاولات تصنيع كهذه على أنها تهددوجودها في الصميم.
بل راحت الدعاية البريطانية والإسرائيلية وحتى الأمريكية تثير مخاوف دول أوربا من أنهذا المدفع يستهدف دول أوربا مجتمعة ، ودعت تلك الدول للوقوف بوجه محاولاتالعراق لإقامة مدقع عملاق يتعدى مداه المائة والعشرين الف كيلو متر وبامكانه أنيشكل تهديدا لأوربا نفسها قبل إسرائيل كما حاولت وسائل الدعاية البريطانيةوالإسرائيلية تصوير مخاطره أنذاك.
كانت الخبرات الفائقة الخارقة التي تقدم بها البروفيسور نوري المحمدي في مجالإقامة الابراج ونصبها في المواقع العسكرية العراقية على طول حدود العراق ، ومن ثمإسهامه في تصنيع المدفع العملاق لاحقا خارج العراق ، الى أن نقلته الجهات الفنيةالعراقية مفككا بطرق فنية مبتكرة من قبل التصنيع العسكري السابق الى داخل العراقوتهيئة مقرات نصبه وإطلاقه من داخل العراق كانت كل تلك المحاولات محل ثناءوتقدير خبراء دول العالم ودول أوربا على وجه التحديد ، واعجابهم الفائق بتلكالخبرات التي أضافت لصناعات العراق ما يشكل مفخرة كبيرة، حيث كانت تلك الخبراتوالمهارات الفنية الفائقة في التخطيط والانجاز تفوق كل تصور .
ويشير الخبير الهندسي العراقي في الحوار معه الى أن عمليات أقامة محطات قواعدالمدفع العملاق بعد إكتماله قد جرت في مناطق عراقية مختلفة منها على مقربة منجبال حمرين في ديالى وقاعدة أخرى في جبل سنجار..أي أنها مراكز انطلاق الصواريخالتجريبية للمدفع العملاق عبر قواعد إطلاق مختلفة وأسماك باقطار وامتدادات طوليةوارتفاعات مختلفة وصلت مدياته التجريبية الأولى من جبل حمرين وحتى قضاء حديثهأقصى مدن غربي الانبار، وكان المخطط للمدفع العملاق بحسب الخبير العراقيالبروفيسور نوري المحمدي أن يصل مداه إلى الف وماىة كيلو متر.
وعن سؤاله من قبل المحاور التلفزيوني جلال النداوي فيما إذا كان هدف المدفعالعراقي العملاق أنذاك كان مخططا له أن يصل إسرائيل نفى علمه بتلك المحاولات فيحينها ، لكون المهندسين والفنيين من التصنيع العسكري لايعطونه سوى قطارات منالمعلومات ، كون المشروع أصلا كما تم إيهام الغرب في وقتها بأنه (مشروع إنبوبضخم للمجاري) ، ضمن مشاريع الخدمة المدنية ، وقد نفى البروفيسور نوريالمحمدي علمه بأن لدى العراق محاولات لإستهداف إسرائيل،لكنه أشار الى ان بمقدورمهندسي التصنيع العسكري والفنيين العسكريين العراقيين تحديث قذاىف المدفع أنأرادوا الوصول إلى داخل اسرائيل او على مقربة منها.
وأشار الخبير الهندسي العراقي البرفيسور نوري المحمدي الى أنه قد زار دولة أوربية ،وهو من قدم خبراته العلمية والفنية والتقنية لتك الشركة التي أحيل اليها ، وعند اكمالهمن قبلها ظهرت فيها أخطاء كثيرة كما أشرها الخبير المحمدي لها ومن ثم أعادت تلكالشركة الأوربية تصنيعه مجددا ، وفقا لما قدمه لها من إستشارات فنية وهندسيةمتقدمة إعترفوا بأهميتها، دون أن يضطر العراق لدفع مبالغ إضافية كما طلبتها الشركةالمنفذة ، كونها ستضطر الى اعادة تصنيعه وفقا للملاحظات القيمة التي أبداهاالمحمدي في تحويل المدفع ووضع مرتكزاته الأساسية ليؤدي المهمة الملقاة علىعاتقه ، لكنه أعرب عن إستغرابه من كثرة عدد المستشارين الأجانب من دول أوربيةودول أخرى التي كانت تشارك في إقامة هذا المشروع الضخم ،ألا وهو (المدفعالعملاق) دون أن يكون لتلك الدول معرفة بحقيقة نوايا العراق تحوير تلك الصناعةلأغراض العسكرية ، مشيرا الى ان كل الملاحظات والأفكار التي فرضها على الشركةالمنفذة أقرت بنفسها أن ملاحظاته وأفكاره صحيحة مائة بالمائة وانه على حق ،وإضطرت لإعادة تصنيعه مرة أخرى وفقا للخرائط التي زودها بها، وقد نقلت الخرائطكما قال عبر جهات عراقية خاصة ، وسلمته له عند وصوله الى إحدى الدول الأوربية ،ومنها بروكسل كما أشار الخبير الهندسي العراقي من خلال حواره المثير للغاية معالمحاور والإعلامي المحترف جلال النداوي الذي أدار حوارات غاية في الأهمية ضمنبرنامجه ( أورق مطوية)..
وكان هدف البروفيسور العراقي نوري المحمدي من هذا الحوار الشيق مع النداوي لفتالأنظار والتذكير بالقدرات العراقية الفائقة التي أذهلت العالم في وقتها في التسعيناتوما بعدها وما قبلها ، لكي تقام صناعات عسكرية متقدمة ، لكن كل تلك الأحلامأجهضت قبل إحتلال العراق وبعده ، وودع هذا البلد مناهل العلم والتقدم وما أقامهمن صناعات عسكرية ومدنية بعد أن تم تدمير قدرات العراق كليا بعد عام 2003 عندماإحتلته 33 دولة شاركت في العدوان على شعبه خلافا للقانون الدولي وسيادات الدول ،وقد حصل ما حصل.
وفي السنوات ألاخيرة بدت محاولات عراقية جادة لإقامة مشاريع تصنيع عسكري تخدمقدراته العسكرية من خلال بعض خبراء التصنيع العسكري السابقين الذين كان لهمقصب السبق المعلى في إعلاء نهضة العراق وتقدمه عبر عقود مختلفة ، وقد ادواأدوارهم بكفاءة وإقتدار عاليين بقيت محل ثناء وتقدير العالم من أقصاه الى أقصاهومن خصومه وأعدائه قبل أصدقائه، ويحاول المهندسون في التصنيع العسكريالعراقي الحالي إقامة مشاريع تسلح عراقي تخدم سعي العراق لتعزيز قدراته العسكريةالمتواضعة حاليا.